شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خواطر متناثرة:
الحجاز، وإلام يدعو؟؟
أللجامعة الاسلامية؟؟.. أم للوحدة العربية؟؟.. أم للرابطة الوطنية؟؟
* * *
الحجاز قلب الجزيرة النابض، ودماغها المفكر، وفؤادها الخفاق ترامى في أعماق الصحراء، وتغلغل في الأودية القاحلة الجرداء ليخلص من أرجاس المدنية الزائفة الخلابة، وأوضار الرفاهية والترف المميت للعواطف والشعور، فتبقى فيه الحياة سليمة هادئة هانئة، وتعنو الوجوه لبارئها، وتخلص له في الطاعة والعبادة، وتزكو النفوس وتتآلف القلوب على الاخلاص في القصد والدأب المستمر على العمل بحسب القوى الموجهة، والارادة المسيرة للزعامة المتعالية يعززها النفوذ الدينى الأخّاذ، وجلال الاسلام وروعته الممثل في كل مشعر وموطن وموضع قدم من هذه البلاد المقدسة.
فكما كان الحجاز قبل ثلاثة عشر قرناً موطن الحكمة والمعرفة، ومبعث النور لهذا العالم، حمل شعلة الهداية والناس في ظلمات الجهل يعمهون، فأخرجهم بهدى القرآن، وصفاء الشرعة المحمدية من ديجور الضلالات، وسخافات الاعتقادات، وجعل الناس كلهم سواسية في الحقوق والواجبات.
كما كان الحجاز مدرسة كبرى تخرج من محيطها أولئك الشوس الكماة الذين سيروا النهضة الاسلامية بخطوات رزينة هادئة لميدان العظمة والمجد والفتح المبين، وفي مدة نصف قرن صارت الشمس لا تغرب عن أملاكهم، كذلك اليوم لاتزال في الحجاز ـ في زعامته الاسلامية، وسلطته الروحية، وموقعه الجغرافى، واستقلاله الناجز وعدم تدهوره في تيار الملاهى والخلاعات ـ لا تزال فيه القوى الكمينة، والمؤهلات المختبئة، وموحيات العظمة للنفوس الطموحة التى تترقب بتلهف وشغف دقة ساعة العمل يدعوها الرئيس العبقرى الملهم، والزعيم الشعبى المنتظر الذي يتخذ من سمو مبادئه ونبل أغراضه وسداد سياسته وارادته الفولاذية قوة لا تغلب، تكفيه أن يأمر فيطاع، ويشير فتخضع له النفوس.
* * *
ولما كان الحجاز المقدس مأرز الدين، ومهد الاسلام والعروبة، وذووه شعب الله المفضل اصطفاهم من خيرة خلقه وعباده، وارتضاهم جيراناً لبيته وحرمه. واختار من ظهرانيهم أشرف الخلائق أجمعين محمدا الأمين صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين، وجعل قبلتهم مصلى تعنو له وجوه كافة المسلمين من أقاصى الأرض ودانيها كل يوم خمس مرات، وألزمهم بحج هذه البنية الطاهرة والبلاد المباركة من كافة فجاج الأرض وشعابها المتباعدة... توطئة سديدة، وتمهيد موفق يوحى إلى كل المسلمين من طريق مباشر ان الحجاز هو البلد الوحيد الخليق بتولى القيادة العليا، والزعامة الحقة على هذا الهيكل الاسلامى الضخم، ففيه يجب أن تعقد المؤتمرات وتوحد الغايات، وتوضع قواعد العمل المنتج، واسسه القويمة لاصلاح أطراف هذا الجسم وتعديل ما تدعو اليه الضرورة ويستلزمه العصر لكل زمان ومكان في كل عام. ثم في كل صلاة يتجه فيها المسلم إلى هذه البنية المطهرة يتذكر ما فرض عليه من الحقوق والواجبات التى أقرها في هذه البلدة المطهرة المؤتمر الاسلامى العام فيأخذه جلال الموقف وعظمة الديانة فيخلص لما أقره زعماؤه وارتضاه قادته لصلاح نفسه ووطنه وكل بلاد المسلمين.
بعد هذا أيحق للحجاز أن يدعو للجامعة الاسلامية، أم الوحدة العربية، أم الرابطة الوطنية فيبقى في عزلة ولنفسه فقط، ويفقد عطف العالم الاسلامى، ويضحى بزعامته الروحية، وسلطته الدينية التى لا تغلب؟!
ونحن اذا أردنا الاجابة عن ذلك فانما نريد أن تكون اجابة صادقة تستند إلى الواقع سواء كان الواقع فكرياً أم مادياً.
