أَغْمَضْتُ عن شَجَرِ الهوى أحداقي |
فاسْكُبْ طِلاكَ على الثَرى يا ساقي |
وَرَمَيْتُ عني بُرْدَةً أَبْلَيْتُها |
في حربِ أشجاني على أشواقي |
وَبِصَخْرِ صبرٍ ما الْتَحَفْتُ بغيرِهِ |
وأنا أجوبُ متاهةَ الآفاقِ |
ما عُدْتُ تَنّوراً لخبزِ صَبابةٍ |
سُفُنُ المَسَرَّةِ أذَنَتْ بِفِراقِ |
جَفَّ الصُداحُ على فمي وَتَخثَّرَتْ |
لغَتي وأَضْرَمَ زَنْدُها أوراقي |
وَتَعِبْتُ من صوتي أُنادي لاهثاً |
وطني ونخلَ طفولتي ورفاقي |
وأَحِبَّةً مَرَّتْ على بستانِهِم |
خيلُ الغُزاةِ فأَصْحَرَتْ أعماقي |
وأنينَ ناعورٍ وضحكةَ جدولٍ |
وَرَذَاذَ فانوسٍ وَجَمْرَ وِجاقِ |
أَشْفَقْتُ ـ من خوفي ـ عليَّ فَخاصَمَتْ |
نارُ الفؤادِ سُلافَةَ الإشفاقِ |
أدمنتُ خُسْراً منذُ فَجرِ يَفاعَتي .. |
وَهْمُ المنى ضَرْبٌ من الإخفاقِ |
غرسوا الظلامَ بمقلتي فَتَعَطَّلَتْ |
شمسي ونافذتي عن الإشراقِ |
المُطْلِقونَ حمائمي من أَسْرِها |
شَدُّوا الفضاءَ وروضَها بِوثِاقِ |
فإذا بتحرير العراقِ وليمةٌ |
حَفلَتْ بما في الأرضِ من سُرّاقِ |
الساسَةُ المُستأجرونَ مصيبةٌ |
رُزِئَتْ بها قُدْسِيَّةُ الميثاقِ |
ما العجبُ لو خانَ الفؤادُ ضَلوعَهْ؟ |
إنَّ الذي خانَ العراقَ عراقي! |
المُسْتَغيثُ من الظلامِ بظلمةٍ |
أدجى ومن مُسْتَنْقَعٍ بِذُعاقِ
(1)
|
فإذا النضالُ نخاسَةٌ مفضوحةٌ |
فاحَتْ عفونتها بِسوقِ نِفاقِ |
وإذا الطِماحُ مناصبٌ مأجورةٌ |
يُسعى لها زَحْفاً على الأعناقِ |
إنَّ البلادَ بأَهْلِها فإذا بلوا |
تَبْلى ولو دُرِئَتْ بألفِ رِواقِ |
ولقد رأيتُ العِشْقَ يلْطِمُ وَجْهَهُ |
وزهورَهُ خجلاً من العشاقِ |
هل هذه بغداد؟ كنتُ عَرفْتُها |
تأبى مهادَنَةَ الدَخيلِ العاقِ |
تأبى مُساوَمَةً على شرفِ الهوى |
فَتذودُ دونَ شَذاهُ بالأرْماقِ |
وَرِثَتْ عن ((المنصورِ)) صهوةَ عَزْمِهِ |
وعن ((الحسين)) مكارمَ الأخلاقِ |
هل هذه بغداد؟ تأكلُ ثَدْيَها |
فإذا بها وخؤونَها بوفاقِ! |
هذا عراقُك يا ((رشيدُ)) كبا بِهِ |
جَوْرٌ وعدوانٌ وفأسُ شِقاقِ
(2)
|
لو أَنَ لي أَمراً على قلبي فقد |
عَجَّلْتُ من تِهْيامِهِ بِطَلاقِ |
عَقَدَتْ ـ ولا نَدَمٌ ـ عليه قِرانها |
روحي فَمَهْري ـ غربةٌ ـ وصِداقي |
أَخْفَقْتُ في عشقي فكنتُ طريدَهُ |
إنَّ التَغَرُّبَ منْتَهى الإِخفاقِ |
* * * |
هذا دمي يا نخلُ .. مُصَّ رفيقَهُ |
فلقد رأيتُكَ ظامئَ الأَعْذاقِ |
أَسْعِفْ خريفي بالربيع لِيَنْتَشي |
وردُ المنى في روضةِ المشتاقِ
(3)
|
أو فاسْقِني كاسَ الظلامِ لمقلةٍ |
ما أَبْصَرَتْ إلاّ مسيلَ مُراقِ |
فَعساي أَلْتَمِسُ العزاءَ فلا أرى |
وطني ذبيحاً والدماءَ سواقي |
يا أنتَ يا قلبي أَمِثْلُكَ في الهوى |
يشكو مواجعَ غربةٍ وفِراقِ؟ |
أَوَلَسْتَ من صام الشبابَ مكابراً |
عن ماءِ أعنابٍ وخبزِ عناقِ؟ |
والمُثْمِلاتِ لذاذةً بمباسمٍ |
والممطراتِ عذوبةً بمآقي؟ |
يا مَنْ أَضَعْتَ طفولةً وفُتُوَّةً |
ماذا سَتَخْسَرُ لو أَضَعْتَ الباقي؟ |
هل في جِرارِ العمر غيرُ حُثالةٍ؟ |
فاطبقْ كتابكَ .. لات وقتَ تلاقي |
* * * |