الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

(( كلمة الأستاذ محمد سليم الشرباتي ))

ثم أعطيت الكلمة لسعادة الأستاذ محمد سليم الشرباتي فقال:

- فضيلة الشيخ محمد هاشم دفتردار.. إمامٌ من أئمة اللغة العربية وخزانة علم متنقلة، ومجاهدٌ أمضى عمره في الدعوة إلى الله، وفي بيان إعجاز كلام الله بأسلوب العصر الحديث؛ وقد جمعتني به ظروف طيبة، فقبل أكثر من ثلاثين سنة كنت في زيارة صديق لي في بيروت، فقال لي: قم بنا لزيارة صهيب الرومي؛ فقلت له ضاحكاً: أو أحياه الله من قبره؟ وفهمت إشارته، فقد كان يعني بصهيب الرومي رجلاً نشأ وشبّ وشاخ في طاعة ربه، حتى لو كانت المعاصي مباحةً له لم يُقبل عليها؛ فهكذا وصف النبيّ صلى الله عليه وسلم صهيباً الرومي بقوله: "صهيب لو لم يخف الله لم يعصه".

- وقمنا لزيارة الشيخ هاشم الدفتردار، الَّذي وصفه صديقي بصهيب؛ ثم توطدت الصداقة بيننا على مر السنين، وربطتني تقواه ودينه به إلى أن كان اليوم الَّذي أخبرني فيه بما عزم عليه من مغادرة لبنان، بعد أن قضى في ربوعه عشرات السنين، ليعود إلى رحاب المصطفى (صلوات الله وسلامه عليه) فهو ابن المدينة المنورة البار، وخطيب المسجد النبوي الشريف الَّذي وصفه النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله: (ومنبري على ترعة من ترع الجنة).

- وليس المنبر الخشبي القائم في المسجد النبوي هو وحده على الترعة، بل إن الدعوة إلى الله وإلى شريعة رسوله هي المنبر الفعلي الَّذي يقف - أيضاً - على ترع الجنة؛ وقد وقف صديقنا وشيخنا الجليل الشيخ هاشم دفتردار على هذه المنابر، حتى أصبحت جزءاً منه وأصبح جزءاً منها؛ لقد أدار أزهر لبنان سنين طويلة وخرج طلابه في أزهر لبنان، وفي مساجد لبنان يدعون إلى الله والإسلام؛ وكان منهم سماحة المفتي الراحل الشيخ حسن خالد - تغمده الله برحمته - وكان من طلابه - أيضاً - المفتي الحالي سماحة الشيخ محمد رشيد القباني، سدّد الله خطاه، وأعانه على ما نذر نفسه إليه؛ بل إن كثيراً من علماء لبنان ورجالها كانوا وما زالوا يعتبرون الشيخ هاشم دفتردار إمامهم بالتقوى وشيخهم في الدين، وسابقهم في الأدب ولغة القرآن الكريم، التي نذر الشيخ هاشم نفسه من أجلها طول حياته تعلماً وتعليماً؛ فقد كان جليساً لأمير الشعراء أحمد شوقي، ومن كان جليساً لأمارة الشعر لم يفته طِيبها، ولم يخل من عبَقها.

- وحسبي من مؤلفاته سفره الجليل: "معجزة قلب القرآن" وإني لأحسده عليه، والحسد جائز في هذا الموطن لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلاَّ على اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل أعطاه الله مالاً فهو يتصدق به آناء الليل والنهار" وقد عمل الشيخ هاشم في إبراز معجزات القرآن الكريم بأسلوب العصر، ولكل عصر أسلوبه وطرق إقناعه.

- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.