أخي .. يا رفيق الدَّرب، والعمر والمنى |
ودنيا فنون الشِّعر، والفكر، والحبِّ |
أتسمعني .. طبعاً!! فأنتَ بجانبي |
حياة بها عشنا الحياة .. على الدَّرْبِ |
غريبين .. في الدُّنيا .. تباعد أهلها |
تباعاً .. ولمَّا ينأَ جنبك عن جنبي |
نطوف بأكوان العوالِم .. حرَّةً |
ونأوي لركن ساحر الشَّدِّ والجذبِ |
نقضي سواد اللَّيل .. للصُّبح .. نجتلي |
أمانينا موصولة البعد .. والقرب |
على الرَّمل ..كم نصغي لسقراط والألى |
أقاموا صروح الفكر.. بالشرق، بالغرب |
على الصَّخر .. كم نبني من الشِّعرِ جنة |
نفتت بعض الصخر بالألسن الذُّرْب |
على البحرِ .. كم نمشي مع الموجِ ساكناً |
وفي الصدر موج هادرُ النَّبض والوثب |
نريدُ لأهلينا الحياةَ .. طليقةً |
فيسخرُ أهلونا .. ونأسف للجَدْبِ |
* * * |
أخي .. يا رفيق الدّرب، والعمر، والمنى |
ودنيا فنون الشعر والفكر والحب |
أتذكرُ؟! طبعاً!! أنت تذكر جدَّةً |
وشطآنها .. واليمُّ يمرح في عُجْبِ |
ونحن نرود الشطِّ .. والشعر بينها |
نغازلها .. أو نمزِجُ العفو بالذَّنب |
غريبَيْنِ .. عشنا بين سور يحُدُّها |
وبين خلاء يطلب الرِّيَّ للعشبِ |
نصوغ لها حر اللآلئ تارة |
ونقذفها .. حيناً بأحجارها الصُّلبِ |
لقد أصبحتْ .. يا صاحبي .. اليوم جدَّة |
عروساً .. فماذا كان كسبُك أو كسبي |
لقد نَسِيتْنا .. والحياة سريعةٌ |
فحسبك منها ما تجدَّد .. أو حسبي |
* * * |
أخي .. يا رفيق الدَّرب، والعمر، والمنى |
ودنيا فنون الشِّعر .. والفكر .. والحبِّ |
أتذكر؟. طبعاً!! أنت تذكُر مكَّةً |
وحاراتها .. من جرول .. وإلى الشِّعب |
ونحن نماشي العمر فيها .. وحولها |
مرابع .. من صوبٍ تقود إلى صوب |
نعيش مع الأترابِ طول نهارنا |
شباباً .. تغنَّى بالشبابِ وبالحبِّ |
ونسعى إلى (المركاز) ليلاً بلهفةٍ |
نمد له كعباً تشدَّدَ بالكعبِ |
تدير شؤون الرأي جدًّا .. أعدته |
إليك مزاحاً .. فالدعابةُ من دأبي |
فنحيا .. كما نهوى .. الحياة نظنُّها |
لدى مجمع (المركازِ) مدرسة الشَّعب |
أتدري بأنَّ اليوم .. مكة أصبحت |
تثاؤب غاف في الملالة .. والعَتْبِ |
ولكنها في معرض الذِّكر قد غدتْ |
على نسق حلو التوثُّبِ .. والوثب |
فإن نحن قلنا: كيف أصبحتِ، أطرقتْ |
وقالت: ومن ذا أنتما في المدى الرَّحب؟ |
فقلنا: على بعد .. بوجد وغصَّةٍ |
محبَّيْن .. قالت: فات ركبكما .. ركبي |
تعالا إليَّ الآن .. روحاً .. وراحة |
وذكرى .. لعلِّي أذكر الصعب بالصعب |
فمالي .. (بالمركازِ) علم .. لعلَّه |
بقايا عزاء الأمس من أمسنا العذب |
* * * |
أخي .. يا رفيق الدَّرب، والعمر، والمنى |
ودنيا فنون الشِّعر .. والفكر .. والحبِّ |
أتذكر لما قلت: إني مهاجرٌ |
وإن كنت بعض الشهب .. عن بلد الشهب |
فسافرت مكلوما لمصر .. معذَّباً |
بمصر .. على حرف تعيش .. وفي دأب |
وخلفتني وحدي .. فكانت رسائلي |
إليك.. ومنك الأمس تطرب.. أو تسبي |
فأمسيتَ مكروبا .. وجئتك كارهاً |
حياتي .. فهل ذقنا الحياة بلا كرب؟ |
صديقين .. عشنا .. لا يفرِّق بيننا |
على البعد بعدٌ .. فالقرابة في القلب |
يحن كلانا للتُّرابِ .. نشمُّه |
نسيماً على بعد التراب .. وفي القرب |
وبالطَّائف المزهوِّ كانت حياتنا |
زهوراً على الركبان تنبت عن كثب |
وفي طيبة الفيحاء .. كنا سويَّةً |
نردِّدُ أصداء النُّبوَّةِ .. كم تصبي؟ |
وفي جوف أرباض الكنانة .. قلتَها |
على مضض .. حتَّام أبعد عن إربي |
تقول ليومي: سوف نرجع .. في غد |
إلى الأرض.. سوت روحنا من ثرى رطب |
فأطرقُ محزوناً .. وأبسم ساخراً |
وأهمس: ما جدوى الصبابة للصَّبِّ |
إذا بات بين الناس ذكرى ضئيلةً |
تلوح كلمحِ البرق من خلل السُّحْبِ |
مثالك .. مهجوراً .. وإن كنتَ هاجرا |
سعى .. وارتضى القاع البعيد من الجب |
* * * |
أخي .. يا رفيق الدَّرب، والعمر، والمنى |
ودنيا فنون الشِّعر .. والفكر .. والحبِّ |
أخيراً .. على كرِّ الزمان .. وفرِّه |
وفي غفلة قادتك طوعاً .. وفي غصْبِ |
لقد عدت للمعلاة: نعشاً .. وجثَّةً |
فوارتك في صمت المقابر والرَّكب |
جنيناً ببطن الغيب عاد .. كما أتى |
من الأمس.. ذكرى لن تضيع مع الغيب |
وسفراً بأذهان الرجال .. سطوره |
مبعثرة حول الرفوف .. بلا كتْبِ |
وهبت لهم دنياك: كنزاً من الحجى |
فواروك .. دوني .. بين هول وفي رعب |
سألقاك روحاً .. أو أحاذيك جثة |
تنام بساح الأرض غالية التُّربِ |
متى جاء ميعادي .. فكلٌّ لحينه |
وما الموت إلاَّ السلم أو هدنة الحرب .. |
* * * |
أخي .. يا رفيق الدرب، والعمر، والمنى |
ودنيا فنون الشِّعر .. والفكر .. والحبِّ |
وهبت شباب الأمس لليوم لم يزل |
يلوح مناراً للشَّباب .. لدى شعبي |
وإن كنت عند الرأي بالرأي .. حائراً |
بدنياك ما بين الترقب .. والنَّدْب |
وقفت به عند الزَّهادة .. مذهباً |
تلاشى به الإيجاب .. في رنة السَّلْبِ |
وعشت عنيد الرأي .. كوناً بحاله |
غريباً بكون النَّاس .. مالوا عن الصعب |
تبيت على شكٍّ .. وتصبح شاكياً |
فأمسيتَ في الحالين نهباً .. بلا نهب |
وأقفلت دون الصحب باباً تراكمت |
عليه سدول الصمت.. والظن.. والريب |
وكنت لدى ماضيك روحاً طليقة |
وطبعاً رقيق الطبع في الجد .. في اللَّعْب |
أنيقاً .. مديد الجسم والعقل .. شاعراً |
أديباً من النوع الفريد .. بلا ريب |
أنيساً من الطِّرز الرفيع .. محدِّثاً |
بليغاً بلا زيف .. صريحاً بلا كذبِ |
لكم بدَّلَتْ دنياك منك فلم تعد |
كما كنت في الأحياء .. للأهل .. للصحب |
وكم قلت: إني عائدٌ .. ثم عائدٌ |
لأرضي .. لعادتي .. لسربك أو سربي |
فعدت .. ولكن لا كما أنت تشتهي |
وما أشتهي .. هل كان ذنبك أو ذنبي؟ |
لقد عدت .. محمولاً لجدة .. طائفاً |
بمكة .. جثماناً يلوب بلا لَوْبِ |
وخلَّفتني ما بين بيروت ضائعاً |
وجدة.. رهن الشدِّ.. طال .. بلا جذب |
أعاني صراع الحي .. يومي وليلتي |
وأعلو بإحساسي على الهون والكربِ |
وأحيا بروح الفنِّ .. هان فلم يعد |
سوى الفنِّ: درباً للتكسُّب .. للكسبِ |
* * * |
أخي .. يا رفيق الدَّرب، والعمر، والمنى |
ودنيا فنون الشِّعر .. والفكر .. والحبِّ |
هنالك ملقانا .. لدى السَّفح .. قمَّةً |
بها الرَّوح لاذت في حمى البيت والربِّ |
هنالك ملقانا الجديد متى انتهى |
مع العمر مشوار الحياة.. على الدَّرب؟؟ |