(( كلمة المحتفى به فضيلة الشيخ عاتق البلادي ))
|
ثم تحدث الشيخ عاتق البلادي، فقال: |
- بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن سار سيرهم واهتدى بهديهم؛ اغفر اللهم لجمعنا هذا مغفرة تمحو بها ذنوبنا، وتمحو بها سيئاتنا.. آمين. |
- الحمد لله الَّذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.. أيها الأخوة الكرام، يا هذه الوجوه النيرة، يا حملة الفكر والعلم والأدب.. |
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أما بعد: |
- فلقد علوت هذا المكان، وأنا أعلم علم اليقين أن هناك من هو أولى مني بالجلوس فيه، ولكن أخانا أبا الكرم الشيخ عبد المقصود خوجه، - الَّذي أسس ندوة لم يكن قبلها لها مثيل - أبت أريحيته وكرمه إلاَّ أن أكون أنا ضيف "الاثنينية" هذه الليلة؛ هذا الرجل.. علمت في هذه الليلة أنه ينفق نصف الأسبوع على تنظيم وترتيب استقبال ضيوفه لهذه الاثنينية، وهو وقت قل أن نجد من يسخو به، وهو ينفق عليها من حُرِّ ماله، والمال لا يسخو به إلاَّ مشاهير الكرماء، لذا استحق أن ينال اسم: "أبي الكرم" عن جدارة؛ وكما قال أبو الطيب المتنبي: |
وإذا كانت النفوس كباراً |
تعبت في مرادها الأجسام |
|
|
- ونحن لا نملك لأبي الكرم إلا الشكر، الشكر على تكريمه العلم وإكرام أهله والعناية بهم، لينتشر بين الناس وترتفع معنويات طالبيه والمشتغلين به، بل والمتشبهين بهم؛ فشكراً له من كريم مكرَّم، وشكراً له من أديب محب لأهل الأدب، وشكراً لكم أنتم يا جمع من حضر على تجشم المتاعب، لتشاركوا حامل الراية متاعبه، وتشعروه بأن عمله مرغوب، وسعيه مشكور. |
|
- أيها الإخوة الكرام: خلال سنوات ليست كثيرة مضت، فقد مهبط الوحي نخبة خيرة من قادة الفكر، وحاملي بيارق الرعيل الأول، ومؤسسي هذه النهضة الفكرية الحديثة في بلد النور، بلد الرسالة الخالدة، أمثال: ضياء الدين رجب، والقنديل، والغزاوي، والعواد، وعبد القدوس الأنصاري، والسنوسي، وأحمد السباعي، والعطار، وعبد المجيد شبكشي، والعامودي، والمليباري، وآخرهم فاضل الفضلاء نجم أهل مكة اللامع في هذا العصر: صالح محمد جمال. |
|
- فعليهم جميعاً شآبيب رحمة الغفور الودود، وجعل من أتباعهم وذرياتهم خير خلف لخير سلف. |
- (وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين). |
|
- الأستاذ المُضَيِّف - ولا أقول المضيف كما يقول الطيارون - المضيف يقول نريد أن تتحدث لنا عن بعض ذكرياتك.. والحقيقة قد يكون غروراً مني أن أقول إنني أعيش في بحر من الذكريات، فأنا انتقلت من بيئة إلى بيئة إلى بيئة، وربما أربع أو خمس بيئات.. على أي شيء أحدثكم؟ هل أحدثكم عن الطفل البدوي، أو عن الطالب المكيِّ، أو عن الضابط في الجيش، أم عن المؤلف، أم عن الناشر؟ اختاروا أنتم وأنا أحدثكم عن واحد، ليس في إمكاني أن أحدثكم عن كل هذه الشخصيات. |
- وهنا بادر الأستاذ عدنان صعيدي بتوجيه طلب إلى المحتفى به أن يتحدث عن بعض المواقف والذكريات التي ما زالت عالقة بذاكرته، والتي واجهته خلال ممارسته العمل العسكري، الَّذي يتطلب كثيراً من الجدية والصعوبة، وفي نفس الوقت اشتغاله بالعلم الَّذي يتطلب هو الآخر جهداً لا يقل عن العمل العسكري. |
|
واستجاب الشيخ عاتق البلادي لطلب عريف الحفل، وقال: |
- أستطيع أن أقول لكم: إن كل إنسان في نفسه صدقة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "كلٌّ مُيسَّر لما خُلق له" عندما كنت جندياً بالجيش، كنت شغوفاً بالقراءة.. أقرأ كثيراً، أقرأ ولا أشبع، لقد عودت ثلاثة من أبنائي على تعشق القراءة، فأصبحوا يقرؤون ولا يشبعون - الحمد لله -. |
|
- مررت ذات يوم بالطائف بمكتبة، فلمحت كتيباً عبارة عن قصة كذا، لو طلب مني الآن القيام بكتابتها لترفعت عن ذلك، وقد كتبت على غلافها عبارة تأليف "الكاتب فلان" كلمة "كاتب" شدتني إلى شراء القصة، وولدت في نفسي الرغبة أن أعمل لأصبح يوماً ما كاتباً، وعندما استطعت أن أكتب مثل تلك القصة، ظننت أنني وصلت المريخ، ومنذ ذلك اليوم ظلت ترن في ذهني "كلمة الكاتب" وكانت سبباً في دفعي إلى القراءة الجيدة، أما كيف تتولد الملكة عند الإنسان، أي كيف يستطيع الإنسان أن يكون كاتباً؟ وهنا أقول لا بد من توفير الموهبة، والموهبة تحتاج إلى العلم، وبعد الموهبة والعلم يجب توفر العزيمة والإقدام، وقرع جميع أبواب الانتشار عن تزويد الصحف والمجلات في الداخل والخارج، وعليه ألا ييأس، وأن يواصل السعي حتى يحقق آماله؛ وفي بداية ممارستي الكتابة الأدبية، حاولت الاتصال بعدد من المجلات، التي يعجبها معالجتي لبعض القضايا الإسلامية والوطنية، فلم تفتح لي ذراعيها، حتى أتاحت لي مجلة المنهل الفرصة، وأخذت تنشر مقالاتي بصفة مستمرة؛ وقد كان الأستاذ عبد القدوس الأنصاري يقف من ورائي مشجعاً ومرشداً، والواقع أن مجلة المنهل مدرسة خرَّجت الكثير من الأدباء؛ حدث هذا قبل خمسة وعشرين عاماً، ويعتبر ذلك بدايتي الأدبية. |
- أما كيف استطعت التوفيق بين العمل العسكري وبين الاطلاع العلمي؟ فقد كفاني الشاعر العربي الكبير أبو الطيب المتنبي، حيث قال: |
وإذا كانت النفوس كباراً |
تعبت في مرادها الأجسام |
|
|
- فقد كنت أكتب المقالة في الليل، وأرسلها في الصباح إلى الجريدة أو المجلة؛ كما أنني ألفت كتابي "معجم معالم الحجاز" والَّذي تكون من عشر مجلدات، وأنا ما زلت أعمل في الجيش، في حين أنني لا أستطيع في الوقت كتابة عشر تلك المجلدات ولا خمسها في مدة مساوية لتلك المدة التي استغرقتها في تأليف تلك المجلدات؛ لفقدان الرغبة التي ولدت السرعة في الإنجاز. |
|
- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|