شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
3 ـ أنا والأخلاق (1)
شيء غريب أظن ـ وإن بعض الظن إثم ـ أن عنوان مقالتي السابقة المدرسة التي تعلمت فيها، ولكن على ما يظهر لي أني ما تكلمت عنها ولا بكلمة واحدة فهل هذا دليل على غباوتي وجهلي أم ماذا؟
أنا لا أنكر أني قرأتها بعد أن سوّدتها ونقحتها وصقلتها أيضاً عدة مرات أمعنت النظر فيها ولكني لم أنتبه إلى ذلك فهل لهذا سبب؟ مالي والبحث والتفكير في شيء. مضى وانقضى فإن كنت ما تكلمت عن المدرسة التي تعلمت فيها فقد تكلمت عن بعض المدارس وبالطبع دخلت تحت ذلك البعض فلعلّ تلك الحرولة تؤثر فيها فتعدل عن خطتها وبذلك أكون قد كفيت مؤونتها والآن أكتفي بما تقدم دون أن أتكلم في موضوع محاكاة التلميذ للأستاذ وتكليف كل منهما بما فوق وسعه من الدروس والمراقب والبوّاب والنظافة و، و، و، واكلاً أمر ذلك إلى مديري المدارس ومراقبيها وإذا أبوا إلا تكليفي فسأحمل الغربال والمنخل والمرجف وأدور ولا أترك شيئاً إلا أتيت عليه وسأكون محقًّا في ذلك أليس كذلك؟
الرفاق الذين صحبتهم:
صحبت رفاقاً من أهل الشر والآثام وأعذرني أيها القارئ إذا كنت مجبوراً على ذلك وإني أوضح لك وأعطني سمعك. كان الويل لي إذا شعروا أني صحبت أي شخص خوفاً منه علي فالكل يتجسس علي ويكمن لي بكل مرصد فقد أضاعني وأضاع وقته سدى أنا بشر وعلماء الاجتماع يقولون إن الإنسان مدني بالطبع فهذه الغريزة لا بد من أن تدفعني إلى التعرّف بزيد وعمرو، وبكر أو هذا يلجئني إلى أن أحادثهم ويحادثوني وأسير معهم ويسيروا معي وأخالطهم ويخالطوني ولكن المراقبة هي لي وتمنعني عن ذلك، غريزة الاجتماع بالناس الموجودة في وفي كل شخص تدفعني إلى مخالطتهم وما أراه من اجتماعهم يحثني على أن أحذو حذوهم كما أن شدة المراقبة التي أنا واقع فيها تزيّن لي ذلك فلا أزال أتطلبه، وأحب شيء إلى الإنسان ما منع، فتجدني مضطراً إلى القدوم على أشياء مفسدة للأخلاق ومخلة بالأدب وأخرج من الدار متخفياً متلصصاً إلى أن أصل إلى المكان الذي أجد نفسي طليقاً فيه ولكن هذا الخروج يكلفني كثيراً من المشاق والعناء.
الرجل في بيته:
كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها.. والخادم في مال سيده راعٍ ومسؤول عن رعيته. جميل جداً، فرب البيت راعٍ ومن في بيته رعية وحيث إن الراعي مسؤول عن رعيته عن جميع من في بيته. إن رب البيت هو الذي يدير أموره كيفما شاء وهو قائد من فيه يدير أمورهم بمعرفته. فتعال معي أيها القارئ قليلاً إلى بعض أرباب البيوت (ولا أقول الكل) لنطلع إلى بعض أعمالهم ثم نبحثها لنعرف هل هي نافعة أو مضرة، كثير من أرباب العائلات نجدهم عندما تطأ أقدامهم أعتاب دورهم يشعرون أن جميع من فيها عبيد أرقاء لا يملكون من أمرهم عدلاً ولا صرفاً فيأمرون وينهون ويصرخون ويصدرون أمرهم بما يشاؤون ومن في البيت سامعون طائعون وليتهم مع كل هذا مخلصون ثم تعال أيها القارئ لنبحث علنا نجد لأمرهم أو انصرافهم مسوغاً كثيراً ما نجد أنه لم يكن هناك مسوغ لكل ذلك وإنما الاستبداد والتحكم فيهم والظلم الذي في نفوسهم هو الذي يخلق لهم تلك الأوهام ويعظمها ويجسمها في أعينهم فيعاملون من هم في كنفهم وتحت رعايتهم بمعاملات لا تنطبق وروح العدل والإنصاف، نجد رب العائلة كثيراً ما يسيء إلى زوجته وكثيراً ما يهين الخادمة وكثيراً ما يهمل تربية أطفاله ثم بالتالي يشمخ بأنفه عليهم ويصعر خده عنهم وينظر لهم شذراً ويكلمهم والعظمة الكاذبة تكسوه من رأسه إلى إصبعه، كل ذلك لكونه رب البيت وجميع من فيه بحاجة إليه، الآن وقد أتينا على هذا القسم فيجب أن تأتي على القسم الآخر، وهذا ما نجسد نتائج أعماله الوخيمة جداً بالرغم من قلته. وأريد بالقسم الآخر هم الذين لا يعلمون عن شيء من أعمال بيوتهم ولا عما يحدث فيها ولا كيف تدار شؤونها وليس لهم كلمة ولا قول بل القول ما قالت حذام من هذا القسم أناس كثيراً ما يخجلون في بعض المواقف كثيراً ما يكونون أضحوكة في أعين الناس والعارف لا يعرف وكثيراً ما يحارون جواباً إذا سئلوا عن شيء من الأشياء الداخلية التي يهمهم أمرها والتي من الضروري أن يعرفوا ولو شيئاً عنها هؤلاء موجودون بالرغم من قلتهم فإن وجودهم بين ظهرانينا مضر لأن من القليل يتولّد الكثير هذا من جهة ومن جهة أخرى لأنهم أهملوا ما لهم وما عليهم من واجبات فأساؤوا إلى أنفسهم، إلى عائلتهم وإلى أمتهم أيضاً.
يجب أن نعرف أن رب البيت عليه حقوق كما أنه يجب أن نعرف أنه إذا لم تصلح داخليتنا فلا تصلح خارجيتنا فيجب أن نعمل لإصلاحها ونعطي كل واحد كما يجب دون إفراط ولا تفريط بذلك فنكون قد أحسنا إلى أنفسنا وإلى من نرعاهم وإلى من نحن مسؤولون عنهم إلى من هم أمانة مودوعة في أعناقها إلى من سنحاسب عما تجنيه يدنا معهم وسنجازى عليه إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
كثير من أرباب البيوت يسيئون إلى من في بيوتهم دون مسوغ ودون حق فيهضمون حقوقهم ويدوسون واجباتهم ولكن لا يعلمون أنه نتيجة ذلك خراب البيت، وأن كثيراً ما تؤدي تلك الأعمال إلى الفوضى فيه، فيصبح كل من فيه يرى نفسه هو الآمر الناهي ومن هنا بدء الخراب. كثيراً ما نجد رب البيت يستبد برأيه في الأمور المنزلية فيعمل بفكره كأن الذين معه ليس لهم في الأمر شيء وهذا الرأي على ما رأى غلط لأنه كثيراً ما نجد أن هذه الأشياء تصرم حبل ائتلاف العائلة وتحدث مشاغبات داخلية تؤدي للعداوة فيتعب رب البيت من نتائجها السيئة ويكون ذلك بما جنته يده وبما دفعه إليه استبداده. كثير من الناس يظنون أنهم قد أصابوا في هذه الأعمال مع أنهم مخطئون في هذه الأعمال مع أنهم مخطئون في نظريتهم لأن ضررها أعظم من أن يقاس. وقد قيل ليس بحكيم من لم يعاشر بمعروف من لا بد له من عشرته. اسمح لي أيها القارئ أن أقول إن النظام البيتي غير موجود في بعض بيوتنا اسمح لي أن أقول إن حاجتنا شديدة إلى تنظيم أمور بيوتنا اسمح لي أن أقول إن الفوضى ضاربة أظنها في كثير من بيوتنا اسمح لي أن أقول إن معاملتنا مع من هم في كنفنا معاملة قاسية لا تنطبق وواجبنا اسمح لي أن أقول ذلك لأنها حقائق واقعية. إني لا أعرف أن هذه الحقائق مؤلمة وأقسم بالله إنها تؤلمني ولكن هل من العدل أن نترك هذا الداء دون مقاومة ولا سبيل على ما أرى إلى مقاومته إلا بإظهاره وليعلم كل واحد أن هذا مضر به وبأسرته وبأمته بالتالي. والبيت هو المكان الذي تعيش فيه العائلة وهو المدرسة الأولى للأطفال وهو المكان الصغير لأنها تتطلب من الفطنة والحنكة سداد الرأي وحسن التدبير ما تتطلبه إدارة الشؤون العامة في الحياة فبسعادتها تسعد العائلة وبشقائها تشقى العائلة. كلما كانت المملكة منظمة نظاماً مستحكماً كانت فائدتها أعظم، فيجب أن نعمل على تنظيم أمور بيوتنا ونحكم ذلك وإذا فعلنا فنكون قد أدينا واجباً علينا وإحساناً إلى أنفسنا كما أنه يجب أن نعتني بجميع من فيه وأن نحسن المعاملة مع من فيه وألا نستبد ونظلمهم وأن يكون العدل أساساً لنا في جميع أعماله لأنه بحسن تدبيرنا للبيت تسعد الأسرة وبإغفالنا ذلك تشقى الأسرة فتشقى الأمة (لا قدر الله) فهل نحن فاعلون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :365  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 33 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.