أتراك "ليلى" قد نسيت لقاءنا |
في روضة مخضلة الأغصان |
مرت لياليها بنا في موكب |
تغشاه منا فرحة الجذلان |
والبدر يحدو سيرنا بضيائه |
فترى الوجود وجودنا في آن |
ونرى السمـاء فمـا نـرى مـن كوكب |
إلا كواكب فضلك الظمآن |
فأمد كفي نحوه فتردها |
أنفاس صدر نائل نشوان |
عبثت به خمر الشباب ونشوة |
قادت فؤادي نحوه بعنان |
كل الكؤوس شربتها لكنها |
من كف ذات تفيؤ وحنان |
وعلو شأن في الوجود ومحتد |
هيهات يبلغ شأوه ذو شان |
قالوا فلاناً قد سلاك وما دروا |
أن السلو تنكر الخلان |
هيهات يسلوا من أبَى وجدانه |
وأبت عليه كرامة الإنسان |
ذات الصباح وحُرَّة في خدرها |
عزَّ الأباةُ على مدى الأزمان |
ليلاي لا تدعي العذول يصدني |
فالعاذلون حبائل الشيطان |
ليلاي لا تدعي الوشاة تخيفني |
فلقد علمت مكانهم ومكاني |
ليلاي إني قد عرفتك حُرَّة |
تأبين وصل ملطَّخ الأردان |
فأنا.. أنا ذاك الَّذي عاصرته |
جلدُ الفؤاد وواثق بجنان |
فلدي مِنك كما لديك مودةٌ |
وعهود حرٍّ صادق الإيمان |
تا لله يا ليلى يمين صادق |
ما خنت عهدك أو وضعت لساني |
أو قلت قد ضن الزمان وأنت في |
وجه الزمان مثيرة الأحزان |
ليلاي لا يكبو الجواد بساقط |
لم يغش يوماً ساحة الميدان |
كلا ولا تؤذي الرياح ثمامة |
لم تستطع إبصارها عينان |
ليلاي ذكري ما فقدت بخاطري |
هيهات يمحو ظلها الملوان |
ليلاي إن ألوى الزمان عنانه |
وعدا عليك بمخلب وبنان |
فلسوف يلقى بالجران مصافحاً |
من لم تزل في حُرمةٍ وأمان |
من لم تزل ضراتها من خلفها |
يمشين خلف قناعها المنصان |
صانته عن عبث الشباب وطيشه |
وأبت تكون مباءة الأقران |
ليلاي يَا كُلّ الوجود ومن لها |
يرنو الوجود بناظر هتَّانِ |
ما زلتِ في وجه الزمان مضيئة |
وعليك من نور السما نوران |
تأبى القلوب إذا ذُكرت لعاشق |
وأراه منك تلطف الوجدان |
وأراه تاريخاً كتبت حروفه |
بالنور نور عقيدة ويمان |
فلديك ألفيت الكرامة كلها |
ولديك عشت موطد الأركان |
ولديك تأبى أن تُطأطأ هامتي |
لمنافق ومذبذب ومُهان |
ليلاي عاصرت الزمان جميعه |
وشهدت فيه تقلب الحدثان |
وشهدت معركة الحياة قوية |
وحملت فيها راية الإيمان |
فخرجت ناصعة الجبين أبية |
لقَّنت كل مغامر خوَّان |
ولبست درعاً كان عزمك صاغه |
ليكون درع وقاية وأمان |
وصنعت للأجيال قادة أمة |
لم ينس فضل نضالها الملوان |
أرضعتهم ثدي الإِبا فتمردوا |
لا يركعون لقوة الطغيان |
قولي لمن نسيَّ الجهاد ولم يزل |
تعميه عنك خبيثة الأضغان |
انظر تجدني في الكتاب لكي ترى |
ما في الكتاب هدية الرحمن |
انظر إلى القرآن واسأل صنوه |
يُنبئك أنى مأرز الإيمان |
واستنشق الأرواح عند هبوبها |
يحلو الرواح براحة الأبدان |
فلسوف تهديك الشذا من عطرها |
عطر العذارى باهظ الأثمان |
أنا في سمائي قد بدا متألقاً |
نور الأمين وحامل القرآن |
أنا مَن أنا فلتسألوا تاريخكم |
سيقول إني أكرم الأوطان |
أنا واحة في هُضبها وجبالها |
هبط الأمين بأعظم التبيان |
أنا جنة في خلدها ورياضها |
حل الحبيب بأكرم الأكفان |
فضممته ضم الرؤوم وليدها |
وبه شرفت على مدى الأزمان |
أنا منهل عذب الروى متدفق |
في شاطئيه تثقيف العمران؟ |
وعلى ضفافي كم جثا من عالم |
يروي غليل فؤاده الظمآن |
ولرب مقترف ذنوباً خالها |
قد أوقفته على شفا النيران |
جاء الغداة لروضة في ظلها |
رفع الأكف لساحة الديَّان |
ومضى يناجي ربه متضرعاً |
بالدمع دمع المثقل الحيران |
عادت به آماله موفورة |
بالعفو عفو الواحد المنان |
أنا من صنعت لذا الورى تاريخه |
وكتبته بفصاحة وبيان |
وملأت أسماع الدنا قرآنه |
فانقاد نحو ندائه الرنان |
أنا من أقام حكومة أركانها |
هذا الكتاب وسنة العدناني |
أنا من أقام دولة أركانها |
عدل يطير بذرة الميزان |
أنا مـن طبعـت علـى الزمـان ببصمـة |
ستظل فوق جبينه عنواني |
ونظمت عقد فضائل في جيده |
ونسجت حُلَّة مجده ببنياني |
هذا صنيعي فاذكروه بقوة |
ما كان جيل دعاية وأغان |
أنـا مـن صنعـت مـن الشرائـج حافلاً |
نزلت بكسرى عن سما الإيوان |
وبقيصر الروم العظيم وجيشه |
في الشام بين مفاوز وجنان |
فارتد يلعق من دماء جراحه |
خلف الحدود محالف الأحزان |
ينعى بلاداً لم يعد أبناؤها |
يمشون خلف مواكب الصلبان |
ويمد للأفق البعيد بطرفه |
فيرى السيوف على ذرا لبنان |
ويرى الصواهل فوقها فرسانها |
كالأسد تزأر زأرة الحردان |
تبغي الجهاد.. وفي الجهاد فخارها |
حيث الجهاد بصارم وسنان |
وعزيمة لا تنثني في موقف |
فيه السيوف منابر الشجعان |
يتخاطبون وليس ثمة غيرها |
لغة تذوب على شبا المرَّان |
أنا يا أهيلي لا أخال مناقبي |
يطوى عليها جائر النسيان |