شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تعليقات أدبية
أضواء وآراء على اثنينية الخوجه (1)
بقلم: أبو الحسن صالح محمد فكاك
المدخل:
إنه لتقليد تليد حميد أن نقيم مجالس العلم وندوات الأدب في قاعاتنا وجامعاتنا ومنازلنا وأنديتنا، لأن إقامة مثل هذه المجالس والندوات فيها إحياء للتراث وتبادل للعلوم والثقافات وتلاقح للأفكار بين أهل الفكر والذكر ما يجعل المجتمع ـ في كل زمان ومكان ـ مجتمعاً حياً متكاملاً ـ متفاعلاً بالأخذ والعطاء وصولاً بالمثقفين إلى التأهيل الذاتي وحسن الاقتداء والأداء في إطار المحافظة على كل قديم حميد والمواكبة لكل جديد مفيد، حيث تتكوّن حلقات التاريخ الحضاري: من ماضٍ وحاضر وغد، والآخرة خير وأبقى لمن سعى لها سعيها.
أقول إنه لتقليد (تليد) حميد، تذكيراً بليالي العرب قبل الإسلام في داراتهم وحاراتهم وأنديتهم وأسواقهم التي كانت عامرة سامرة بالمباريات الأدبية ـ نثراً وشعراً ـ ثم تذكيراً واعتزازاً بأيام الإسلام في عهد السلف الكرام، حيث كانت رياض الجنة مباحة ومتاحة للجميع حين كانت مبسوطة في أروقة المساجد يرتع الناس من غديرها فهماً وتفقهاً في القرآن والحديث والفقه والتفسير واللغة والسيرة العطرة. وكذلك في سائر العلوم الحياتية البشرية. ثم امتدت تلك الحلقات إلى حيث امتد الإسلام ـ مكاناً وسكاناً وسلطاناً ـ فأينما اتجه الإنسان كان يجد مجالس العلماء والفقهاء والنحاة والأدباء والأطباء تسقي الناس بكؤوس مترعة من سلسبيل العلم والمعرفة، وقد كانت حصيلة كل ذلك الرصيد العلمي الإسلامي هذا التراث الثري الذي تعيش اليوم البشرية في ثمراته الجنية مهما أنكر المنكرون وتفاخر المخترعون وتنكر (المستغربون) الذين افتتنوا بثقافات بل سخافات الغرب المادي الإلحادي الذي يعاني من أمراض حضارته التي تفتك به على شكل أسلحة الدمار أو الأمراض الجنسية والاجتماعية والاقتصادية والعقلية. فبئس الحضارة هي ((حضارة الغرب)) أم الإلحاد والفساد والعار والدمار.
التعليق والتقييم
ـ لقد كانت (اثنينية الخوجه) رفيعة المستوى ـ ثرَّة المحتوى ـ من حيث الحضور والموضوع الذي كان عن (الغزو الفكري) وهو موضوع يهمنا ويغمنا جميعاً كمسلمين مستهدفين في عقيدتنا وشريعتنا وأخلاقنا وثقافتنا ولغتنا ومواردنا الاقتصادية وأنماط حياتنا الاجتماعية. وقد أصدرنا الكثير من المطبوعات والقرارات عن خطورة الغزو الفكري. لكن جميع ما قلناه لم يخرجنا من براثن التبعية الفكرية (للخواجات) الواقع الذي نخشى من جرائه مقت الله الذي ورد في قوله تعالى حيث قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (الصف: 2 ـ 3) ولو تغلبنا على هذه النقيصة والخصيصة لوجدنا فرجاً ومخرجاً للانعتاق من عبودية الغرب المفسد والشرق الملحد.
ـ كان الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجه رجل الأعمال السعودي ومقيم (الاثنينية الأسبوعية الأدبية) يستقبل الناس في رحاب داره العامرة وهو يوزع التحيات والابتسامات والنكات بين ضيوفه الكرام من المفكرين والأدباء. وأحسب أن (الخوجه) قد نال في هذا المجال سمعة طيبة يغبطه عليها الكثير من أترابه في العمر والمهنة. فبخ بخ للخوجه وأمثاله الذين يهتمون بالعلم والأدب، حيث إن التوفيق للقيام بمثل هذه المكرمات والمبادرات يدل على كرم الباع والطباع كما يدل على حب العلم والعلماء وتكريم الأدب والأدباء.
ـ أما المنتدى فقد كان يضم لفيفاً طريفاً من العلماء والأدباء ورجال الصحافة والإعلام. ولذلك كان أشبه بخلية نوب ينتج كل يعسوب فيها عسلاً سائغاً للشاربين. أما من ناحية الأعمار والأقدار فكانوا أصنافاً ثلاثة (حصرم ومخضرم وعرمرم) وفوق كل ذي علم عليم. بينما كانت تتكوّن كوكبة الكلام في حلبة الندوة من الرعيل الأول والجيل المخضرم أمثال: الشيخ عبد الله بلخير والشيخ عزيز ضياء.
ـ وقد علمنا بأن ضيف الاثنينية القادمة سيكون فضيلة الشيخ محمد بن ناصر العبودي الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي. وهو رجل قلت عنه في كلمة التهنئة التي نشرتها على صفحات جريدة المدينة الغراء ((بأنه رجل عالم يستوعب ويقرأ ويكتب)) وكفى به تعريفاً وتشريفاً إرساؤه لإدارة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة حين كان وكيلاً لها في الستينات ثم بناؤه لصرح الأمانة العامة للدعوة الإسلامية حين كان أميناً عاماً لها ثم منصبه العالمي الإسلامي الحالي. وفوق هذا وذاك تكفيه فخراً وذخراً: كتبه العديدة المفيدة التي ألفها أثناء رحلاته (البطوطية) في العالم.
ـ استهل الندوة أحد هؤلاء الرواد (من غير ذكر الاسم) مطالباً نظيره بتحديد مفاهيم (الغزو الفكري) تعريفاً وتصنيفاً مشدداً عليه القبضة على شكل أشبه بلوي الذراع في المصارعة الحرة. حيث عمد على حصره في دائرة ضيقة كلما أراد الانفلات إلى رحاب التاريخ ليأتي بأنماط من الغزو الفكري الموجه ضد العالم الإسلامي. وبالرغم من الأمثال التي ضربها عن الغزو الفكري في الحاضر والغابر لم يجد من زميله (المستجوب) أذناً صاغية حتى كاد الحوار أن يكون عقيماً سقيماً، واقترب وقت السحر وغالبت عيون المستمعين السهر. وعندئذٍ اقتحم الحلبة فارس ثالث من نفس الجيل والرعيل للتفريق بين العملاقين وطفق يضرب المثال والأقوال عن الغزو الفكري فأفاد وأجاد في هذا المجال. ثم عاود الكلام الشيخ عبد الله بلخير واقترح تأجيل الموضوع لمدة ثلاثة أشهر يجهز خلالها بحثاً ضافياً عن تعريف الغزو الفكري. وكذلك سيفعل أقرانه من الباحثين. فقلنا سمعاً وطاعة وأنا إن شاء الله لمهتدون. ثم خرجنا سراعاً من ديوان الأدباء إلى إيوان العشاء، حيث كانت في انتظارنا مائدة دسمة وددنا لو أننا بدأنا بها قبل الكلام لنهضم الطعام بالكلام.
ـ حقاً إنها لمتعة ثقافية أن يرى الإنسان العلماء والأدباء يركضون كراً وفراً في جدل سجال بينهم الغالب فيه مفيد والمغلوب فيه مستفيد، كما تمنَّى الإمام الشافعي. ولكن مهما كانت الدوافع، فإن أسلوب المغالبة والارتجال لا يصلح لخلق أرضية خصبة لتنمية الروح العلمية والملكات الفردية. ذلك لأن البحوث العلمية هدفت إلى التركيز على الحقائق المدعومة بالوثائق في جوٍّ خالٍ من الإثارة والتأثير والانفعال والجدل وصولاً إلى الحقيقة المنشودة من غير غالب ولا مغلوب. والغاية من المناظرات هي كما حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها. رواه الترمذي وابن ماجة، وفي معرض الاستزادة من العلم قال الله تعالى: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً (طه: 114) وذكر البيهقي، أن موسى عليه السلام قال: يا رب أي خلقك أعلم) فقال الله تعالى: (أعلم خلقي هو الذي يلتمس إلى ما عنده من العلم علم غيره. لأن محصلة الناس من العلم لا تتجاوز نسبة القليل الجزئي من القليل الكلي الذي قال الله عنه وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (الإسراء: 85).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :743  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 4 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.