7- عزيز ضياء |
يقول الأستاذ عزيز ضياء
(1)
(الواقع أن معرفتي بالشيخ محمد سعيد عبد المقصود -رحمه الله- بدأت حين كان هو مديراً لمطبعة ((أم القرى)) وكنت أنا ضابطاً في الشرطة، أي في ((الأمن العام)). وكان مبنى المطبعة ومبنى ((الحميدية)) متقابلين. فالباب الخلفي للحميدية يواجه الباب الأمامي للمطبعة. |
في البداية كنت أراه ذاهباً إلى عمله في الصباح أو خارجاً من عمله بعد الظهر. ولا أستطيع أن أقول إنه في تلك الأيام كانت تربطني به معرفة. |
وكانت جريدة ((أم القرى)) تنشر مقالات لمحمد سعيد عبد المقصود، وأنا كنت أيامها عاشق أدب.. أقرأ ((أم القرى)) وأي جريدة أخرى.. كان معظم الجرائد يصلنا من مصر، ومنها: اللطائف المصورة، والسياسة الأسبوعية وغيرهما.. وكنت أقرأ المقالات التي كان يكتبها بتوقيع ((الغربال)). وكانت ((أم القرى)) الصحيفة الوحيدة الموجودة في ذلك الوقت، ولم تكن ((صوت الحجاز)) قد صدرت. وكان يكتب مقالات اجتماعية ونقداً للمجتمع فيه نوع من الحماس. |
ظللنا نقرأ (أنا وآخرون) مقالات محمد سعيد لمدة من الزمن، ثم ظهرت ((صوت الحجاز)) أذكر: صالح باخطمة، ومحمد حسن عواد، والسيد محمد حسن فقي، وكان رئيس التحرير الشيخ عبد الوهاب آشي. وكان محافظاً على قواعد اللغة العربية، لا ينشر المقالات التي فيها أخطاء لغوية أو نحوية، وكان حظي أن تخلو مقالاتي من الأخطاء. |
تعرفت على الأستاذ محمد سعيد من خلال الكتابة في ((صوت الحجاز)) وتعرفت على صديقه عبد الله بلخير الذي ظهر كشاعر يقدم قصائد في المناسبات، وتميز شعره بالمشاعر العربية والإسلامية الفياضة. |
وتعرفت على الشيخ محمد سعيد عبد المقصود أيضاً عن طريق صالح باخطمه -رحمه الله- وكان ((ضابط شرطة)) ثم أصبح مدير مشروع الحرم المكي مع (بن لادن). وقد اقترح صالح باخطمة أن نزور محمد سعيد في المطبعة. وتمت الزيارة.. |
وجدنا موظفاً كبيراً له مكتب فخم وعنده موظفون، وناس يأتون للسلام عليه، أو تلقي أوامر. صحيح أنا وباخطمة كنَّا من الضباط؛ لكن هذا (أي محمد سعيد عبد المقصود) يتمتع بمركز مرموق في مطبعة (أم القرى)، بالإضافة إلى المقالات التي كان يكتبها.. |
ودار بيننا حوار حول بعض مقالاته، ومعاركه مع بعض الأدباء، وخصوصاً مع صديقه (أحمد السباعي). |
كانت لـ (محمد سعيد) مكانة في الدولة، وفي تلك الأيام كان المسؤول عن جريدة ((أم القرى)) الشيخ ((يوسف ياسين)) ورئيس تحريرها ((رشدي ملحس)). كان ((يوسف ياسين)) رجل دولة، يكاد يكون هو وزير الخارجية لثقة الدولة به. و ((رشدي ملحس)) رجل عِلْم فاضل، عالم في اللغة والتاريخ، وكان هو المسؤول عن تحرير جريدة ((أم القرى)) لكنه تركها معتمداً على ((محمد سعيد عبد المقصود)) لنشاطه وحماسه، وقد روَّج للجريدة وجعل قراءها كثيرين. (أقدر أقول إن محمد سعيد عبد المقصود أصبح الكُل في الكُل بالنسبة إلى المطبعة والجريدة أيضاً). |
- وأدب ((محمد سعيد عبد المقصود)) أدب مقال؛ وهذا لا يُنقص من قيمته ولا من أدبيته. لأن كثيراً منَّا لا يزال من أدباء المقال. وعبد الله بلخير كان هو الشاعر.. شاعر مناسبات، يلقي قصائده عندما يحضر الملك عبد العزيز، أو في المناسبات، وكانت المنافسة بينه وبين الشيخ أحمد إبراهيم الغزاوي الذي لا تفوته مناسبة إلاَّ ويكون له فيها قصيدة طويلة ورائعة.. |
- جاءت فكرة إخراج كتاب (وحي الصحراء) عندما دعاني عبد الله بلخير.. وكنت حينها مدير المنطقة الثالثة للشرطة في مكة المكرمة -للاشتراك في إخراج كتاب (وحي الصحراء) ضمن لجنة مشكَّلة لهذا الغرض.. تقرأ وتُقِر ما هو صالح للنشر من الأعمال المرسلة من الأدباء والشعراء في ذلك الحين.. |
وكانت هذه فرصة لزيارة منزل محمد سعيد عبد المقصود في (شعب عامر)، وكان رجلاً كريماً كُنَّا نسهر في بيته (أنا، وعبد الله بلخير، وحمزة شحاته، وبقية أعضاء اللجنة)، يقدم لنا الشاي والقهوة و (السَّحلب)
(2)
، ونقرأ الأوراق المرسلة، ونتناقش بيننا في ما هو صالح أو غير صالح للنشر، حتى انتهينا إلى المجموعة التي ظهرت في كتاب (وحي الصحراء)، وكان لي نصيب مما كُتب فيه، وكُنَّا أحياناً نتعشى في منزله. وأذكر أن أجمل ما كتبه محمد سعيد عبد المقصود -رحمه الله- كانت مقدمة كتاب. (وحي الصحراء).. نعم.. كانت مقالاته كثيرة خاصة بإمضاء ((الغربال)) لكن المقدمة تعتبر بحثاً رائعاً، ولو وضعناه الآن في مجال المقارنة للكثير من البحوث التي تُكتب عن الأدب، مثل البحوث التي قدمها الدكتور منصور الحازمي، فإنه لا يقل عنها، خصوصاً بالنسبة إلى كاتب مثل محمد سعيد يبحث هكذا عن الأدب في الحجاز في ذلك الوقت قبل 50 سنة.. |
هذا يعطيك فكرة عن مستوى الثقافة التي وصل إليها واستطاع استيعابها، بالإضافة إلى المقالات التي كان يكتبها.. |
- ثم يتذكر الأستاذ عزيز ضياء الأيَّام الأخيرة من عُمْر محمد سعيد عبد المقصود، ولم يكن يتجاوز الأربعين سنة، وكيف لاحظ بداية السُّعَال الذي كان ينتابه، ثم يتحدث عن الفترة التي التقى فيها الشيخ محمد سعيد في القاهرة حين زارها طلباً للعلاج.. يقول: جاء محمد سعيد إلى القاهرة، وسأل عني، وأنا -بطبيعة الحال- أحببت أن أكون في صحبته ومعي عبد الله عريف الذي كان يدرس في (دار العلوم)، وإسماعيل كاظم. صرنا نتفسح معه في جولات على أحياء القاهرة وشوارعها المختلفة، ومكث معنا في القاهرة عشرين يوماً أو أقل.. ثم انتقل إلى لبنان للعلاج أيضاً، وكان هناك صديقه عبد الله بلخير، ثم عاد إلى مكة المكرمة، واشتدت به العلة إلى أن توفَّاه الله. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. |
|