في روضنا نسمات شعرك ترفل |
والمعجبون إلى لقائك أقبلوا |
جاؤوا إليك عواطفاً فياضة |
شوقاً، تحدِّق فيك، بل تتأمل |
جاؤوا إليك مشاعراً عربية |
عطشى إلى النهر العظيم لينهلوا |
لم يحملوا باقات ورد إنما |
باقاتهم مهجٌ، أعز وأجمل |
يا حبذا هذا اللقاء وحبذا |
في أرضنا المعطاء هذا المحفل |
اليوم عرس أنت عنوان له |
جاءت تكرمك النهى يا قنصل |
يا شاعراً نخل القصائد هل ترى |
تدري مصيبة شعرنا أم تجهل؟ |
الشعر في أسواقنا لا يشترى |
رغباً، ولا رهباً، ولا يستبدل |
ندم الَّذين تعلقوا فأفلسوا |
وتعطلت آمالهم، فتعطلوا |
ما حاله فـي الغرب؟ هـل عرضـت لـه |
حُمَّى، تصدِّع رأسَه وتزلزل؟ |
أم لا يزال الفجر ينشر عطره |
والسحر ينسج مئزريه ويغزل؟ |
هل لا تزال حقولـه خضراً وهل |
في صدرها للحسن يعزف جدول؟ |
أم خانها فصل الشتاء فأمحلت |
وأصاب أهليها الجفاف فأمحلوا؟ |
وحماته هل لا تزال جيادهم |
ترتاد ساحات المعارك تصهل؟ |
هل أبحروا عبر المحيطات التي |
شق الجدود عبابها وتوغلوا؟ |
هل شب عنترة وكعب فيهمُ |
يتساجلان، وهل ترعرع جرول؟ |
أم عطرتهم منشم فإذا همو |
ثوب بقارعة الطريق مهلهل؟ |
يا شاعراً عشق التغرب مسرحاً |
يجلوا به صدأ القلوب ويصقل |
وحديقة فواحة يشدو بها |
فرحاً على أفنانها يتنقل |
هذي الوجوه أتت لتقرأ فيك ما |
تصبو إليه، وما تحب وتأمل |
كم بات شعرك كأسها ونديمها |
من أي ينبوع تعل وتنهل؟ |
إن السعادة لحظة تسمو بها |
نفس إلى عليائها تتبتل |
لا خير في دنيا تجرعنا الأسى |
وعيونها بدمائنا تتكحل |
تمضي السنـون، ونحـن نركـض خلفهـا |
نشقى، بكل وسيلة نتعلل |
يا أيها العربي هل تدري بما |
يخفي لأمتنا الزمان الأرذل؟ |
بالأمس باع خيولها ورماحها |
وأحلَّها الفوضى وبئس المنزل |
أغرى بها السفهاء من أبنائها |
نصبوا لها شرك الردى وتسللوا |
واستأجروا للنيل منها عصبة |
تطوي مسافات المدى تتسول |
شقوا بأسياف العقوق طموحها |
تسعى فتنهكها الجراح فتفشل |
جسد العروبة داؤها ودواؤها |
في جوفها مما تكابد مرجل |
لو أخرجته وحضنت شريانها |
بالحب زال وباؤها المستفحل |
فتن تتابع أرهقت أعصابها |
صبح يمزقها.. وليل أليل |
هذي فلسطين الجريحة لم تزل |
تدمى، وذاك عراقنا يتوسل |
وشباب أمتنا أسير مجونه |
أمل العروبة فيه صفر مهمل |
أعمى أصم أمام قاتل أمه |
وعلى أخيه الفارس المستبسل |
بيروت كانت غابة فتانة |
حسناء، في حلل الصبا تتدللُ |
مرت بساحتها البسوس فأشعلت |
فيها الحريق، ومن سواها يشعل |
فإذا الكواكب تستجير، وعرضها |
يهوي وأزهار البنفسج تذبل |
لم يبق في الطرقات إلا مرضع |
تبكي البنين، وحرة تترمل |
ومدينة ثكلى، وروض مجدب |
وصبية غصبت، وأخرى تسحل |
لولا يد للفهد تاه بها الندى |
ويد لها تدنو العُلىَ وتقبل |
لتمرغت بيروت في أوحالها |
ولغال أهليها الهوى فاستؤصلوا |
الفهد شيد للسلام مدينة |
وبنى لها بوابة لا تقفل |
الفهد أخمد نارها بيمينه |
وأعادها بكراً تميس، وترفل |
مدَّ الجسور زكية لبناتها |
فتهللت قسماتهم وتهللوا |
وتعانقت فوق الجراح قلوبهم |
ومضوا تحفهم المنى وتظلل |
يا شاعر الفصحى بناتي لم تزل |
في الخدر تنسج أحرفي وترتل |
أنا لست حسَّاناً ولا ابن ربيعة |
لكنني في الشعر لا أتطفل |
لست الفخور بقيئه وغثائه |
لا يستحي مما يقول ويخجل |
قد كنت أوثر أن تراني صامتاً |
فالصمت أستر للعيي وأفضل |
لكنَّ ناموس العروبة في دمي |
لا أرتدي ثوب البخيل فأبخل |
ماذا أزف إذا نثرت كنانتي |
ومن الَّذي لبضاعتي يستقبل |
إن شئت فابسط راحتيك فإنها |
بكر.. وأنت عريسها يا قنصل |