شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النشيد الرابع
أبطال النشيد:
1 ـ الربان ويسمى النوخذا.
2 ـ الغواصون: وهم يتكونون من غواصين، وأسياب يكلفون بسحب الغواصين من الأعماق.
3 ـ عاملون يقومون بالتنظيف والطبخ والغناء في الأمسيات للترفيه عمن في السفينة.
4 ـ زاهي: زوجة نعمان.
1
البحرُ يعزفُ، والشواطئُ ترقبُ الأملَ الحبيبْ
وعرائسُ الأحلامِ ترقصُ فوقَ أجنحةِ الغروبْ
والموجُ يجذبُ بعضُه بعضًا فينتثر اللُّجين
ويرفُّ في صفحاتِه ظلُّ الشراعِ ويستكينْ
والسفن رائحة وغادية تَهادى كالقلاعْ
عادتْ تحنُّ إلى (المغاصِ) وقربهِ بعدَ انقطاع (1)
واسترجعَ الرُّبان ذكرى جُهده وكفاحهِ (2)
وشبابهِ المهدورِ بينَ غدوهِ ورواحه
دنياهُ بينَ البحرِ والشاطيْ تصرِّفها الرياحْ
وتخطُّها الأقدارُ أفراحًا وآونةً نُواح
كمْ رددَ الموجُ العتيُّ صدى أغانيهِ الطَروبه
ولكمْ تواثبَ حوله يُصغي لآهتهِ الكئيبه
تطفو وتمرحُ من حواليه عرائسُ أنسه
وتظلُّ في الأعماق جاثمةً حفائرُ رَمسه
2
وبعطفة الشاطيْ تعالى الهمسُ كاللحنِ الكئيبْ
وتسللتْ بينَ الجفونِ سحائبُ الدمعِ السكيب
هذي تقبلُ زوجَها ترجو له طيب الإيابْ
وتعانق الأخرى الحبيبَ وتفتديهِ بالشباب
وتراجعت (زاهي) وفوقَ الصدرِ طفلتُها الحبيبهْ
فاستقبلتْها عندَ بابِ الكوخِ وحشتهُ الرهيبه
وتجاذبتها الذكرياتُ وليسَ فيها ما يسرُّ
حتى ليالي عرسِها لمْ يبتسمْ منهنَّ فجر
ماتتْ صبيحة عرسِها قبلَ الشروقِ حماتُها
وطغت على الأفراح بالحزن العميق وفاتها
وغداة وافاها المخاضُ ببكرها في ذاتِ ليله
وانساب في رفقٍ إلى سمعِ الحياةِ بكاءُ طفله
لم تلقَ إلاَّ ثوبَها فيه تلفُّ وليدَها
والجوعُ يعصرُ ثديَها والضعفُ يهصرُ عودَها
والطفلةُ المبحوحةُ الشهقاتِ تشرقُ بالنحيبْ
وتمص إصبعها وتحلم بالحليبْ ولا حليبْ
3
البحر رهوٌ، والرياحُ رخيَّةٌ مثل الخيالْ
والماء كالمرآة يعكس فوق صفحته الظلال
والفُلك تجري فوقه مثلَ النسيمِ العابر
يحكي الشراع على سواريها جناح الطائر
ونشائد (النَّهام) تزخرُ بالعواطفِ والحنينْ (3)
وتجاوبُ (الأسيابِ) من حول الحوافي هازجين (4)
صور مشوقة الظلال طفت على سطح (الخليج) (5)
وبباطنِ الأعماقِ تكمنُ من روائعهِ مُروج
أغلى وأحلى من دوالي الكرْم والروضِ الخميل
وحدائقِ الريحانِ والنسرينِ والفلِّ الخضيلْ
حقل من (المحَّار) يثمرُ لؤلؤًا رطبًا جنيا (6)
ليرفَّ ما بين النهودِ قلائدًا مثلََ الثريَّا
يتمتعُ (الغواصُ) فيهِ بالقِطاف وبالجنى
ويدغدغ الآمالَ بالإثراءِ منه والغنى
يطفو فيلقى الشمسَ تسخو بالحياةِ على الوجود
ويعود يبحث في غمار اللج عن غده السعيد
ويظلُّ يزحف في المجاني بين واحاتِ المحار
يجني ويجمعُ في حقيبته الجنى طولَ النهار
متمنطقٌ بالحبلِ في خصرٍ كأحلامِ العَذارى
وفِطامه كفم الوليد بمارن الأنف استدارا (7)
فإذا أراد تنفسًا، أو خافَ وحشًا كاسرا
هزّ الحبالَ فجرَّه (السِّيب) المطل مبادرا
فإذا استوى فوق السفينةِ حاملاً محاره
ألقى جناه من المحار فضوله وخياره
ومشى إلى الكانون يبعث فيه ألسنة اللهب
ويصبُّ في الفنجان بنًّا مثل صهباء العنب
ويعب من (نرجيلة) التنباكِ أنفاسًا زكيه (8)
كمجامرٍ عقدَ البخورُ بها سحائب زئبقيه
فإذا توارتْ في ثنايا الأفق أضواء النهارْ
عكفَ الرفاق على الغِنا، وتحلقوا مثل السوار
4
وتوالت الأيامُ والغواصُ يكدح في البحار
يطفو ويرسبُ في ظلامِ اللج يقتطفُ المحار
وتراصفت قطع اللآلي كالنجوم تألَّق
تمحو ظلام البؤس من دنياهم وتمزق
حتى تكوَّم فوقَ سطحِ الفلكِ كالهرمِ الصغير
وكأنَّما يَبني به لغداته الأملَ الكبير
في تلكم العُلب الصغيرةِ يكمن المستقبلُ
تتألق البسماتُ أو يخبو الرجاءُ فتأفل
وتقدمَ الرُّبان يفتحُ مِن خزائنها الثمينْ
وكأنَّ (مديتَه) الصغيرةَ تفتحُ الغيبَ المصون
حتى إذا جمعَ اللآلئَ من تجاويفِ الصدف
ألقى بها في سدة (السفط) المزخرف بالتحف (9)
وتوسمَ الزملاءُ في (نعمان) نشوة ضافر
ستسر (زاهي) بالحليِّ وبالحرير الفاخر
ولسوفَ تفرح بنته بالوَدْع والصدف النضير
ومراود (المرخ) الرشاق وسيف (جرجورٍ) صغير (10)
ألقى المساء ظلاله وردية فوق المراسيْ
والريحُ تزأرُ في تدافعها وتنذر بالمآسي
وتلبد الجوُّ الربيعيُّ النسائم والصفاءْ
وتلاطمَ الموج الجموح فكان ينذر بالفناء
وتواثبتْ في غمرةِ العصفِ المياه الثائره
وتدفقتْ في الفلكِ تزأرُ كالوحوشِ الكاسره
وتقطعت في ثورة التيارِ (أمراسُ) السفين (11)
ولوتْ بساريةِ الشراع وحطمتها في جنون
فتمايلتْ وكأنَّما هي ريشةٌ وسط المهبِّ
تعلو وتهبطُ لا قرارَ لها بشرقٍ أو بغربِ
وتأرجحتْ في غضبةِ التيار أحلام الغد
وذوى بوهجِ اليأسِ ما قد رفَّ من أملٍ ندي
وكسا وجوه (الربع) لون شاحبٌ مثلُ الهباء (12)
وكأنَّما الأمواجُ أرماسٌ تواثب في الفضاءْ
لكنَما الرُّبان أنعشَ فيهمُ روحَ الأملْ
فاستبسلوا ـ بعد التخاذل ـ في التآزرِ والعملْ
وتسابقوا نزفًا، وتجديفًا بعزمٍ أيد
وتقمصوا روح الفدا، وسماحة المستشهد
وبدا لهم طيفُ السلامة عند (فشتٍ) عائم (13)
يأوي إليه كلُّ (طبعان) السفينة سالم (14)
ومضتْ سويعاتٌ من الجهدِ المعبئ والنضالْ
حتى تراجعت الرياحُ تجرُّ أذيال الكلال
***
 
طباعة

تعليق

 القراءات :275  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 236 من 271
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج