شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأدب الحديث في الحجاز
(( نبذة من محاضرة أُلقيت في النادي الأَدبي بسنغافورة في 21 جمادي الأُولى سنة 1353 )) .
يقترن تاريخ فجر الأدب الحجازي الحديث بتاريخ الثورة العربية الكبرى، تلك الثورة التى نفثت في الشعوب الناطقة بالضاد روح الحياة والتجدد فسرت فيهم سريان الكهرباء في أسلاكها وتمشت في مفاصلهم كتمشى البرء في السقم، وقد يفوق أثر تلك الثورة في ايقاظ الحجازي واذكاء مواهبه وشعوره أثرها في غيره من أبناء البلاد العربية الأخرى، ولعل صحائف الأدب خير ما يمثل هذا الأثر وذلك الانقلاب الذي طرأ على التفكير والشعور الحجازي في العهد الحديث فمنذ ربع قرن تقريبا لم يكن الأدب الحجازي سوى بضع منظومات وكتابات سقيمة المعنى واهية السبك ملتوية الاسلوب يدور أكثرها في نطاق ضيق من المديح السخيف والغزل والتشطير والتخميس على نمط ليس له من مبرر سوى ذلك العقم الأدبى الذي منيت به الأَفكار في تلك الحقبة المشؤومة. وإِلا فأَي إِنتاج ينتجه أولئك الذين يتناولون بيتين أو أكثر من الشعر بالتشطير والتخميس فيعمدون إلى تمطيط معناها وتفكيك أواصرها وحشوها بما يناسب وما لا يناسب من الألفاظ المترادفة والتراكيب المرصوفة وليت ما كان يستهوى أدباءنا في ذلك العهد شعر قيم يستحق منهم ذلك الجهد والعناء. اللهم لا: فأى قيمة أدبية لأمثال ذينكم البيتين:
ومكاريا أبصرت في وجناته
ورداً يلوح وجلناراً يقطف
أخذ الكرى منى وأحرمنى الكرى
بينى وبينك يا مكارى الموقف
فكم أديب وأديب استوقفه هذان البيتان فعالجهما بالتشطير والتخميس، بخ بخ لهذا المكارى الذي فتن عشرات الأدباء فهاموا به محاكاة وتقليداً وأبوا الا أن يقفوا منه ذلك الموقف وما هو بموقف الأديب، وان (فورد) المخترع العظيم لو علم المنزلة التى شغلها هذا المكارى من أدب الحجاز حينا من الزمن لندب جد سياراته، ولنعى حظ شهرته الأدبية. ان أدب التخميس والتشطير أيها السادة أدب عقيم اذا جاز لنا أن نستعير له لفظة أدب، وان هذا النوع من النظم ينبغى أن يعتبر في نظر العقلاء سخفا وعبثا ان لم يكن مسخا لصور الأدب وتشويها لجماله الفنى
أجل لقد أجمع جهابذة الأدب وأعلام البيان على أن العاطفة والوجدان هما قوام الشعر وعنصر الحياة فيه، وان النظم المجرد عن العاطفة أشبه شيء بلغو الكلام يلقى لغير غاية وغرض مقصود. وأي عاطفة يختلج بها قلب يهيم ويتصبب بشخص لا تجمعه به ألفة ولا سابقة وداد. ان هذا الضرب من المتأدبين يذكرنى بذلك المغفل الذي سمع أحد المارة يترنم بقول الشاعر:
يا أم عمرو جزاك الله صالحة
ردى على فؤادى أينما ذهبا
فلم يلبث أن علق قلبه بأم عمرو وأخذ يتنسم نسيمها ويتنشق أخبارها حتى اذا سمع يوماً آخر يقول:
لقد ذهب الحمار بأم عمرو
فلا رجعت ولا رجع الحمار
عد ذلك بمثابة نعى لمحبوبته الوهمية فاغتم لذلك واكتأب أشد الاكتئاب. فلا أدرى أنقول نحن اليوم بدورنا لذلك النوع من أدعياء الأدب: لقد ذهب... على أننى لا اغمط ذلك العهد حقه فأقضى على كل أثر فيه، فقد نجد بين أنقاض تراثه قطعاً صغيرة هي على قلتها وضآلتها ـ تدل على شاعرية ملهمة وعبقرية في التصور على أنه لم يحفظ لنا من تلك الآثار الا القليل النادر وهو إلى ذلك مبعثر في الصحف والدفاتر مطوي في بعض الصدور. وبدهي أَن مثل هذه الآثار الضئيلة لا يمكن أن يعتبر مقياسا يعتد به لأدب عصر من العصور. هذه جملة حال الأدب في الحجاز قبل بزوغ فجر النهضة الحديثة.
أما أدب اليوم فهو وان كان أدباً فتيا ما يزال في الطور الأول من أطوار نموه ونضوجه فهو ماض في طريقه إلى الامام سائر بخطوات ناجحة موفقة لا يسع المنصف تجاهلها أو الغض من شأنها. ويرجع الكثير من الفضل في ذلك إلى آثار أدباء العربية العصريين التى تجاوب صداها في الشرق العربي فكان لها أحسن الأثر في توجيه الأدب العربي وتلقيحه بلقاح الحياة والطرافة والتجديد. وقد كان أثر أدباء المهجر من السوريين أقوى وأظهر في أدبنا الحديث حتى عهد قريب. أما الآن فقد بدأ يتحرر قليلا من قيود التقليد وأخذ يشتد ساعده، وان كنا نجد لنفثات أقلام الادباء المصريين أثراً متميزا فيه في السنوات الأخيرة.
وان مظاهر التجديد والابتكار في أدب اليوم ليست مقصورة على التجديد في الديباجة والاسلوب بل ان في مقدمة ما يعنى به أديب اليوم انتخابات الموضوعات الاجتماعية والوطنية والأدبية الفنية واختيار أمثل الطرق وأوضحها لعرضها في صورة خالية من التكلف والتزييف.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :453  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 46 من 181
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .