شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( فتح باب الحوار ))
افتتح الأستاذ عبد الحميد الدرهلي الحوار بالسؤال التالي:
- سيدي فضيلة الشيخ منَّاع قطان المحترم، أرجو أن أتطرق إلى موضع الخمار الَّذي تغطي به بعض النساء المسلمات وجوههن بالكامل، حتى الأيدي إلى القدم، وهذه ظاهرة جديدة انتشرت في البلاد الإِسلامية حديثاً؛ سيدي إن الإِسلام دعا المرأة والرجل على حد سواء للاحتشام، إلاَّ أنه لا يوجد نص قرآني يوجب تغطية وجه المرأة، بل عليها أن تظهره خلال أدائها فريضة الحجّ، فإذا كانت الآيات الكريمة التي نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان ذلك بهدف الحفاظ على حرمة منزله وخصوصية أهل بيته وحمايتهن، ولم تنزل في غيرهن ولم تمارسه غيرهن في عهد الرسول، ويعتقد أن هذه الظاهرة مقتبسة من ممارسات بيزنطية وفارسية لا إسلامية، ثم تم تبنيها من بعض العرب بعد احتلال دمشق، وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ما رأي فضيلتكم فيما بينت؟ وكيف يمكن تصحيح هذه الصورة الخاطئة عن الإِسلام؟ والتقيد بروح الإِسلام والعمل بالمبادئ التي نادى بها؟
ورد فضيلة المحتفى به على السائل بقوله:
- الجواب على هذا السؤال بما تضمنه من شرح، يبين وجهة معينة:
- إن الفقهاء يجمعون على أن المرأة تستر وجهها عند الفتنة، بأن يكون وجهها فتنة، وأن يكون المجتمع نفسه مدعاة لإثارة هذه الفتنة، ولكنهم يختلفون عند عدم وجود الفتنة، فذهب أكثرهم إلى أن ستر الوجه ليس واجباً، ويستدلون على ذلك بالقرآن الكريم والأحاديث الصحيحة؛ ففي القرآن الكريم يقول الله (سبحانه وتعالى): قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم والغض هو النقص وعدم إطالة النظر، ولا يقال إلى من ينظر إلى امرأة لا يرى منها شيئاً غض من بصرك، فهذا يدل على أنه ينظر إلى شيء يراه - فعلاً - ليس مستوراً، ولكنه يغض بصره خوفاً من الفتنة التي أشرت إليها؛ كذلك في الآية نفسها: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن الآية التالية يقول الله تعالى: وليضربن بخمرهن على جيوبهن والجيب هو الشق في الثوب على الصدر، والخمار هو غطاء الرأس؛ فلو كانت المرأة مأمورة بأن تستر وجهها، لكانت الآية: وليضربن بخمرهن على وجوههن، وإنما جاءت الآية وليضربن بخمرهن على جيوبهن؛ وفسر هذا بأن تأخذ طرف الخمار وتلقيه على صدرها، إذ كانت ثياب النساء الأولى مشقوقة من الأمام وتكشف عن الصدر..
- كذلك الأحاديث الصحيحة التي لا مجال إلى القول بنسخها، لأنها من أواخر عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها حديث المرأة الخشرمية، التي جاءت في حجة الوداع تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أردف خلفه الفضل بن عباس.. فجعل الفضل ينظر إليها وهي تنظر إليه، فإذا نظر إليها الفضل من جهة أمال الرسول صلى الله عليه وسلم وجهه إلى الجهة الأخرى، ولم يأمر الرسول (عليه الصلاة والسلام) المرأة بأن تغطي وجهها؛ فاستدل العلماء بهذا على أن تغطية الوجه ليست واجبة، ولما سئل (عليه الصلاة والسلام) في إشاحته وجه الفضل؟ قال ما في معناه: رأيت شاباً وشابة.
- كما يدل على هذا - أيضاً - أحاديث أخرى؛ وحتى ما جاء في السؤال من قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين وهي في قربة إلى الله بالحج، فكيف تنهى عن النقاب الواجب عليها في غير الحج، كان الأولى - وهي في حالة القربى - أن تستر ما هو واجب في غير هذه القربى، ولكن العلماء إذ يختلفون في هذا يذكرون بعض الأدلة الأخرى، ويرجع اختلافهم إلى تفسير ما ظهر في الآية القرآنية: ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر...
- فأصحاب القول الأول يقولون: ما ظهر هو الوجه والكفان، وهو مروي عن ابن عباس بسند صحيح، لا بالأسانيد التي فيها ضعف من الطرق الموصلة لابن عباس، وأصحاب الرأي الآخر يقولون: ما كان ظاهراً بنفسه.. وأنصح الإخوة بقراءة كتاب الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وهو كتاب في حجاب المرأة المسلمة، فقد ذكر أدلة كل فريق وناقشها، ورجح في النهاية القول الَّذي ذكرته الآن..
- وأشير - أيضاً - هنا إلى منهج دعوي، أنه إذا كنا في بعض المجتمعات الإِسلامية نجد السفور، ونجد ما تكشف فيه المرأة لا عن وجهها فحسب، بل عن نصف جسدها، وما تستره من جسدها فهو يثير الفتنة أكثر من العري، فلا ينبغي أن نطالب النساء - في مثل تلك المجتمعات - بتغطية وجوههن، بل يكفي أن تستر سائر جسدها، فإذا فقهت دينها فسوف تلتزم، وإذا أرادت أن تغطي وجهها حيطة لا وجوباً فلا نمنعها من ذلك، لأن النقاب لم يكن معروفاً فقط في العصور التي أشار إليها الأخ، بل عرف في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وإلاَّ لما جاء في الحديث لا تنتقب المرأة، ودل هذا على أن النقاب كان معروفاً وإن لم يكن مفروضاً، أما أن نغلو وأن نجعل هذا مشكلة من المشكلات، وأن يهتم القائمون على الدعوة، ولا سيما في المجتمعات الأخرى السافرة، فإن هذا يضر أكثر مما ينفع؛ والله أعلم.
 
