(( فتح باب الحوار ))
|
افتتح باب الحوار بسؤال من الأستاذ علي المنقري، يقول فيه: |
- هل بالإمكان الإفصاح عن تلك الظروف الخاصة التي تسببت في توقف مجلة الإشعاع الشهرية عن الصدور؟ |
|
وأجاب المحتفى به قائلاً: |
- مجلة الإشعاع صدرت عام 1375هـ في زمن كان العالم العربي يعيش فيه ذروة إحساسه بتواجده على مسرح حياته، كانت مرحلة الصراع بين الاستعمار الَّذي كانت تطاله مجموعة دول عربية، وبين العالم العربي الَّذي يحاول أن يزيل كابوس الاستعمار؛ لذلك كانت مجلة الإشعاع مجلة شابة، ولكنها كانت تعيش مرحلة مراهقة فكرية، كان حماسها ربما كان حاراً وليس دافئاً، ومن هنا حاولت أن يكون لسانها طويلاً أكثر من اللازم.. فقيل لها استريحي، فاستراحت. |
|
ومن الدكتور غازي زين عوض الله - أستاذ الصحافة المساعد بكلية الآداب بقسم الإعلام - ورد السؤال التالي: |
- من خلال تجربتكم الريادية والحية من مجلة الإشعاع التي صدرت في المنطقة الشرقية، ورغم قصر عمرها الزمني، فقد أثارت رد فعل في حرية الرأي، وتركت بصمات واضحة في مسيرة الصحافة في بلادنا؛ سؤالي إلى أي مدى يمكن أن نضع معايير لحرية الصحافة في عصرها الحالي، إذا اعتبرنا أن الحرية في مفهومها العام إما أن تكون نقمة أو نعمة كإطار نظري؟ |
|
ورد الأستاذ البواردي بالجواب التالي: |
- الإنسان بطبيعته حر، والفكر هو أسلوب طرحُهُ لبناء حياته وبناء حريته، وبالطبيعة الإنسان عندما يحاول أن يعيش حياته يجب أن يكون صادقاً مع نفسه، وصادقاً مع واقعه، وصادقاً مع غيره؛ وبالتالي يجب أن تكون حريته محكومة بهذا الصدق، بحيث لا تتجاوز الحدود التي تطال أو تؤثر على حرية الآخرين؛ أعتقد أن حرية الصحافة هي في واقعها يجب أن تكون - أيضاً - محكومة بثوابت وجدانية وعقلية في آن واحد.. فإذا كانت الحرية كما نفهمها هي حركة التغيير إلى الأصلح، فإنَّ سلاح الصحافة يجب أن يكون على هذا الأساس، أما حينما تكون الحرية في حدود تهميش الواقع للحرية، ففي رأيي أنه قد يعطي مردوداً سيئاً. |
وورد سؤال من الأستاذ عدنان فقي - المحامي والمستشار القانوني - يقول: |
- عرفناك شاعراً مبدعاً وعازفاً على قيثارة النغم الشعري الجميل، الَّذي يهز الوجدان والعاطفة والخيال..، ومن تلك الصورة الجميلة نريد أن نعرف مِنْ شاعرنا كيف يمكنه أن يوفق بين شاعريته في إطار إبداعي في حرية متكاملة، وبين التزامه في إطار نظرية المسؤولية الاجتماعية؟ |
ورد المحتفى به قائلاً: |
- يا سيدي: لا تناقض بين المسؤولية على الإطار الاجتماعي والمسؤولية على الإطار الفكري؛ هناك شيء اسمه رسالة، هذه الرسالة لا يمكن تجزئتها، فالمسار على الواقع الاجتماعي هو بناء في إطار هذه الرسالة، والمسار الفكري هو نفسه خط مواز لهذا الاتجاه، وهما يلتقيان عند نقطة واحدة أو عند هدف واحد، وهو إيصال الفكرة التي تحراها الكاتب، أو يتحراها المسؤول عن عمله وإيصالها إلى نقطة التلاقي، حينها يكون هناك التوحد في إحقاق الهدف.. فأعتقد اعتقاداً.. أنه ليس هناك تعارض بين أن يكون الإنسان مسؤولاً عن عمل اجتماعي، وأن يكون - أيضاً - مسؤولاً عن عمل فكري، كلاهما يخدمان، أو كلاهما جناحان لطائر واحد، أو كلاهما وجهان لعملة واحدة. |
|
ومن الأستاذ عبد الحميد الدرهلي ورد السؤال التالي: |
- ما هي أكبر مخاطر السلام مع إسرائيل، هل يتمثل بتهديد الهوية الفكرية والثقافية للأمة العربية من جراء التطبيع، أو التحدي الاجتماعي الَّذي يمس العادات والأعراف والتقاليد والأخلاق هو الأخطر أمام تراخي الجانب العربي؟ |
|
وأجاب الأستاذ البواردي قائلاً: |
- الواقع: المشكلة أنَّنا نعيش في عالم يدين بالقوة، ليس هناك شيء اسمه العدل أو الحق في ميزان ما يطلق عليه الآن الشرعية الدولية، العالم يحترم الأقوياء، وعليه.. فإنَّ من يملك القوة يملك تقرير المصير، والقوة سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو علمية، كلها سلاح يمكن أن يحسب له ألف حساب؛ مشكلتنا نحن في العالم العربي أو العالم الإسلامي أنَّنا - للأسف - مستهدفون ومستضعفون ومن داخل أنفسنا، فكيف نريد للعالم أو لأعدائنا أن يحترمونا ما دمنا لا نحترم أنفسنا؟ نحن الآن نحارب أنفسنا أكثر من دولة إسلامية يقتل بعضنا البعض، كيف نلوم - أيضاً - أعداءنا في أن يقفوا مع أعدائنا لقتلنا؟ مثلاً: في البوسنة أو في الشيشان أو غيرها، علينا نحن المسلمين ونحن العرب أن نصحح أوضاعنا، وأن نبني قوتنا في إطار تكتل إسلامي اقتصادي.. اجتماعي.. سياسي، وأن نقول لغيرنا: لكم مصالح ولنا مصالح.. من يحقق مصالحنا نحقق له المصالح؛، وأعتقد أننا نملك لا شك الإرادة، ونملك - إن شاء الله - الثقة واليقين في أنَّ أمتنا العربية من خلال مؤتمراتها أن تعطي نتائج أكثر قوة وأكثر حسماً على الأقل لاحترام حقوقنا وحقوق المسلمين. |
|
ووجه فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني سؤالاً في سؤالين واستسمحه، فقال: |
- كيف توصلتم إلى معرفة فلسفة المجانين مع سلامتكم من الانخراط في سلكهم، وهل صحيح ما قاله الشاعر: |
- ما لذة العيش إلاَّ للمجانين؟ |
- أفيدونا مشكورين. |
ورد الأستاذ سعد البوادري قائلاً: |
- يا سيدي الفضل لمعرفتي للكجا هو لأستاذي أحمد السباعي (رحمة الله عليه) في كتابه فلسفة الجن، وبالتالي حشرت نفسي معه في محرابه، وسَمَّيت كتابي فلسفة المجانين؛ كجا شخصية قد تكون أسطورية، ولكنها مزيج من الخيال والواقع، تخاطب الحياة وتخاطب الأحياء بشيء من السخرية اللاذعة التي توقظ النيام إذا شاؤوا أن يستيقظوا طبعاً؛ قرأت للسباعي كتابه، ورأيت فيه اتساعاً في الأفق، وبعداً في نظرته للحياة وتناولها من خلال إطار فلسفي؛ وأنا أعتقد أنني في يوم من الأيام كنت مديناً للأستاذ السباعي في كثير من توجهي الفكري؛ الواقع كجا هذا المشكلة التي يعيشها السباعي وأعيشها أنا، ويعيشها أي كاتب وأي مفكر في أيَّ بلد، قد تكون مشكلة مشتركة، هناك اختلاف ربما في وضع الإطار للمشكلة، أو في طريقة تناولها، أو في طريقة طرحها؛ قد طرحتها أنا بأسلوب قد يكون إلى حد ما يختلف عن أسلوب السباعي، ولكننا كلنا نلتقي عند محور واحد، هو أنَّ الكجا له الفضل الأول والأخير في كل ما رويناه. |
|
الجزء الثاني من نفس السؤال للضيف يقول: |
- هل لسعادتكم صلة قرابة بالعالم اللغوي الجليل والمحدث والمفسر الشهير، العلامة محمد زاهد البارودي المتوفى سنة 345هـ، والمعروف بغلام ثعلب الَّذي شرح غريب مسند الإمام أحمد بن حنبل، وكان نابغة في حفظ فصيح اللغة حتى اشتهر بأنه أملى ثلاثين ألف ورقة في اللغة من حفظه دون كتاب؟ |
ورد الأستاذ سعد البوادري قائلاً: |
- يا سيدي: البارودي شاعر مصري، وأنا شويعر سعودي، البارودي كلنا نعرفه، فهو أحد القمم، ولا أستطيع أقول لماذا سمي البارودي، ولكنني أستطيع أن أقول لماذا سميت البواردي؛ في عهد جدنا القديم - لما كانت المملكة قبل أن تكون مملكة وقبل أن تكون آمنة - كانت هناك عصابات للسرقة، وكان جدنا القديم يحمل عصا متينة ويلهث وراء جمله يحتطب، لعل عصابة رأته فحاولت أن تفترسه أن تأخذ ما معه، رغم أنه ما معه إلا الفقر؛ طبعاً هناك كان لديه شيء يشبه الخندق الصغير، نزل في هذا الخندق الصغير أو الحفرة ورفع العصا المتينة في اتجاه القوم، توهموا أنها بندقية، فقال بعضهم لبعض ابتعدوا عن طريق البواردي، البواردي هو الَّذي يطلق البارود، فابتعدوا عن طريقه خوفاً من أن تصيبهم طلقاته، فسلم وهو لا يحمل باروداً ولا يعرف حتى الرمي. |
|
وورد سؤال من الأستاذ ناصر سلطان الشريف يقول: |
- هل من الممكن إذا أسعفتك الذاكرة أن تذكر لنا بعض الزملاء والمدرسين الَّذين زاملتهم وتتلمذت على أيديهم، وهل نستطيع أن نقول إنَّ شرح ابن عقيل كان سبباً في ترك الدراسة؟ |
وأجاب الأستاذ سعد البواردي قائلاً: |
- دعني - أولاً - أجيب على السؤال الأول، أدين بالفضل أنا ومجموعة من زملائي في مدرسة شقراء لشيخنا الجليل عبد المجيد حسن (متعه الله بالصحة والعافية) وكان رئيس محاكم المدينة المنورة، وكان يعاونه أساتذة أجلاء، أذكر منهم: عبد الله بن خربوش، وسويلم نافع، وإسحاق كردي، وغيرهم..، ومن الأساتذة الَّذين أدين لهم بالفضل في دار التوحيد، الأستاذ بهجة البيطار العالم السوري الجليل، ويسار البيطار، وعصمت البيطار، ومحمد المجذوب، والشيخ عبد الله الخياط، والأستاذ إبراهيم فودة، هؤلاء من تحضرني أسماؤهم وهم أصحاب فضل على مجموعة الطلبة الَّذين درسوا وأخذوا علمهم منهم. |
- بالنسبة للشق الثاني من السؤال، لا أعتقد أن هناك بالتحديد كتاباً معيناً، ولكن الإنسان يصاب بعقد تزحمه وتقتل لديه الرغبة، حتى في تناول الطعام أحياناً؛ وأحمد الله - ولا أقولها تواضعاً بل واقعاً - أنني ضعيف الذاكرة إلى درجة لا يصدقها العقل، حتى أنِّي لا أملك الحفظ، وكل مادة تملى عليّ لأحفظها آخذ فيها صفر، وفي اعتقادي - وقد يكون تفكيري في ذلك الوقت خطأ - أن هذه المواد التي نرغم عليها بالحفظ هي تقيد العقل والفكر وتحد من انطلاقته وحريته، لو قيل لي هذه القصيدة مثلاً أو هذا المقال مثلاً يتحدث عن الربيع أو عن الشمس تكلم بحريتك أنت، لربما أعطيت شيئاً قد يكون فيه محاولة تصيب أو تخيب، ولكن حينما تفرض عليّ هذه المادة لأحفظها حرفاً حرفاً وبشكل أصم، وربما بشكل لا أفهم منه شيئاً، هذه صراحة، راكمت العقد في نفسي، وأصبحت في الليلة التي يوافيني صباحها بمواد ذات حفظ لا أنام. |
|
وورد من الأستاذ أمين عبد الوهاب الوصابي رئيس تحرير مجلة بلقيس، يقول: |
- المتلقي العربي بشكل عام يجد نفسه أمام العديد من الإبداعات الأدبية، هل ترى أن الساحة الأدبية بحاجة فعلية إلى كل هذه الإصدارات التي أغرقت فعلاً المكتبة العربية، لأن البعض منها لا تمثل الطموحات الثقافية ولا تعبر عن هموم الواقع العربي؛ في رأيكم هل نعتبر كل تلك الإصدارات هي إضافة جديدة لرصيد الإبداع الثقافي؟. |
وكان رد المحتفى به على سؤال السائل كما يلي: |
- يا سيدي: الحديث ذو شجون، لنملك شيئاً من الصراحة والمصارحة، الكاتب الجاد، والكتاب الجاد لا يقرأ، وإن قرئ وفهم لا يطبق، بمعنى أصح إلاَّ من ندرة هم أصحاب تخصص أو ندرة لهم هذا التوجه؛ إذن صاحب القلم الجاد حينما يحاول أن يطبع أو يقذف إلى المكتبة العربية بكتبه وعلى حسابه، فإنه لن يربح مادياً.. عليه أن يضحِّي، لأنه عندما يطبع 3000 نسخة مثلاً، أحسن الظن في 3000 نسخة لو باع نصفها يعتبر هذا ضربَ رقماً قياسيّاً، وبالتالي فهو بذلك سيخسر مادياً، وستعطيه هذه النتيجة شيئاً من الصدود النفسي؛ ولكن حينما يأتي شخص ما ويتناول فناناً ما ويتحدث عنه وعما يأكل وماذا يشرب، يصوره وهو يغني، وكيف يبتسم، وكيف يتكئ..،، فمثل هذا الكتاب لو طبع منه عشرين ألف نسخة لنفذت في غضون شهر. |
- إذن فالفكر الجاد في أزمة، وأقول - أيضاً - إن الكتَّاب الجادين في أزمة، لأنه - للأسف - حتى الآن أصبح الكاتب الجاد محاصراً إما أن يكتب بما يراد أن يكتب، وعليه أن تكون خطاه خطاً واثقة وخُطاً حذرة، أو ألاَّ يكتب؛ والسياسة - للأسف - في العالم أصبحت تمحور الفكر، تمحوره تماماً وتشكله، إذن فالكاتب إذا لم يكن لديه القدرة على أن يبنى شخصية استقلالية فإنه سينجرف؛ وهذا رأيي. |
|
وسأل الأستاذ عثمان مليباري يقول: |
- لاحظت - وربما لاحظ الغيور على لغة القرآن - ازدياد أدبِ العامية "الأدب الشعبي" في صحفنا ومجلاتنا السعودية، حيث خصصت جميع الصحف والمجلات صفحات يومية كاملة لهذا النوع من الأدب، تُرى هل يرضيكم ازدهار أدب العامية في بلادنا، خاصةً وأنَّ إنتاجكم الأدبي اتسم بأدب الفصحى؟ |
وأجاب ضيف الاثنينية على ذلك بما يلي: |
- أولاً: يا سيدي الكريم يجب أن لا نلغي أدب العامية، لأنَّه يجسد الفولكلور يجسد الشكلية الشعبية بلسانها الميسر، شريطَة أنْ يكون عرضها ليس مختزلاً ومختزناً..، وبمعنى أصح أن يكون فيه الوضوح والقبول تماماً كالشعر وكالأدب العربي، يجب أن يكون - أيضاً - ملتزماً ضمن الأُطر المقبولة؛ هناك شعر شعبي أعتقد أنه جيد ومرادف وملازم للشعر العربي، بل هناك شعر شعبي يمكن أن تقرأه باللغة العربية، وبالعكس؛ وفي تصوري، سواء كان الشعر العربي أو الشعبي، فهو يجب أن يكون شعوراً وأن يرسم لك صورة وواقعاً يجسد لك شيئاً ما، أمَّا حينما يخلو من مضامين شعورية فهو لا شيء. |
|
وورد سؤال من الأستاذ عبد الله المنصور يقول فيه: |
- كان لك عمود أسبوعي في جريدة اليمامة أثناء امتياز والدنا الكبير علامة الجزيرة حمد الجاسر، بعنوان: مع الناس.. أو مشاكل الناس - حسبما أتذكر - وكان هذا العنوان يعالج هموم الناس ويعرضها للمسؤولين خلال السبعينات الهجرية؛ سؤالي: هل جمعت هذه المقالات في كتيب يذكر القارئ الحاضر بأوضاع السبعينات حلوها ومرها، كأديب أشعلتَ قناديل القلم لكل قارىء؟ |
ورد الأستاذ البواردي قائلاً: |
- يا سيدي الكريم: مع أستاذي الشيخ حمد الجاسر كان هناك شيء من الثقة والتعاون، أذكر أنني كتبت معه في صحيفته اليمامة حينما كانت صحيفة قبل أن تكون مجلة، بدأت بالزاوية الأسبوعية تحت عنوان: "من النافذة" استمرت زهاء عام ونصف، ثم قلت لماذا أطل من النافذة لماذا لا أقترب من الباب؟ وهبطت من النافذة ووقفت عند عتبة الباب ووضعت لها عنواناً: "الباب المفتوح" واستمرت قرابة أكثر من عام أيضاً، وحينما رأيت الصخب من حولي اقتربت من الناس وعشت مع الناس ووضعت لها عنواناً: "مع الناس" وأصبحت هذه الزاوية مع الناس تتلقى مشاكل القراء، القارئ يبعث لي بمشكلته ومعظمها مشاكل اجتماعية في ذلك الوقت، فكنت أصوغها في قالب قصة دون أن أشير إلى صاحبها إلاَّ باسم رمزي؛ إذا كانت هذه المشكلة تطال جهة من جهات الدولة، كالشؤون الاجتماعية مثلاً، كمحاكم، فإنني - أيضاً - أطرحها بشكل غير مباشر، أو أحياناً بشكل مباشر إلى الجهة المعنية لعلها تجد الحل منها، طبعاً أشياء وجدت حلاً لها؛ هذه القصص التي هي مع الناس هي من ضمن الكتب التي أشير إليها هنا، وهي موجودة بعنوان: "مع الناس". |
|
أما السؤال الصغير فيقول: |
- لماذا تستمر في هجرة الوطن وأنت الابن البار؟ |
ورد الضيف قائلاً: |
- يا سيدي الكريم: الإنسان انتماء والهجرة من الوطن لم تكن أبداً بالنسبة لي جحوداً أو نكراناً؛ دعني - أولاً - أعرف الهجرة أو الاغتراب بمعنى أصح، قد أكون في بلدي هنا وأنا خارج إطار وطني، فأكون مغترباً، أي أنني لا أشاركه في بنائه الاجتماعي والفكري، إذن فأنا مغترب حتى لو كنت في أقدس مقدساته هنا؛ وقد أكون على بعد آلاف الأميال، ولكني مشدود إلى وطني بعملي أو بقلمي، فإذن أنا موجود في وطني.. هذه من الوجهة العامة أما وجودي في مصر، في الواقع.. فأنا كنت في بيروت ثم انتقلت إلى مصر، وبحكم عملي لي أولاد، هؤلاء الأولاد التحقوا بالجامعات والمدارس الثانوية، وهم الآن يكادون أن يكونوا في عنق الزجاجة، ومنهم من يقترب من عنق الزجاجة، ومن الصعب أن أعطيهم صدمة وأنقلهم من هناك إلى مدارس هنا تختلف كثيراً في مناهجها وفي أسلوبها؛ إذن أولادي كانوا معي والآن أنا معهم. |
|
وألقى الدكتور زاهد زهدي ثلاثة أبيات هي: |
يا ذا البـيان والحجا |
وللجـواب مُرْتَجى |
إنَّ سـؤالاً محرجـاً |
على لساني لجلجـا |
للآن لم تشـرح لنا |
ياسيدي معنى الكجا |
|
فرد الضيف قائلاً: |
- حتى أنا أجهله هذا الَّذي يُدْعَى كُجا؛ أعتقد أن أستاذنا السباعي ابتكره، هذه شخصية أسطورية والأساطير لا تخضع لأسلوب المنطق، الإنسان حينما يريد أن يكتب قصة عن عفاريت يخترع أسماء تشبه الهذيان، إذن أعتقد أن الكجا ليس تعريفاً اسمياً لشخص واقعي، وإنما هو اسم رمزي لشخصية رمزية أراد أن يتحاور معها. |
|
وتدخل عبد المقصود خوجه قائلاً: |
- أستميح أستاذنا البواردي، فالكجا هناك ما يضيف للتعريف عنه أستاذنا حامد مطاوع، ولدي بعض المعلومات إذا لم ترد في كلمات الأستاذ حامد مطاوع، سأكون أنا بالتالي المتكلم الثاني عن الكجا. |
وأجاب الأستاذ حامد مطاوع فقال: |
- الكجا ليس رمزاً لكنه شخصاً كان موجوداً، وكان يطلق عليه الكجا لأنه كان ساخراً وكان يشتغل في التبليط، وكان يسكن في المسفلة، وكان يجوب الشوارع وخلفه مجموعة من الأولاد الصغار، يرددون ما يقول من فلسفة ساخرة.. غالباً هي استهزاء بالاعوجاج الاجتماعي في ذلك الوقت؛ فالأستاذ السباعي (يرحمه الله) اقتبس هذه المعاني التي كان يتصف بها الكجا، واعتبره شخصية تصلح أن يبني عليها أفكاره الساخرة، واقتدى به أستاذنا البواردي. |
|
غير أن عبد المقصود أضاف إلى ما قاله الأستاذ حامد مطاوع قائلاً: |
- أحب أن أضيف أنني عرفت الكجا وهو شخصية كما عرفه الأستاذ حامد مطاوع، شخصية كاريكاتورية، كان أحدباً قصير القامة، له شكلٌ مميز، عندما تنظر إليه لا تملك إلاَّ أن تضحك. |
فقال البواردي: |
- إذن هذا يذكرنا بأحدب نوتردام. |
|
وألقى الأستاذ علي محمد الشهري أبياتاً شعرية بهذه المناسبة هي: |
- بسم الله |
جمعت أطراف الشوارد |
من كل رحَّال ووارد |
حييت أهلاً يا بواردي |
شبل الصناديد البواردي |
|
|
- وهذا طبعاً يذكرنا بأن جدك كان بواردي. |
- وشكراً. |
|
وسأل الأستاذ عجلان أحمد جابر يقول: |
- في إحدى قصائدكم التي تلوتموها على أسماعنا شكوتم الزمن، ثم اتضح - أخيراً - أننا نحن الزمن الَّذي سبب للأمة تلك المشاكل من الفقر، والحروب، والطغيان..؛ وقد وصلتم إلى تلك النتيجة بعد أن صحوتم؛ سعادة الشاعر: أرجو - وبكل صدق - أن توضحوا رؤيتكم حول مشاكل الأمة، وما هو الحل العملي؟ وشكراً. |
|
وأجاب المحتفى به قائلاً: |
- يا سيدي الكريم: أعتقد أن هذا السؤال كل واحد منا يدركه ويعرفه ببساطة، فكل فرد في الأمة مسؤول، الأب والأم مسؤولان عن أبنائهما وبناتهما، والطبيب مسؤول عن مرضاه، والأستاذ مسؤول عن تلاميذه، والعامل مسؤول عن مصنعه، والمزارع مسؤول عن مزرعته، وبمعنى أصح: فالحياة كلها تكافل اجتماعي يقوم على التعاون، وعلى التنسيق، وعلى توحد التوجه لبناء الصالح العام؛ إذن: أعتقد يا سيدي الكريم عندما نقول الزمن، الزمن ليس شيئاً ملموساً، الزمن هو معيار للتاريخ تنتهي مرحلة وتأتي مرحلة، ولكن نحن الزمن، لأننا نحن الَّذين نصوغ الزمن، نحن الَّذين نملك تحريكه ونملك حتى تجميده؛ إذن الإنسان هو العنصر الفاعل العامل الَّذي يملي إرادته على الزمن، ويعطي البصمات لتاريخه على لوحاث الزمن؛ إذن الزمن أنا وأنت والآخرون، لأننا نحن حصاد الزمن، وما لم يكن للزمن حصاد يثمر ويعطي فهو إذن زمن ميت. |
|
وورد سؤال من الأستاذ عبد الرحمن الشنقيطي المدرس في كلية المعلمين بجدة: |
- من المعلوم أن شعرنا الشعبي يقوم على التفعيلة الداخلية المستمدة من روح البيئة والعصر، أود التفضل بإبراز هذا الجانب في شعرنا الشعبي، مع إتحافنا بمثال لذلك. |
وأجاب الأستاذ سعد قائلاً: |
- يا سيدي الكريم: رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه.. صدقني أنَّني لست شاعراً شعبياً، ولا أستطيع أن أفتي بما لا أعرف؛ ولكن من باب الاجتهاد فقط.. فالمعيار الَّذي ينطبق على الشعر العربي ينطبق على الشعر الشعبي، بمعنى أن هناك إيقاعاً وجرساً موسيقياً يحكم انضباط البيت، بحيث لا تكون هناك مطبات كما يسميها بعض الناس، ولا يكون فراغ أو خواء في المعنى؛ إذن عندما يكون له إيقاعه، وله خصوصيته، وله فكرته، وله جرس موسيقي، ويعبر عن حالة شعبية..، أعتقد أن هذا هو المطلوب. |
|
وسأل السائل نفسه السؤال التالي: |
- هل تعدون الالتزام بالمعاني القاموسية في إطار عالم الأدب عائقاً لعملية الإبداع الأدبي؟ |
وأجاب الأستاذ البواردي قائلاً: |
- الإبداع يا سيدي ليس حروفاً، الحروف هي أداة لطرح الإبداع، الإبداع هو حصيلة تنمي وتصقل وقبل هذا كله توجد كموهبة تُعْطَى للإنسان؛ إذن الإبداع - قبل كل شيء - هو الكنز، أما الحروف.. فهي القوالب التي يصب فيها هذا الكنز، بمعنى أن اللغة العربية هي أداة طرح، إنما الإبداع هو أن أستطيع أن أجدد، وأن أبدع، وأن أعطي صوراً جديدة لم تطرق، وأتناولها بزوايا جديدة لم تتناول، وأن أضيف؛ لأن الإبداع هو إضافة قبل كل شيء، يمكن لكل إنسان أن يكون مبدعاً، ويأتي شخص آخر ويقول أنا مبدع، ولكن هذا المبدع الأخير لم يضف شيئاً إلى ما أبدعه الأول، إذن ليس مبدعاً، الإبداع هو إضافة وأي عمل ليس فيه إضافة فهو ليس إبداعاً. |
|
ومن الأستاذ عبد السميع محمد راضي ورد السؤال التالي: |
- كيف لك أن تكون ضعيف الذاكرة سريع النسيان حسب قولك، ولك كل هذه المؤلفات حسب الترجمة التي سمعناها الليلة وكلها تعتمد على الذاكرة وعمق الفهم، هل لنا أن نفهم ذلك؟ |
وأجاب المحتفى به قائلاً: |
- يا سيدي الكريم: ضعف الذاكرة قدر ما يكون نعمة فهو - أيضاً - نقمة، ولكن أعتقد أن الَّذين يعيشون ضعاف الذاكرة فهناك اهتمامات لهم ترصد حتى لا تنسى، لأنه ليس هنا مخزون في الذهن تخزن فيه هذه الأشياء وتعتمد على ذاكرتك فيها، إذن ليس لك سلاح إلاَّ القلم والورقة تسجلها في مفكرة وتعود إليها حينما تحتاجها؛ إنما الذاكرة - كما قلت لك - ليست مخزوناً إلاَّ لشخص مستعد لأن يحتفظ بها، لكن الَّذي لا يملكها ذاكرته تكون في هذه الورقة أو الكتيب الصغير الَّذي يرجع إليه كلما أراد أن يطرح فكرة؛ الأفكار تأتيه - طبعاً - إلهامية، سواء فكرة قصيدة أو فكرة كلمة تطرق بابه أحياناً، يحلم بها في الليل ويستيقظ ويرصدها، أحياناً يكون في الشارع ويسمع كلمة يلتقطها تكون - أيضاً - مدخل لقصيدة، إنما الذاكرة ليست ضرورة أبداً أن تكون مصدر العطاء دائماً. |
|
وسأل سعادة الأستاذ عبد المقصود ضيفه قائلاً: |
- طبع لكم ستة عشر كتاباً، وتحت الطبع - كما أرى أمامي - كماً هائلاً يصل إلى ثمانية وعشرين كتاباً، ما هي الأسباب التي أدت إلى عدم نشركم لهذه الكتب حتى الآن، ومن العناوين التي سمعناها كتب ذات مضمامين في علوم شتى وبعناوين ملفتة للنظر؟ سؤال يحتاج إلى إجابة. |
|
ورد المحتفى به على مستضيفه قائلاً: |
- يا سيدي.. |
أعد نظراً يا عبد قيس لعلماً |
أضاءت لك النار الحمار المقيدا |
|
|
- أعد قراءة ما تحت هذه العناوين ستجد الإجابة، قلت لك: إنني أكرر نفسي، إنَّ كتبي التي لم تطبع لا تضيف جديداً بالنسبة لكتبي التي طبعت، نعم العناوين براقة ورائعة جداً، ربما أطبعها في ورق جيد جداً وطباعة أنيقة، ولكنك تقرؤها وتقرأ ديواناً أو كتاباً سبقها.. لا تجد هناك فارقاً، إذن لا أضيف شيئاً، قد أضيف كماً عددياً ولكن لا أضيف كمّاً كيفيّاً. |
|
ويعود المحتفي ليسأل المحتفى به قائلاً: |
- يا سيدي الكريم: قد يكون هذا تواضع الكبار.. العناوين التي أراها أمامي تختلف عن مضامين الكتب التي طبعت.. وسعد البواردي عرف فيلسوفاً، لا أعتقد أن الكتب هي تكرار للكتب التي تحت الطبع، لا بد أن تكون هناك إضافة، لندع الأمر تكون حجته منه وفيه، لنطبع كتاباً أو كتابين ونترك للقارئ الحكم.. لأن هذا كم كبير 28 كتاباً، هذا عمل أنا متأكد أنك بذلت فيه ليالي، وأيَّاماً، وهو عملٌ يصل إلى درجة الأعمال الشاقة. |
|
وأجاب المحتفى به: |
يا سيدي الكريم: أولاً يجب أن لا تنخدع بالعناوين، فالخبثاء يختارون عناوين لافتة للنظر لا أكثر ولا أقل.. |
وتدخل المحتفي وقال: |
- سعد البواردي لم يكن خبيثاً وإنما كان دائماً ذكياً فيلسوفاً، ابتدأ من الكجا، وأنا بالذات ركزت في كلمتي.. أحمد السباعي كان عَلَمَاً كما نعرف، وكان علماً بارزاً، وكان صاحبَ أوَّليات، واعترافك بأنَّك تتلمذت في الأوليات على الأستاذ السباعي هذا شرف كبير.. ومعنى هذا أننا أمام مدرسة كبيرة، لأن السباعي (رحمة الله عليه) - وهو بهذه المناسبة صديق والدي منذ الطفولة كما ذكر في كتبه وكما أعرف - السباعي كان مدرسة، تلمذتك في مدرسة السباعي لم تأتِ من فراغ، تَحَدُّثُك عن الكجا، وفلسفتك التي عرفناها في مقالاتك الساخرة، والمواضيع التي كنت تتكلم عنها..، كنت - دائماً - تأتي بالجديد، وتتكلم بالجدية عندما تشاء، وتتكلم بالسخرية عندما تريد المواربة، ولكنك كنت - دائماً - ذلك المواطن الصادق الَّذي تعاملت مع الكلمة، وأشهد شهادة صادقة.. شهادة أنَّك كنت ذلك المواطن الَّذي تستحق الاحترام، لأنَّك تعاملت مع الكلمة باحترام وبصدق وبموضوعية. |
|
وسأل المحتفى به المحتفي قائلاً: |
- ما هو المطلوب؟ |
|
ورد المحتفي يقول: |
- المطلوب أن نرى من كتبك ما يطبع، وإذا أردت أرجو أن تتفضل مشكوراً وتعطيني كتاباً، أو كتابين، ليست صنعتي النشر ولا أتكسب من هذا الطريق، ولكن لنا مع الاثنينية.. قد لا تعلم ما يسمى كتاب الاثنينية، وليست وقائع الاثنينية التي تطبع، وهي لمن لا يريد أن ينشر كتبه، وهناك ما يفيد الأمة ويفيد القارئ نطبع كتبه. |
|
فرد الضيف قائلاً: |
- يسعدني ويشرفني والله. |
|
فقال المحتفي: |
- إذن من هذا الموقع أنا أنتظر منك أن تختار ثلاثة كتب لنطبعها ثم نرى حكم القارئ عليها، ولنا موقف بعد ذلك. |
|
فأجاب المحتفى به بقوله: |
- وهو كذلك. |
|