شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة ))
ثم أعطيت الكلمة - مع كل الحب والتقدير والترحيب - إلى المحتفى به سعادة الدكتور مصطفى الشكعة، فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه..
- أخي الجليل الأستاذ عبد المقصود، إخواني العلماء والأدباء الأحباء؛ سلام الله عليكم ورحمته وبركاته..
- إذا استمع المرء إلى من يمدحه أومن يُقَرِّظُةُ، فإنه ينتقل من صف الفصحاء - إذا كـان فصيحاً - إلى صف الأعيياء، ذلك أن هذا الَّذي شُملت به من فضلٍ، من صاحب الندوة وراعيها، ومن أصحاب الفضل من إخواني المتحدثين، وكل منهم صاحب علمٍ وفضلٍ وخُلقٍ، وتربطني بكل منهم أسبابٌ من المودةِ والحب والمصاحبة، التي طالت أحياناً مع بعضهم وقَصُرت أحياناً مع بعضهم الآخر، ولكنهم لم يخرجوا جميعاً عن كونهم إخوة أو أبناء؛ أنا لست بقادرٍ على أن أُوفيَهُم حقهم من الثناء، وقديماً قالوا جملةً كلنا يَعْرِفها: العجز عن الثناء هو أبلغُ الثناء.
- أقف كثيراً وبإعجابٍ ودعاء لانعقاد مثل هذه الندوة بالشكل الجاد المتوالي، لماذا؟ لأن هذه الندوة ظاهرةٌ حضاريةٌ إسلامية منذ القديم؛ فكم سمعنا عن ندوة ابن العميد في الرّي، وندوة الصاحب بن عباد في أصفهان، وندوة آل نيكال في نيسابور، وكانت هذه المنطقة عربية اللسان إسلامية العقيدة - مئة في المئة - وكم سمعنا بندوة عُبيد الله العضد بن سعدان وزير صمصام الدولة ابن بُوَيْه، الَّذي حاضر فيها عالم الأدباء وأديب العلماء أبو حيان التوحيد، وندوة سيف الدولة في حلب، وندوة الرجل الفاضل العظيم كافور الأخشيدي في الفسطاط، أقول العظيم لأنه كان عظيماً.. بغض النظر عما وُجِّهَ إليه من قدح أو هجاء؛ ثم اختفت هذه الندوات وبدأت تظهر من جديد وآيةُ ظهورها هذه الندوة، غير أنها كانت تُقام آنذاك عند الرؤساء والأمراء، وأما الَّذين يقيمونها هذه الأيام فهم إخواننا من أبناء الشعب.
 
- تلك مَأثُرة وظاهرة أحببت أن أثبتها وأكَرِّمَ بها من أراد تكريمي، فهو في الحقيقة أولى بالتكريم مني.. لأني فردٌ مُكََرم، أما هو فقد كَرَّم الكثيرين من العلماء، ومن هنا فإني أسمح للساني أن يمتد بالشكر والثناء له عليه، ولإخوتي الأجِلاَّء: الأستاذ إبراهيم فودة - صديق عمري - والأستاذ عبد الحكيم حسان - صديق عمري أيضاً - وابني الأستاذ عدنان وزَّان، وابني وتلميذي الأستاذ أحمد عبيد، والأخ الكريم الأستاذ عبد الفتاح أبي مدين، ثم الَّذي صَوَّر مسك الختام - أخي الَّذي أشاركه الأسف أني لم ألتق به، وإن كنت سأحرص - إن شاء الله - على دوام اللقاء به - الأستاذ الدكتور إبراهيم عوضين.
 
- هناك أسبابٌ كثيرةٌ من الحديث يمكن أن تُقال في هذا اللقاء الطيب، والحديث هنا حديثٌ إلى أنداد إلى علماء أفذاذ، يزدان بهم المَحْفِل ويتعطر بهم المكان، ولذلكم سوف يكون حديثاً من القلب إلى القلب، ولا أخَالُ أنما سوف يصدر عني بشيء جديد على أسماعكم وخواطركم، ولكنه من باب التذكير والذكرى: وذكِّر إن الذكرى تنفع المؤمنين ونحن نجعل هذا الكلام الربّاني إمامنا ورائدنا ومُوَجِّهنا، كان يمكن الحديث عن صلة هذه الديار بعلماء الديار الإسلامية الأخرى سوريا والعراق ومصر واليمن وشمال أفريقيا، وغيرها.. وأنا أعرف أن كثيراً من علماء مصر - قديماً وحديثاً - جاؤوا إلى هذه الديار ولقوا التكريم الَّذي أغرى بعضهم بأن يعيش في هذه البلاد، من كبار علماء المسلمين مثل الشيخ السخاوي - مثلاً - حتى وارتْ هذه الديار جَدَثَه.
- وتعرفون معي أن أكثر من رحلةٍ علمية تمت من هنا إلى هناك على رأسها الصحابةُ الكرام، وكنت أذكر قبل قليل لإخواني أن الإمام السيوطي كتب كتاباً عن الصحابة الَّذين حَلّوا أرض مصر بعنوان دَرُّ السحابة في من نزل مصر من الصحابة، ثم الإمام القرشي الجليل شيخ الأمة.. الإمام محمد بن إدريس الشافعي، الَّذي ترك هذه الديار قِلىً والَّذي أقام في مصر حباً لها، وأعاد كتابة مذهبه كله.. فالرحلة العقلية؛ هذا فضلاً عن الشعراء، أوَّلُهُم جميل بن مَعْمَر الَّذي هاجر إلى مصر... وقضى نَحبَهُ فيها، وأوسطهم البهاء زهير، الَّذي كان يُعرف بالرقَّةِ الحجازية، وأواخرهم الجيل، أكثر الجيل المعاصر من الشعراء الحجازيين، ما منهم إلاَّ وذهب إلى مصر وأقام فيها وكتب فيها شعراً، ثم عاد إلى هنا.. وهكذا دواليك.
- فالأمر مشاركةٌ بين شعبين شقيقين مسلمين، وديار كلها تنتمي إلى ديار الإسلام؛ فحينما نلتقي هنا وحينما يُكَرَّم مثلي القادم من مصر، فليس في ذلك غرابة، وإن كان لا بد من الاعتراف بالفضل وذكر الثناء.
- خطرت في جوانحي - وأنا في الطريق العامر دائماً إن شاء الله العامر دينا - بعض الخواطر التي تتعلق بذلك الغرض.. الَّذي من أجله اجتمعنا، وهو لغتنا وأدبنا، اللغة العربية.. هي أقدم اللغات التي تعيش عمراً، لأن إنتاجها الإِبداعي بدأ من حوالي قرنين من الزمان قبل الهجرة، ونحن الآن في القرن الخامس عشر الَّذي مضى منه رُبْعُه، فإذاً هي لغةٌ عاشت موصولة التعريف والشخصية والتأصيل سبعةَ عشر قرناً من الزمان، لم تعش أيَّةُ لغةٍ أخرى - معاصرة أو قديمة - نصف أو ربع هذا القدر من الزمان، لماذا؟ لسبب واحد هو الإسلام.. هو القرآن، لأنه لولا القرآن ما استمر عيش هذه اللغة، ولأصبحت لغة أثرية كغيرها.. وإلاَّ لماذا انتهت اللغة اليونانية؟ لماذا انتهت اللغة اللاتينية؟ لماذا انتهت اللغات الفارسية والهندية والصينية القديمة؟ ليس ثمة أسباب تربط بين لغةٍ معاصرة وماضيها إلاَّ اللغة العربية الممتدة الأسباب.. الموصولة الأحساب، التي سوف تظل تعيش وتنمو وتعطي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ لماذا؟ لأن القرآن يحفظها؛ إذاً هي لغةٌ شريفة، إذاً هي لغة الإسلام، إذاً أدبها أدبٌ إسلامي، لأن عطاء لغة الإسلام يكون أدباً إسلامياً.
 
- اللغة - كما هو معروف - أو الأدب - كما هو معروف - شعرٌ ونثر، ولنبدأ بالشعر: شعر الجاهلية ما كان فاضلاً، ما كان ذا معاني سامية؛ أما في الإسلام فلنقرأ كتب السيرة، لنجد أن سلاح الشعر كان صنوا لسلاح السيف في الحفاظ على الإسلام والدعوةِ له؛ حسان شاعر الرسول، عبد الله بن رواحة وغيره من الشعراء اضطلعوا بامتشاق سلاح، لا يَقِلُّ أثره عن الأسلحة الأخرى من نبل وسيوفٍ ورماح وغير ذلك.. والشواهد قائمة؛ ثم سار الركب في الشعر، الشعر ما دام يدعو إلى مكارم الأخلاق فهو شعر إسلامي، ليس بالضرورة أن يترجم الشعر عن قيم إسلامية، أو عن أصول إسلامية، أو عن فقه إسلامي، أو عن علوم إسلامية، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فإن كان الشعر يشترك في بناء إتمام مكارم الأخلاق.. فهو شعر إسلامي، وأنا أزعم أن الشعر العربي كذلك، إلاَّ الاستثناءات.. إلاَّ ما قيل في الهجاء، وبعض ما قيل في الغَزَل.. وهذا استثناء؛ يعني لو أردنا أن نصنع إحصاءاً لوجدنا ذلك لا يشكل أكثر من عشرة في المئة من النتاج والشعر في المئة استثناء، والاستثناء لا حكم له؛ بل إنني أذهب إلى هذا الاستثناء، وهم يضربون المثل بالفرزدق، ببشار بأبي نواس، كان كلٌّ منهما مسلماً في قاع ضميره.
 
- أرجو أن لا يكون هذا الكلام جديداً.. لأَنَّهُ كلامٌ مؤصَّل، مؤصل بالأصول وبالوثائق، ذلك الَّذي قيل إنَّه كان مُنْفَلتاً وأعني الفرزدق قيَّد نفسه، لكي يحفظ القرآن الكريم ظلَّ مقيداً.. قيد نفسه بنفسه حتى يحفظ القرآن إلى أن حفظ القرآن الكريم، ولما أن وجد أخا الخليفة أي - لما وجد الأمير هشام بن عبد الملك أخا الخليفة الوليد بن عبد الملك - يستصغر من شأن علي زين العابدين بن الحسين بن الزهراء فاطمة بنت رسول الله، لم يطق صبراً.. وقال: ما تعرفونه حين قال هشام من هذا استذكاراً لشأن السَّجَاد التقي النقي، ابن بنت رسول الله علي زين العابدين؛ قال:
هذا الَّذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يَعْرِفُهُ والحِلُّ والحَرَمُ
هذا ابن خير عباد الله كُلِّهمُ
هذا التقي النقي الطاهرُ العَلَمُ
إذا رأته قريشٌ قال قائِلُها
إلى مِكارمِ هذا ينتهي الكرمُ
فليس قولُكَ من هذا بضائِرِهِ
العُرْبُ تَعرفُ من أنكرت والعجم
 
- إلى آخر القصيدة؛ هذا الفرزدق هذا الكلام في هذا الموقف لا يصدر إلاَّ عن رَجُلٍ له عمق الإسلام. وأما السطح فعليه الزبد؛ بشار أيضاً، سيقول البعض بشار زنديق.. لا لم يثبت أن بشاراً كان زنديقاً؛ البيتان اللذان ينسبان إليه لم يثبت أنه قالهما:
إبليسُ خيرٌ من أبيكم آدم (1)
 
- هذان البيتان.. ما قالها بشار أبداً، بشار قال أجمل شعر في واحدٍ من أركان الإسلام العظمى.. وهي الشورى، ما قال غيره مثلهما؛ البيتان هما:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعنْ
برأي نصيحٍ أو نصيحةِ حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضةً
فإن الخوافي قوةٌ للقوادم
 
- هذا شعر إسلامي، إن الشورى لم تشرح لم تقدم بأجمل ولا أرق ولا أفصح ولا أعمق بما قدمها به بشار؛ فقيل لبشار يا أبا معاذ إن شعرك في الشورى جميل؛ فقال: نعم لأن المستشير إذا أصاب غنم الثناء وحده.. وإذا أخطأ شاركه في خطئه آخرون؛ فقيل له: حقيقةً أنت في نثرك أشعر منك في شعرك؛ بشار هو الَّذي يعرف أن الفتاة المسلمة تتأبى عن الخنا تتأبَّى على الانزلاق، الفتيات يضحكن ويسمرن ويعلو صوتهن، ولكنه يقول فيهن:
أُنْسٌ غرائر ما هَمَمْنَ بريبةٍ
كظباء مكة صيْدُهُنَّ حرامُ
يُحْسبْنَ مـن حسـن (2) الحديـث زوانيـا
ويَصُدُّهُنَّ عن الخنا الإسلام
 
- هذا بشار، إذاً كان بشار في أعماقه مسلماً وإن كان في سطحيته عابثاً، بشار هو الَّذي وُجِدَ في وصيَّتِهِ أنه أراد أن يهجو فلاناً من الناس ثم اكتشف أن بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيجة فأقلع عن هجائه، نحن نضرب المثل حتى لهؤلاء الَّذين يُمثلون استثناءاً، أبو نواس كان من أفسق أهل الأرض ولكنه قال في الاستغفار ما لم يقله غيره ومناجاة ربه وخالقه:
إن كان لا يرجوك إلا مُحْسنٌ
فبمن يلوذ ويستجير المجرم
مالي إليك وسيلةٌ إلا الرجا
وجميل عفوك ثم أني مسلم
 
- هذا أبو نواس؛ وأما بقية الشعراء: أبو تمام والمتنبي - وغيرهم من الأعلام - فكانوا يدعون إلى الحكمة ومكارم الأخلاق؛ ومن ثَمَّ فإن الشعر في مسيرته إنما هو أثرٌ حضاري إسلامي.. وهو أدب إسلامي.
- أما النثر: فهو ابن شرعيٌّ للعقيدة الإسلامية، لأن العرب ما كتبوا قبل الإسلام، ما كانوا يعرفون أن يكتبوا، لم يجد الرسول عدداً كافياً يكتب الوحي.. لا في مكة ولا في المدينة، فجاءت الرسالة وجعلت طلب العلم فريضةً على كل مسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) يعني على كل مسلم أن يتعلم، يتعلم ماذا؟ لا بد أن يتعلم الكتابة أولاً.. لكي يقيد بها العلم، والكتابة هي ابن شرعي للعقيدة الإسلامية، وظلت تخدم الإسلام عقيدةً وعاطفةً وإبداعاً وسياسةً؛ لما أراد أن يبدع الكاتب المسلم، كتب حي بن يقظان، وكلنا يعرف رواية حي بن يقظان، التي أثبت فيها المؤلف أن الإنسان يستطيع أن يصل إلى معرفة الله والإيمان بوجوده ووحدانيته عن طريق عقله، ثم يُؤَثِّلُ ذلك عن طريق الأنبياء والرسل والوحي.
- ومن ثم ولد الأدب، ما هو الأدب؟ الأدب هو ذلك الَّذي يصقل النفس ويهذبها، وينشر الأخلاق الفاضلة؛ أما الَّذي يتخصص في كتابة الجنس لا يمكن يكون هذا أدباً، لذلك هذا ليس بأدب إسلامي.. وإن كُتِبَ بلغةِ الإسلام، فالحقيقة يا إخواني الأعزاء: وأنا لا آتي في هذا بجديد - إن الأدب العربي - كله بشعره ونثره - هو أدب الإسلام وهو أدبٌ إسلامي، والاستثناء لا حكم له؛ أما الَّذين يستوردون أفكاراً لا هي منا ولا نحن منها.. ويكتبونها بلغتنا، فهذه أفكارٌ غير إسلامية كتبت بألفاظ عربية.
- وأنا لا أضرب الأمثلة، لأنكم تعرفون الكثير وتعيشون الحياة الأدبية المعاصرة، ولذلك من هذا المجمع - من مجمع الفضلاء والعلماء الَّذي نعيشه - ينبغي أن نتبنى هذا المبدأ، هذه القيمة.. أن نظهرها لأنها موجودة فعلاً.
- أخي الدكتور أبو العينين يقول: إننا ينبغي أن نهتم بذلك؛ نعم أنا معك وكثيرون من حضراتكم يعرفون أن لي كتاب (الأدب في موكب الحضارة الإسلامية)، هذا الكتاب بدأت كتابته بالإنكليزية في أمريكا - يعني في الستينات - ثم اضطربت شؤوني الصحية بعد طول الإقامة في أمريكا، ورغبت في العودة إلى أرضي ووطني، فعدت.. فاضطررت أن أترجم ما كتبت بالإنجليزية إلى العربية وأضفت إليه، وصدر الكتاب في مجلدين.. مجلد خاص بالشعر وآخر خاص بالنثر؛ أنا أعترف بأن المجلد الخاص بالشعر ناقص، ولذلك أنا مانع الناشر من أن ينشره من جديد حتى أُتِمَّهُ؛ أما الجزء الخاص بالنثر فأكرر مرةً ثانية ما قلته، وهو: أن النثر بكل فروعه وإبداعاته ابن شرعيٌ للحضارة الإسلامية.
- شيء آخر أحب أن أُشير إليه - وقد تفضل به أخي الجليل الأستاذ عبد المقصود - وهو مسألة المناهج والبرامج؛ إنني أعترف لكم أيها الإخوة العلماء والأدباء الفضلاء، بأن البرامج التي تسير عليها أكثر الدول العربية الإسلامية، وضعها مستعمرون يكرهون الإسلام ويكيدون للإسلام، ولا نزال حتى الآن؛ الَّذين يشرفون على وضعها إما أنَّهم جهلاء، وإما أنهم متآمرون، وإما أنهم لا شخصية لهم.. لأنهم يتلقون تعليمات فينفذونها؛ آيات قرآنية تحذف من مقررات المدارس، لأنها آيات تَحُضّ على كراهية اليهود؛ أنا أقص عليكم حقائق كثيرة من قصص الأنبياء تحذف من مقررات المدارس، ونحن رُبينا على قصص الأنبياء، كانت أساساً ثابتاً في تربيتنا الدينية أن نتعرف إلى أنبياء الله وإلى رسله، وما في حياتهم من كفاح ومن فضائل ومن صبر، الخ.. تحذف لأسباب لا نعرفها؟! تعليم اللغة العربية - التي هي لغة الإسلام، التي هي اللغة الشريفة كما قلنا - قاصرة، وكثير ممن يُعلمونها لا يعرفونها، وفاقد الشيء لا يعطيه؛ إذن فما هو الحل؟ الحل هو إعادة النظر في البرنامج من أولها إلى آخرها، ولأضرب لكم مثلاً من تجربتي الشخصية.
- في سنة من السنوات - وربما كانت سنة 75 أو 76 - قسم اللغة العربية في جامعة عين شمس في السنة الأولى تقدم له تسعة طلاب، وتقدم لسنة أولى فلسفة ثلاثة آلاف وخمسمائة طالب وطالبة؛ شيء بشع، ثلاثة آلاف وخمسمائة طالب وطالبة لسنة أولى فلسفة، وتسع طلاب لسنة أولى قسم لغة عربية، اللغة القومية. ثلاث آلاف وخمسمائة يغامرون بمستقبلهم، ثلاثة آلاف وخمسمائة يدخلون فلسفة؛ ماذا يعملون فضلاً عن إفسادهم الديني، لأنهم دخلوا إلى قسم الفلسفة دون أن تستوي لهم أسباب عقيدتهم، ثم يقرؤون أنواع الفلسفة المختلفة.. فينتهي أمرهم بغير ما دين؟
- ولذلك أنا اقترحت - وقد غضب منا من غضب - أن دراسة الفلسفة تكون على مستوى دراسات عليا، ولا تكون على مستوى الابن والبنت ذي الثمانية عشر عاماً، ولذلك الفارابي يقول: "لا ينبغي أن يدرس علم الحكمة من لم يقف على أرض صلبة من العقيدة" وهو فيلسوف المسلمين والمعلم الثاني، ولذا فنحن نقول الفلسفة يجب إلغاؤها في مستوى الدراسات الجامعية، ولا بأس من أن تتناول بعد ذلك في مستوى الدراسات العليا؛ وعلاجاً للموقف قالوا سوف نبعث لك مئتين أو ثلاثمائة من قسم الفلسفة إلى قسم العربي؛ قلت هذا لا يفيد الطالب ولا القسم، لأني مؤمن بأن الإنسان يدرس ما يريد؛ وذهبت إلى رئيس الجامعة وكان رجلاً فاضلاً رحمه الله رحمةً واسعة - هو الأستاذ الدكتور محمد ناجي المحلاوي، ابن الشيخ ناجي المحلاوي، عضو هيئة كبار العلماء، كان مديراً للجامعة؛ وقلت له هذه العملية غير مجدية؛ قال ماذا تقترح؟ قلت له أقترح أن الطالب والطالبة الَّذي أو التي تدخل قسم لغة عربية يصرف له ولها راتب شهري؛ فاستغرب المسألة وقال ما هذا؛ قلت له: هذا معمول به في أمريكا، هذا ما يسمى بنظام: Scolarships أو: Fellowships وقد أخذوها منا نحن أصحابها.
- الإمام أبو حنيفة كان صاحب مدرسة - طبعاً - وصاحب متجر كبير، لكنه صاحب مدرسة إسلامية ضَمَّت أبا يوسف ومحمد بن الحسن، وغيرهما.. لكي يرغبهم في العلم، ولكي يُحببهم الكدح والكد، لكي يكسبوا وينفقوا على أنفسهم وأهليهم، خصص لهم رواتب هي نفسها: الـScolar Ships؛ فهي فكرة إسلامية؛ فالرجل اقتنع بهذا، وفعلاً الطالب الآن أو الطالبة في كليات الآداب بعين شمس، والتي بدأت بتطبيق الفكرة، ثم طالبت الكليات الأخرى أن يُسوى بينها وبين كلية آداب عين شمس؛ فجميع أقسام اللغة كل من يدرس اللغة العربية الآن في الجامعات المصرية يتقاضى راتباً شهرياً، إلاَّ السنة التي رسب فيها لا يُعطى الراتب، فإذا ما نجح من جديد يصرف له الراتب، وهذا الراتب يزداد في كل سنة ينتقل منها إلى غيرها، والطالب يستطيع أن يجمع بين راتب التفوق - إن كـان متفوقاً - وهذا الراتب العادي.
- يعني هناك وسائل نستطيع إذا فكرنا، لكن بعض الحكومات تركب رأسها وتقول لك: بكل أسف نحن لا نجد الطريق ممهدةً أمامنا.. لكن بالقدر الَّذي نستطيعه؛ فنحن هنا في هذا الجمع المبارك السعيد - إن شاء الله - يستطيع كل واحد منا أن يَتَبَنَّى هذه الفكرة فكرة الأدب الإسلامي، ومتى صار أدباً إسلامياً لن يصدر عنه إلاَّ كل ما يمجد الإسلام ويمجد الله، وكل ما لا يصطدم مع الإسلام؛ وأنتم تعرفون أن جائزة نوبل في العام الماضي أعطيت لقصةٍ هاجمت الأنبياء وهاجمت الخالق الأعظم، وتمزق كل ما في النفس من عقيدة؛ أنا لا أريد أن أفصح أكثر من ذلك لأنني لا يعنيني ذكر الأشخاص، فالكيد لنا حتى على مستوى جائزة نوبل قائمٌ، الكيد لديننا وعقيدتنا.. وبتشجيع من يضربوننا من داخلنا، ممن يحملون أسماءنا؛ فالقضية قضيةٌ خطيرة.. وقضيةٌ واسعة، وتحتاج إلى الكثير من التذاكر، وتبادل الفكر، والتساند، والدعوة، والتبشير بها في مختلف المجالات، خاصةً أن خصومنا يحملون أسماءنا ويتكلمون لغتنا، وتفسح لهم الصفحات في الصحف المنتشرة؛ واذا أردنا - نحن - أن نكتب لا ينشر لنا، ولذلك ننشر في المجالات الخاصة؛ هذا موقف أردت أن أنبّه الأذهان إليه وأختتم به حديثي.
- مرةً أخرى، أشكر لكم تشريفكم لشخصي وعطفكم علي وحسن ظنكم بي، وأشكر لإخوتي وأبنائي - الَّذين قالوا كلمة مجاملة في شخصي الضعيف - أشكر لهم ما خَلَعوه عليَّ من فضل وهم أهل الفضل، ثم بعد ذلك أشكر هذا الرجل العظيم الجليل حقاً على هذه الأمسية - أو على اثنينياته - التي تحفل في كل أسبوع بصفوة القوم، وبواحدٍ ممن تغمرونهم بفضلكم وتفيضون عليه من أفضالكم؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :726  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 108 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد عبد الصمد فدا

[سابق عصره: 2007]

التوازن معيار جمالي

[تنظير وتطبيق على الآداب الإجتماعية في البيان النبوي: 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج