شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هل هذه بغداد؟
أَغْمَضْتُ عن شَجَرِ الهوى أحداقي
فاسْكُبْ طِلاكَ على الثَرى يا ساقي
وَرَمَيْتُ عني بُرْدَةً أَبْلَيْتُها
في حربِ أشجاني على أشواقي
وَبِصَخْرِ صبرٍ ما الْتَحَفْتُ بغيرِهِ
وأنا أجوبُ متاهةَ الآفاقِ
ما عُدْتُ تَنّوراً لخبزِ صَبابةٍ
سُفُنُ المَسَرَّةِ أذَنَتْ بِفِراقِ
جَفَّ الصُداحُ على فمي وَتَخثَّرَتْ
لغَتي وأَضْرَمَ زَنْدُها أوراقي
وَتَعِبْتُ من صوتي أُنادي لاهثاً
وطني ونخلَ طفولتي ورفاقي
وأَحِبَّةً مَرَّتْ على بستانِهِم
خيلُ الغُزاةِ فأَصْحَرَتْ أعماقي
وأنينَ ناعورٍ وضحكةَ جدولٍ
وَرَذَاذَ فانوسٍ وَجَمْرَ وِجاقِ
أَشْفَقْتُ ـ من خوفي ـ عليَّ فَخاصَمَتْ
نارُ الفؤادِ سُلافَةَ الإشفاقِ
أدمنتُ خُسْراً منذُ فَجرِ يَفاعَتي ..
وَهْمُ المنى ضَرْبٌ من الإخفاقِ
غرسوا الظلامَ بمقلتي فَتَعَطَّلَتْ
شمسي ونافذتي عن الإشراقِ
المُطْلِقونَ حمائمي من أَسْرِها
شَدُّوا الفضاءَ وروضَها بِوثِاقِ
فإذا بتحرير العراقِ وليمةٌ
حَفلَتْ بما في الأرضِ من سُرّاقِ
الساسَةُ المُستأجرونَ مصيبةٌ
رُزِئَتْ بها قُدْسِيَّةُ الميثاقِ
ما العجبُ لو خانَ الفؤادُ ضَلوعَهْ؟
إنَّ الذي خانَ العراقَ عراقي!
المُسْتَغيثُ من الظلامِ بظلمةٍ
أدجى ومن مُسْتَنْقَعٍ بِذُعاقِ (1)
فإذا النضالُ نخاسَةٌ مفضوحةٌ
فاحَتْ عفونتها بِسوقِ نِفاقِ
وإذا الطِماحُ مناصبٌ مأجورةٌ
يُسعى لها زَحْفاً على الأعناقِ
إنَّ البلادَ بأَهْلِها فإذا بلوا
تَبْلى ولو دُرِئَتْ بألفِ رِواقِ
ولقد رأيتُ العِشْقَ يلْطِمُ وَجْهَهُ
وزهورَهُ خجلاً من العشاقِ
هل هذه بغداد؟ كنتُ عَرفْتُها
تأبى مهادَنَةَ الدَخيلِ العاقِ
تأبى مُساوَمَةً على شرفِ الهوى
فَتذودُ دونَ شَذاهُ بالأرْماقِ
وَرِثَتْ عن ((المنصورِ)) صهوةَ عَزْمِهِ
وعن ((الحسين)) مكارمَ الأخلاقِ
هل هذه بغداد؟ تأكلُ ثَدْيَها
فإذا بها وخؤونَها بوفاقِ!
هذا عراقُك يا ((رشيدُ)) كبا بِهِ
جَوْرٌ وعدوانٌ وفأسُ شِقاقِ (2)
لو أَنَ لي أَمراً على قلبي فقد
عَجَّلْتُ من تِهْيامِهِ بِطَلاقِ
عَقَدَتْ ـ ولا نَدَمٌ ـ عليه قِرانها
روحي فَمَهْري ـ غربةٌ ـ وصِداقي
أَخْفَقْتُ في عشقي فكنتُ طريدَهُ
إنَّ التَغَرُّبَ منْتَهى الإِخفاقِ
* * *
هذا دمي يا نخلُ .. مُصَّ رفيقَهُ
فلقد رأيتُكَ ظامئَ الأَعْذاقِ
أَسْعِفْ خريفي بالربيع لِيَنْتَشي
وردُ المنى في روضةِ المشتاقِ (3)
أو فاسْقِني كاسَ الظلامِ لمقلةٍ
ما أَبْصَرَتْ إلاّ مسيلَ مُراقِ
فَعساي أَلْتَمِسُ العزاءَ فلا أرى
وطني ذبيحاً والدماءَ سواقي
يا أنتَ يا قلبي أَمِثْلُكَ في الهوى
يشكو مواجعَ غربةٍ وفِراقِ؟
أَوَلَسْتَ من صام الشبابَ مكابراً
عن ماءِ أعنابٍ وخبزِ عناقِ؟
والمُثْمِلاتِ لذاذةً بمباسمٍ
والممطراتِ عذوبةً بمآقي؟
يا مَنْ أَضَعْتَ طفولةً وفُتُوَّةً
ماذا سَتَخْسَرُ لو أَضَعْتَ الباقي؟
هل في جِرارِ العمر غيرُ حُثالةٍ؟
فاطبقْ كتابكَ .. لات وقتَ تلاقي
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :516  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 44 من 53
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.