كتب |
وحي الصحراء
(1)
|
صفحة من الأدب العصري في الحجاز |
((وحي الصحراء -صفحة من الأدب العصري في الحجاز)) كتاب صدر حديثاً في طبعة ثانية عن ((تهامة)). |
يهتم الكتاب بنشر نتائج العديد من الأدباء الحجازيين. وكانت الطبعة الأولى منه قد صدرت في العام 1935. وقدم مواده يومها الكاتبان محمد سعيد عبد المقصود وعبد الله عمر بلخير. وقد حرصا على جمع أكبر عدد ممكن من نتاج الأدباء السعوديين بهدف جمع ما نشروه في الصحف لكي يذللا صعوبة أمام القارئ أو الباحث. وحول الهدف من وضعه تقول كلمة المؤلفين ((يجد المتتبع للنهضات الأدبية في الأقطار العربية صعوبة وشدة عناء عندما يحاول الكلام عن الحركة الأدبية، في الحجاز، ويحوجه البحث والتنقيب إلى إضاعة الوقت للحصول على مستند أو مرشد يستطيع بالنظر فيه لمس بوادر هذه النهضة الفتية.. وتجمعنا مواسم الحج في كل عام بلفيف مثقف من شباب العرب فنجدهم يجهلون عن أدب هذا القطر الشيء الكثير.. لذلك اعتزمنا جمع ما نتحصل عليه من آثار أدبائنا المعاصرين)).. |
- كتب مقدمة الطبعة الأولى الكاتب المصري محمد حسين هيكل. يرى هيكل أن الأدب الحجازي، في تلك الفترة، كان متأثراً بالنهضة الأدبية التي بدأت في سوريا ومصر. ((وقل أن تقف عند شيء -لدى المجموعة كتاباتهم- يشبه القديم من الأدب العربي فالأسلوب والصور وطرائق التفكير والتعبير تجري كلها مجرى ما تقرأه في أدب مصر وسوريا والعراق وغيرها من البلاد العربية في هذا العصر الأخير بل تجري مجرى الصور الأخيرة لهذا الأدب الحديث في تلك البلاد..)). |
ويلاحظ هيكل أن النهضة الأدبية في الحجاز، شأنها شأن أي نهضة أدبية في البلاد الأخرى، قد رافقت النهضة السياسية. كما يلاحظ أن تأثر الأدباء الحجازيين ببيئتهم واضح تماماً. فالشعراء متأثرون بالبيئة الطبيعية و ((أكثر النثر مرماه الإصلاح الاجتماعي..)). |
ويختم محمد حسين هيكل المقدمة بقوله: ((إن حياة الأدب في العالم العربي بشير كبير للمستقبل ونهضة الأدب في الحجاز آية من الله للناس بأن النبع الذي غاض ماؤه عاد إلى فيضه كما كان كشف عبد المطلب عين زمزم آية الله للناس بمقدم صاحب الرسالة، قوى الله عزائم الذين أقاموا هذه النهضة وأمدهم بروح من عنده ليبلغوا بها غاية رقيها ولتبلغ ببلاد العرب إلى المكانة التي يجب أن يتبوأها الوحي في العالم)). |
يوم كتب هيكل هذه المقدمة في العام 1925، كان معظم الكتّاب الذين جمعت آثارهم في بداية طريقهم، وقد تابعوا الكتابة بعد ذلك وأعطوا الكثير، ومنهم من لا يزال غزير الإنتاج حتى الآن. وجدير بأي دارس للأدب في السعودية عموماً، وفي الحجاز خصوصاً، أن يتابع آثارهم الأولى في هذا الكتاب مستفيداً من مقدمة هيكل متتبعاً نتاجهم حتى يومنا الحاضر. فمن المؤكد أن بدايات الكاتب تختلف عن مرحلة نضوجه، فما يكتبه عزيز ضياء اليوم، على سبيل المثال لا الحصر، مختلف إلى حدود كبيرة عما كتبه في الثلاثينات والأربعينات. |
دراسة تاريخية: |
بالإضافة إلى مقدمة هيكل الذي تعمد إيراد بعض الملاحظات النقدية، في الكتاب دراسة تاريخية حول الأدب في الحجاز كتبها محمد سعيد عبد المقصود خوجه. |
يقسم خوجه دراساته إلى تمهيد -الأدب الحجازي في العصر الجاهلي، في صدر الإسلام، في العصر الأموي، في العصر العباسي الأول، في العصر العباسي الثاني، في عصر القلاقل والفتن، في عصر الدولة العثمانية، في القرن العاشر (الهجري)، في القرن الحادي عشر، في القرن الثاني عشر، في القرن الثالث عشر، في أواخر الدولة العثمانية، في عصر الملك حسين، في العصر الحاضر. |
يرى خوجه ((أن مركز مكة الديني، ومركز مكة والطائف والمدينة التجاري كان لهما أعظم أثر في حياة أهل الحجاز -الاجتماعية، وأن اختلاط أهل مكة والمدينة والطائف بصنوف من العرب مختلفي اللهجات واللغات أيام المواسم الدينية والأدبية، وتنقلهم في المدن والأمصار المتمدنة كان لهما تأثير مباشر في تطور حياتهم الفكرية، فاتسعت هذه الحياة، وكون هذا الاتساع ألواناً جديدة من الثقافة البسيطة رحب معها أفق حياتهم.. إن الأدب الحجازي في العصر الجاهلي كان جماع حضارة العرب الفكرية، وأنه بلغ من القوة والتفوق ما هيأ له القيادة والسيادة اللتين تجد أثرهما ماثلاً بين دفات الكتب وآثار ثقافة العرب وتأريخها الناصع)). |
وعن صدر الإسلام يقول خوجه ((نزول القرآن خلق مادة جديدة للغة العربية، فوسع من دائرتها كثيراً وأكسبها طلاوة ورقّة لم تكن لها من قبل.. نعم إن الشعر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من حيث المبنى جاهلياً إلاّ أنه تحلل من قيود الجاهلية وجفائها معنى، إذ العراك الديني الذي كان قائماً على قدم وساق يوم ذاك أدخل على الشعر معاني جديدة لم تك مألوفة، وإذا شئت فقل لم تك معروفة..)). |
ويقدم خوجه في تاريخه لأدب الحجاز في العصر الأموي صورة واضحة للوضع السياسي في هذا العصر مبيناً أثر الخلافات والصراعات السياسية على الأدب العربي بعامة. وعلى الأدب الحجازي بخاصة، وكان، بحسب قوله أن غرق الحجازيون في الترف فظهر الشعر الغزلي بكثرة وكان على رأسه عمر بن أبي ربيعة الذي يعتبره طه حسين ((زعيم الغزليين الأمويين جميعاً لا نستثني منهم أحداً، ولا فرق فيهم بين أهل البادية وأهل الحاضرة..)). |
الأدب الحجازي في العصور المختلفة: |
يسير خوجه في دراسته لتاريخ أدب الحجاز في العصور التالية للعصر الأموي على المنهج نفسه، فيرصد البيئة الاجتماعية والخلافات السياسية ومدى تأثر الأدب بهما. وقد قدم في هذه الدراسة أفكاراً جديدة، في تلك الأيام، لم تزل أساساً لأي بحث في تاريخ الأدب العربي في كل مكان. |
ولأن المجال لا يتسع في هذه العجالة الصحفية. فقد رأينا للاستشهاد بمادة الكتاب وما جمعه الكاتبان، نكتفي بالإشارة إلى ذلك، كما نكتفي بالقليل مما قاله خوجه عن الأدب الحجازي في العصر الحديث دون استعراض ما تبقى من العصور. |
وهذا بعض ما يقوله صاحب الدراسة عن العصر الحديث: ((مما ساعد على انتعاش الحركة الأدبية وتقدمها في هذا العصر رفع بعض الحواجز التي كانت مفروضة في العصر السابق، وقد تدرجت الأيام في الحركة الأدبية -شأن كل الأمم- حتى وصلت إلى الشكل الحاضر الذي يراه القارئ ماثلاً في هذا الكتاب)). ولا نريد أن نعلق عليه بشيء تاركين الكلام عليه لواضع المقدمة الأستاذ الكبير محمد حسين هيكل ليوفي الموضوع حقه، ونؤمله أن تتقدم الأيام بالأدب الحجازي فيستعيد ما كان له مقام ممتاز، وليس ذلك على الله ثم على أولي الأمر ببعيد. |
|