ما كُتِبَ عن (وحي الصحراء) بعد صدور الطبعة الأولى |
جولة في كتاب ((وحي الصحراء))
(1)
|
استعراض صفحة من الأدب العربي في الحجاز |
- كنَّا نودّ كثيراً، أن نقول كلمتنا من أيام مضت في هذا الكتاب الكبير الجامع، الذي يمثل لنا أدب شباب هذه البلاد، بمن فيهم من كتّاب وشعراء، ولكن ضيق النطاق في الأسابيع الماضية وازدحام الجريدة بكثرة المواد المحلية لم يدع لنا مجالاً لتأدية كثير من الواجبات التي أجلنا تأديتها إلى سنوح الفرص، إذ لا يخفى أن من خلال هذه المدة عنَّ لنا كثير من المواضيع التي تتصل بشؤوننا الخاصة والعامة، لكن حلول موسم الحج، وما تتطلبه أنباء ذلك الموسم، وكل ما يتصل به جعلنا نقدم الأهم على المهم على أن نعود إلى ما تركناه مرغمين تحت ضغط الظروف. |
والآن نبدأ الحديث عن كتاب (وحي الصحراء) الذي هو كما يصفه مؤلفاه الفاضلان بأنه ((صفحة من الأدب العصري في الحجاز)) فلننتظر: هل وافقت الصفة الموصوف؟! وهل يُقرأ الكتاب من عنوانه كما يقول المثل المتعارف؟! |
لقد كانت المشاغل التي احتلت صحف هذه الجريدة في خلال الأسابيع الماضية سبباً في تأجيل كلمتنا عن هذا الكتاب كما قلنا، لكنها من جهة أخرى كانت سبباً جدياً بما أتاحته لنا من طول المدة على أن تتريث كلمتنا عنه، فنطالعه مطالعة مستفيضة وندرس موضوعاته دراسة هادئة في غير ما عجل وإسراع، وفي ذلك الخير الكثير عمَّا لو كنَّا قرظناه بما تقرظ به الكتب الجديدة -عادة- من عبارات المجاملة وأنه ((مطبوع طبعاً متقناً على ورق صقيل)) حتى أصبحت هذه الجملة تعتبر ((اكليشهاً)) عند معاشر الصحفيين. |
والواقع أن كتاب ((وحي الصحراء)) سجل فخم حفل بصورة بارزة المعاني صادقة العبارة لحقيقة الأدب العربي في الحجاز، ولا أقول الأدب العصري -كما قال المؤلفان الفاضلان- فكاتب هذه السطور لا يعرف ما هو الأدب العصري، والذي أعرفه حقيقة أن الأدب العربي واحد في كل زمان ومكان وإنما الاختلاف، هو في أن الأدب في كل عصر يمثل أهله، وعلى هذا القياس يجب أن نقول: الأدب العربي في الجاهلية أو في الإسلام، أو الأدب العربي في عهد العباسيين أو في عهد الأمويين، كما نقول: الأدب العربي في الأندلس أو الأدب العربي في مصر أو الأدب العربي في الحجاز. وأحب أن أنبه الأذهان في هذا المقام إلى أنه لا يوجد شيء اسمه ((الأدب الحجازي)) فقد قرأت هذه الجملة عنواناً لكثير من مقالات الأدباء في الصحف وهم يخطئون في إطلاقها خطأً شنيعاً أعتقد أنهم براء من تحمل إصره، لأنهم لا يقصدون إلى المعنى الذي تدل عليه الجملة وإنما يقصدون المعنى الأصح الذي يجب أن تستبدل به تلك الجملة، بجملة ((الأدب العربي في الحجاز)) ووجه خطأهم في التعبير أنه يوجد شيء يسمى ((الأدب الحجازي)) لأننا لم نسمع في القديم ولا في الجديد، أنه قيل الأدب المصري أو الأدب السوري أو الأدب اللبناني أو الأدب الفلسطيني أو الأدب السوداني، وإنما الأدب واحد كما قلنا يتلون بلون زمانه ومكانه، وتسميته واحدة على كل حال. وقد يجوز أن يطلق هذا التحديد على أدب كل أمة على حدة إذا كان أدبها مصبوغاً بلونها الخاص أي بلون آخر يختلف عن لون الأدب العربي الذي نعرفه قديماً وحديثاً. |
ومثال ذلك: يجوز أن يقال الأدب التركي، الأدب الفرنسي والأدب الإنجليزي وما إلى ذلك لأنه ليس من المعقول أن نقول الأدب العربي في إنجلترا إلاَّ إذا كانت هناك جالية عربية تقيم في إنجلترا، ولها أدبها وشعرها فلا يمكن أن يوصف أدبها إلاَّ بأنه الأدب العربي. وثمة ناحية أخرى يصح أن يطلق فيها هذا التحديد إذ من المعروف أن لكل أمة من الأمم العربية لغاتها ((الخاصة)) أي العامية ولهجاتها التي تنطق بها وتلك الأمم ينبغ فيها شعراء ينظمون شعرهم باللغة العامية وينشرون في صحف خاصة تلذ العامة قراءته وهو مستساغ عندهم ومفهوم من أذهانهم والناس جميعاً في كل أمة وفي كل مكان وبكل لغة سواسية في الميل الطبيعي إلى الشعر وما فيه من عاطفة ونغم وإنما تختلف أذواقهم باختلاف درجاتهم وتعليمهم وفهمهم.. |
فهذا الشعر المحلي العامي الذي تنطق به كل أمة في بلادها هو الذي يصح أن يصطبغ بلونها وأن ينسب إليها.. فإذا قلت الشعر الحجازي أو الأدب الحجازي انصرف الذهن إلى ما ينظم أو يكتب بلغتنا العامة المحضة التي لا يفهمها غيرنا، وقل مثل ذلك عن الأدب المصري والأدب السوري إلى آخر ما هنالك. وأرجو أن أكون بهذا أقنعت الأذهان ونبهتها إلى الإقلاع عن هذه التسمية التي لا محل لها. |
ولنعد إلى موضوعنا بعد هذا الاستطراد الذي اعترض طريقنا بحكم الضرورة والسياق. |
إن كتاب ((وحي الصحراء)) هو صورة صادقة للأدب العربي في الحجاز، أو هو صفحة من الأدب العربي في هذه البلاد، وقد حفل بطائفة مختارة من أقوال الأدباء عندنا، سواء من الكتّاب أو الشعراء. ومع أن مؤلفيه بذلا مجهوداً محموداً ولا شك في انتقاء مواضيعه واختيارها إلاَّ أنها لا تخلو على كل حال من الغث والسمين، والجواهر والحجار؛ وذلك شأن طبيعي لأدباء كل أمة وشعرائها، وليس في ذلك ذنب للمؤلفين، بل إن الأديب الواحد -فضلاً عن الجمع- قد يعلو في أدبه حيناً إلى مسبح الأفلاك ويهبط حيناً إلى مهوى الأسماك، كما يقولون، حتى كبار الأدباء العالميين. وبهذه الصورة، فقد سجل الكتاب صفحة حقيقية من الأدب العربي في الحجاز ويكفي جهد المؤلفين في إبراز هذه السطور وتسجيلها بعد أن قدماها إلى جمهرة قراء العربية في إطار بديع أنيق موشى بالأفواف والكمائم، وأعني بهذا التعبير جودة طبع الكتاب واختيار ورقه اللامع الصقيل وأناقة ما زين به من رسوم، وتوجت به صفحاته من العناوين إلى آخر ما هنالك من زينة الطباعة الحديثة. |
ولقد أخذت على الكتاب أنه لم توضع له فهرسة يتعرف منها القارئ المكان الذي يريده من صفحات الكتاب ومواضيعه؛ ولكن سرعان ما يدفع عن نفسي هذا المأخذ بمأخذ آخر احتل مكانة الأول ثم تلاشى أمامه فكان كالعذر له؛ وذلك أنني اكتشفت في نهاية الكتاب نحو عشر صفحات خصصت لبيان الخطأ والصواب؛ فقلت: واحر قلباه! أمثل هذا الخطأ كله يقع في مثل هذا الكتاب؟! وهنا أدركت أن مكان الفهرس، قد شغله التصحيح، وانتهى الإشكال، ثم عدت فرثيت لأمثالي من الكتّاب حين يسلمون بنات أفكارهم إلى المطابع، فإذا حُرِّف الكلم عن مواضعه أخذوا بجريرة غيرهم وأخذوا على ما لم يجنوا! |
ولعلّ القارئ يزيد في تلمس المعذرة من هذا الخطأ حين يعلم أن المؤلفين لم يشرفا على طبع الكتاب وأن آلاف الأميال كانت تحول بينهما وبين الإشراف على طبعه إذْ إنه قد طبع في مصر وصاحباه في مكة تحت ((وحي الصحراء)). |
ولقد زين الكتاب بصورة حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية وصورتي شبليه الكريمين الأمير سعود ولي العهد المعظم والأمير فيصل نائب جلالة الملك. |
ونعتقد أن المؤلفين اشتركا في تأدية واجب وطني سام بتأليف هذا الكتاب أو بإبراز هذه الصورة لقراء العربية، وليس من الممكن إغفال ما تجشماه في الناحية المادية من بذل في إخراج مؤلفهما على هذه الصورة وإن كان من الممكن إغفال الناحية الأدبية إذ إننا لا نظن بالأديبين حاجة إلى تعويض مجهودهما الأدبي، بالأجر المادي فذلك مطلب قد أسقطاه من حسابهما، وإن لم يفعلا، فهو مطلب بعيد المنال، وقليل وأقل من القليل في المؤلفين الشرقيين من يربح من كتابه أو يعيش من مجهوده الأدبي، لكن الشيء الذي يجب ألاّ يغفل هو تعويض الخسارة المادية التي صرفاها على إخراج كتابهما؛ ولا يكون ذلك إلاَّ بإقبال الجمهور على مطالعة الكتاب -أستغفر الله- بل على شرائه ولا أقول اقتنائه عسى أن يكون في هذا الإقبال ما يسد تلك النفقات الطائلة، وعسى أن يخرج المؤلفان بعد ذلك ((لا عليَّ ولا ليَّا)) كما أننا نرى أن هذا الإقبال هو واجب في عنق كل مواطن يقابله الواجب الذي أداه المؤلفان في إخراج مؤلفهما، وهو واجب مشترك في عنق كل مواطن لا يعفى منه الأديب وغير الأديب أو الشاعر وغير الشاعر إذْ إن الموضوع يتعلق بمفخرة قومية يجب أن توفى قسطها على كل حال. |
هذه كلمة موجزة اتسع لها النطاق اليوم عسانا نكون قد وفقنا بها إلى تأدية ما علينا من واجب؛ والله الموفق والمستعان. |
|