* * *
تدور في أخيلة قادة العالم الاسلامي، ومفكرى الأمة العربية النجيبة أفكار غامضة، وآراء مضطربة نحو هذه المبادئ الثلاثة السامية، وأحقها بالتقدم والعناية، وبالرغم من كثرة ما دار حولها من الحديث، وتناولته الأقلام بمختلف الأوضاع والاشكال باختلاف النزعات والمكيفات. لا يزال الرأى متذبذبا في اختيار أحد هذه المذاهب وتقديمه على ما سواه.. أتذكر عند اعتزمي كتابة هذه الكلمة انى سألت صديقا: إلى أيها تدعو؟، فأجاب في عجلة ـ بغريزته الدينية ـ إلى الجامعة الاسلامية، فتركته وسألت آخر فأجاب من فوره ـ بوحى من عروبته ـ للوحدة العربية، فانفتلت إلى ثالث فرد ـ عن صدى وطنيته الملتهبة ـ إلى الرابطة الوطنية، وكلهم مثقف جنح في دعوته إلى مختلف الأساليب وشتى البراهين..
ومن الطبعى أن مثل هذا التقلقل في الآراء لا يبشر بخير، ويبدد القوى العاملة لاسعاد الامة والوطن ((فلا بد للأمة من اختيار مبدأ من المبادئ العامة، ومثل من المثل الحية القويمة يقره الزعماء، ويعززه نفوذ الساسة في البلاد يهديها سواء السبيل في دياجير الحياة، فهو بمثابة النور الكشاف ينير أمامها ظلام الطريق فتتقى بضيائه شر العثار (1) )) ويعمل كل فرد في دائرته بحسب قواه المنتجة وسير عمله في الحياة على تثبيت هذا المبدأ وتعزيزه..
* * *
((الجامعة الاسلامية)) بمعناها الصحيح، وتنصيب خليفة تكاملت فيه شرائط الخلافة يجمع بين اكناف خلافته السلطتين، وتنفذ زعامته إلى مختلف البلاد الاسلامية المتباعدة، هي أولى فروض الدعوة الاسلامية، واليها تدعو في كل آية من آياتها وفروض من فروضها؛ وفيها من النذر والوعيد لمن شق عصا الطاعة عن الجماعة ما يجعل المسلم يهتز فرقاً من الخلاف لسوء الخاتمة؛ فالاسلام يأمر بالاعتصام بحبل الله لتكون كلمة الله هي العليا، ويلزمنا بالاتحاد والتضامن كالجسد الواحد اذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وفيه أصلح النظم، وأقوم المناهج للانضواء تحت لواء هذه الجامعة الاسلامية، ثم هي من خير ما يصلح للحجاز، ويهيئه لاستغلال نفوذه الاسلامي، وزعامته الدينية يعزز ذلك ويؤزره استقلال الحجاز المطلق، وسلامته من العناصر الدخيلة المتباينة، والفرق المتناحرة، والشعب المتنافرة
الا ان الدعوة لها في الوقت الحاضر ضرب من العبث، ونوع من المجون السخيف، واستخفاف بكرامة هذه الجامعة الاسلامية، وعظمتها المهولة، ((فزمن الخلافة ولى، وفكرتها اندثرت، ويجب على المسلمين أن يعرضوا عنها، لانها لا تصلح لهذا الزمان، ولأن الخليفة بمعناه الأصلى الصحيح يجب أن ينتخب انتخابا حراً مباشراً وهذا غير ميسور، وهو بمثابة رئيس جمهورية اسلامية، فان صار أحد الملوك خليفة فهو يكون حاكما مستبداً، وهذا غير مرغوب فيه لأن العالم يسير نحو الديمقراطية والحرية، ولم يبحث المسلمون حتى الآن في كيانهم القومي حتى يتخطوه إلى البحث فيمن يتولى الحكم، وهذا آخر ما يجب التفكير فيه. فوجب على المسلمين أن يتجهوا إلى روح الاسلام. ويستمدوا منها قوتهم (2) )). فأغلب بلاد المسلمين مستعمرات تئن تحت نير الاستعباد وتهتز فرقا من شبح العدو الغاصب، المتملك الرقاب، والمتحكم في الأموال والأوطان، ولا تملك قوة الدفاع عن أوطانها ورد كيد الكائدين، أما البلاد الاسلامية المستقلة فدويلات ضعيفة محاطه بشباك من المطامع الاستعمارية، ولا تتعدى أصابع اليدين عداً، وهي لا تملك من قوة النفوذ، واتساع رقعة الملك ما يؤهلها مجتمعة أو منفردة للقيام بواجب هذه الدعوة والتفانى في هذا السبيل. والحجاز اليوم لا يستطيع منفرداً أن يضطلع بهذه الأمانة، ويقوم بواجب هذه الرسالة، ثم هو نفسه قاصر القصور كله في مضامير الثقافة والعلم، وتفهم أسرار الكون، والاستعداد الحربى، سادر في جهله، عما يحيط بنا من قوى هائلة تريد أن تلتهم الأخضر واليابس، وما توحى به طبيعة هذه البلاد العجفاء من السعى الحثيث وراء الغنى الصناعى والزراعى والتجارى، والقوه بمختلف وسائلها ـ إلى الحج والحجاج وما اليه من شؤون الطوافة والاستجداء، فبقينا في المؤخرة وتقدمتنا أناس كان شوطهم وراء خطونا لو نمشى على مهل. كما قال الطغرائي (3) .
* * *
أما تعاليم الاسلام العالية، وروحه القوية المتوثبة فهي منتشرة في جميع الأمم التى اتخذت الاسلام دينا أو استظلت به. ولا زال أئمة العصر وعلماء الوقت يجدون فيه أصلح الدساتير. ويكتشفون من تعاليمه المثل الكامل للحياة السعيدة. وأقوم الطرق لتعديل ما أفسدته المدنية الحاضرة من النظم المعتلة. وارجاع ما سلبته من طمأنينة النفوس. فأفضل ما يطلب منا معشر المسلمين أن لا نقف حجر عثرة في سبيل تغلغل الاسلام في نفوس المهتدين به من فطاحل العلماء في أوربا والشرق الأقصى باعوجاج السير والامثولة السيئة ومخالفة ما ينص عليه الكتاب ويأمر به الدين ((فأول ما يجب على كل امة من الامم (الاسلامية) والشرقية أن تعيد النظر في تكوينها وتأليفها كأمة. فتشيد بناءها من جديد تشييداً محكما. وتدخل في كيانها العناصر التى تفيض عليها الحياة، وتنفخ في جسمها الروح، بعد أن تعرف كل ما صدع بناءها الأول من الآفات والعلل فتقتلعه وترمي به ظهرياً، فلا تجعل للمذاهب والديانات سبباً لتصديع هذا البناء وتوهين أسسه، ودعائمه فتتجاوز ما وضعت له من قصد الخير إلى التفرقة والانقسام والضغائن والاحقاد. بل يجب تناسى الفوارق بحيث تصبح المرافق المشتركة بينهم رابطة تربطهم وتؤلف بين قلوبهم (4) )) وفي هذا كما أرى أعظم برٍ بالاسلام، وأصدق خدمة يستطيع أن يؤديها المسلم للاسلام، وما أجمل تلك الدعوة الموفقة التى ترمى اليها جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة ومن نحا نحوها..
* * *
أما الدعوة ((للوحدة العربية)) بين الناطقين بالضاد الذين وحدتهم الثقافة، واتحاد اللغة والعنصر، والماضى المجيد وجعلها امبراطورية مرتبطة الأطراف موحدة الاجزاء، كالولايات المتحدة مثلا. ففكرة قويمة، وحلم ذهبى جميل، حرى أن تصفق له القلوب بين الاضالع طربا، ويستجيب له كل عربى مخلص لعروبته، وهي بمعناها الواسع بعيدة الوقوع في الوقت الحاضر أيضاً، اذ ما دام أغلب هذه البلاد في قبضة اليد الحديدية تتصرف في مصائرها ولو من وراء ستار، فلا تستطيع البلاد المستقلة أن تمد يد المعونة إلى شقيقاتها لتخلص من محنتها وشقوتها، كما أن زعامة حكامها. ورغبة كل في الاستئثار بالسلطة والتفرد بالحكم مما يبعد القصد ويشتت الغاية. ولقد ضحى الحجاز بالكثير من دماء شهدائه الزكية. ورجاله المخلصين للوحدة العربية على أسوار حلب وحمص في الثورة العربية، وفتح لدعاة القضية العربية صدره الرحب، وأسبغ عليهم من نعمه وبركاته العميمة وكرمه الواسع الشئ الكثير، وبوأهم أسمى المراتب، فكان عليه الغرم ولغيره الغنم، والحجازى بعد ذلك ممتهن منبوذ أينما حل وارتحل من هذه البلاد العربية الواسعة..
أما توحيد الثقافة والتعليم بين الأقطار العربية الشقيقة، والسعى وراء المصالح الاقتصادية المشتركة، وتبادل المنتوجات، ورفع الحواجز الجمركية، والاستعانة بالخبراء الفنيين لهذه البلدان المتجاورة وعدم التفريق في الحقوق الوطنية بين كل أفراد العرب في أي بلد من بلدانهم، وبالتالى السعى في ايجاد حلف عربى بين الحكومات العربية المستقلة سليم من شوائب الاستعمار، يكون في حالة الحرب جبهة قوية ضد العدو المكتسح كالاتحاد الجرمانى مثلا ـ فذلك واجب تقضى به مصالح القومية المتحدة، وتحتمه المرافق المشتركة الحيوية والجوار. وقد خطت حكومتنا السنية وحكومة العراق خطوة موفقة في هذا السبيل في أواخر العام الماضي لفتح (5) طريق التواصل البرى بين الحجاز والعراق. ووضع نظام خاص بذلك روعيت فيه مصالح الجنسين المشتركة فحصل الاتفاق وحظى المندوبون بثقة العاهلين العظيمين. وكان من بوادر ثمراته الطيبة ايفاد فرقة من الكشافة العراقية على طريق البر كان لها من الأثر الخالد في تبادل الصلة والولاء والتعارف ما يبشرنا بكل خير، وكذا حصل الاتفاق على الغاء جوازات السفر بين البلدين، ونؤمل في حكمة جلالة ملكنا المعظم وملك العراق وحكومتيهما أن يتبعا هذه الخطوة المباركة في التوفيق بين القطرين وتوثيق أواصر الصلة بين الامتين
* * *
أما الدعوة ((للرابطة الوطنية)) والوحدة القومية المحلية ـ فهي أحق هذه الدعوات بالعناية وأجدرها بالاهتمام اليوم للشرقيين عموماً والعرب والمسلمين خصوصاً لتوحيد القوى والكلمة، وحصر الجهود في دائرة محدودة لنوال الاستقلال التام بشتى ضروبه وصورة المتعددة، الاستقلال السياسى، والاقتصادى، والصناعى والعلمى، والزراعى، والتجارى، والمالى، فذلك ألزم وأحق بالعناية من السعى وراء الأمانى البراقة، والاحلام الذهبية الخلابة التى لا ترتكز على الواقع ولا تدعمها الحقيقة الملموسة، سيما وان الدعوة لأحد هذه المبادئ الثلاثة تختلف غاية ومرمى بحسب اختلاف البلدان والبيئة والمكيفة. فالدعوة الاسلامية في الهند معناها الفوضى والحرب الضروس بين المسلمين ومواطنيهم الهنادكة الوثنيين! (وقد اتخذ الانجليز من الفروق الدينية في الهند سلاحاً قاطعاً من أفظع الاسلحة فكان الشقاق بين الهندوس والمسلمين سبباً لسيادتهم دائماً (6) ).
* * *
والدعوة للقومية المحلية والرابطة الوطنية، وان كان يعدها بعضهم دعوة استعمارية بغية تفكيك أجزاء العنصر الاسلامى المتحد، وهدم كيان الجامعة الاسلامية، وأخيراً الامبراطورية العربية التى نشطت الدعوة لها في هذا الحين، فلذلك نصيب من الصحة وقبس من الحقيقة، ولطالما سعى ساسة اوربا ودولها قديماً وحديثاً في إيجاد رابطة تشبه في نظمها المتينة وأسسها القومية الجامعة الاسلامية (فأخذوا يطلعون بما طلعوا به في النصف الثاني من القرن الماضي وبما لا يزالون يعالجون في هذا الثلث الأول من القرن الحالى من لاتينية وانجلوسكسونية وسلافية وجرمانية وبلقانية (7) ) وآخر دعاتهم المسيو شاتوبريان الفرنسى الذي بح صوته بالدعوة للجامعة الاوربية، فكان نصيبهم الفشل الذريع في شتى أدوار دعواتهم ومظاهرها المتعددة. ولا شك أن الجامعة الاسلامية، ويبلغ عدد جندها الاسلامى منه والعربى أربعمائة مليون نفس تقريباً ـ قوة مهولة، وخطر محيق على عظمة دول العالم المتغطرسة لو تآلفت عناصر هذه الجامعة واتحدت أجزاؤها على نحو ما يأمر به الدين المحمدى. أذكر أنه عند اشتعال شرارة الحرب العظمى خشيت دولة هولندا من تأثر رعاياها الجاويين بنزعة الجامعة الاسلامية والانضمام تحت لواء الدولة العلية والمجاهرة بالثورة والعصيان، فسعت بواسطة سفيرها في الاستانة حتى استصدرت من الخليفة الأعظم أمراً بعدم تكليف الجاويين بالجهاد ولزوم الحياد.
والحجاز ان تواضع في مطلبه، واختار ما هو أدنى من الذي هو خير، فليس معنى ذلك أنه غير خليق بتولى الزعامة الاسلامية والقيادة العليا لهذا الهيكل الاسلامى المهول، أو أنه جاهل وغير مدرك عظمة الجامعة الاسلامية وما يجنيه الحجاز، وكل بلاد الاسلام من عز ومنعة وسلطان منيع في ظلها الرفيع، ليس هذا ولا ذاك، ولكن ما حيلتنا والظروف الحاضرة وملابساتنا الراهنة كما شرحت لك تقضى بالدعوة للرابطة الوطنية للخلاص من ربقة الأسر والاستعباد وحصر الجهود والقوى ضمن نطاق معين يكفل الفوز والنجاح.
ولا يفوتنى قبل أن أختم كلمتى أن أوضح أن هذه المبادئ الثلاثة دعائم قوية يرتكز بعضها على بعض، فمتى كمل استقلالنا الوطني بمختلف وجوهه سعينا للوحدة العربية، ثم نصدع بعد توحدنا واعتماداً على قوتنا بوجوب الانضواء تحت لواء الجامعة الاسلامية.
وليس معنى الدعوة للوطنية أننا نكون حربا ونصراء على اخواننا العرب في الأقطار الشقيقة، أو أن نجفو اخواننا المسلمين ونتجاهل عواطفهم السامية وحماستهم المتدفقة نحونا، فأواصر القربى، والاخوه الاسلامية، والمشاركة في الآلام والآمال، والنزعات والعواطف والاتجاهات الفكرية كل ذلك روابط معنوية قوية لا تنفصم عراها، ومن أولى المبادئ التى يجب تقديسها ورعايتها حفظاً لكياننا العربي وعنصرنا الاسلامى، وان المحالفة أو المجاهرة بالعداء سراً وعلانية، أو السعى وراء مصلحة لدولة تعود بالضرر الوبيل على دولة أخرى من الدول العربية أو الاسلامية ـ ليعتبر خيانة عظمى وجريمة لا تغتفر، ونصرة للعدو المتربص وخذلانا لديننا الحنيف، تسود بها صحائف التاريخ، وتبقى لطخة عار يقرؤها باشمئزاز جيلنا المقبل.
والحجاز اليوم ـ في مدنه ـ لو أردت أن تصطفى من عناصره المتحدة، وأجزائه المتوافقة العنصر الحجازي الصميم لأعياك البحث ولوقفت حائراً مشدوهاً أمام هذه القوى الهائلة المهاجرة التى تدفقت كالسيل الخضم إلى هذه البلاد، واستحوذت على الكثير من مرافقها الحيوية فطمست ـ لوفرة عديدها ـ العنصر الحجازي الأصيل فأضحى أقلية ضئيلة بجانب غيره من الجنسيات. ولكن الحجازيين لا يعتبرون هذه الجنسيات العديدة التى تمثل كافة الأجناس البشرية، عناصر دخيلة، بل يعتبرونهم وطنيين يقاسمونهم بسخاء وطيبة نفس خيرات هذه البلاد. كما أن هؤلاء المهاجرين المخلصين تجردوا من جنسياتهم في كافة أمورهم الحيوية، ويجدونه الفخر كله في أن ينتموا إلى الحجاز، والى كل ما هو حجازى حتى في تفكيرهم ومشاعرهم، فهم حجازيون بكل ما في الكلمة من معنى، وليس هناك تحزب للجنسية الأصلية، أو تشيع من أي فريق إلى ما يجانسه كما هو شأن الجاليات المتعددة في البلاد الخارجية، من مباينة كل جالية لما سواها بزيها وعاداتها وكل مظاهر الحياة فيها، ولقد لحظت حكومتنا السنية هذه الظاهرة الحرية بالاعجاب التى منشؤها قوة الروح الاسلامية المتمكنة في نفوس المهاجرة فسنت قانون التبعية الحجازية فكل من مكث في الحجاز ثلاث سنوات متوالية يكون حجازياً ويحق له أن يتمتع برعوية الحكومة العربية السعودية
فالحجاز وان تباينت عناصره، واختلفت جنسياته فهو وحدة متماسكة الأجزاء، وقوة متحدة الأطراف، مؤتلفة في تفكيرها ونزعتها وشعورها تسير في متجه واحد نحو خير هذه البلاد ورقيها، لا فرق في ذلك بين جاوى وهندى وتركمانى، فكلنا حجازيون، وللحجاز نحيا، وفي سبيل الحجاز نموت.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :591  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 50 من 181
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج