شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به الشاعر يحيى السماوي ))
ثم أعطيت الكلمة للشاعر المبدع الأستاذ يحيى عباس عبود السماوي فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم.. بعد أفضل الصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين، الصادق الأمين محمد صلى الله عليه وسلم السلام عليكم أيها الطيبون..
- بدءاً سأعترف بشيء سأفترض وجود شيء آخر؛ الاعتراف هو أنني حاولت منذ أيام أن أجمع النهر بكوزي فلم أستطع؛ أريد أن أقول كلمة شكر.. ولكن أنَّى لي أن أقولها إن كنت مثقوب الحنجرة؟ وكيف لي أن أعبر عن حب أهل لي إذا كانت الكلمات أكبر من حنجرتي؟ أسأل الله ألاَّ أكون في حلم الآن.
- لقد عافى شعري الشيخ الأديب، ولقد بات فضله ملمحاً كخضرة عينيه؛ وأقسم بالله أنني أصغر من أن أعبر عن شكري، ولذا سأقول: أشكر الشيخ الكريم الأديب باسم ثلاثة ملايين مشرد عراقي، وباسم أخواتي المحصنات في وطن غير محصن، باسم الشرف المستباح، وباسم وطن كان يشبه قصيدة شعر فأصبح يشبه تابوتاً، وإني أخجل لأنني لم أستطع أن أسأل تلك السيدة الطيبة التي ولدتني فيما كانت قد ولدتني على ظهر هودج؛ وأنني كنت مربوطاً إلى رحمها بسوط شرطي وليس بحبل مشيمة؛ وإلا فلماذا أصبح وجهي شارعاً تتمشى عليه صفعات بعث بغداد؟ ولماذا كتب علي أن أعيش التشرد في وقت لم أكن أعرف فيه موسَ الحلاقة.
- سأبتدر شيئاً أيها الطيبون، سأفترض أنكم صبورون وستتحملون مني هذا الشوق الَّذي أزعم أنه شعر، بيد أني سأطلب منكم بتوسل أن تغفروا ضعفي أمام مشاكسة عيني لو أساءتا العلاقة مع روحي، وإذا حدث وأمطرت سماء عيني فليس بكاء لا والله، إنما لأنني اعتدت طيلة جيلين ألاَّ أبكي؛ فقد عرفنا - في العراق - أن الَّذي يبكي يجلب اللذة للجلاد، فلذا كنت أكابر وأضحك مع أن قوس النار يلتف حول عنقي، وإذا حدث وخانتني عيناي فإن حبي لكم لن يخون، أعاهدكم على أن أحبكم كل الحب باستثناء شيئين سأحبكم أكثر من أشياء كثيرة، باستثناء شيئين: الدين والوطن؛ فأنا لا أسمح لحبيب أن يصل هاتين الصفتين. أخشى أن تخونني الكلمات.
 
(( على مشارف مكة )) (1)
قف يا ابن دجلة لاح نور قبابها
أمسك فؤادك قد يفر لبابها
وأطل سجودك يـا ابـن دجلـة شاكـراً
وانثر على جرحيك من أعشابها
واغسل بماء الذكر ثغرك ربما
بالأمس كنت خطبت غير خطابها
قف يا ابن دجلة واستحم فربما
دمت الدروب عليك بعض شوابها
أوصى بها الرحمن فهي عظيمة
من مثلها الرحمن قد أوصى بها
لو لم تكـن خيـر البـلاد علـى الثـرى
ما كان بيت الله فوق ترابها
ولما اصطفاها الله قبلة خلقه
ولما سعى الساعون نحو ركابها
ولما اصطفى خير البرية مرسلاً
بالحق والتوحيد من أعرابها
وقفتْ على رأس الخلود بدينها
وبأهلها تاجاً ألا أنعم بها
فكأنها صوت الزمان وثغره
وكأن زمزمها زلال رضابها
سجيلها باق على أعدائها
وعلى حقول الحق قطر سحابها
أترابها خير الترائب ذا منىً
وهناك طيبة أين من أترابها
لو يوضع البيت العتيق بكفة
والأرض في الأخرى لأعدلها بها
حمداً لك اللهم إذ أبصرتني
درب الحجاز فكنتُ من أنسابها
- وهذه قصيدة عنوانها: "يا غابة الفضل" أهديها إلى كريم الأدب، وهو أديب الكرم الشيخ عبد المقصود خوجه.
(( يا غابة الفضل )) (2)
كفى بفضلك نوراً عند ذي نكد
أن أشمس الليل رغم الهم والكمد
ويا نديا وريق الظل في وطن
أراده الله يبقى كالخلود ندي
من بعض فضلك هذا الشعر أنضده وكان منذ ربيع غير منتضد
يا غابة الفضل تسقي من مكارمها غراسها من أب حر إلى ولد
أنزلتني منك قلباً شع من نسك
فباركته حقول النسك بالرغد
مهلاً فديتك إني غير مقتدر
حمل الجبال وغابات الندى بيدي
حقائبي ضجرت مني وأضجرني أني أخيط قميص النفي في جلد
أجل تعبت ومل البحر أشرعتي
ألعنة؟ فأعيش النفي للأبد
عطشان أبحث عن ماء يعمدني
بالماء إن قليبي كالفرات صدي
كل الفوارس قد عادت لساحلها
فما لنورس قلبي بعد لم يعد
يرود بعـض بغـاث البغـي مـن عسـل
وغير قيح صديد القهر لم أرد
أدور حول نواعيري فما وصلت
قوافلي غير بئر مقفر حرد
تثاقل الفجر لم يقرب لنافذتي
وحول شرفة أهلي سيف مرتصد
فيا جليد ليالي النفي كن لهباً
بين العراق ويا نيران فابتردي
يا شهقة الضوء في قنديل أزمنة
خبت هناك ألا بالله فاتقدي
أنا الغريق بأمواهي يمزقني
سيفي وينهش نـاب الحزن مـن جسـدي
لمن تفتح زهر الشوق في مقلي
وعربد الوجد كالطوفان في كبدي؟
لمن وهبت مياه العشق إن شفتي
تَعْيَى ويوهن هـذا البعـد مـن عضـدي؟
بيني وبين حقول الرافدين دم
على الدروب وصحراء من الكمد
عام وبعض حطام العام لا خبرٌ
ممن أحب ولا ليلي بمبتعد
فإن كتمت لهيب الوجد أحرقني
وإن فضحت رأيت النار في بردي
أنيخ قلبي لأحلامي وما طرقت
إلاَّ وتطرقني الأحلام في نكد
فيا حطام شبابي كيف تشفع لي
كهولة ورماد العمر ملء يدي
وقيل ما قيل عني أنني دنف
عيناه من سهر حقلان من رمد
وقيل عني مجنون يؤرقه
راح المدائن لا ريحانة الرؤد
وأنني سندباد دون أشرعة
بحاره دمعه لا موجة الزبد
وكنت أحسبني طفلاً إذا ركضت
بي السنون أتاني طائر السعد
جلست أنبش أيامي أمعصية؟
وهـل علـى بردتي البيضـاء مـن سَوَد
إنى سألتك غفراناً فما عرفت
عيناي موبقة أو جرم مفتسد
وكنت منذ ربيع العمر مُنغرساً
جذراً بظلمة كهف مرعب صلد
وإذ خرجت فلا طفلي ولا أبتي
سوى حقول جراحات بلا ضمد
وكان شكل رغيف الخبز - مـن سغب -
نجماً من الطين في سقف بلا وتد
سألتك العفو يا أماه عن ولد
مـا خـان ثديك لما غـاب عـن عمـد
ويا تقية صفحاً ثم معذرة
فلـون جرحك مـن عيـني ومـن كبدي
جار اللئام وما جار الزمان وقد
أبى وليدك كفراناً بمعتقد
فيا دوارس مني شوق مغترب
ضُمي لصدر أبي في رقة ولدي
لك السلام قبور الأهل قاطبة
تنعَّمي برياض الواحد الأحد
أكاد حتى رفات الميت أحسده
غداة يملك أرض القبر في بلدي
أَعدَّ لي وطني لما فتنت به
سيفين قد شهقا جيلين في جسدي
أجالد الروح يا روح اصبري فلنا
وعد مع المرتجى والمنهل الغرد
وإن من رحلوا عنا ستجمعنا
إليهم بعد حين دارة الصمد
جنى الوجاق فلا أخت لتسجره
ولا العجوز وجمري غير منخمد
وأعجب العجب المفضوح في وطني
أن المشرد أضحى موضع الحسد
تركت دجلة يعوي في خرائبها
كلب وتمرع ذئبان بلا عدد
فما جلست إلى شطآنها غرداً
إلاَّ ويسبقني نحو العذاب غدي
تمخض الرجس يوماً في مرابعها
فليت "صبحة" (3) لم تحبل ولم تلد
فيا كريم عشير الحرف شرفني
منك السؤال عن المحزون للأبد
ويا أديب عشير الجود في مقلي
شكر وفي خافقي شكر وفي خلدي
أبا الفضائل عذراً إن قافيتي
تعيى ويخذلني حرفي فلم أجد
فيا مسرة كوني زاده أبداً
ويا نعيم استرح في داره وزد
ويا ضياء استحم في روض مقلته
ويا نجوم على شباكه احتشدي
كفى بفضلك نوراً لم يَعُدْ رمدٌ
في مقلتيَّ ولا قلبي بمنتكد
 
- وهذه قصيدة أخرى عنوانها: "الوصية".
(( الوصية )) (4)
عقدت على طين الفرات قرانيا
فمهري عفاف والوفاء صداقيا
يقولون ليلى في العراق مريضة
وما علموا أن المريض عراقيا
بكيت على أهل العراق ولم أكن
على هجر ليلى أو بثينة باكيا
عرفت لذاذات الحياة جميعها
فمـا ذقـت أحلـى مـن هـدى إسلاميا
نذرت شبابي يا سفوح كهولتي
مائي وبستان الطموح أضاحيا
سقى الله حبلاً في الضمير يردني
إذا راودت درب النُّهى أقداميا
إذا أمة الإسلام أشمس فجرها
فقد زال حرماني وهان مصابيا
أرى "الوغد" في بغداد أوقد ناره
وهب على كل الجهات عواتيا
تناسل ظلم في العراق فما ازدهى
صباحي ولا النجم استطاب مسائيا
تطاول حتى غال بيت أرومتي
وأبناء عمي والشقيق وجاريا
عصيت لهم أمر الخنوع وربما
غسلت ذنوبي حين أصبح عاصيا
رفضت نعيم المارقين تعففاً
على رغم ناب الجوع في أحشائيا
فأضحك والنيران تحت أضالعي
ورغم جراحي ما كتمت صداحيا
وأبكي على أنثاي وهي خرافةٌ
لأوهمهم أني صريع غراميا
لك الله يا قلبي أكل سويعة
تكر عليك الفاجعات غوازيا
هو الجرح إن كان الأخير فإنه
سينزف روحي لا سخين دمائيا
وما أبقت الأيام غير حثالة
من العمر أو شبرين من أعواميا
لك الله يا ثوب الجهاد غزلته
بهدبي وأضلاعي فأصبح باليا
وداعاً عراق الطيبين فإنني
أهيىء من عامين زاد ركابيا
وما قيمة ابن الأرض دون بلاده
وأعرف أني لن أزور بلاديا
فيا شمس نصف العمر آن هروبها
على عجل هلاَّ لثمت صباحيا
ويا أخت يحيى في العراق أذلني
عذاب مَشُوْقٍ لن يعيشَ تلاقيا
ويا رب يسر لليمين كتابها
فإني كما تدري أخاف شماليا
ورطب ترابي من رضاك فإنه
ربيعي وقد ساد الخريف حياتيا
نقشت على جذع الزمان وصيتي
وأودعت سري والعهود رفاقيا
إذا الآلة الحدباء حان مسيرها
فلا تودعوا غير الحجاز رفاتيا
فقبر بمكة أو بطيبة والثرى
طماح شريد فارفقوا بطماحيا
يطهرني هذا التراب وماؤه
وإن كنت لم أقرب نُهىً ومعاصيا
لك الله يا حقل الضمير سقيته
مياه الصبا حتى هرقت شبابيا
لك الله يا عصفورتان ونورس
وزوج إذا صلت تزيد ثمانيا
تُوضِّىء بالذكر الكريم صغارها
وما راعها جرحي ولا حرمانيا
إذا فقد الغصن الرطيب جذوره
فلا تلتمس عند الغصون أقاحيا
تذكرت مـن يبكـي علـيَّ فلـم أجـد
سـوى الـحزن والتشـريد يصـرخ راثيا
سلام عراق النائمين على الأسى
سلام وأدري لن ترد سلاميا
سلام على الأطفال حيث تقافزوا
من الجوع لا لهواً وليس تصابيا
سلام على من لن ترد تحيتي
ولن ترتجي بعد الرحيل جوابيا
وجار إذا شح الرغيف بموقدي
أقاسمه عند الصلاة دعائيا
سلام على الشيخ الأديب وصحبه
وحسب متاعي من دعاء صحابيا
- وشكراً.
- أخشى ألاَّ أكون قد أرهقتكم؟ هنالك قصيدة باسم: "رحلة بين فضاءين" (5) كتبت في طائرة.
وقفت وحيت بالسلام الأمثل
وأنا شريد في دروب تأملي
أعدو وراء الذكريات يقودني
طيف لـه أرخيت حبل توسلي
قالت أتسمح لي؟ فقلت مرحِّباً
يا جارتي عبر الفضاء تفضلي
جلست بجانب شاعر متشرد
هو عن مطارحة الحديث بمعزلِ
قد كان حلّق في فضاء خياله
فرداً سوى أسفار أحمد بهكلي
جلست وألف سحابة من حولها
تندى بأشذاء وعطر سفرجلِ
نفضت عليَّ الطيب حين تحدثت
فأفقت مفتوناً بلثغة بلبلِ
قالت رجاء لو ربطت لمقعدي
هذا الحزام فإنه لم يقفلِ
فأجبتها ما غيرت أقدارنا
أقفال أحزمة فلا تتوجلي
من أين أنـت؟ أنـا ابـن ألـف مدينـة
رضعت بنيها من مضاغ الحنظلِ
وأنا الغد المجهول قافلتي على
نار تسير وليس لي من منهلِ
وأنا مزاج اليوم خالط يومه
في كأس مائدة الغد المتبدلِ
عبثت به الأيام فهو حثالة
في قعرها لكنه لم يثملِ
أنا مـن سكبـت علـى الرمـال طفولتي
وأتيت أجمعها غداة تكهلي
ماذا سأجمع والبقية لم تعد
تغري ولا يغري المليحة محملي؟
أفلَتْ شموس الأربعين ولم يزل
نجم التشرد ساطعاً لم يأفلِ
أنا من وريد القهر بعض نزيفه
فالسهد حقلي والصبابة جدولي
لا لست بالضيف الغريب فأهلكم
أهلي ولكن المنى لم تعدلِ
قد كان لي فيما مضى بيت ولي
حقلي وكنت ظننت لي مستقبلي
لا تسأليني عن مسار سفينتي
فالحزن لي أهل وجرحي منزلي
فدعـي السؤال عن الهـوى وشجونــه
وعن اغترابي واحتراقي فاسألي
وعن القناديل التي فقئت وعن
خبز يداف بأدمع وتذللِ
وعن اغتيال الفجـر عـن سقـط الورى
طافوا على أعناقنا بالفيصلِ
وعن البطولات الرخيصة أنجبت
عاراً ونصر معطل مستفحلِ
حصد الزمان الغرسَ قبل أوانه
من قال إن الدهر ليس كمنجلِ؟
ناديت أحبابي فلما لم يجب
غـير الصـدى ناديـت يـا مـوتُ اقبلِ
لا بارك الله الفؤاد إذا سلا
شعباً على نار المذلة يصطلي
قايضت بالوبر الحرير ترفعا
فالخيش أثوابي وزندي مغزلي
وسموت في بئري زمان تساقطت
زمر الدعاة على الموائد من علِ
لا يا رعاك الله ما ذبل الفتى
لو كان بين ضلوعه قلب خلي
لا يا رعاك الله أذبلني الأسى
والبعد عن بيت الحبيب الأولِ
قايضت دهري فارتأيت لحكمة
شد الرحال وأن أفارق موئلي
أختاه ما يبكيك كان كزهرة
منديلك الوردي غير مبللِ
زفرت وأحسبني رحقت زفيرها
فتنفست روحي عبير قرنفلِ
أختاه قد كشف الصباح لتكشفي
عن صبح وجهك للشريد المثكلِ
كشفت لترشف قهوة فإذا الدجى
صبح طريُّ الضوء غضٌّ المنهلِ
وجه يفيض عليه نهر أنوثة
ونسيم غابات وشقرة سنبلِ
وجه كمرآة الصباح نعومة
ويكاد يجرحه الوشاح المخملي
ضج العبير به فحطم دورقاً
للطيب من تحت القناع المسدلِ
وتراقص الفنجان بين أصابع
شمعية الأطراف لا كالأنملِ
بالله يا هذا المضيف لحظة
زدني ولا تبخل عليَّ فأجملِ
لا لن أخض يدي سأشرب دلة
إن كنت في فنجانها ستصب لي
حسناء يا عرساً تناسل في دمي
أعوامها العشرون لما تكملِ
لا تطفئي قنديل وجهك إنني
عفُّ الرؤى والقلب عف المقولِ
كيف اقتحمت رباي وهي منيعة
ودخلت أحداقي وكهف تأملي؟
بالأمس حصنت الفؤاد من الهوى
ومن الجمال فكيف لم يتحملِ
ختم الأسى قلبي وشرفة مقلتي
وطويت من دهرٍ لسان تغزلي
حسناء أشرعتي حبيسة بحرها
فخذي بها نحو الأمان وأوصلي
وأنر طريقي يا فنار فإنه
بظلامه كوشاحك المسترسلِ
شدي حديثك بالحديث وواصلي
عزف اللحون بلثغة لا تبخلي
هتف المضيف آن وقت هبوطنا
فكأنه أعطى إشارة مقتلي
قالت أراك غفوت؟ قلت بحسرة
كيف المنام وأنت ما أبقيت لي؟
أطبقت أجفاني عليك لأنني
أخشى وداعك يا جميلة فانزلي
حزمت حقائبها ولم أحزم سوى
أوراق عمري في كتاب ترحلي
مضت الجميلة تزدهي بنعيمها
وأنا رجعت إلى رماد تخيلي
 
- وهذه قصيدة عن حادثة يوم 27 آذار 1991، عنوانها.
(( الشهيد)) () (6)
بدمٍ رسمت غداً ودربا
فاخلد كما أحببت صبا
سهل الرحيل على خطاك
وكان عند سواك صعبا
شرف لدجلة أن تكون
لها - مع الدنيا - مصبَّا
فكأنما ما بين شخصك
والخلود جسور قربى
يا نائماً عف الشهادة
قال للصاحين تبَّا
للواقفين على رصيف
العمر يرتشفون نخبا
عبدوا الدراهم والنساء
وأنت أنت عبدت ربَّا
أرخصت عمرك يوم شح
كريمهم زاداً وشربا
لم تخش موتك والغنيُّ
من الطغاة يخاف نُدبا
ما مت يا ابن الرافدين
ولا نزلت اليوم تربا
جسد "عراقك".. فاصطفاك
له بصدر الأرض قلبا
وغدوت في مقل العراقيين أجفاناً وهُدْبا
يا أفقر الفقراء في مال
وأغنى الناس حبا
شرف لنعلك يوم شنقك أن علوت البغي كعبا
أرعبت موتك يا فتي
فمن أذاق الموت رعبا؟
قدكان صحبك سامريك
وصارت الأقمار صحبا
هذا الخلود فكلما زدت
ابتعاداً زدت قربا
يا سيدي هلا جلست
فإن عندي بعض عُتْبى؟
إني أردتك لي إذا
وحش الزمان عليَّ دبَّا
عاهدت قيدي أن تلم
شتات بستانٍ وزغبا
من للشقيقاتِ اللواتي
ما عرفت لهن حَدْبا
يا سيدي هل خنت عهدك
فاستبقت الصحب غلبا؟
يا سيدي طغت الكروب
وأصبح الإيمان ذنبا
ضاق العراق على بنيه
وكان قبل اليوم رحبا
قدري كأقدار الجميع
ملاجئٌ شرقاً وغربا
من ذا رأى شرفاً يراق
ومن رأى الأحلام تجبى؟
فرد أراد من الشعوب
حرائراً فطغى وعبا
خسىء الصفيق غداً نعود
ونشعل الأنهار حربا
يأبى الرجال ونخلنا يأبى ودين الله يأبى
لن يصبح الوطن المدمر خيمة ويكون نهبا
الجوع يشبعني إذا
وطني تعافى واستتبا
وأذل كيما لا يذل
عراق روحي لن يُسَبَّا
هو قرط طفلتي البكور
وحرز أختي حين تُسْبَى
وهو المصلى حين يدعو
ني التقى وأطيل نحبا
صبري بحجم الأربعين
وكنت في النكبات صُلبا
ما لي أحشم كبريائي أدعي بالصبر كذبا؟
لملمت روحي واسترحت
بكوخ جرحي مشرئبا
وفرشت أحداقي لطيفك
يا عراق وقلت عقبى
ونبشت بالأهداب سوراً
كي أمد عليك ثقبا
فأراك والشعب المحاصر بالمشانق كيف هبا
يا ساجداً سجن العصور
بقبره لما تصبَّى
يا دافئاً دفء الرغيف
وموقظاً في القحط عشبا
يا أفقر الفقراء في مال
وأغنى الناس حبا
قد كنت فرداً في الحياة
وصرت منذ شنقت شعبا
فانزع قميصك قد نسجنا
من خيوط الضوء ثوبا
يكفيك مجداً إن سموت
وإن غدوت اليوم قطبا
صليت لله الوجوب
وصام غيرك مستحبا
 
- أما القصيدة التالية فهي مهداة إلى امرأة أشقيتها كثيراً: "إلى زوجتي" التي قَاسمتني الجوع والحزن والتشهد، إنها قصيدة الاختيار (7) ..
عيناك كحلهما الأفياءُ والألق
وكحل عيني رماد الحزن والأرق
وللنعيم على نهريك أشرعة
ويستريح على شطآنك الشفق
وليس من شاطىءٍ يهفو لأشرعتي
إلاَّ مرافىء ليل عافه الغسق
رياشك الدفء لم تقربك فاجعة
أما رياشي فصخر الصبر والقلق
وأي عاشقة تسعى لذي سفر
متاعه الحبر والأقلام والورق؟
مطارد يتسلى في حدائقه
أهدابه من لظى عينيه تحترق
يبادل الموت في عيش على ترف
مع الجناة فما يحلو لـه رمق
ماذا يزينك في حب خلائقه
أن الهوى عنده الإبحار والغرق؟
لقد شربت ولكن لا كما شربوا
وقد عشقت ولكن لا كما عشقوا
نما على شفتي نهر وفي مقلي
فجر وراء جدار الحزن يأتلق
ومـا ارتويت علـى نهريـن مـن عسـل
وفي دمي تلهث النيران والحرق
فكنت أعصـر أشجـاري لـذي عطـش
وأشرب الدمع في سر وأنطلق
وأحلب الضوء من عيني لمنطفىءٍ
من الأنام إذا الظلماء تنعتق
وأخبز التبن لي زاداً ولي شرف
أني أكلت بجهدٍ لا كما سرقوا
فقطع كفي خير من مصافحتي
يد اللئيم وإن ضاقت بي الطرق
وكنت ذات يمين غير حانثة
حتى إذا سامني في ظلمة الخرق
لقد عشقت دهوراً ليلها سنة
من السهاد ولم يجزع بي العشق
وما عرفت لخطو غير طاهرة
درباً ولا قادني للزيف منزلق
ورب نخل ضفـافٍ شـاص مـن خسـف
ونجمة بدخان الظلم تختنق
مسهد أنا بي وجد لشمس غدٍ
حتى لقد نسيت ألوانها الحدق
فأرسلت دمعها نحوي وقد عرفت
أن الرحيل معي شطآنه الغرق
قالت بربك رفقاً في مكابرتي
خذني لفقرك نعم العشق والعبق
فَمُدَّ جذرك في لحم الثرى وتداً
وسل سيفك حتى ينجلي الأفق
حالي كحالك بي خوف يؤرقني
إني "بصدام" طول العمر لا أثق
 
- أما خاتمة المطاف فقصيدة عنوانها: "أنا والصبابة توأمان" (8) .
أعشقت أم لم تعشق؟
يا للسؤال المرهق
أجل ابتليت وما أسفت
على الشباب وما بقي
هذا كتاب العمر في
وجهي اقرئيه وحدقي
سترين زهر الياسمين
ذوى بوهج تمزقي
وتخثُّرَ الزمن الصديء
على بقايا رونقي
نزع الخريف بمقلتيَّ عباءتيه فأرفقي
فيم السؤال عن الهوى
وعن الصبا المتأنق؟
جمرُ الهوى رغم ارتجافي ما يزال بأعرقي
ما زلت أصبو رغم أن الأربعين بمفرقي
العشق أنهاري وأشرعة الرحيل وزورقي
فلمن عصافيري تحلق في الفضاء المطلق
ولم ارتديت عباءة النيران إن لم أعشق؟
كيف احتمال الجمر
دون فراته المتدفق؟
وجعلت حين عشقت
حقل الشوك روضة زنبق
أنا والصبابة توأمان
بذات رحم مشفق
عشت الهوى جيلين
يا حسناء في الزمن النقي
خاصمت قلبي حين
قاد فمي لرشف معتق
وتبعته لما تسامى
نحو مطمحه التقي
فعشقت ملح جبين فلاح بحقل مغدق
وعشقت أقدام الحفاة
تدوس عرش المفسق
وعشقت درباً لا يضل خطا الشريد المهرق
والناهضين من الركام
إلى الصباح المؤنق
والنافضين عن العراق
ظلام ليل مطبق
وحلمت كالأطفال رغم
بريق فضة مفرقي
فبنيت بيتاً في الخيال
لمغرب ولمشرق
فنصرت عكاز الضرير
على سيوف الأحمق
لا تشفقي ماذا يفيد
إذا غدي لم يشفق؟
عشقي خرافي بحجم
الرافدين تعشقي
أأنا الشقي أم الهوى
وقد استبيح هو الشقي؟
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1811  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 57 من 167
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.