شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الدكتور عبد المحسن فراج القحطاني ))
ثم أعطيت الكلمة لسعادة الدكتور عبد المحسن فراج القحطاني، عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبد العزيز بجدة كلية الآداب، فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم.
- السلام عليكم أيها الحاضرون ورحمة الله وبركاته، هذه الليلة لم أشأ أن أقعد في مكان الأستاذ أحمد سالم باعطب، لأن الليل - كما يقال - هو خدين الشعر، وأما أنا فرجل ناثر أحفر الحرف لعلني أمسك منه ممسكاً؛ وجئت هذه الليلة لأربط الذكرى بالمشاهدة، والأستاذ عبد المقصود خوجه يبر بنا كثيراً أن نرى وجوهاً نسمعها ونقرؤها، فنجثو أمامها ذلك الجثو.. جثو المستمعين؛ ولكن المحتفى به هذه الليلة قد قال الكثير، ويحب أن يسمع شيئاً من القليل من تلاميذه أو ممن قرأ كتبه؛ ولأقول لأخوتي الحاضرين: إنني قبل خمسة وعشرين عاماً.. عندما كنت في عنفوان الشباب أتطلع بأمل وثاب وطموح ثاقب - وأركز على كلمة ثاقب لعلني أجد من يعطي هذه الأمة حقها - فوقعت يدي على كتاب البيان العربي، فأخذت هذا الكتاب وهو يبحث في البلاغة، وكنا ندرسها في المعهد قبل أن ندلف إلى الكلية، وقد جاء فيها من التقسيم المدرس ما يجعلها ألغازاً أو شبه ألغاز، وإذا بذلك الرجل في قامته التي أراها في الحرف المكتوب يتحدث عن البيان العربي بلسان عربي، ويأتي إلى قضية لم تزعجني آنذاك، وإنما تزعجني الآن، وهي قضية اللفظ والمعنى التي أشغلت البلاغيين والنقاد ولم تقف عند حد البلاغة والنقد، إنما سطت حتى على الفكر العربي.
- قضية هذا اللفظ.. وأقول اللفظ المسكين، الَّذي أُريدَ له أن يسلب حقه، فمنهم من ينتصر للمعنى ومنهم من ينتصر للفظ؛ ولكن أستاذنا بدوي طبانه لم يكن مع فريق، وإنما كان مع القضية.. وللقضية نفسها؛ عرج على الجاحظ، وأبي هلال العسكري، وعبد القاهر الجرجاني، وابن الأثير، وأبي الحديد، ثم حط رحاله عند السكاكي، ثم رأيته عند السكاكي يتكلم عنه كلاماً فيه ما ينبئ عن المشكلة، لأن مشكلة اللفظ والمعنى تحمل صراعاً داخلياً في ذاتها.. وما زالت تحمل ذلك الصراع؛ ثم حينما جاء للبيان العربي عامة لم يشأ أن يقيده بما قيده بعض البلاغيين، ولا أقول لكم كل البلاغيين، لأن الدكتور بدوي طبانة علمنا أن يأتي الشيء بإقناع وأن يأخذه باقتناع؛ وفعلاً هذا الَّذي رأيته في كتابه الآخر، كلمة كتبها في ظاهر الكتاب وأظنها على استحياء منه، كتب كلمة: "السرقات الأدبية" ولولا هذا المصطلح الَّذي تعمق ما كان يأتي لكلمة السرقات الأدبية، لأن الكتابة أكثر من مئتي وخمس وعشرين صفحة، لم يجعل للسرقات فيها إلاَّ أربعين صفحة وكلها مرحلة تاريخية.
- إنه علَّمنا أن نبني أحكامنا على فرضيات موثقة لا فرضيات تخمينية، لأن من السهل أن تصادر الآخرين، ولكن من الصعب أن تحل محل من تصادر؛ فإذا أراد الإنسان أن يصادر فعليه أن يعوض بأفضل مما صادر؛ هكذا تعلمنا، يجب أن نتعلم أن نعطي الوجه الآخر حقه، فإذا كانت بضاعتنا مزجاة وجميلة فلنقل: إنها ها هنا.
- هذا الَّذي تعلمناه من الدكتور بدوي طبانة، كان معتدلاً وذلك الاعتدال هو طريقنا؛ هو أمة وسط.. ولماذا الوسط؟ القلب في الوسط وكل شيء في الوسط، لتكون الأطراف عرضة، أما هذا الوسط فهو في جانب أمين يبنى على ثقة وعلى قناعة؛ كان يستطيع الدكتور بدوي طبانة أن يؤلف كتاباً يشبه الصرخة، ولكنه ما يفتأ أن يذوب عندما قرأت كتبه؛ ولا أقول لكم: إنني اطلعت على كلها، اطلعت على كتاب في القرن العشرين.. المرأة العراقية سواء كتب عن نازك الملالكة، أو عن أمها سلمى، أو عن عاتكة؛ وكانت مقدمة إبراهيم سلامة - رحمه الله - أستاذه كلاماً جميلاً يعطي الناس حقوقهم؛ "نحن من أمة تقول للمحسن أحسنت ولا تقول له أسأت، بل تعلمه كما علم الحسن والحسين الإعرابي الوضوء؛ هكذا علمنا ويجب أن يكون هذا ديدننا".
- عندما اطلعت على كتبه، وحينما استمعت إلى كلمة الأستاذ عبد الفتاح أبي مدين: أقول إنَّ هذا البلد - وليس مفاخرة - لا أقول يكرم الرجال وإنما أقول يضع الرجال موضعها؛ دار الرفاعي للأستاذ عبد العزيز الرفاعي - يرحمه الله - طبع له ثلاثة كتب كبرى في طباعة أنيقة، منها: معجم البلاغة، ومنها: المثل السائر لابن الأثير، والفلك الدائر لأبي الحديد، طبعت في دار الرفاعي؛ الشيء الجميل في كتب الدكتور بدوي طبانة أنه يؤرخها بالمكان، فكنا نتبعه في طرابلس، وفي بغداد، وفي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ وهذه هي أمانة العلم.. كان عندما ينتهي يكتب: "كتبت في كذا" وكانت الكلمة المحببة إليه مدينة نصر بالقاهرة، كما قرأت في أكثر كتبه.
- لا أريد أن أتحدث عن كتبه الكثيرة، لا أقول إن كتبه التي ألفها قبل أربعين عاماً يجب أن نقف عندها، ولكن يجب أن ننطلق منها، لأن هناك فرقاً بين الانتماء وهذا، يجب أن ننتمي إلى هذه اللغة؛ فهو علمنا أن نعيش في مادة المنهج وألاَّ نطوف حول المنهج؛ أجمل ما قرأت أنه رجل يعتد بعربيته وإسلاميته أيما اعتداد، يدفع عنها الضرر حتى من أبنائها.
- وفي النفس أشياء، ولعلها أول مرة أرى الدكتور بدوي طبانة، ولكن في نفسي أشياء كثيرة - كما قلت - أعجبتني فيه عقلية الباحث الجاد، وإعطاؤنا المعلومة الصحيحة ليس للوي العنق، ولكن للبناء على نتائج قاطعة؛ ما أجمل حديثه عن السرقات عندما أبعد عن الأمة تلك الوصمة.. فوضعها الإبداع والاتباع، ووضعها معاني الأدب؛ هكذا نعلم الخلق في العلم.
- شكراً لأستاذنا الدكتور بدوي طبانة، وليعذرني على ارتجالي هذه الكلمة، لأنني جئت - كما قلت - في ليلة شاعرة أمام كوكبة من الأدباء؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :682  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 102 من 171
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج