شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي))
معالي فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان دليل الأنام إلى باب السلام (1)
مع التحية والتقدير..
ـ أ ـ
مع شحط المزار وبعد الدار تعرفت على طائفة من علماء مكة المكرمة وغشيت مجالسهم وغرفت من معارفهم وعلومهم، يحضرني من أسمائهم أبو الوليد الأزرقي، وأبو عبد الله الفاكهي، وأبو ذر الهروي،وتقي الدين الفاسي..
وحين منَّ الله سبحانه وتعالى بمجاورة بيته الحرام انتهزتها فرصة لتوسيع دائرة معرفتي بعلماء مكة من أهليها ومن نزلائها.
جمعت ما وسعني جمعه من مؤلفات علمائها، وأثبات محدثيها، ومصنفات فقهائها، ومدونات مؤرخيها، ورحلات القادمين إليها من كل فجّ عميق وخصوصاً من فجاج الأفق الغربي.
عرفت منهم الجم الغفير، يحضرني من أسمائهم: أبو بكر الآجري، وأبو معشر الطبري، وأبو الحسن رزين السرقسطي، وأبو بكر بن مسدي، وابن الحطاب الرعيني، وابن حجر الهيتمي، ومحمد بن سليمان الروداني، وعيسى الثعالبي الجعفري، وعرفت بيوتات علمية ذاع صيتها بآثار بنيها مثل بيت الطبريين، وبيت بني فهد، وبيت بني ظهيرة، وبيت بني علان البكريين، وبيت العجيميين، وغيرهم.
توثقت علاقتي بهؤلاء وأولئك..
سهرت الليالي ذوات العدد أنصت إليهم وأقيد عنهم..
وعند الصباح حمدت السرى حين نزرت في حصيلته العلمية الغنية.
لكني مع ذلك تمنيت لو أظلني وإياهم زمان واحد فأخذت عنهم قراءة ومناولة!
تمنيت لو ألقى كلاً منهم، أسمع منه وأحمل عنه.
ثم أستجيزه فيجيزني تماماً كما كان يصنع سلفي من علماء العدوتين المغرب والأندلس إذا حلوا ببلد الله الحرام يبتغون، إلى الحج والعمرة، منافع لهم كان لقاء العلماء ومذاكرتهم في مقدمتها.
وحين أيقنت أن مثل هذه الأمنية من قبيل بيضة الديك نظرت من حولي أبحث عمن أرى فيه من علماء العصر من أهل مكة والمجاورين بها شبهاً بأولئك الذين درجوا وبقيت أخبارهم الجميلة وأعمالهم الجليلة شاهدة على علمهم المبارك وعملهم المحمود.
وكان لي ما تشوفت إليه النفس وهفا الفؤاد..
لقيت من عصري من أهل العلم، مكيين ومجاورين، خلقاً لا يحصون ليس منهم إلاّ حامل علم وسمت ورب معرفة وهدي، كان غرتهم عالم مكة المبرز بلا منازع أخي فضيلة العلامة الفقيه الأديب معالي فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان.
ـ ب ـ
توثقت بيني وبين الشيخ عبد الوهاب أسباب من الدرس العلمي وصلت أهواءنا وأخرى من البحث التاريخي جمعت آراءنا..
وكان لي أن عرفت من علمه الزكي وخلقه الشذي ما صغت منه اليوم باقة تسر بحسن لونها وتبهج بعرف طيبها أهديها له تقديراً لعلمه وفضله.
أقبل عبد الوهاب على طلب العلم كما كان يقبل على طلبه لداته من أبناء مكة، فشرب بين أيدي مقرئيه ومكتبيه من المنهل العذب الصافي في كتاب الله تعالى.
وعلى حين توزعت بلداته الطرق اختار عبد الوهاب مثلاها، طريق العلم الذي تناثرت على طوله مناهل حلوة باردة قاده إليها شيوخه وأساتيذه فعب وتضلع ولم يزدد مع هذا وذاك إلاّ ظمأ!
تتبع مجالس العلم في حلقاته المنورة برحاب الحرم الشريف، يقطف ما شاءت له نفسه النهمة من أدواحها المثمرة..
ثم ركب الأجواء يضرب أكباد الطائرات بحثاً فيما وراء البحار عن العلم في مدرجاته الحفيلة لينال ما شاءت له نفسه النهمة من أشجارها المزهرة..
هنا وهناك عَلِم عبد الوهاب وفَقِه..
وهنا، وفي كل مكان حلَّ به من محافل العلم سَيُرى عبد الوهاب وقد عَلْم وفَقه يسود العلماء والفقهاء!
