(( كلمة فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني ))
|
ثم علق فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني حول ما قيل عن تحقيق المخطوطات، فقال: |
- حمداً لله، وصلاةً وسلاماً على نبيه الكريم المبعوث رحمة للعالمين؛ وبعد: أسرةُ العلم أسرةٌ واحد يجمعها رباط واحد، هو رباط الثقافة والعلم؛ وأعضاؤها هم العلماء والأدباء والشعراء والمؤرخون، وكل حامل لرسالة العلم التي جاء بها ديننا الإسلامي الخالد؛ لقد شرّف الله العلم ورفع قدر العلماء أياً كانوا: يرفع الله الَّذين آمنوا منكم والَّذين أوتوا العلم درجات ولفظ أوتوا العلم: يشمل كل من خدم الثقافة وخدم العلم. |
- وتحضُرُني هنا حكمة بليغة لعالم جليل - لم يكن عربياً ولكنه كان مسلماً - خدم الدين وخدم العلم وخدم الثقافة، لأنها عِز مجده وكرامةُ دينه الَّذي يعتز به، ذلكم هو الإمام الزمخشري صاحب كتاب الكشاف؛ يقول في مقدمة كتابه: قيل لبعض العلماء: ما هي لذّتُك؟ فقال: حجةٌ تتبختر اتّضاحاً في شبهةٍ تضاءل افتضاحاً؛ لأن الإنسان حين يأتي بالحجة الدامغة التي يقصم بها ظهر الباطل، يجد لذة لا يجدها لا الأثرياء ولا الأغنياء، ولا أصحاب الأموال الكثيرة؛ إننا في عصر تدنى فيه العلم، يموت العالم فلا يَخْلُفُه أحد، لا في علوم الدين فحسب، بل في علوم اللغة؛ فنحن هنا في بلاد الحجاز كنا ندرس ونحن صغار (ما) نافية حجازية - يعني لغة أهل الحجاز؛ و(ما) نافية تميمية - لغة بني تميم ولمّا يأتي القرآن فيقول: ما هُنَّ أُُمهاتِهم إن أمهاتهم إلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ يقول علماء التفسير هذه (ما) نافية حجازية تعمل عمل ليس، لكن اللغة ضاعت في مهدها وأصبحنا - مع الأسف الشديد - نجد الجامعات والكليات والمعاهد تُخرّج أجيالاً كثيرين، ولكن عقول معظمهم خاوية من الثقافة الحقيقية. |
- وأنا أريد أن أختصر الآن وأقول: إن ثقافتنا إسلامية في الدرجة الأولى، والعرب كانوا جزءاً منها، وإذا تتبعنا ورجعنا إلى من خدم هذه الثقافة - بجميع فنونها وأشكالها ومناهجها - نجد معظمهم ليسوا من العرب؛ تعالوا خذوا (القاموس) صاحبه الفيروز أبادي..لم يكن عربياً؛ وإذا رجعنا إلى كثير من العلوم، نجد أن الَّذين خدموا هذه الثقافة معظمهم لم يكونوا من العرب، وبخاصةٍ المحدّثين: الإمام الترمذي الإمام البخاري؛ لست أستحضر الآن معظمهم، وكثير من المفسرين لم يكونوا من العرب. |
- وتحضُرني هنا أن الآية لما نزل قوله تعالى: هو الَّذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلالٍ مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء كان سلمان الفارسي مع جماعة من الفُرس في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم فسأله الصحابة؛ عن الآخرين الَّذين لمّا يلحقوا بهم؟ فقال: (عليه الصلاة والسلام) لو كان الإيمان في الثريا لتناوله رجالٌ من فارس - وفي رواية لتناوله رجالٌ من هؤلاء وأشار إلى سلمان الفارسي - فثقافتنا إسلامية، ينبغي أن نقول الإسلام ثم العرب؛ العرب جزءٌ ممن خدم هذه الثقافة. |
- وأنا مع الأستاذ أمين في أننا يجب أن نركز على أن ديننا ليس للعرب فحسب؛ فقد بُعث رسول الله للخلق جميعاً: وما أرسلناك إلاَّ كافةً للناس بشيراً ونذيراً والَّذين خدموا هذا الدين معظمهم من غير العرب، وللعرب فضلٌ لا ننكره. |
- وقد قرأت لشيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) في فتاواه يقول: قرأتُ ما يزيد على مئة تفسير، وهو في القرن السابع أو الثامن الهجري، يقول قرأت ما يزيد على مئة تفسير.. أين ثقافتنا؟ ضاعت! أين ما يزيد على مئة تفسير؟ الآن لا نجد أكثر من عشرة أو خمسة عشر تفسيراً من التفاسير المشهورة، فضلاً عمن جاء بعده في هذه الفترة الطويلة، فأسدى إلى المسلمين خيراً كثيراً، "قرأت ما يزيد على مئة تفسير فلم أجد علماء السلف اختلفوا في شيء من آيات الصفات إلاَّ في هذه الآية الكريمة: يوم يكشف عن ساق ويُدعون إلى السجود فلا يستطيعون". |
- ثم يقول ابن تيمية (رحمه الله): ولا ريب أنها ليست من آيات الصفات، لأنها نكرة في سياق الإثبات، فلم يُضفها الله إلى نفسه، ما قال يوم يكشف عن ساقهِ، قال يكشف عن ساق.. نكرة في سياق الإثبات، وعدم الإضافة دليل على أنها ليست من آيات الصفات؛ النقطة هنا: أن مئة تفسير في زمانه قرأها شيخ الإسلام. |
- وهناك كتاب يُسمى: حدائق ذات بهجة، ثلاثمئة مجلد في خدمة القرآن والإمام السيوطي (رحمه الله) توفي، وقد ترك لنا ما يزيد على ثلاثمئة مصنف، ما بين كبير وصغير ومتوسط؛ فثقافتنا واسعة، ولكن أهلك الله المغول، فقد دمروا ثقافتنا.. وجزى الله أخانا الشيخ عبد المقصود خوجه، على أنه يجدد لنا هذا النشاط، مع المثقفين مع المؤرخين، مع الأدباء، مع الشعراء..، ونقول عن بيته هو بيت الأمة، فمن أحب أن يدخل بيت الأمة فليحضر كل أسبوع؛ وصلى الله على سيدنا محمد، والحمد لله رب العالمين. |
(( تعليق للدكتور محمد العيد الخطراوي ))
|
عقب بعد ذلك الدكتور محمد العيد الخطراوي على ما قيل، فقال: |
- لا مؤاخذة، تعقيب قصير جداً جداً جداً، طبعاً التأكيد لا يزيد على ثلاثة دائماً: جداً جداً جداً، فقط ثلاثة. |
- ثقافتنا عربية إسلامية، وستظل كذلك إلى يوم الدين؛ هذا واحد؛ اثنين: أريد أن أُنبه فقط إلى أن الزمخشري معتزلي، نَعتُه بالإمامة فيه نظر، فهو مفسرٌ على الرأس والعين.. ولغوي، لكن أن يُعدَّ إماماً.. فهذا فيه نظر؛ والزمخشري من زمخشر، أي من بلاد فارس التي أشار إليها فضيلة الشيخ؛ وشكراً. |
(( رد فضيلة الشيخ الصابوني ))
|
ورد الشيخ الصابوني على ذلك، فقال: |
- لا يوجد ما يمنع أن يكون إماماً في اللغة. |
|
|