... وهكذا كان البدء!؟ |
لن أجد ما أفتتح به بدء تعاملي الصحافي والمهني مع الأخوين السيدين/هشام ومحمد علي حافظ: أجمل، ولا أعمق مما توجاني به في كلمتهما المشتركة التي كانا يوقعانها معاً تحت عنوان: "أبيض وأسود".. بعد أن تشاركنا معاً في عشق العمل الصحافي، وسعدت بالعمل بجانبهما في "الشرق الأوسط" فترة قصيرة، رأيت بعدها أن أخلد إلى التأمل.. ثم عدت حتى فصلت!! |
يومها عرفا محبتي لزميلي آنذاك الصحافي الكبير/عرفان نظام الدين، وهو يتولى مسئولية رئاسة تحرير "الشرق الأوسط"، بعد اندلاع خلافات عمل في الفترة الأولى الفارطة مع رؤساء تحرير بعض مطبوعات "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" مثل: عماد الدين أديب، وجهاد الخازن، وفوزية سلامة... فجاءني الحبيب/عرفان خلال زيارته لمدينة جدة، وقام -كما قال الناشران- بمهمة إقناعي للعودة إلى سربي... فكانت كلمتهما هذه التي نشراها في "الشرق الأوسط" حينذاك: وساماً في مسيرة مشواري الصحافي على البلاط. |
* * * |
بدأت علاقة الصداقة والأخوة والعمل بيننا وبين (سيدنا) -نقصد السيد عبدالله الجفري- منذ أكثر من عشرين سنة، يوم كان أحدنا رئيساً لتحرير جريدة "المدينة المنورة" والآخر مديراً عاماً لها. |
منذ ذلك الوقت ونحن معجبون بالسيد عبدالله الجفري الكاتب، والأديب والمثقف السعودي الذي كنا نقرأ له في الصحف المحلية ونود أن ينضم إلى أسرة تحرير "المدينة". |
وتحقق ما رجوناه وأصبح السيد عبدالله مسئولاً عن النواحي الثقافية والأدبية والفنية في الجريدة، وكان يعد صفحاته ويخرجها بنفسه ويضع عليها بصماته أو طابعه الفني، وكانت تلك الصفحات من أكثر صفحات الجريدة جمالاً في الإخراج وتنوعاً في المادة الصحفية. |
وتمضي بنا الأيام جميعاً ونصدر نحن "الشرق الأوسط" -جريدة العرب الدولية- من لندن، ويصبح (سيدنا) أحد الأعلام الأدبية والصحفية البارزة في المملكة العربية السعودية، وكان أول ما فكرنا فيه: أن يكون السيد (الجفري) هو المسئول عن النواحي الأدبية والثقافية والفنية في جريدة العرب الدولية، بجانب كتابته لعموده اليومي الشهير (ظلال) ومقال أسبوعي في صفحة الرأي. |
وهكذا بدأنا من جديد العمل معاً وامتد نشاط السيد عبدالله ليشمل جميع المطبوعات التي أصدرناها، وبعد أكثر من سنتين انقطع (سيدنا) عن العمل لأسباب ليس هنا مجال ذكرها، ولكن هذا الانقطاع لم يستمر إلا شهوراً قليلة لأن أياً منا لم يطق الفراق. |
وهكذا عاد السيد (الجفري) ليمارس نشاطه الأدبي والصحفي الخلاق في مطبوعات "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق"، ولكنه اعتذر عن الإشراف على صفحتي (الثقافة والآداب والفنون)، واحترمنا رغبته واعتذاره لأن عشرتنا معه علمتنا أنه إذا اعتذر فلا شيء يمكن أن يزحزحه عن موقفه وقت اعتذاره وأن علينا الانتظار. |
في آخر رحلة للأستاذ عرفان نظام الدين رئيس تحرير (الشرق الأوسط) إلى جدة طلبنا منه أن يقوم بمهمة إقناع (سيدنا) للعودة إلى الإشراف على صفحتي (الثقافة والآداب والفنون)، لمعرفتنا بعلاقة المودة التي تربطهما، ولقناعتنا بأن رئيس التحرير لو لم يصبح صحفياً مرموقاً لأصبح دبلوماسياً بارزاً. |
وهكذا سيعود الأستاذ الكبير السيد عبدالله الجفري للإشراف على تحرير صفحتي (الثقافة والآداب والفنون) اعتباراً من بعد غد الاثنين. |
بقيت كلمة نود أن نقولها بشأن تلك الصفحات التي نرى من خلال تجربتنا أن تحريرها والإشراف عليها يعتبر من أصعب العمليات الصحفية، لأن تقديم تلك الموضوعات للقراء وتشجيعهم على قراءتها ليس عملاً عادياً يستطيع أن يقوم به أي مثقف، وإنما هناك مواصفات خاصة وصعبة، فلا بد أن يكون الشخص فناناً وأديباً ومثقفاً وصحفياً، وهذه المواصفات اجتمعت كلها في السيد الجفري، بالإضافة إلى أنه فنان رقيق الإحساس والشعور، يلتقط الصور بحساسية فائقة، وهو أديب متميز الأسلوب والعبارة، ومثقف يقرأ أكثر مما يكتب، ثم أنه بعد كل ذلك صحفي مارس المهنة وعركها وعركته سنوات طويلة. |
لن نعدكم بأشياء جديدة وممتازة تتعلق بالثقافة والآداب والفنون في "الشرق الأوسط"، وإنما نكتفي بأن نعهد بالأمانة إلى شخص يستطيع أن يقدم عملاً جيداً وممتازاً. |
الصحافة الحديثة ليست (سياسة واقتصاد) فقط، وعنايتنا بالمواد غير السياسية في جميع مطبوعاتنا تساوي -إن لم تفق- عنايتنا واهتمامنا بالمواد السياسية والاقتصادية، وشعارنا أصبح اليوم وفي جميع مطبوعات "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" هو: (جعل القراءة أكثر متعة للقارئ). |
والله الموفق. |
|
* * * |
وفي تاريخ 20/4/1983م أعلنوا ضمن خبر نشرته "الشرق الأوسط": |
عبدالله الجفري يعود إلى سربه في الشرق الأوسط: |
- يعود الأديب والكاتب الصحفي العربي الكبير الزميل عبدالله الجفري إلى قرائه الكثر في العالم العربي اعتباراً من يوم السبت المقبل بعد انقطاع قصير. |
وسيكتب الأستاذ الجفري عموده اليومي المحبب "ظلال" في "الشرق الأوسط"، إضافة إلى مقال أسبوعي سياسي في صفحة الرأي كما تعود زاويته الأسبوعية "العالم رجل" في "سيدتي" عدا عن مساهماته الفكرية والثقافية الأخرى في مطبوعات الشركة السعودية للأبحاث والتسويق. |
وأسرة "الشرق الأوسط" ترحب بالزميل الرقيق صاحب القلم المتميز راجية له التوفيق في كتاباته. |
* * * |
رسالة أكثر حميمية: |
وفي مرحلة الخلافات في العمل نتيجة اجتهادات مني في نشر جديد الأدباء والشعراء العرب، ورؤيتي -من جانب آخر- في ما يقوم عليه فكري ومنهجي... كانت أهم (ورطة) قامت لها كل الشركة ولم تقعد، عندما تجرأت وكتبت كلمة عن الصحافي الكبير/مصطفى أمين، وقد كان معلماً ورائداً في مشوار الصديقين السيدين/هشام ومحمد علي حافظ الصحافي ومدرسة مميزة لجيل مبدع من الصحافيين المصريين والعرب... وكانت مطبوعات الشركة حينذاك تتعرض لضغط شديد من الأجهزة الرسمية الإعلامية في مصر، وعداء شخصياً من الرئيس السادات بسبب صراحة ووضوح ما كانت تنشره مطبوعات الشركة عن سياسته "الكامبديفيدية"!! |
وهكذا (تطربقت) الدنيا، وفوجئت برسالة شديدة العنف وجهها إلي السيد/هشام حافظ، معلناً سحب صلاحياتي للنشر وإلغاء إشرافي على ملف الثقافة في المطبوعات، واعتبروني: (أخطأت) وقابلت تضحية/مصطفى أمين بهذا العقوق الذي تضمنه مقالي. |
وكان لا بد أن أقدر (مصلحة) أصحاب العمل، وعلاقاتهم، وحرصهم على انتشار مطبوعاتهم... فانزويت متخذاً الصمت تأملاً... حتى فوجئت بعد فترة بهذه الرسالة التي كتبها/السيد محمد علي حافظ بخط يده، و... بالحبر الأخضر/إرضاءً لي، ووقع عليها: السادة/هشام ومحمد علي وسعود وإبراهيم حافظ: |
أخي أبو وجدي: |
تحية محبة وأحسن منها بنفس لون حبرك الأخضر رمز المحبة والسلام.. الآن فقط أعرف لماذا تصر على استعمال هذا اللون.. إنه يرمز إلى شيء فيك.. اسمه الحب والسلام. |
بدءاً.. فإنني والله العظيم أقدر موقفك وأراك عظيماً وأنت تتجاوز عن زلة إخوان لك، ولكن قد يكون الشرح هو أنسب الوسائل لكي نفهم بعضنا أكثر. |
المجلة الشهرية: |
قد لا تصدق -مرة أخرى أقول لك- إن إلغاء المجلة الشهرية هي فكرتي وأنها معك وليست ضدك.. لقد نبهتني أنت إلى الجو العام واكتشفت حقيقة أن هذه التركيبة لن تستطيع أن تتفاهم وتعمل بانسجام وتناغم، وأن الأمور قد تتطور إلى أن نخسرك أنت وستكون الخسارة عندئذ فادحة وكبيرة، وثق تماماً من تقديري هذا وهو أن وضعك كمدير تحرير للشرق الأوسط في جدة (والمجلة) أيضاً هو أحسن وأكبر، فأنت الآن مدير تحرير وبصراحة لأكبر جريدة عربية وإن شاء الله لأكبر وأهم وأحسن مجلة عربية، وإنك لجدير بأكثر من ذلك وسترى أنه عندما تأتي الفرصة المناسبة في أي شيء فستكون أنت في المقدمة لأنك جدير وتستحق ذلك. |
فما هي حكاية المجلة الشهرية الثقافية؟! |
في البدء.. لقد كان صاحب الفكرة أو الاقتراح هو والد الناشرين/السيد "علي عبدالقادر حافظ" برؤية طرحها عن مجلة متخصصة كهذه: السيد/محمد علي حافظ، فرشحني الأب علي حافظ لرئاسة تحرير المجلة الشهرية التي تصدر ضمن حزمة مطبوعات الشركة، وتختص بالنشاط الثقافي والأدبي والفني في أرجاء الوطن العربي، وتستقل بجهاز تحرير ومندوبين. |
أما تغذية هذه المجلة -مالياً- فتستمدها من المطبوعات الأخرى، باعتبار أن أية مطبوعة ثقافية لا تملأ عيون المعلنين في الداخل أو حتى الخارج، وهم يحكمون عليها مسبقاً بضعف توزيعها ومحدودية نسخها المباعة. |
وبعد طرح فكرة إصدار هذه المجلة وتكليفي بدراسة مضمونها وجهازها وإخراجها... فجأة: أبلغني السيد هشام بنسف الفكرة وإلغائها، ودائماً كانت لدى السيد/هشام -رحمه الله- القدرة، بل (والعزيمة) على اتخاذ مثل هكذا قرار، وكان يفاجئنا بحزم، ورفض للحوار في ما اتخذه من قرار!! |
مصطفى أمين: |
كنت أول من بحث هذا الموضوع سواء معك، أو مع هشام أو جهاد، ولا زلت عند رأيي الأول الذي قلته لك، وأنت تعرفه وهو أنك قد أخطأت، فما كان منا أن نقابل تضحية أشخاص مثل مصطفى أمين بهذا العقوق... واعذرني في استعمال هذا الوصف فهو ينطبق علينا وعليك في هذه الحالة.. فلقد كنا شركاء في ذلك، وأنت تعرف ماذا يعني في ظل النظام المصري أن يكتب شخص كبير مشهور مثل مصطفى أمين في صحيفة مثل صحيفتنا؟! |
وإذا اتفقنا على ذلك فإن الأمور ستكون بسيطة بعد ذلك، وستجد أننا كنا أوفياء لمصطفى أمين لأننا بدون ذلك لن نكون أوفياء لك، وأنت لم تعرفنا كثيراً بعد.. لم تعرف طبيعتنا/هشام وأنا في التعامل مع من يعملون معنا.. إن في طبيعتنا التضحية تجاههم إلى أبعد الحدود التي تتصورها... (والبعض من الذين عملوا في إمبراطوريتهم كان يعتقد: أنه مثلما في طبيعتهم التضحية تجاه من يعملون معهم.. التضحية بهم أيضاً)!! |
وأنا لا أنكر أن كلمة هشام كانت قاسية فقط في (ارتكب خطأ فادحاً) ولكن إذا علمت أن السادات قد دخل اجتماعاً بالصحافيين وفي يده جريدة الشرق الأوسط ومقالك عن مصطفى أمين وهو يقول: شوفوا الجماعة اللي بيكتب عندهم مصطفى أمين بيقولوا عليه إيه؟! |
هذه هي القضية يا سيدي.. وهي عملية رد اعتبار لمصطفى أمين لا بد أن تتحمل جزءاً منها لأنك أيضاً جزءاً منا نحن. |
بعد ذلك لا أريد لك أن تكون (حزيناً) و (منتكساً) فأنت لست من هذا النوع.. أكثر من ذلك لم يستطع أن (يقيم) (الحزن والانتكاس) في نفسك فما بالك بأمور تكتيكية؟!! |
سيدي.. أبعد الحزن والانتكاس و (عسر الهضم) وابدأ الحياة. |
ولك محبتنا وتقديرنا الخالص واعتذارنا الشديد وحقك علينا يا (سيدنا). |
ودمت بخير. |
|