شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
1 ـ التاجر (1)
نحن الآن في القرن العشرين أو كما يقولون في عصر المدنية الحديثة وقد أحست الأمم الشرقية بالتأخر الذي وقعت فيه فأصبحت تعمل لتلافي ذلك التأخر وأظن أن الحرب العالمية كان لها تأثير قوي في تيقظ الشعوب وتنبهها وبالرغم من أن الحركة التجارية في جميع الأمم تقدمت بعد الحرب العالمية، فقد تأخرت في بلادنا، وإني وإن كنت أرى الآن نشاطاً في الحركة التجارية إلا أنه ضعيف يحتاج إلى عناية عظيمة ودقة تامة ولا أريد أن أستعرض هنا ما طرأ على الحالة التجارية في هذه البلاد بعد الحرب العالمية إلى الآن خوفاً من الخروج عن الموضوع الذي أنا بصدده وهو تتبع الأدوار والعادات الموجودة فينا. توجد محلات للتجارة في بلادنا تختلف حركتها باختلاف موقعها الجغرافي وكثرة السكان وقلتهم، وهذا نجده في عموم بلاد العالم، ففي جدة مثلاً نجد أن حركة المحلات التجارية عظيمة وهذا يرجع إلى موقعها الجغرافي من جهة وإلى نشاط القائمين من جهة أخرى، فوقوع جدة على ساحل ثم نشاط سكانها وميلهم إلى تعاطي مهنة ووجود رابطة لا بأس بها بين تجارها واتفاق كلمتهم كل هذا جعل لها مركزاً مميزاً في التجارة الحجازية كما أننا نجد حركة التجار في مكة المكرمة متوسطة أو ضعيفة وهذا يرجع إلى انصراف سكانها لتعاطي مهنة الطواف والزمزمية وما شابه ذلك ثم إن المحلات التجارية الموجودة بها مفككة العرى أو بمعنى آخر على عكس المحلات التجارية الموجودة في جدة على خط مستقيم، كما أن وجود التجّار المزيفين فيها له تأثير في ضعف الحركة وشللها أما بقية المدن الحجازية فالحركة التجارية فيها أضعف من مكة المكرمة بكثير وهذا يرجع إلى أمرين اثنين.
الأول: قلة سكان تلك المدن، والثاني: فقر أكثرهم. هذا شيء بسيط عن الحركة التجارية في بلادنا أتينا به عرضاً في مقالنا لما له من الرابطة بموضوعنا والحقيقة أنه يجب التوسع في موضوع هذه الحركة بصورة أكثر توضيحاً وأعظم، إلا أن ضيق المقام ونظام السير الذي وضعناه لغربالنا يقضي ذلك، ولعلّ أحد أدبائنا يتناول هذه الحركة بتفصيلات أكثر وبحث لما لها من التأثير في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية.
والآن، نعم الآن لنعد إلى وظيفتنا (الغربلة) فنجد التجارة في بلادنا على قسمين قسم صحيح وقسم مزيّف ونقصد بالقسم الصحيح هو الذي ينشئ محلاً لتجارته برأسمال يصلح أن تدار به الأعمال التجارية ويستطيع صاحبه أن يحرص على مواعيد الدفع التي يتعهّد بها ويحافظ على اعتباره الذي هو الحجر الأساسي في إدارة الشؤون التجارية بأنحاء العالم، وهذا القسم ليس لنا معه بحث من هذه الجهة أما من جهات أخرى فلنا معه أبحاث عديدة. وأما القسم الثاني المزيف فهذا الذي يكون رأسمالهم بسيطاً لا يكفي لمثل هذا العمل وكثيراً ما نرى أُناساً يقدمون على التجارة وهم لا يملكون من المال ما يصلح لأن يكون مداراً لهذا العمل ولا أبالغ إذا قلت إنه لا يكفي لاستئجار الأماكن التي تحتاجها الأعمال التجارية ولا لتأسيس المكتب اللازم لها، ومما يزيد في الطين بلة أن هؤلاء الذين يقدمون على الأعمال التجارية هم في تلك الحالة لا يكتفون بأن يطلبوا من مكان أو مكانين بل يطلبون من عشرات الأماكن في مختلف الأصقاع ظناً منهم أن ذلك يوسع في نطاق دائرتهم التجارية ولكن مع الأسف بقدر ما حافظوا ضيعوا بل ضيعوا أكثر مما حافظوا، هذا إن أحسنا الظن ولم نقل إنهم يقصدون الشهرة الكاذبة لأنهم لا يلبثون أن تنهال عليهم أوراق التحويلات فنجدهم يقعون في حيص بيص فلا يوجد لديهم نقد لتسديد تلك التحويلات ولا يستطيعون رفضها فيقعون في مشكلة عويصة لأن التاجر إذا رفض التحويل أسقط اعتباره ومن هنا تنشأ السمعة السيئة التي ما أسرع تناقلها في المحلات التجارية لذلك تراه يضطر لعرض بضاعته وبيعها نقداً بأبخس الأثمان، ومن جراء ذلك يعجز في مبلغ لا يستهان به وهذه وأمثالها تكشف من حالته التجارية فيتأخر في سيره حتى لا يلبث أن يعلن عن إفلاسه.
فهذا القسم المزيف دون شك لا يعتبره العرف التجاري تاجراً ولا يعد إفلاسه إفلاساً، إن ما بني على الفساد فاسد. وهذا القسم موجود في بلادنا وأعماله تقع أمام أعيننا وبالرغم من قلته فإن وجوده خطر على التجار والتجارة الحجازية لأن إساءة السمعة وإن كانت في الظاهر لا تتعدى شخصه لا بد من أن تؤثر على غيره وبالأخص إذا تكرر ذلك. فلو أن هذا القسم تدبر وتروى في أمره قبل الوقوع في تلك التهلكة وأحسن التصرف في أعماله التي أقدم عليها وسار على سنّة التطور لأفاد نفسه كثيراً يقولون إن الطفرة محال أي إنه يجب أن يسير الإنسان بطريق التعقل في أعماله.
أما أنه يأتي من الباب إلى السطح دفعة واحدة فهذا خطر محقق لأنه إذا سقط يكون سقوطه شنيعاً وهذه الحوادث التي تقع أمام أعيننا تعطينا درساً بليغاً أقول تعطينا درساً بليغاً إذا اتعظنا أما إذا بقينا لا نفقه ولا نعي فالإفلاس سيعمّ دون شك (لا قدر الله).
وإني ألفت نظر من أوكل إليهم هذا الأمر ليعالجوه قبل أن ينتشر فيصير الداء المزمن الذي نتيجته الموت المحقق هذا إذا كان قصدنا تنظيم أمورنا، وإصلاح أحوالنا، أما إذا كان القصد (غمض عينك لا تدقق) فهذا باب آخر وله كلام آخر، ويحتاج إلى كاتب آخر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :367  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 39 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج