(( كلمة المحتفى به سماحة الشيخ محمد المختار بن أحمد السلامي ))
|
ثم أعطيت الكلمة لضيف الاثنينية سماحة الشيخ محمد المختار بن أحمد السلامي، فقال: |
- إلى الله أرفع آيات الحمد والثناء، على نعمه التي تتوالى علينا إرسالاً، وعلى منة الهداية للإيمان؛ ونسأله - سبحانه - أن يجعلنا صادقين فيه وعليه، ونصلي ونسلم على أكرم رسله سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الَّذي ألف به القلوب المتنافرة، وجمعنا بفضله على كلمة التوحيد. |
- إخواني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. |
|
- تحية مباركة طيبة، أرفعها - أولاً - إلى معالي الشيخ عبد المقصود خوجه، الَّذي كرمني بدعوته في بيته، وسمح لي أن أسعد باللقاء بكم، وهذه مكرمة من مكرماته، ومظهر لفضله، ووفاء للمجد الَّذي تلقاه باليمين عن آبائه، ثم نشأ عليه وغذى به أبناءه، باعتبار ذلك أمانة تحملها فكان وفياً لها.. وأحب خلق الوفاء؛ وإذا أثنيت عليه.. فاسمحوا لي: إن معرفتي به إنما كانت بطريق السماع منكم ومن إخوانكم، أتمثله بقول الشاعر العربي: |
أحاديث ترويها السيول عن الحيا |
عن البحر عن كَفِّ الأمير تميم |
|
|
- فإذا عدت بالثناء لتستمعوه مني - ولا أبلغ ما ينبغي أن أثني به - فإنما ذلك مني اعتراف - أولاً - بهذا الفضل الَّذي غمرني به، ثم تنويهاً ووفاءاً كما كان هو وفياً، ليكون مع نظرته إلى ما مضى، وإلى حاضره وإلى مستقبله يمثل قوله تعالى: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. |
|
- وأرفع هذه التحية إليكم إخواني، تحية من أخ صغير إليكم أكرمني أخواي جازاهما الله عن حسن ظنهم أفضل الجزاء وأزكاه، مع اعترافي بأني قد رسم لي من المعاني ما كنت أود أني في بداية عمري حتى أستطيع أن أقترب من ظنهم الجميل، فجزاهم الله خيراً؛ وهذه التحية التي أرفعها إليكم سأنقل صداها إلى إخوانكم في تونس، هذا البلد وهذا الشعب الَّذي في نظري لخارطة العالم الإسلامي، ما وجدت شعباً امتزج الامتزاج الكامل بهذه الأرض المباركة الطيبة كامتزاج الشعب التونسي، فبمجرد أن انطلق الفتح الإسلامي مغرباً من هذه الأرض المباركة ومن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهرت ثلاثة مراكز للحضارة، أولاً: المركز الأول في بلاد الشام وعاصمتها دمشق، والمركز الثاني: في فسطاط عمرو بن العاص في فسطاط مصر، والمركز الثالث: في القيروان في أرض إفريقية. |
- ففي هذا المركز الثالث الَّذي اختص من بين المراكز الثلاثة بأنه المركز الوحيد الَّذي بناه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرض القيروان كانت أرضَ حراثة لا أرض عمارة وبناء، فتخيرها عقبة بن نافع وبنى فيها جامعه، وأصبحت القيروان - لما تركز فيها - أمران معاً: أخلص الشعب لهما إخلاصاً لا أجد له نظيراً في بقعة أخرى من بقاع العالم الإسلامي هما العروبة والإسلام، فامتزجا امتزاجاً عجيباً، يظهر هذا الامتزاج أنه بعد الفتح الإسلامي ذهب الصليب إلى غير رجعة، ولا يوجد إلى اليوم في الشعب التونسي.. لا يوجد نصراني واحد؛ ثانياً: إن اللغة أصبحت اللغة العربية لغة الأم التي تهدهد بها ولدها، وهي لغة ذلك الولد عندما يصبح شيخاً يروي ذاكرة قومه لأحفاده وأولاده.. |
- إن نظرة على التاريخ الَّذي كانت عليه الأوضاع في إفريقية، ترينا أنَّه في الساحل كانت القوى الرومانية بقوتها وبرغوتها وبحضارتها، وما تزال اليوم في وسط الجمهورية التونسية، يقوم القصر الأجم - وهو شقيق القصر الموجود في روما في بنائه وهندسته وشكله - أخوان بقيا على الزمن يشهدان بما كان لهذا الاحتلال الروماني من قوة وعنف ومحاولة لتنصير البلاد تنصيراً كاملاً، وكان في داخل البلد.. كان البربر بلغتهم الخاصة ووثنيتهم الخاصة، فما أن جاء الإسلام على أيدي الفاتحين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين، حتى انفتحت القلوب والعقول لدين الله، وأصبح اللسان العربي هو اللسان، ثم تكونت من القيروان قاعدة الانطلاق إلى هلالين، هلال ذهب إلى الشمال وهلال ذهب إلى الجنوب؛ أما الهلال الشمالي فقد ذهب فرعاه فرع في المشرق وفرع في المغرب؛ أما الفرع المشرقي فقد عقدت الألوية في جامع القيروان لتخرج من مدينة سوسة وتنطلق إلى روما التي كانت مع بلاد الشمال دائماً وأبداً، زاحفة على الأرض الإفريقية مغتصبة لها، فإذا بعزة الإسلام تعطي للشعب الإفريقي قوة جديدة، فإذا بهم ينطلقون إلى جنوب إيطاليا حتى وصلوا إلى روما؛ وسار الخط الثاني للقرن الثاني لهذا الهلال مسامتاً لجبال الأطلس، ثم انحرف شمالاً نحو أسبانيا، ثم إلى بلاد الغال فرنسا، فاستطاع أن يكون هلالاً قاعدته إفريقيا وقرناه ذاهبان إلى الشمال، داعين الأحفاد ليصل الهلال إلى تمامه وينقلب بدراً مضيئاً. |
- وأما الهلال الجنوبي فقد ذهب مع جبال الأطلس، ثم انحرف جنوباً مع المحيط الأطلسي، إلى أن دخل البلاد الواقعة على شواطئ المحيط الأطلسي، وتكونت الحضارات الإسلامية في البلاد التي هي جنوب خط الاستواء، وسار القرن الثاني المشرقي في فرسان المسلمين الَّذين حكت سنابك خيلهم أرض الصحراء الكبرى، فوضعت مشافرها وهاماتها في نهر النيجر العظيم، فارتوت منه وروت أهل النيجر بعد ذلك بالإسلام. |
- وإذا تحدثت عن الفتح للقلوب بهذا الدين من هذه القاعدة الإفريقية، فإن من قاعدة القيروان انطلق نوران بقيا يمثلان الثقافة الإسلامية الحق، أولاً: في بلاد المغرب الأقصى في فاطمة الفهرية التي أنشأت جامع القرويين الَّذي كان المنارة التي تشع العلم وتشع الثقافة الإسلامية في تلك الديار؛ وأما الخط المشرقي فقد خططت القاهرة وخطط الجامع الأزهر خططاً في أرض إفريقية، ثم تحول المعز لدين الله الفاطمي من المهدية إلى البلاد المصرية، فكان الإشعاع الَّذي ذهب مُشرقاً ومُغرباً هو مظهر من بركة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الَّذين أسسوا هذه المدينة على تقوى من الله ورضوان، فكانت آثارها باقية إلى اليوم، وإن كان الهلال الشمالي قد تقلص قرناه، فإن سنن الكون التي علمنا الله إياها.. أن الهلال كلما انمحق أذَّن بولادة جديدة لهلال سيكتمل بدراً، إن أخذنا بسنن الله في الهزيمة والنصر، إن أخذنا بسنن الله التي ربط بها العزة، فليست عزة الإسلام باللفظ ولكنها عزة الإسلام بالالتزام، هذا الالتزام الَّذي يقوى على نوازع النفس وعلى نوازع الأنا، والَّذي يجعل قلب المؤمن لا يكون قلباً تاماً إلاَّ إذا ضم كل مؤمن لنفسه كأنه جزء منه. |
- هذه بداية كلمة أردت أن أحييكم بها، فإذا تقبلتموها مني فأنا شاكر، وإذا رأيتم فيها بعض القصور والتقصير فذلك واقعي. |
- وشكراً لكم والسلام عليكم مجدداً. |
|
|