شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المدرسة ووظيفتها
لقد كشف خوجه في مقاله (أنا والأخلاق) (1) عن القيمة الروحية والعلمية والتكوينية والأخلاقية والإصلاحية لوظيفة المدرسة وغايتها: (فالمدرسة هي غذاء الأمة، والمدرسة هي روح الأمة، والمدرسة هي التي تهيئ رجال الغد فيدافعون عن الأمة، والمدرسة هي التي تغرس الفضيلة في قلوب أبناء الأمة، والمدرسة هي التي تنشئ في النفس حبّ الإصلاح، وهي التي تكوّن الشعور الحي، والمدرسة عليها يتوقف رقي الأمة وتقدمها ومستقبلها وحياتها..) (2) .
لقد عرف هذا الكاتب قيمة هذه (المؤسسة الحديثة) وأثرها في تربية الناشئين، وإعدادهم لأنماط الحياة والفكر والسلوك الذي تتميز به حياة الشعوب والأمم.
نعم، قد يبدو لبعض الدارسين أو بعض القراء: أن عبارة الخوجه التي استهل بها مقالته الآنفة الذكر (أنا والأخلاق) ما هي إلاّ عبارة إنشائية فضفاضة، والحق غير ذلك، فقد طرح في تلك الفقرة وظيفة المدرسة وغايتها: فالمدرسة روح.. والمدرسة تغرس الفضيلة، وتهيئ الأجيال الصاعدة لتحمل تبعاتها، والمدرسة تثير في النفس حب الإصلاح، وتكون الشعور الفاعل المتوثب للعمل والرقي، ونستنتج من ذلك.
(أ) نقل التراث والقيم الفاضلة: لا شك أن التقدم المطرد في ميادين العلوم والآداب والفنون الذي تقدمه المدرسة بصفة مستمرة لأجيال الغد، لتوجيه مستقبلهم، ومستقبل الأجيال المتعاقبة التي ستخلفهم في ظل ظروف الحياة المتغيرة، كل هذا يعكس روح الأمة، ويكشف عن نوع الفضائل السائدة، وأسس الإصلاح القائمة، ويبرز لنا أهمية العملية العلمية التي تنقلها المدرسة، باعتبارها المؤسسة المتخصصة، ونعني بذلك نقل التراث، وهي بذلك تنقل في الوقت نفسه، آداب السلوك والإصلاح، وتنقل روح القيم والأخلاق الفاضلة، والأنماط العلمية التي ترفع قدر هذه المؤسسة، وتعلي شأنها، من جيل الكبار الراشدين إلى جيل النشء القاصرين، حيث إن الأطفال الناشئين يحتاجون في نموهم العلمي والاجتماعي والزمني إلى توجيه وإشراف كبيرين في عصر تشابكت فيه عناصر التقدم، ومجالات النشاط.
ومن جانب آخر ضرورة حسن اختيار العناصر التي تضمن التكامل بقطبيه: قطب المعلم العارف بأصول المنهج، قطب المشرفين على توجيه التعليم وتطوره، حيث (إن محتوى النقل والاختيار يتحدد في ضوء نوع سياسة الدولة القائمة، ونوع المجتمع الذي تريد تحقيقه، وفي ضوء طبيعة العصر الذي يعيش فيه التلاميذ) (3) .
(ب) تبسيط الغذاء العلمي والروحي: إن عقلية الناشئين لا تزال في مرحلة التكوين، ومن ثمّ يجب تبسيط عناصر المعرفة إلى الصبية الناشئة في صورة مقبولة محببة تناسب أعمارهم واستعدادهم، وقريبة من الصورة التي توجد عليها الحياة المتقدمة الطموحة التي تريدها الدولة لنفسها، وهي بذلك تزوّدهم بالمعارف والمهارات التي تزيد من بصرهم بالحياة، ولكن حذار أن يصل التبسيط إلى حد المختصرات الموجزة التي لا تسمن ولا تغني في تعليم الناشئة وتقديم النتائج فقط.
(ج) الانتقاء والاختيار: بما أن المدرسة روح الأمة، فيجب حسن الانتقاء، وحسن الاختيار، وذلك على أساس أن يختار القائمون على أمر التعليم:
أولاً: بين الاتجاهات والقيم والمعارف التي توجه المجتمع إلى الأفضل على أساس التمييز بين المرغوب فيه مما يدعم الأخلاق، ويؤهل الناشئة لتحمل مسؤولياتهم، وغير المرغوب فيه.
ثانياً: استخدام العناصر الجيدة المنتقاة لبناء مستقبل أحسن، ونمو أكمل، وعلى المدرسة باعتبارها الأداة المثلى للمجتمع العظيم تحقيق ذلك.
(د) الوضوح والاقتصاد: ونتيجة لاتساع نطاق الخبرات، وتشعب فروع المعرفة، لا بد من تقديم هذا كله إلى الجيل الجديد في صورة واضحة، ولكن في إطار يراعى فيه الاقتصاد، حتى تتمكّن الناشئة من استيعابه في أقل وقت، وبأقل جهد، ولا نعني بالاقتصاد الاختصار والاختزال كلا، بل نعني حسن الاختيار، والتمييز بين العناصر التقليدية البالية، والعناصر الجديدة الفعالة، وذلك لتحقيق التكامل السليم بين جوانب المعرفة.
(هـ) التماسك الاجتماعي: ونعني به إيجاد حالة من التوازن بين عناصر التلاميذ المختلفي الأسر والطبقات، وذلك بقصد تذويب الفروق بين الناشئة، وبذلك تتيح المدرسة الفرصة لكل تلميذ بحيث يتحرر من كثير من قيود طبقته، ومجتمعه، ويكون أكثر اتصالاً ببيئته الشاملة. ولعلّ هذا من أهم وظائف المدرسة التي قصد إليها الخوجه، من ضرورة توفير بيئة تساعد على إيجاد حياة متوازنة منسجمة متماسكة يعيش فيها الصبية والشباب في ظل خبرات متسقة، ومعارف متساوية، ويعملون من خلالها على تنمية اتجاهات مشتركة، وتفكير مشترك لأمة واحدة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :565  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 32 من 153
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.