شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الدكتور مصطفى البارودي ))
ثم تحدث الدكتور مصطفى البارودي احتفاء بهذه المناسبة، فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، والشكر كل الشكر لله (تعالى) أن يسر لي حضور هذه الاثنينية، وقد طال شوقي إلى حضورها، لعلمي أن صاحبها يُكرم الأعلام، فلما كُرِّم الأستاذ الزرقاء دعاني لأحضر معه، وكان هذا شرفاً على شرف، أو كما قال المقرئ - قبل قليل - كان هذا نوراً على نور؛ فالحمد لله رب العالمين.
- حديثي عن الأستاذ الزرقاء سيبتعد قليلاً ما عن الفقه والعلم.. ليدخل في مناحٍ أخرى؛ سأتحدث عن جامعة دمشق التي ضمت - أول ما ضمت - معهداً للطبّ العربي، درّس باللغة العربية مواد الطب جميعاً، والقاموس الَّذي بدأه الأعلام .. أمثال حمدي الخياط والخاني، وغيرهما .. هذا القاموس الآن جُدد وطبع بإشراف جامعة الدول العربية؛ أقول إلى جانب معهد الطب العربي معهد الحقوق العربية، هذا أضحى كلية..وهذا أضحى كلية.
- أقيم مبنى الجامعة على رابيةٍ مرتفعة بجوار مستشفى الغرباء - كما كان ُيقال - لأن كلية الطب كانت هي النواة الأكبر قدراً في نظر الَّذين تولّوا جامعة دمشق، ثم كان معهد الحقوق العربي على منبسط من الأرض قرب بردى - وسأحدثكم عن بردى بلمحة بسيطة - وكان الطلاب يفدون إلى الجامعة من مكتب عنبر.. كان الثانوية الوحيدة في دمشق، الَّذي قرأ لظافر القاسمي ابن العلامة جمال الدين القاسمي (رحمهما الله) قرأ كتاب مكتب عنبر، فعرف أن السياسة السورية انطلقت من حناجر الشباب من شعرائهم في مكتب عنبر، من خطبائهم في مكتب عنبر، من شهدائهم الَّذين تَرَبَّوا في مكتب عنبر؛ ضاق صدر فرنسا بمكتب عنبر، لأنه كان وسطاً بين سوق الحميدية من جهة وبين سوق مدحت باشا من جهة أخرى، وهنا وهناك تجار.. إذا رأوا شباب مكتب عنبر مقبلين ينادون أَغْلِقُوا.. أَغْلِقُوا، احتجاجاً على السلطة الفرنسية؟ فأرادوا أن يبنوا مكاناً لمدرسة التجهيز - أي المعهد الثانوي - بعيداً عن مكتب عنبر.. عن سوق الحميدية.. عن سوق مدحت باشا؛ فبنوه فوق رابية صغيرة من بستان آل المرادي؛ وهؤلاء سعوديون وسوريون قبالة جامعة دمشق، بينهما بردى .. يوم كان بردى يصفق بالرحيق بالسلسل، يوم كان ماؤه زلالاً لا أسود كالحاً - كما هو اليوم - يوم تبيض وجوه وتسود وجوه - الآية القرآنية - فابيض بردى يوم كان بين طلاب معهد الحقوق مصطفى الزرقاء، كان مصطفى الزرقاء تلميذاً في كلية الحقوق في معهد الحقوق العربي، نشرت له مجلة المحامين الصادرة عن نقابة المحامين بحثاً لا يستطيع أن يرقى لمثله أساتذة الكلية .. أساتذة معهد الحقوق العربي، وهذا شيء مثبت ومجموعة المجلة موجودة؛ مصطفى الزرقاء دخل معهد الحقوق العربي، فكان لامعاً.. كان أستاذاً وهو تلميذ، ولذلك لمّا نحن اجتزنا جسر الحرية فوق بردى ما بين مدرسة التجهيز، التي نُقلنا إليها من مكتب عنبر، اجتزنا جسر الحرية على نهر بردى إلى معهد الحقوق العربي بدمشق؛ رفاقي وأنا كان أستاذنا في مجلة الأحكام العدلية في العام الجامعي: ثلاثةٍ وأربعين وتسعمائة بعد الألف، كان أستاذنا في القانون المدني محامياً لامعاً، لكنه لم يؤت مقدرة على التعليم الجامعي ينفذ معها إلى قلوب الطلاب، على أنه كان عالماً.. درسنا في العام الجامعي: اثنين وأربعين ثلاثة وأربعين، وأحيل على التقاعد بنهاية العام ثلاثة وأربعين؛ وبَغَّضَ إليِّ (يشهد الله) مجلة الأحكام العدلية (أستغفر الله) لكن الله أرادني أن أنقذ على يد هذا العلامة، جاءنا في مطلع عام: أربعة وأربعين وتسعمائة وألف، ليتولى تدريس القانون المدني والفقه الإسلامي، فشدنا إليه شداً، إلقاءٌ رائع.. لغةٌ عربية، تشرق منها جذور هذه الأرض الطيبة التي نبتت فيها اللغة، التي كرمها الله بالقرآن.. واختارها من بين لغات الأرض، لتكون خاتمة الرسالات بهذه اللغة.
- الزرقاء كان يعلمنا اللغة ويعلمنا الحقوق، يعلمنا الفقه ويعلمنا أدب الحوار؛ فكان حين عُيِّن أستاذاً ذا كرسي في كلية الحقوق.. لم يبلغ الأربعين في عنفوان الشباب.. أجمل الشباب، لا في الشهباء التي تولى الحديث عنها صاحبيَّ بل في الفيحاء أيضاً؛ وأنا أتحدث عن الفيحاء أيضاً لأوازن مع الشهباء.. بل بالشام جميعاً، من جبال طوروس إلى سيناء؛ بل في البلاد العربية.. لم يكن ثمة إنسان في مثل جمال إلقائه وعيونه التي تنفذ إلى الطلاب.. فتسحرهم سحراً، لأن الَّذي يجمع اللغة الصافية إلى الفقه إلى القانون، إلى القلب الكبير.. الَّذي يلم الطلاب لمّاً.. ويشدهم إليه شداً، فإذا هم يتعلقون بالمواد التي يدرسها؛ هذا هو الأستاذ الجامعي.
- لكم كنا نهرب من مادة كذا وكذا، كيف الهروب؟ كان الأستاذ يقرأ الأسماء والحضور، كان واجباً في ثلاثة أرباع المواد، فكنا نهرب في ربع المواد، ليس من درس الزرقاء، بل من بقية الدروس، أما درس الزرقاء فنسارع إليه.. كيما ننهل من بحر علمه ومن أخلاقه؛ علَّمنا الأخلاق إلى جانب اللغة، إلى جانب الأدب، إلى جانب الحقوق، إلى جانب الفقه.
- لكن الَّذي قد لا تعرفونه وقد لا يتحدث فيه الجرأة في الحق لا على الحق، الجرأة في الحق أمام أعتى العتاة، يجتمع مجلس كلية الحقوق - مثلاً - ومن ورائه مجلس الجامعة.. ينتظر اجتماعه، ومن ورائهما سلطة عليا تنتظر قرارهما.. القرارات الثلاثة كانت في الأحوال العادية تصدر خلال شهرين أو ثلاثة، كل هذه القرارات أُريد لها أن تصدر في يوم واحد، وذلك في أمر لم يطب للأستاذ الزرقاء أن يوافق عليه، ذلك كان من بعد أحداث كذا قبل ثمانية وعشرين عاماً، لا أفسد هذا الجمع بسياسة؛ الأستاذ الزرقاء دعي إلى هذا الاجتماع فوجد أمامه شيئاً نُكراً، قال والله إني لا أوافق على هذا الأمر أبداً؛ ولم يكتف بكلامه، بل أبى إلاَّ أن يُسجل خطياً ما سيؤخذ عليه، لولا أن الله (تعالى) يحمي هؤلاء الناس: إن الله يدافع عن الَّذين آمنوا فكتب ما لم يجرؤ أن يكتبه أحد من أساتذة الجامعة في فترةٍ قَلَّ فيها الرجال وبرز فيها أشباه الرجال، وتولوا سلطات ما كانوا ليحلموا - ولا في أشد الأحلام إغراقاً في البعد - أن يكونوا نعالاً تُلبس، فأصبحوا يتكلمون كأنهم رؤوس.
- الزرقاء وقف وكتب.. هذه الجرأة في الحق، هذه الشهادة أمام الله في شؤون الحق.. تجلى فيها الزرقاء في الفتاوى، في موضوع التأمين، في مواضيع كثيرةٍ، أراد أن يبرز وجه الإسلام فيها، وجه الإسلام القديم الجديد معاً؛ قال الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد هو الَّذي جدَّده؛ وللإسلام من يجدده بين مئة عام ومئة عام، وبذلك حببه إلى قلوبنا؛ وأُنهي كلامي عن الزرقاء بكلمةٍ من فتاة نطقت باسم فتيات كثيرات في كلية الحقوق، قالت - ووافق على قولها أترابها وليداتها - قالت: كنا بعيدين عن الإسلام قبل أن نتتلمذ على الأستاذ الزرقاء، فَعُدنا مؤمنات مسلمات بفضل الله ثم بفضل الزرقاء.
- أجيال تتابعت عددتها صباحاً أنا وأخي الأستاذ محمد علي دولة، عَدَدّتُها أربعة أجيال، فكانت خمسة، أجيال خمسة: ثلاثة في دمشق وجيلان أو ثلاثة في عمان، فأصبحت ستة؛ فإذا عددتم الَّذين درسوا على يديه لوجدتموهم عشراً. ومئات، وكان بينهم من أصبح أيضاً يمشي على طريق تؤدي به إلى أن يكون عَلَماً، لكن عَلَم الأعلام في الفقه الإسلامي في وقتنا الحاضر، من حيث المقارنة الفعالة بين القانون المدني الفرنسي، وبين القانون المدني الَّذي تجلى في مجلة الأحكام العدلية، وبين الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، أمامنا علامةٌ لا يُلْحَقُ له غبار، أفتخر أني كنت له تلميذاً قبل خمسين عاماً، أعتز أنه قبلني زميلاً بعد ذلك ببضعة أعوام، ثم أعتز أنه كان مشرف الأساتذةِ في كلية الحقوق في علاقاته مع الطلاب؛ ما ظلم أحداً ولا صدر إلاَّ عن الحق، وإنَّهُ للحق يحيا.. وبالحق - إن شاء الله - يعيش ويعيش طويلاً، حتى يمتعنا جميعاً، ويُمتع العالم الإسلامي بثروة علمية، إنها تزيد يوماً بعد يوم، لأنه كمحدث يأتيك بما يَسحرك، كأن هذه الذاكرة من الألماس، يأتيك بالشعر، وشعره فوق كل شعر من بني ذاته إذا شئنا، لأنه شعر جاهلي إسلاميٌّ معاً يدخل إلى قلبك؛ حسبي أن أقول: إن أحلى مَرْثِيَّةٍ سمعتها في حياتي - وأرجو أن نسمعها منه - كانت في زوجته قبل بضعة أعوام؛ إن هذا الشاعر الَّذي لم يتحدث أحد عن شعره إلى الآن، شاعر له ديوان لم ينشر بعد، وأرجو من صاحب هذه الاثنينية أن يتفضل فيشرف على نشر ديوانه ضمن مجلدات الاثنينية؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :615  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 93 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالله بلخير

[شاعر الأصالة.. والملاحم العربية والإسلامية: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج