شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة السيد محمد هاشم رشيد ))
ثم أعطيت الكلمة لصديق الضيف ورفيق دربه الأستاذ محمد هاشم رشيد - رئيس نادي المدينة المنورة الأدبي - فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.. سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين..
- أيها الإخوة الأحبة: اسمحوا لي إذا قلت لكم إنني لم أحس يوماً من الأيام بالكثير من الأسى والألم، لأنني تركت الظروف تنأى بي كثيراً عما كان يجب أن أقوم به، وأن أُعد قصيدة أحيّي صديقي وزميلي وأخي.. الأستاذ عبد الرحمن رفة، ولكن ظروفي وظروف العمل، والظروف التي تعيش بها طيبة الطيبة - هذه الأيام - لم تسمح لي إطلاقاً بأن أخلد إلى نفسي وأن أكتب هذه القصيدة؛ ولكن هذا لا يمنعني - في الواقع - من أن أعبر عن امتناني العميق عن هذه المشاعر الفياضة.. التي عشنا في ذراها، ونحن نستمع إلى الإخوة الَّذين سبقوني بالحديث.
- إن الحديث عن طيبة الطيبة كله حب، وكله وهج وعاطفة وشوق؛ ذلك لأن المدينة المنورة هي مدينة الحب والإيثار؛ واسمحوا لي أن أهرب - إذا صح التعبير - من هذه التهويمات، لأعود من جديد إلى عالم الواقع، إلى عالم المدينة منذ بعض العقود، ولا أريد أن أحدد هذه العقود، حتى لا يتكشف بعض ما أريد أن أغلفه بغلاف النسيان.
- على أي حال، أحب أن أقول: إن المدينة المنورة - منذ تفتحت عينا كل منا عليها - كلها تبعث بالنبض والحيوية والعنفوان؛ كنا - ونحن في مطلع حياتنا الأدبية وفي مقدمتنا الأستاذ عبد الرحمن رفة - كنا نعيش في المدينة المنورة، واسمحوا لي إن أردت أن أضيف مع الإخوة - الَّذين سعدنا بهم كثيراً وكان لهم دورهم الفاعل المؤثر في الحركة الأدبية في المدينة المنورة - الأستاذ محمد أمين عبد الله، والأستاذ عبد الفتاح أبي مدين؛ ذلك لأننا كنا نعيش جميعاً - في تلك الفترة - فترة من أجمل فترات العمر، فترة تمتاز بالصفاء والنقاء، حتى السماء نفسها كانت تفيض علينا من خيراتها وبركاتها، كانت الأمطار تهطل باستمرار، وكانت السيول تتدفق في كل شهر تقريباً، وكان لا يمر العام إلاَّ وقد سعدنا بصحبة العقيق وبصحبة وادي قبا، وبصحبة بقية سيول المدينة ووديانها.. فترات طويلة مع الزمن.
 
- العقيق - مثلاً - لقد عشنا في العقيق فترات لا أتصور أنه مر بها أي إنسان في هذه الدنيا؛ كان العقيق يقدم وهو يبتسم ويغرد، وكنا نعيش في أكنافه حياة لا يمكن أن توصف، حياة كلها بشر وكلها حب وكلها سعادة، وكان حصيلة ذلك كله - فيما أتصور - فيضان من الحب وفيضان من الشعر والعاطفة.
 
- الأستاذ عبد الرحمن رفة عرفته - في الواقع - منذ فترة طويلة من الزمن، وأنا أمر مع والدي - ونحن في طريقنا إلى المسجد عن طريق سويقة إلى باب السلام - كان يستلفت نظري - في الواقع - وأنا طفل صغير صاحب حانوت، يقع على يسار الذاهب إلى المسجد.. وقريب من باب السلام؛ كنت أرى صاحب الحانوت هذا - كلما مررت - يضع كتاباً بيمينه، وكان يضع هذا الكتاب كلما أتاه أحد المشترين أو أحد الزبائن، ثم يعود إلى الكتاب.
- هذه الظاهرة لم تكن معروفة كثيراً في كل بلاد الدنيا، ولكني رأيت هذه الظاهرة وأنا طفل؛ واسمحوا لي بأن أقول: طفل، لأنني أعتقد أن الأستاذ عبد الرحمن نفسه لا يعترض - أيضاً - على هذا التعبير، لأن الفارق بيننا في السن ليس فارقاً كبيراً، ولكني - مع ذلك - أستطيع أن أقول إني كنت - وأنا أذهب مع والدي إلى المسجد - كنت أراه وهو موزع الجهد بين أمور حانوته وبين القراءة والمطالعة، وكنت دائماً أجد عنده الكثير من رواد الأدب والفكر، سواء كانوا من هذا البلد أو من الوافدين عليه، وكنت أعجب في أعماق نفسي بهذا الرجل، الَّذي لم تشغله تجارته عن الانصراف إلى الأدب والانصراف إلى القراءة، والانكباب عليها.
- وحينما امتد بي العمر قليلاً.. تكشفت لي أمور جديدة، وجدت الأستاذ عبد الرحمن رفة شاعراً بل شاعراً كبيراً، وبدأت العلاقة الوثيقة تربط بيننا؛ كنا نلتقي دائماً قبل أن تؤسس أسرة الوادي المبارك، نلتقي لديه في الدكان؛ كنا دائماً كلما هطلت الأمطار وكلما تدفقت السيول، نذهب - الأستاذ عبد الرحمن رفة وأنا، والإخوان محمد حسن صيرفي، والأستاذ محمد أمين عبد الله، والأستاذ عبد الفتاح أبو مدين، والأستاذ عبد العزيز ربيع. بعد أن عاد من مصر - كنا نذهب معاً لنعيش حياة مثلى بين ضفاف السيول.. ونتطارح الشعر؛ وكنا ننظم - في ذلك الوقت - عفو الخاطر، كل منا يُحس بالشعر.. يتدفق دون أي كلفة ودون أي محاولة.
- على أي حال اكتشفت أن الرجل - الَّذي كان يلفت نظري، وهو موزع الجهد بين حانوته وبين الكتاب الَّذي بين يديه - اكتشفت أن هذا الرجل كان شاعراً كبيراً، واكتشفت - بعد ذلك - أنه إلى جانب هذه الميزة الكبيرة التي كان يتمتع بها - وهي ميزة الشعر - كان رجلاً عظيماً؛ واسمحوا لي أن أؤكد على هذه الكلمة.
- لقد عرفت أن لدى الأستاذ عبد الرحمن رفة - منذ صباي - رغبة أكيدة في أن يتبنى الكثير من المواهب الأدبية، وعرفت أن لديه رغبة في أن يساعد.. وأن ينمي الكثير من المواهب التي كانت تحتاج إلى تنمية.. وتفتقر إلى من يُمسك بيدها؛ ووجدت الأستاذ عبد الرحمن رفة كان يبحث دائماً عن الميادين الرائدة، ليملأها.. وليكون له فيها دور بارز وفعال.
- من ضمن الميادين التي حرص الأستاذ عبد الرحمن رفة على أن يكون له دوره البارز.. الفاعل فيها، دور الرياضة - مثلاً - في تلك الأيام لم تكن الرياضة تجد التشجيع الَّذي تجده في هذه الأيام، ولولا جهود الأستاذ عبد الرحمن رفة - ونفر قليل من أبناء المدينة - لما استطاعت الأندية الرياضية - في ذلك الوقت - أن تشق طريقها إطلاقاً، ولكن أولئك الرجال الأفذاذ - الَّذين عرفوا أهمية الرياضة في ذلك الوقت، وعرفوا أهمية تبني المواهب الأدبية الشابة، وأهمية تبني البراعم الأدبية، وحرصوا كل الحرص على أن يكون لهم دورهم البارز في الحركة الأدبية.. في طيبة - هم عدد قليل في الواقع.
- ولكنني أقول - وبكل صدق - إن الأستاذ عبد الرحمن رفة كان من أوائل أولئك الرجال، ثم أسسنا أسرة الوادي المبارك في السبعينات؛ وللحق أقول - أيضاً - وللتاريخ، إن الأستاذ عبد الرحمن رفة كان من أوائل من رحَّب بالفكرة، وكان بيته في مقدمة البيوت التي كانت تحتضن العدد القليل، الَّذي بدأت به أسرة الوادي المبارك، إلى أن نما عودها.. وأصبحت وشبت عن الطوق.
- بعد ذلك.. وبعد أن انتهى دور أسرة الوادي المبارك بالنادي الأدبي، أستطيع أن أقول: إن الأستاذ عبد الرحمن رفة كان له دوره أيضاً؛ الأستاذ عبد الرحمن رفة كان صاحب الفّيلا التي اشتراها النادي لتكون مقره الأساسي؛ ولقد كانت التكاليف الفعلية للمبنى الَّذي اشتريناه من الأستاذ عبد الرحمن رفة مليونين وأربعمئة وخمسين ألف ريال، وباعه - أو سمح ببيعه - للنادي بمليوني ريال فقط، وتلك خطوة طيبة.. ولا بد أن يُشكر عليها.
- أيها الإخوة: الذكريات كثيرة، وخصوصاً ذكرياتنا في أسرة الوادي المبارك، وذكرياتنا في النادي الأدبي؛ ولكني أحب أن أعقب بكلمة قصيرة: النادي الأدبي - في الواقع - قام بالدور الَّذي يستطيع أن يقوم به، فقد قام النادي بطبع ديوان: "جداول وينابيع" وحرصنا - باستمرار - على أن نذكر الأستاذ عبد الرحمن رفة بواجبه تجاه الأدب والفكر، وأبدينا استعدادنا بطبع دواوينه الشعرية، ولكنه كان يتأبى أحياناً، وكان يعدنا أحياناً أخرى؛ وإنه لمما يثلج صدري ويشعرني بالسعادة، أن أؤكد لكم - من جديد - أن النادي على استعداد لطبع بقية الدواوين التي تحتويها مكتبة الأستاذ عبد الرحمن رفة؛ كما أن هناك كتب أخرى - كما قرأنا في المقدمة أو في الحياة العملية الموجزة - النادي على استعداد - فعلاً - لأن يتبنى طباعتها ونشرها.
- أيها الإخوة: أعتقد أنكم لم تأتوا هنا لتستمعوا إلي، أو لتستمعوا إلى الإخوة الَّذين أحبوا المشاركة في هذا الحفل؛ كلنا حضرنا هنا لنستمع إلى نجم الحفل هذه الليلة، الأستاذ عبد الرحمن رفة؛ ويسرني أن أقول لكم شكراً، وأن أقول شكراً - أيضاً - للأستاذ عبد المقصود خوجه.
- أيها الإخوة: اليوم، وأنا أقرأ من جديد المجلد الأول الَّذي أصدره الأستاذ عبد المقصود خوجه بعنوان: "الاثنينية" صدقوني إذا قلت: إنني اكتشفت اليوم أن هذه المجلدات تشكل موسوعة شاملة وواسعة جداً للأدباء، في هذه البلاد وغير هذه البلاد؛ إننا لا نجد في أي معجم.. أو أي موسوعة من الموسوعات الأدبية هذا الفيض من القصائد ومن الأخبار، ومن الصور الحياتية، أو الصور التي كان يعيش بها الشاعر الأديب؛ وليس من شك في أن طباعة هذه الحفلات وتوزيعها - على هذا النطاق الواسع - يدل على وعي كامل بالحركة الأدبية، وعلى حرص كامل على أن يكون الأستاذ عبد المقصود وحده البارز المؤثر فيها - بإذن الله - شكراً لكم وشكراً له، وشكراً للأستاذ عبد الرحمن رفة؛ والسلام عليكم ورحمة الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :795  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 70 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.