شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
( 9 )
في الحديقة...
خصصنا يوماً لزيارة "جنينة الحيوانات" والتفرّج على ما فيها من أنواع، وأصناف، وسلالات الكواسر، والطيور، والزواحف،والدواب،والحشرات . وكان جميلاً جداً لإثارة الفكرة المقابلة بين الإنسان كحيوان ناطق ـ كما يقولون ـ والحيوان كزآر. أو مغرد، أو مقهقه، أو ما كان.. أو بين الإنسان كحيوان جامع للحيوان بأنواعه.. في حديقة.. وبين الحيوان، لا يشعر بهذا التكريم، أو التسخير.. لإسقاطه الإنسان كصاحب سلطان. مهما تغالى الإنسان في قيمة الظن بحقيقة هذا السلطان..
وقد ذهبنا نستعرض الحي في جميع أشكاله.. فانتهينا إلى النتيجة المقررة تعني أن كل مجموعة كائنة ما كانت لن يشغلها شيء أبداً عن الغرق في كونها.. وكينونتها.. وحقيقتها اليومية المقررة للاستمرار والبقاء.. طيرية.. أو وحشية.. أو قردية.. أو حشرية.. بحيث لا تحفل بمن عداها حفول المقدرة لمركزه في درجة أعلى منها.. وإنما بشعور المدرك لوجود سواه. في وجود لا يساوي وجوده هو الناعم ـ بنسبة ما ركب فيه ـ بعيشه وحياته. ونظامه فيها..
والاطلاع على مجموعات حية كهذه. مما يشعر الإنسان مهما تعالى بأنه صنف ـ لا أكثر ـ من هذه الأصناف. والأجناس التي تزخر بها الحياة وجوداً مؤكّداً استمرارية الوجود في النطاق المخصص به.. وإنه بعد لوسيلة فعالة لفهم حقيقة الكون. كمجال متسع جداً لفهم القريب والبعيد، كما يقول الأستاذ ميخائيل نعيمة في دعوته الصادقة:
اللهم اجعل قلبي واحة تضم القريب والبعيد..
ولقد هزنا شعور الإدراك بأن كل مخلوق ليس أكثر من ممثل لبيئته. حتى في هذه المعارض الصامتة، والناطقة بلغاتها من أشتات المخلوقات.. وكان سبيلاً من سبل رسوخ الإيمان بقدرة الخالق المنظم. لا عن طريق تلقين العلة والمعلول.. والموجود . والمفقود . ولكن عن طريق الشهادة المقنعة في صمت. لا المنطق المنساب تقليداً في الذهن والذاكرة الرخوين.. فالاطلاع والمشاهدة. والتجربة. أخصر وأقوى، وأثبت طريق للإيمان..
وانتقلنا بعد إلى حديقة الشاي.. وهي مجلس لطيف يشرف على الماء من جميع جهاته.. ولم أنسَ أن أول ما آلمني ـ رغم جمال المنظر وسحره وروعته ـ عدم توفر الجنس المصري هناك.. فهل الأجانب وحدهم المدركون في مصر ومفاتنها، لها ولما فيها.. وليس اليوم أحداً أو سبتاً؟..
لقد كنا نود سماع اللهجة المصرية الحلوة الحنون من كل جانب. بدل هذه الرطانة المتعددة الألسنة واللهجات، وهذا البط يسبح أمامنا. والحسن عديدة أشكالة بجوارنا.. والسحر محيط بنا جواً. ومناظر. وترتيباً. ونظاماً. وأناقة..
إن في أمثال هذه "الفسحات" لتوفيراً للشعور بالجمال، وتحسس مصادره.. ووفرة للإدراك الفني المتخيل.. ولا بد أن الوصول لهذه المرتبة من الحس والإدراك دافع قوي للاستزادة منه ومن مصادره وأسبابه. فقد ذهبنا نستقصي الأماكن المماثلة لهذا الجو حسناً، وانطواء عليه، ومسرحاً رائعاً للفكرة، والذوق، والإدراك..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :834  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 11 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.