ثم سأل الدكتور غازي زين عوض الله فقال:
- ما رأي شيخنا وفقيهنا الإِسلامي بتأطير الأحكام الفقهية بمذاهبها الأربعة، التي تتوافق مع مفهوم العصر الحديث، من حيث الدعوة إلى أسلوب تناول الكلام والبحث واللغة؟
ورد فضيلة الشيخ منَّاع قائلاً:
- إن فقهاء الأمة تركوا ثروة هائلة لنا، ونحن نعيش عالة على هذه الثروة في الوقت الحاضر؛ ولكن أولئك الفقهاء الَّذين قدموا إلينا ذلك التراث العلمي الهائل، عاش كل منهم عصره، وعالج مشكلات عصره، واهتم بما ظهر في العصر الَّذي عاش فيه وأعطاه عنايته، واجتهد فيما قدمه من رأي وهو رأي فقهي اجتهادي يؤجر عليه الفقيه المجتهد أصاب أم أخطأ، فإن أخطأ فله أجر اجتهاده، وإن أصاب فله أجر اجتهاده وأجر صوابه كما في الحديث، والفتوى تختلف باختلاف الزمان، وتتغير، لأن الفتوى إنما تكون في ضوء حياة المجتمع وملابسات الحادثة التي جدت؛ والفقيه يقدر لكل حادثة قدرها، وما يحيط بها من ملابسات ويصدر الفتوى، وهذا له أصله في سنَّة رسولنا صلى الله عليه وسلم.
 
- جاءه رجل فسأله عن قبلة الصائم لامرأته؟ فنهاه؛ وجاءه آخر فسأله - أيضاً - عن قبلة الصائم لأهله في رمضان وهو صائم؟ فأباح له هذا، بل في بعض الروايات أنه بين له أن هذا مثل المضمضة ولفظ الماء، فإذا بالَّذي نهاه أولاً شاب، وإذا بالآخر شيخ.
 
- كذلك في الأضحية، فإنه في عام من الأعوام نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، ثم جاء العام القابل فسألوه فقال لهم: كلوا وأطعموا وادخروا،؛ فلما سألوه عما كان منه فيما مضى؟ قال: إنما سألتكم من أجل الدافة، والدافة هي الجماعة الفقيرة التي قدمت إلى المدينة، فنهى (عليه الصلاة والسلام) عن ادخار لحوم الأضاحي حتى يوفر للدافة - أو لهؤلاء الناس - الطعام، فتغيرت فتواه؛ والشافعي (رضي الله عنه) وهو ذلك الإمام الفحل في فقهه وعلمه، وما كان عليه من دراية بالحديث، أفتى في كثير من القضايا بالعراق، ثم لما جاء إلى مصر فوجد مجتمعاً آخر أفتى في نفس المسائل التي أفتى بها بغير فتواه الأولى، فأصبحنا نقرأ في فقه هذا الإمام: قال الشافعي في القديم، وقال الشافعي في الجديد.
 
- فالسؤال المطروح جدير بالعناية، وفضيلة الأخ الكبير الشيخ محمد الحبيب بلخوجة على رأس المجمع الفقهي، والمجمع يهتم بمثل هذه المسائل، ولكنه قد يتعذر أن يجتمع أصحاب المذاهب المختلفة على رأي موحد، ويكفينا أن يكون هناك تقارب، وأن تكون هناك نظرة جديدة للقضايا المستجدة، والمشكلة المستحدثة، والتي لم تكن معهودة من قبل؛ وأن تكون النظرة حتى للقضايا السابقة نظرة في ضوء متغيرات الزمن، بما يدخل تحت ما ذكرت من تغيير الفتوى واختلافها باختلاف الزمان والمكان؛ والله الموفق.
 
وسأل الأستاذ مجدي مكي قائلاً:
- تشكو المكتبة الإِسلامية في العصر الحديث من قلة المؤلفات وشح المعلومات، التي تعرف بأعلام القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر الهجري، وبما أنكم عاصرتم كثيراً من الأحداث، وتعرفتم على كثير من العلماء، نتمنى منكم أن تقوموا بتدوين معلومات تعرفون بها بمشايخكم وأساتذتكم، ومن لقيتم من أعلام العصر؟ ونرجو كذلك كتابة مذكراتكم وعصارة تجاربكم؟
وكان جواب الشيخ منَّاع على هذا السؤال قوله:
- أنا أسأل الله أن أجد من العون ومن التوفيق ما يساعدني على تحقيق هذا، وأطالب - أيضاً - إخواني العلماء الآخرين أن ينهجوا هذا النهج كما كان أسلافنا في الماضي، أمثال الذهبي وابن حجر؛ وآخر ما عهدته من كتابات قريبة هو ما كتبه أستاذي الفاضل الشيخ أبو الحسن الندوي عن رجال الإِصلاح؛ أرجو أن أتعاون أنا مع إخوان لي في مناطق متعددة وبلاد مختلفة، لتحقيق هذه الأمنية؛ والله المستعان.
 
وورد سؤال من الأستاذ محمد منير حجار قال فيه:
- ظهرت في هذه الفترة في الساحة الإِسلامية، فئة من الدعاة إلى الله، هدفهم تجريح العلماء وتحطيمهم واتهام عقائدهم، وصدرت كتب كثيرة تتعرض للدعوة الإِسلامية والدعاة في العصر الحديث، وأشرطة ومحاضرات؛ فما هو الموقف المطلوب من المسلم نحو هؤلاء، الَّذين عمّ خطرهم وانتشر شرهم؟ ولم نجد موقفاً إيجابياً من الدعاة من أمثال هؤلاء؛ نرجو الإجابة الوافية منكم بما عرف عنكم من حكمة وتجربة وريادة في ميادين الدعوة إلى الله؟
 
وأجاب فضيلة الشيخ على السؤال بقوله:
- إن ما يشير إليه الأخ في سؤاله واقع ملموس، وهي ظاهرة سيئة، ومع ما ينبغي أن يكون من حسن الظن، فإني أعتقد أن هؤلاء الأفراد ما بين موتور لأنه يرى نماء الحركة الإِسلامية والعمل الإِسلامي في التوجه المعتدل، فأوغر هذا صدره ونفسه على الآخرين؛ أو أنه مدفوع - من حيث يشعر أو لا يشعر - من أيدي معادية للإسلام، لإيقاع الفرقة بين العاملين في الحقل الإِسلامي، حتى ينشغل بعضهم ببعض وتدور المعركة فيما بينهم، بدلاً من أن تتوجه إلى أعدائهم، ولا يعهد في تاريخ أمتنا مثل هذا، وإنما كان يجل الصغير الكبير وإن أخذ عليه شيء، فهو يغفر له زلاته لما قدمه من خير وفير.
 
- والأشخاص الَّذين تطاولوا على بعض العلماء قلة نادرة جداً في التاريخ الإِسلامي، وأرى أن بعض الَّذين كتبوا، بل إن الَّذين كتبوا في تجريح علماء الأمة وعلماء الحركة الإِسلامية، لا يتجاوز ما كتبوه دوي بعوضة؛ بما لا يؤثر على هذه القمم من أعلام الدعوة الإِسلامية، فضلاً عن أن ينتقصها، وأفضل موقف يتخذ.. هو ترك هؤلاء دون رد، لأن الرد عليهم يحيي ما كتبوه ويجعل له رواجاً، وهو يموت تلقائياً، وكثير من الناس الَّذين قابلوني وأخبروني عن بعض هذه الكتب، قالوا: نحن رمينا الكتاب، لما كتب فيه - رموه يعني ما وجدوا استعداداً لأن يستمروا في قراءته - فيصل الأمر ببعضهم أن يكفر علماء أفاضل أحدثوا تأثيراً بالغاً في العمل الإِسلامي وفي الحقل الدعوي، فيتهمهم في عقيدتهم ويكفرهم، وهذا شيء لا يقبل عند العقلاء، والرد على هؤلاء أن يترك ما كتبوه ليموت تلقائياً، ولن يجدوا من يشتري هذه الكتب حتى يقرأها.
 
ومن الأستاذ سعد سليمان ورد سؤال جاء فيه:
- يرى البعض ضرورة نشر الأحاديث الموضوعة، حتى يكون الناس على علم بها، وبالتالي يتم تجنبها، بينما يرى البعض ضرورة تحجيمها حتى لا تشوش على العامة؛ فما رأي فضيلتكم؟
وأجاب فضيلة الشيخ الضيف على ذلك بقوله:
- علماء المصطلح ورجال الحديث تناولوا الكلام عن الأحاديث الموضوعة، وبينوا الأمر فيها، كما بينوا الكلام عن الأحاديث الضعيفة، ولهم كتب عن الصحيح والحسن لذاته أو الحسن لغيره، وكذلك الضعيف؛ وهو أمر مطلوب، لأن هناك من دسّ في السنَّة ووضع أحاديث كذباً على الرسول صلى الله عليه وسلم تأييداً لمذهبه، أو نصراً لعقيدته؛ ومثل هذا يكون مطلوباً في الأوساط العلمية بصفة خاصة للتمييز؛ والعلماء السابقون تناولوا هذا، ومن العلماء المعاصرين من يتناول هذا، لكنه ليس القضية التي تشغل بال المسلمين وتشغل بال العاملين على الدعوة إلى هذه الدرجة، وإن كان تخصص بعض الأفراد في هذا المجال يفيد ويقدم زاداً للآخرين.
 
ومن الأستاذ عثمان مليباري ورد السؤال التالي:
- شيخي الجليل: هناك مواقف طريفة وحوادث ضاحكة مرت عليكم أثناء عملكم في رحاب الجامعة، فهلا رويت لنا بعضاً منها، خاصةً وأنت تملك حساً أدبياً رفيع المستوى؟
ورد الشيخ القطَّان قائلاً:
- ربما أذكر نادرة واحدة ولها علاقة بالرد السابق..
- كنت أدرِّس في كليتي الشريعة واللغة العربية، في وقت يعلو فيه صوت العرب، وأحمد سعيد والجعجعة للقومية العربية، إلى درجة انبهار الناس بصوته؛ وأنا هنا في المملكة العربية السعودية معقل الإِسلام ومنشأ الدعوة الأم، ما كنت أعهدها في أي بلد عربي آخر، وأنا أدرِّس لطلاب شريعة وطلاب لغة عربية؛ وبالمناسبة: أنا في تلك الأزمة الناصرية والقومية والتيارات المختلفة هذه، أنا ما كنت أذكر شخصاً باسمه في خطب الجمعة التي كنت أعالج فيها قضايا أمتنا، وكنت أطرق الموضوع وأتكلم، بحيث أن السامع يفهم المقصود دون أن أذكر اسم أحد، مع ذلك منع المسؤولون هناك أسرتي من المجيء من مصر، إلى أن جاءت الهزيمة عام 1967م فزرت السفير المصري في جدة، وكان أيامها يحيى عبد القادر.. فتحدثت معه، فأعجبني موقفه جداً إذ قال: نحن نتابعك في أحاديثك في الإذاعة، وما تكتبه في الصحف، وحتى خطب الجمعة؛ وأنا أمامي كل شيء هنا، ولكني لم أر شيئاً توجهه توجيهاً مباشراً، لا إلى مصر ولا إلى رئيس جمهورية مصر، ولا إلى جمال عبد الناصر، ولذلك أنا الآن عندي قناعة بأن أكتب لهم هذا.
- في تلك الفترة دخلت الفصل لألقي على الطلبة في كلية اللغة العربية درساً هو عبارة عن عشرين حديثاً يتم شرحها شرحاً لغوياً بلاغياً؛ لما دخلت الفصل كان فيه طلبة من المشدوهين بالقومية وجمال عبد الناصر، فأحضر هؤلاء الطلاب المغرر بهم صورة بالألوان بحجم صحيفة آخر ساعة، ووضعوها على السبورة، في موضع كتابة التاريخ، فعندما دخلت ورأيت الصورة، انتظرت قليلاً إلى أن اكتمل دخول الطلاب، ثم بدأت أناقش الطلاب في الدرس السابق، فسألت طالباً سؤالاً عن الدرس فوقف ولم يجب، قلت له: انتظر واقفاً، ثم سألت آخر من الأشخاص الَّذين أعرف أن لهم اتجاهاً قومياً ناصرياً.. فلم يجب، ثم الثالث: فلم يجب أيضاً، وكان في الفصل طالب من الطيبين، أعدت عليه السؤال مرةً أخرى، فأجاب؛ وهنا التفت إلى الطلبة الواقفين وقلت لهم: هناك طائر اسمه الببغاء وهذا في طبيعته المحاكاة، وأنتم كالببغاوات تسمعون ما في الإذاعات فتحاكونه، فهل تستطيعون محاكاة زميلكم هذا؟ فسكتوا.. ولم يجب أحد؛ ثم أخذت إصبع التباشير، ونزعت الصورة بإصبع التباشير، فسقطت على الأرض فوضعت رجلي اليسرى عليها، وكتبت التاريخ من اليمين، ثم انتقلت إلى الجهة اليسرى فنقلت رجلي اليمنى على الصورة أيضا، وكتبت التاريخ، ثم بدأت أكتب الحديث، وخلال كتابتي الحديث الَّذي سأشرحه على السبورة، كنت أسترق نظرات للطلبة، ناقلاً رجلي اليمنى بالنعل من هنا إلى هنا فوق الصورة، وأنظر للطلبة فأجد الطلبة ما بين طالبين، طالب كأني أطأ بقدمي على رأسه، فهو منكسر، وطالب آخر ينظر مسروراً ويضحك ويلتفت لبعض زملائه، ولم أكلف نفسي سؤال أحد، لكني كنت أشرح وأنا واقف والصورة تحت قدمي، وأحرك رجلي يمنة ويسرة والصورة تحتها تتقطع.
- وانتهت المحاضرة فإذا الصورة ممزقة تمزيقاً كاملاً، وانصرفت بعد انتهاء الدرس إلى مكتب مدير الكليتين الشيخ عبد الرحمن الدخيل، ووجدت بجانبه الشيخ عبد الرزاق عفيفي، فقصصت عليهما القصة، فانشرحت صدورهم وقالوا: إن هذا أحسن علاج.
- والحقيقة: إن هذا الموقف الصامت - يعني الجواب الصامت - جعل أنظار هؤلاء الطلاب وأمثالهم، منكسرة، وأعتقد أن الإخوان يعرفون هذه القصة، وهذه نادرة من النوادر الطريفة التي مرت بي في أثناء التدريس، ولها صلة بأن خير الردود - أحياناً - لا يكون بالكلام ولا بالكتابة، ولكن السكوت عنها، لأن تركها سيجعل الناس يمزقونها ويتركونها بدون شيء.
وورد سؤال من الرشيد عز الدين قال فيه:
- من المعروف أن في القرآن ناسخاً ومنسوخاً، أي أن هناك آيات نُسِخَ حكمها وبقي لفظُها، وآيات نسخ لفظُها وبقي حكمها؛ فما هي الحكمة من ذلك؟
وكانت إجابة المحتفى به قوله:
- النسخ في القرآن كما أشار إليه الأخ منه ما هو منسوخ التلاوة والحكم، ومنه ما هو منسوخ التلاوة دون الحكم، أو الحكم دون التلاوة وهو يقرأ؛ ولكن أكثر ما يذكره الَّذين كتبوا في النسخ ليس من باب النسخ، بل من باب العام والخاص، أو المطلق والمقيد، ومعظمه من باب العام والخاص؛ والآية التي أشارت إلى ما يكون من نسخ هي قوله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها فيتضح من بيان الحكمة في النسخ جملة أمور، الأمر الأول: التدرج في التشريع، وقد تحدثنا عن مراحل الدعوة وتدرجها، وذكرنا موقف الرسول (عليه الصلاة والسلام) من الأصنام حول الكعبة، فمنها التدرج في التشريع؛ فالخمر مثلاً، تدرجت آيات تحريمها، فنجد أولاً قوله تعالى: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً فذكر السكر ولكن ابتداءاً تجد رزقاً حسناً، وصف الرزق وهو ما يؤكل بأنه رزق حسن، يشعر ابتداءاً بأن الرزق أحسن من السكر، ثم: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما فترجح جانب الإثم على جانب المنفعة؛ ثم جاءت الآية الثالثة: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فبدؤوا يتمرسون؛ فإذا كان عليهم ألاَّ يقربوا الصلاة وهم سكارى فإن عليهم أن يمتنعوا عن الخمر فترة قبل موعد الصلاة؛ ثم لما تهيأت نفوسهم نزلت الآية الأخيرة: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ولذلك قالوا سمعنا وأطعنا ورموا بدنان الخمر، حتى كانت تسيل في شوارع المدينة؛ فهذا جانب يتصل بالتدرج في التشريع.
- جانب آخر وهو نفس الإيمان بالناسخ، هو امتحان لمدى الإيمان نفسه عند المسلم، لأنه يعتقد أن هذا من الله، وهذا من الله فلا يسعه إلاَّ السمع والطاعة؛ ومن الآيات حتى ما ورد فيها من قبيل المنسوخ ولم يعمل بها، لعدم وجود فرصة للعمل بها، فكان من أسباب النسخ أو من حكمته التخفيف: يا أيها النبي حرِّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين، وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفاً من الَّذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون، بعدها..: الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله فجاء التخفيف؛ وهذه في مجموعها الحكمة من وراء النسخ، مع أنه لا ينبغي التوسع فيها، فكثير مما جاء في أنه من قبيل الناسخ والمنسوخ، كان من قبيل العام والخاص، أو المطلق والمقيد، أو البيان والتخصيص.
 
وسؤال من الأستاذ عبد المجيد الزهراء، وأيضاً في نفس المعنى ورد سؤال من الأستاذ محمد نجم الدين الصابوني والسؤال هو:
- لو تكرمتم بسرد بعض ذكرياتكم مع الإمام الشيخ حسن البنا (رحمه الله)؟
وأجاب فضيلة الشيخ القطّان على طلب السائلين بقوله:
- أنا أذكر آخر ذكرى معه قبل استشهاده بيومين فقط، لقد كان يسكن في حارة اسمها: حارة سنجر الخازن في دور أرضي، وهي حارة في منطقة شارع متفرع من شارع محمد علي؛ فلما قامت المحنة واعتقل كثير من الإخوان، وأبقوا على الإمام الشهيد حسن البنا، وكانت هناك حلقة اتصال وكنت أحد الَّذين يقومون بهذا الاتصال، فجاءني الأخ الَّذي كان مسؤولاً عن الوجه البحري - أنا من إقليم المنوفية والوجه البحري - أراد أن يزور الأستاذ، أنا أترقب أوقات معينة أروح فيها، إنما رغب أن أبلغه أنه يريد أن يزوره؛ فجئنا في مكان قريب من البيت، وكان يوم جمعة، فجلس بدكان أحد الحلاقين، وكان الحلاقون يسمحون لصاحبي مهنتين أخريين للعمل معهم في نفس دكاكينهم، إحدى هاتين المهنتين مسح الأحذية، والأخرى صناعة الطرابيش. ثم قال لي: أنا سأجلس هنا حتى تعود إليَّ بالإِذن وما إذا كان الجو مناسباً أو لا.
- ذهبت إلى البيت وتسربت من البدروم، حيث كان الإمام ساكناً في شقة متواضعة لها باب على السلم لاستقبال الضيوف، وباب خلفي يتخذه مدخلاً لنفسه، قرعت الباب ففتح لي شخص يدعى عبد الكريم منصور - وربما بعضكم يعرفه فقد كان نسيب الأستاذ البنا - فوجدتهم يتناولون طعام الغداء؛ وبعد أن انتهوا قال لي الأستاذ: تعال تغدَّ معنا.. اعتذرت.. وقلت: إن فلاناً - وهو أحمد العبد رحمه الله - موجود خارج البيت ويرغب في زيارتك؛ فقال ببشاشة وجه: الناس يرتكبون المحرمات جهاراً، ونحن غير قادرين على عمل الإِسلام حتى سراً؛ وتلا قوله تعالى: إن الَّذين أجرموا كانوا من الَّذين آمنوا يضحكون، وإذا مروا بهم يتغامزون، وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ثم أردف قائلاً أما هؤلاء - أي أهل الإيمان في هذا العصر - إذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا وجلين خائفين.. ثم طلب من عبد الكريم منصور أن يتأكد من وجود الولد المخبر وعدمه؛ ثم أمرني بإحضار الأخ أحمد العبد، فلما أحضرته ودخلت معه، فجلس مع الإمام الشهيد، وأنا أخذت أتشاغل بالاطلاع على الكتب حتى أتيح له أن يتكلم مع الأخ أحمد، لعل بينهما من الأسرار ما لا يريدان أن يطلع عليه أحد، لكنه كان ألمعياً وذكياً، فأدرك أني أتشاغل حتى لا أسمع الحديث فقال: تعال إني أريدك أن تسمع؛ فجلست عن يساره وجلس الأخ عن يمينه، وشاركت في الحديث.
- هذه حادثة، وأتذكر حادثة أخرى؛ فقد كان خلال زيارته للمحافظات يعقد صواناً كبيراً ضخماً، ويتخذ من المواسم الدينية مناسبة لعقد هذه الحفلات؛ كنت أدرس في معهد شبين الكوم، المرحلة الثانوية، فأبناء قريتي الَّذي يحضرون كانوا يبيتون عندي، وكان يحضر حفلاته القسس والمدعوون على اختلاف اتجاهاتهم، وكان القسس يجلسون في المقاعد الأمامية ويستمعون إليه، ليس هناك مفاضلة من ناحية الدعوة، فهم يدعون ويحضرون ويتقدمون ويجلسون في أماكن جيدة؛ وكان من عادته بعد انتهاء المحاضرة وينتهي الحفل، يدخل عليه أبناء كل شعبة من شعب القرى، فيسلم عليهم مجموعة مجموعة، ويتعرف عليهم؛ فأنا دخلت مع مجموعة رغم أني في شبين الكوم ومعروف أن دراستي فيها، فدخلت هذه المجموعة، وهي من بلدي نائباً عن رئيس الشعبة، فسلمنا عليه وكل منا يعرف نفسه، فلما جاء دور أحد المنتمين إلى شعبتنا - وكان حلاقاً في بلدنا قرية شنشـور - وسلم على الإمام قال له: كيف يدك؟ لم يلتفت أحد منا إلى هذا، ولما عدنا إلى السكن سأل الأخ الحلاق: يا ترى لم الإمام البنا قال لي كيف يدك؟ وأخذنا نتذكر حتى صرخ الحلاق وقال: عرفت السبب، لقد حضرت العام الماضي سلمت عليه وكانت يدي مربوطة، فتذكرني وسألني اليوم.
- لقد دهشنا من قوة ذاكرة الإمام، رجل يستوعب إخوانه وتلاميذه هذا الاستيعاب، حتى إنه ليذكر حالة شخص رآه منذ عام مضى وسلم عليه، ولم يعرفه ولم يكن له وجاهته، بل شخص عادي من قرية صغيرة، يعمل حلاقاً.
- هاتان نادرتان من النوادر التي أتذكرها عن الإمام حسن البنا (رحمه لله).
 
وسأل الأستاذ عبد المعطي عبد اللطيف قائلاً:
- في الأسبوع الماضي ألقى ولي عهد بريطانيا - في جامعة أكسفورد - محاضرة عن الإِسلام والعالم الغربي؛ ألا ترون فضيلتكم من المناسب جداً من الدعاة الاتصال به لتوثيق المعرفة بالإِسلام.. الدين القويم؟ جزاكم الله خير الجزاء؟
ورد فضيلة الشيخ القطَّان قائلاً:
والله هذه فكرة طيبة، لقد كان ما ذكره وتكلم به موضع تساؤل ولفت النظر، وأظن بعض الإخوان كتبوا في الصحف - أيضاً - عن هذا، والفكرة يمكن بعض الإخوان يتعاونون في تحقيقها.
 
وورد سؤال من الأستاذ عبد الفتاح قال فيه:
- توقع بابا الفاتيكان - المدعو يوحنا بولس - وقوع حرب كونية ثالثة، في غضون خمسين عاماً من الآن، وقد حدد طرفي الحرب المشار إليهما الإِسلام والمسيحية، فما الَّذي يعنيه؟
وكانت إجابة الشيخ منَّاع على السؤال قوله:
- والله أظن أن كثيراً منكم، وأنا رأيت عدداً من الإخوان الصحفيين، والإخوان الَّذين يقرؤون باللغة الإنجليزية، أن هناك كتاباً أصدره نيكسون، وقد قرأت ما كتبه مصطفى محمود في الأهرام عن هذا الكتاب، وهو يحذر من الإِسلام تحذيراً صريحاً، وخلاصته: أن لا تسروا من انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار الشيوعية، ولكن أعدوا العدة للإسلام الآتي لا محالة؛ فيقول: الإِسلام قادم قادم.
- وما أعتقد أن مثل هذا يكون غريباً، لكن للأسف فإن حبالنا مقطوعة بين طبقة منعزلة من العلماء، وطبقة من المفكرين، وطبقة من الصحفيين، فليس هناك التواصل الكافي الَّذي يجعل الرأي مشتركاً، ويجعل الاحتكاك الفكري يتمخض عن الرأي الأفضل؛ لأن الاحتكاك الفكري يرينا الشيء الأفضل.
- مثل هذا الكتاب لا يصدر إلاَّ لأنه هناك هواجس داخلية بهذا المعنى عند الفاتيكان، الأسلوب الكنسي القديم غير موجود الآن، فما ذكره الفاتيكان هو موضوع اهتمام عند رجال السياسة، وعند رجال الفكر، وعند العالم الغربي كله؛ فيما يتوقعونه بالنسبة للإسلام ومستقبل الإِسلام القريب - إن شاء الله - هم لا ينسون أن الإِسلام وقف على أبواب فينا وعلى أبواب روما، ومواقفهم من البوسنة والهرسك خير دليل على هذا، ومن الدول الإِسلامية وقضايا العالم الإِسلامي الأخرى، مثل: كشمير والصومال.. مواقف ينعكس فيها التوجه الفكري، والعسكري، والسياسي، كله مرتبط ببعضه.
 