كذاك شأن من لا تفتر له همة يرقى بالعلم والعمل، حيثما حل، مدارج المجد والعلى:
(وبالهمة العلياء يُرقى إلى العلى)
ـ ج ـ
حين لقيت عبد الوهاب وجدت عنده من خصال العلم مثل ما كنت أجد عند سلفه الذين سهرت في صحبتهم وحمدت عند صباحي سراي في أثرهم!..
وجدت عنده ما ملأ سمعي من:
تضلع في الفقيهات،
وتبحر في الأصوليات،
وتفنن في التاريخيات،
وتوسع في الأدبيات،
مع..
رجاحة عقل،
وأصالة رأي،
ويقظة نظر،
وتحر في المعالجة،
وجرأة في اجتهاد رأي!
ـ د ـ
شهدت عن كثب مصداق تلكم الخلال وأنا أتابع بإعجاب إكباب الشيخ عبد الوهاب على خدمة العلم في غير مجال:
رأيته يحاضر في قضايا فقهية شائكة فيجلي ويسري!
ورأيته يناقش في نقد قضايا الفكر الأصولي وتجديده وتحليله فيبدع!
ورأيته يكتب في البحث العلمي ومصادر الدراسات القرآنية والسنّة النبوية والعقيدة الإسلامية ومصادر الدراسات العربية والتاريخية فيستوفي.
ورأيته يُجري قلمه في تاريخ مكة العلمي والثقافي وأعلام علمائها وأدبائها فلا يترك مزيداً لمستزيد!
ورأيته يحقق مؤلفات (مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل) وكتاب (الجواهر الحسان في تراجم الفضلاء والأعيان من أساتذة وخلان) وكتاب (الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة) فيبين عن عارضة في قراءة النصوص وتحقيقها.
ذلك مما عرفت من كل كلام في العلم كنت أسمعه من الشيخ عبد الوهاب أو أقرأه فيصيب به مني:
(مواقع الماء من ذي الغلة الصادي)
ـ هـ ـ
حين لقيت عبد الوهاب وجدت عنده من خلال الخلق القويم مثل ما كنت أجد عند سلفه من علماء مكة الذين سهرت في صحبتهم وعند صباحي حمدت سراي في أثرهم!..
وجدته يتحلى بشمائل رقت فراقت:
حسن سمعة،
كمال مروءة،
كرم نفس،
علة همة،
سلامة صدر،
حسن طوية،
خفض جناح،
نصفة،
حسن صحبة،
ذلك مما عرفت من سراوة الخلق عند الشيخ عبد الوهاب.
وسراوة الخلق صفة الأخيار الأبرار،
أو ليس خيرَ ما أعطي العبد؟
وإن أثر ذلك الخير ليبدو نوراً على قسمات أصحابه!
أستحضر سير من عرفت من سلف عبد الوهاب من علماء مكة فيعروني اندهاش مما أرى على وجوهم من إسفار واستبشار!
ثم أتحول إلى الشيخ عبد الوهاب لألمح على وجهه مثل ذلك الإسفار والاستبشار، فلا أملك إلاّ أن أقول: سيماهم في وجوههم!
ـ و ـ
شهدت عن كثب مصداق تلكم الخلال وأنا أتابع بإعجاب، مرات ومرات، كيف يتبلور خلق عبد الوهاب الزكي في سلوكيات هادية ينشر رحيقها الشذي في غير مجال:
أعرض لكم منها صوراً يتراءى لكم فيها الشيخ وهو ينفق من خُلَّة المعروف التي تفيض بها أعطافه يشمل بها شيوخه، وأقرانه، وطلابه.
فأما شيوخه الذين تلقى عنهم وأجازوه بما يحملون من رواية ويتقنون من دراية فهم كثر، يأتي في مقدمتهم من المكيين الشيخ حسن محمد المشاط، والشيخ زكريا عبد الله بيلا، والشيخ محمد علوي مالكي.
وكيف لا ينال هذا الشيخ من معروف عبد الوهاب الحظ الأوفى وقد لازمه سنين عدداً يغرف من حياض معارفه في الفقه والأصول والحديث، واللغة والنحو والبلاغة، ويحمل عنه في تلك المعارف المطولات والمختصرات!؟
وكيف لا ينال هذا الشيخ من معروف عبد الوهاب الحظ الأوفى وقد استوعب بين يديه تلك المعارف وحذقها فأجازه الشيخ بجميع مروياته ومؤلفاته فيها؟
ولم يقصر الشيخ عبد الوهاب معروفه على من أخذ عليهم من الشيوخ والأساتيذ؛ وإنما مد ظله على علماء مكة كافة من أهليها ونزلائها من المجاورين لبيتها العتيق في (سلافة) سيعرف الناس يوم ينشرها الشيخ عبد الوهاب كيف ترطب خُلَّةُ المعروف اللسان وتُطِيّبُ الجنان!
وأما أقرانه العلماء من أهل مكة ومن نزلائها فلهم في نفسه وقلبه مكان أثير يرعاه ويتعهده. وكلما سنحت له سانحة انتهزها في التعريف بعلمهم والتنويه بجهودهم في خدمته. وما كتب عن زميله الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي شفاه الله وعن زميله الأستاذ الدكتور محمد الهادي أبو الأجفان رحمه الله يقطر محبة وتقديراً لجهود الرجلين ويقفك على شواهد من خُلَّة المعروف عند الشيخ عبد الوهاب فاقت ما عهدنا وسبقت!
وإذا جاز لي ـ بعد استئذان الشيخ ـ أن أسلك نفسي في عقد أقرانه المتوهّج فإنه يكون من الطريف أن أقبس من أثر خُلَّةِ المعروف التي شملني بها قبسات ثلاث:
إحداها فَتْحُ مكتبته الحافلة لي على مصراعيها ألتقي فيها ـ كما يلتقي ـ بجلساء لا يُقَلُّ حديثهم، يفيدونني ـ كما يفيدونه ـ بفقه وحكمة وأدب، فإذا أردت الانصراف تزوّدت من أجنحتها الغنية بما شئت من مصنفات العلماء، ومدوّنات المؤرخين، ودواوين الأدباء.
والشيخ عبد الوهاب في معروفه هذا يُحِيي سُنَّة علماء مكة في فتح أبواب مكتباتهم للعلماء والطلاب وإعارتهم منها ما يريدون.
ومثلي مع مكتبته كمثل الشيخ عمر الشماع مع مكتبة التقي بن فهد التي أفاد من كتبها مادته في تأليف كتابيه (عرف الند) و (سفينة نوح).
وأخرى إكرامي بكل ما يخطه بيمينه من بدائع مؤلفاته، وروائع مصنفاته مع ما يرقم على صدورها من عبارات أعتز بها وإن كنت أعلم أنه من كرمه وحسن ظنه يلبسني بها فضاضاً!
وثالثة تشريف ندوتي الجُمُعِيَّة بالحضور حيث يكوِّن بحديثه العذب الجني قطبها الملحوظ، يتحدث فتنشط الأسماع للإصغاء، ويناقش فتتحفز الأفكار للاستيعاب!
وأما طلابه، وهم كثر، فمعروفه المُسْدَى إلى كبيرهم وصغيرهم ضروب وفنون..
فماذا عساي أن أعدد لكم منها؟
أولا يكفيني أن أقول إنها تدل جميعها على بذل، ومحبة، وإيثار تذكرني بأخلاقيات سلفه من علماء مكة؟
أولا يكفيني أن أقول إنه بما أغنى به أفكارهم من علم وسدَّد به أنظارهم من منهج قد بلغ في ذلك غاية المعروف واستوفى النهاية؟
ذلك مما عرفت من قدر عبد الوهاب الخلقي في خُلَّة واحدة من خلاله هي خلة المعروف.
كلما رأيت الشيخ عبد الوهاب وهو ينفق من خلته تلك حضرني قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.
ـ ز ـ
من سَرَّه أن يرى الجِلَّة من علماء مكة، نبهائها وفضلائها، وهم يتدفقون علماً ومعرفة فليصخ سمعاً للشيخ عبد الوهاب..
ومن سره أن يرى الجلة من علماء مكة، نبهائها وفضلائها، وهم يمتاحون من مكارم الخلال ومحاسنها فلينظر إلى عمل الشيخ عبد الوهاب في البر والمعروف..
هذا عبد الوهاب أبو سليمان الذي عرفت..
غرة علمية تذكرك بأشباهها نبهاء علماء الحرم الشريف..
غرة خلقية تذكرك بأشبابها فضلاء علماء الحرم الشريف..
فإن بغى الشيخ بعد هذا وذاك آية يعرف بها فلنقل له:
أنت، اليوم وإلى ما شاء الله:
دليل الأنام إلى باب السلام..
أجل:
إن باب السلام مدخل إلى مهبط النور الباهر الذي شعت به رحاب مكة من مشكاة (إقرأ) وضوأت به آفاق الكون في المشارق والمغارب.
والشيخ عبد الوهاب، بعلمه وخلقه، رمز مكي يسترشد به من يلتمس من الأنام طريقاً إلى باب السلام، إلى نبع مكة العلمي الفوّار في أمسه ويومه وغده، وإلى منبت مكة الخلقي السيال في أمسه ويومه وغده.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1276  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 234 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج