على الضفافِ تصَّبَتني الأغاريدُ |
وبادلتني بها أحلامَها الغيد |
يا من رأى الجنة العذراء وارفةً |
وقد تدلَّت من الكرمِ العناقيد |
كأنما الراح في أكوابها سكبتْ |
وأسكرتنا، وبعض السكرِ محمود |
إن البحيرة في أحضان جنتها |
تعيش أعيادَها غاداتُها الرود |
تخالها وهي فيها مثل آنية |
يزين حافاتها وشي وتوريد |
كلُّ الضفاف هوى العشاق يغمرها |
كأنما زُرعت فيها الزغاريد |
*** |
على الشواطي أجسام منعَّمة |
أديمها من شعاع الشمس مقدود |
يلفها الصحو في أبراده شغفا |
فالصحو والرمل مغبوطٌ ومحسود |
كمْ ارتوت قبلات في مباسمها |
ورفَّ شَعر كلون الفجر مسرود |
وفي الجفون لآلٍ ما لها عدد |
بمثلها يتهادى حَلْيَه الجيد |
سكرى العيون كأن السحر فتَّرها |
وأيقظَ الزهو فيها فهو عربيد |
مِلءُ البحيرة أفراح معطَّرة |
وأغنيات، وايحاء، وتنهيد |
تراقص الموج هدَّارًا ومنسربًا |
كأنه وتر بالريح مشدود |
خضر الجنائن في أمواجها انعكست |
كأنما انقلبت فيها الأماليد |
على الضفافِ مصابيح منسقة |
وفي المياه مصابيح أباديد |
تكسر الضوء في الأمواج مرتعشا |
كأن ألف هلال ثَمَّ مولود |
على مدى النظر اللمَّاح أشرعة |
بيض ترفُّ وعشَّاق معاميد |
تبدو الزوارق جناتٍ معرشة |
بها المجاديف رقَّاص وغرِّيد |
كأنها الوز في الأمواه سابحة |
تختالُ عجبًا، لها نشر وتنضيد |
تنش من حولها الأمواج حالمة |
كما يرجِّع من ألحانه العود |
مَن أنزل الكوثر الموعود شاربه |
بكل ما حفلت فيه الرواقيد |
حلَت مذاقًا، رحيق النحل رُشَّ بها |
أو أنها ذُوِّبتْ فيها القناديد |
يوم البحيرة يوم لا نظير له |
فينا وتذكاره بعث وتجديد |
ترشفت نظراتي كلَّ خمرتها |
كما ترشفت الكحلََ المراويد |
وددتُ لو كنتُ فيها نورسًا مرحا |
له على الموج تصويب وتصعيد |
وأن أغازلهَا من فوق سارية |
كأنما ظلها في الغيب ممدود |
*** |
يومُ البحيرة لم تفتأ مشاهده |
تثري حنيني، وتضري شوقي الخود |
أقتاتُ ذكراه أفراحًا وأخيلة |
ويرتوي الحس حتى تزهرَ البيد |
حيث استعدت شبابي في شواطئها |
فللشباب كما للَّحن ترديد |
لكلِّ عُمر غرام يستمر به |
زهو الحياة وتثريه الأناشيد |
إذا محا الدهر ما خطَّت أنامله |
ففي اذِّكاري (للبلتون) تخليد |
إن البحيرات مصياف ومنتجع |
تُجنى وتزهر فيهن المواعيد |
لكم قطفنا مزيدًا من مباهجها |
وقد يُنمِّي قطاف الفرحة الجود |
لقد غرسنا على الشطآن فرحتنا |
فللمسرات مثل الفلِّ ترقيد |
غدًا نراها فراديسًا معرشة |
بها ظلال وأعطارٌ وتغريد |
وقد كتبنا على الأشجار واضحة |
أسماءنا فهي للإعجاب تأكيد |
لعلَّ أرواحنا النشوى ترفُّ على |
رحابها عندما يُخضَوضَرُ العود |
*** |
قلْ للبحيرات ، والأنواء غاضبة، |
هل للبحيرات تحنان وتهديد؟ |
وهل تَحس إذ الأمواج ثائرة |
بأنها فُجِّرت فيها الجلاميد؟! |
يرفرفُ الموت مجنونًا برهبته |
كما تُرفرف فيها أغرب سود |
*** |
في كلِّ قلب بحيرات معتمة |
تكاد تغرق فيهن الأخاديد |
حبلى بكلِّ الأماني فهي واعدة |
وقد تخادعنا فيها المواليد |
إنِّا نخادع طول العمر أنفسنا |
إذا يئسنا، لان الصدق مفقود |
ليت الحياة كما نهوى حقيقتها |
لكنَّ (ليت) بها لليأس تجسيد |
حسبي من الذكريات البيض وامضها |
في حالك العمر حيث العمر مخضود |
لئن نسيتُ فلن أنسى مباهجنا |
لدى البحيرة حتى يرجع العيد |
*** |