وسأل الأستاذ غياث عبد الباقي قائلاً:
- لديكم (بارك الله فيكم) تجربة كبيرة وصولات وجولات في العمل الدعوي، وفي مجال الصحوة الإِسلامية؛ فما رأيكم.. هل أدت الحركة الإِسلامية في مجال الدعوة إلى الإِسلام في صفوف الشعوب غير الإِسلامية دورها؟ وكيف ترون الطريق الصحيح لتبليغ الإِسلام بصورة فعالة؟
وردّ فضيلة المحتفى به قائلاً:
- كان من فضل ما وقع على الحركة الإِسلامية من اضطهاد في البلاد العربية، أن كثيراً هاجر إلى الخارج فاستفاد علمياً دراسياً، وهناك أناس حصلوا على شهادات علمية، وكان لهم في البلاد الغربية حيث الحرية مكفولة - نشاط ديني - فهناك مراكز إسلامية واتحاد طلاب المسلمين في أوروبا وأمريكا؛ وهذه المؤسسات تمارس نشاطا قوياً؛ وفي فرنسا توجد الكلية الأوروبية الإِسلامية، وأنا أحد الَّذين شاركوا في وضع مناهجها وعضو اللجنة العلمية فيها، وهي في ضاحية قريبة من باريس؛ والمسلمون في عالم الغرب يمثلون ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المسلم؛ فالإِسلام يجمعهم، وحركة هذه المراكز الإِسلامية، واتحادات الطلاب المسلمين تضم كل الأجناس، وقد تميزوا بطابع معين يخفف من الغلو، ويخفف من التمايز العرقي والتمايز المذهبي.
- أما عن كتاب: "نكسون" ففي العالم الغربي ظواهر تشير إلى عداء الغرب للإسلام؛ ففي ألمانيا تعذب الجالية التركية الإِسلامية، وتحرق بيوتهم ويقتلون؛ كما صدرت قوانين جديدة تمنع الإقامات، أو تضيق نطاق قبول أي واحد في دولة أوروبية أو يعيش فيها، أو الحصول على إقامة منها؛ وربما قرأ البعض عن طرد أربع فتيات مسلمات من مدرسة لارتدائهن الحجاب.
- فالتوجه منعكس الآن على تضييق الخناق على هذا النشاط الإِسلامي في العالم الغربي، وأرى بالنسبة إلى هذا أمرين أساسيين، الأمر الأول: أن تكف بعض الجهات - التي تريد أن تضع يدها على هذا النشاط - عن ممارسة هذا النشاط، فالَّذي لا يعمل لحسابها لا تريده، ولا تساعده؛ والأمر الثاني: أن يراعي العاملون في هذه المجالات الدعوية في عالم الغرب الظروف السياسية العامة، في اتخاذ المواقف المناسبة دون استثارة واستفزاز. هذا ما أراه، والله وليّ التوفيق.
 
ومن الأستاذ ماجد رحمه الله ورد السؤال التالي:
- إن المتخرجين - الآن - من الكليات في العالم كله أصحاب اختصاصات معينة في علم أو موضوع؛ بخلاف المتخرجين القدامى الَّذين كانوا يجمعون بين شتى العلوم والمعارف؛ فكيف انتشرت ظاهرة التخصص بدل الشمولية والموسوعية؟ وما رأيكم في ذلك (حفظكم الله) وهل يمكن الرجوع إلى تلك الموسوعية أو الشمولية؟
 
وكان ردّ فضيلة الضيف قوله:
- في الحقيقة: إن العصر هو عصر التخصصات الدقيقة، والهدف من هذه التخصصات الدقيقة - أو المقصود منه - البروز في جزئية من جزئيات العلم، ولكنه عاد بالتالي بنوع من الأمية في شمولية العلم أو المعرفة؛ فأنا أرى الَّذين يعملون في الحقل العلمي ويخططون للدراسات الجامعية والدراسات العليا، أن يراعوا هذا ليظل المتخرج يعني عنده قدر معقول من الشمولية، يمكنه على المشاركة في العلوم الأخرى، ولا يتفرغ لفرع أو جزئية صغيرة؛ والمثل الواضح في هذا: المشايخ الكبار، مثل الشيخ الحبيب بلخوجة، والأزهر على نظامه القديم، تجد الدارس الأزهري على النظام القديم لا يعرف تخصصاً بعينه، فهو يتقن أساليب البحث العلمي وطرقه، ومنفتح على العلوم المتعددة الشرعية، فتجده في الحديث، في التفسير، في السنَّة وعلومها، في القرآن وعلومه، في الفقه، في أصول الفقه، حتى في المنطق، وحتى في الفلسفة..، لأن هذه المواد كانت تدرس من قديم في كلية أصول الدين، في التاريخ، ولا سيما التاريخ الإِسلامي؛ فكانوا علماء.. عندهم العلم الشمولي، الَّذي أشار إليه الأخ.
 
- ومشاغل الحياة - الآن - وما توجه إليه التخطيط المعرفي من تخصصات فرعية، هو الَّذي أدى إلى الحالة التي نشاهدها؛ ولكني أنصح الَّذين يقومون على التخطيط للتخصصات العلمية الدقيقة، أن يراعوا أن يظل الدارس ملماً بقدر كاف من العلوم المتصلة بتخصصه، ليكون عنده من المعرفة الشمولية ما أشار إليه الأخ في سؤاله.
وورد سؤال من الدكتور محمد مسفر الزهراني جاء فيه:
- ذكر ابن حجر في الجزء التاسع من كتاب فتح الباري، أن بعض الحنابلة أجاز الخاطب أن ينظر إلى الفتاة التي تقدم لخطبتها متجردة، اعتماداً على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناه تقريباً: أن ينظر الخاطب إلى ما يرغبه في نكاحها؛ وذكر قصة خطبة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لأم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب وكشفه عن ساقها.. أرجو التفضل بإبداء ما ترونه؟
وأجاب ضيف الاثنينية على السؤال بقوله:
- الحديث الوارد في هذا، أن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث: "هلا نظرت إليها ونظرت إليك فذلك أحرى أن يؤدم بينكما"، الفقهاء بالإجماع يستثنون الرؤية في خطبة النكاح، أو في الشهادة، أو العلاج الطبي، وهذا يعني أنَّ كشف شيء من العورة والنظر فيه مباح، لهذه الأسباب وفي الحديث الآخر جاء أيضاً: "إن استطعت أن تنظر إليها فيما يرغبك فيها فافعل".
- وأظن أن هذه نفس عبارة الحديث الَّذي أشار إليه الأخ السائل: إن استطعت أن تنظر إليها فيما يرغبك فيها فافعل؛ وهذا لا يعني النظر إلى وجهها وكفيها ليرغب فيها، بل إلى ما ذكره الشراح والفقهاء من أنه يرى من أطرافها ما ترغبه في زواجها، لا أن يراها عارية، لأن العري فحش في ذاته، وإنما يرى الأطراف التي ترغبه في زواجها، وهذا منصوص عليه عند الفقهاء.
 
وورد سؤال من الأستاذ طارق الغامدي جاء فيه:
- هل تم إصدار حكم شرعي في ما يحدث الآن في التحكم في الجينات، والتحكم في أوصاف المولود من ناحية الشكل والصفات؟
فأجاب فضيلة الشيخ القطّان قائلاً:
- هذا الموضوع تحت الدراسة، وليوجه هذا السؤال إلى مجمع الفقه الإِسلامي؛ فهم درسوا هذا الموضوع، وصدر فيه حكم، ومن الممكن أن يقوم فضيلة الشيخ الحبيب بلخوجة بالإجابة.
 
وتفضل سماحة الشيخ بلخوجة بالرد قائلاً:
- بسم الله الرحمن الرحيم..
هذا الموضوع لدقته وصعوبته طرح في مؤتمر طبي في الكويت، ودعونا جمهرة من الفقهاء لبحث هذا الموضوع، وتتبع جزئياته، فذكروا المحاذير التي تقتضي المنع، وكتبوا في ذلك دراسات عميقة، ونشرت حتى باللغات الأجنبية، أخص بذلك اللغة الفرنسية والإنجليزية؛ وكانت بعض الجامعات في أوروبا، مثلاً: في باريس، وفي لندن، كتبت إلينا تطلب هذه الدراسات وأرسلنا بها إليهم.
والسؤال الأخير كان من الأستاذ أحمد سالم باعطب حيث قال فيه:
- ما حكم مصافحة المسلم المرأة الأجنبية، وإذا كانت المرأة واقفة تستقبل الضيوف بجوار المستقبلين، فهل يتجاوزها أم يضع منديلاً على يده أو طرف كم ثوبه ويصافحها؛ أرجو إفادتي جزاكم الله خيراً؟
وأجاب فضيلته قائلاً:
- الأفضل عدم المصافحة، فالحديث الَّذي جاء في بيعة النساء، فاستدل العلماء من هذا الحديث: "ما مست يده يد امرأة إنما بايعهن كلاماً" وقوله: إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن إلى آخر الآية.. ولكن إذا عدنا إلى الأسلوب الدعوي، ينظر الإنسان إلى أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ينظر الإنسان إلى الأثر المترتب؛ واحدة استقبلته مع زوجها ومدت يدها للسلام؛ فهناك من النساء الطيبات اللائي لا يعرفن الحكم يعتبرن عدم مد اليد إهانة بالغة لهن، أي احتقار ازدراء، وفيهن الفاهمة وتتقبل؛ فهو ينظر إذا كانت هي تتقبل ألاَّ تمد يدها ابتداءاً للمصافحة فلا يصافح؛ ولكن إذا مدت هي يدها ويرى أن هذا قد يؤدي إلى امتعاض منها ويضر أكثر مما ينفع، فلا مانع من أن يمد يده للسلام عليها.
- ومسألة نقض الوضوء المتصلة بهذا، فهي موضوع خلاف، فالآية: إذا لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا ولكن الراجح أن ملامسة النساء هنا بمعنى النكاح، وليس مجرد اللمس الَّذي ينقض الوضوء. فالآية من الأول ذكرت: يا أيها الَّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء ولم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فذكر الله (سبحانه وتعالى) الطهارة الصغرى أولاً من الوضوء بالماء ومن التيمم، ثم ذكر الطهارة الكبرى من الاثنين.. أيضاً بالماء وبالتيمم، فقال: أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا.. فيكون اللمس هنا المراد به النكاح، وهو الراجح عند العلماء، وهذا تعقيب فقط على المصافحة باعتبار أنها هل تنقض الوضوء أو لا تنقض أيضاً
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :814  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 44 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج