((كلمة فضيلة الشيخ محمد محمد عوامة))
|
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. |
فمن آداب الحديث في مثل هذا المقام أن أبدأ بالشكر لله عز وجل ثم أثني لصاحب هذا الخير والمعروف ولكن والله يا سادة فقد ضاق صدري، بما سمعت من كلمات الثناء مما لا أستحق منه شيئاً فلذلك آثرت أن أبدأ بالاعتذار إلى هؤلاء السادة الكرام الذين أحسنوا الظن بي فقالوا عن طيب نفس ما عبر عن طيب نفسهم، فأنا أعتذر إليهم وإليكم جميعاً وإلى كل من يبلغه هذا الكلام، أعتذر إليكم جميعاً عن هذا الثناء الذي لست أهلاً له، وتذكرت أيضاً بتاريخ 15 من شهر ذي القعدة 1414هـ يوم تكريم سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه أمده الله بالعافية وقواه الله تعالى ودفع عنا وعنه ما نكره وما يكره، في ذاك التاريخ كان حفل تكريم شيخنا سيدي وولي نعمتي الأستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى، وممن تكلم في ذاك اليوم أيضاً أستاذنا وشاعر طيبة الأستاذ ضياء الدين الصابوني جزاه الله خيراً، وشبه شيخنا في ذاك اليوم في قصيدة للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، فاعتذر شيخنا كثيراً كثيراً عن هذا التشبيه، فماذا يقول هذا العبد الضعيف إذا ذكر اسمي بجانب الإمام البخاري والإمام مسلم وما شابهه هؤلاء الأئمة العظام الذين نتبرك بذكرهم، فيا سادة أعتذر عن هذا ثم أعتذر، وأعود بعد ذلك إلى كلمة الشكر إلى سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه، حفظه الله تعالى بخير وعافية ونعمة سابقة وتوفيق لكل خير ومكرمة وأدام الله تعالى هذا الخير في دياره وديار أهل الخير جميعاً، الشكر له والشكر لحضراتكم موصول أيضاً على ما كلفتم أنفسكم من عناء الحضور فجزاكم الله تعالى كل خير، وبعد ذلك أبدأ بكلمتي: أقول هناك طرفة حديثية، طرفة من حيث الصناعة الحديثية حين ما يمتد عمر عالم من العلماء ولاسيما المحدثين ورضي الله عن علماء المسلمين بعامة، حين يمتد العمر بعالم من علماء الحديث ويأخذ عنه طبقات متلاحقة، يقول العلماء في ترجمته إنه ألحق الأحفاد بالأجداد، وهذه الاثنينية المباركة، هذا المنبر الثقافي الكريم قد ألحق الأحفاد بالأجداد، كان ممن كرم في هذا المنبر شيخنا وشيخ المشايخ أستاذنا وأستاذ الأساتذة العلامة الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله تعالى، ثم تلاه التكريم بأبر تلامذته شيخنا وأستاذنا العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى وجاء دور هذا الضيف الضعيف هذه الليلة الذي بين أيديكم أيضاً كان تلميذ تلك الدوحة ومنتسباً إليهم إن قبلوني، فهذه الاثنينية ألحقت هذا الحفيد بأولئك الأجداد وجزاهم الله خيراً ورحم الله من انتقل منهم إلى دار البقاء وحفظ الله تعالى من بقي بيننا بخير وعافية، ساعات العمر يا أيها السادة تغتنم بأفضل ما يكون، أثراً وأجدى عائدة على نفس المتحدث أو الأمة بعامة، وأرى أنني قد سبقت عدداً من السادة الحضور وممن لم يحضر أكرمني الله تعالى بسبقهم زمناً وتاريخاً فقط في طلب العلم، فرأيت أن الأفيد لي ولهم أن أقدم لهم بعض كلمات تنير لهم الدرب، فإن من حق اللاحق على السابق، أن ينير له الدرب، وأنا بهذا أقتدي وأكتفي سأقدم كلمات أو محطات، أو أسميتها منارات إرشادية في مسيرة طالب العلم، أقدم لهم منارات إرشادية في مسيرة طالب العلم، سبعاً وأتبعها بوصايا سبع أقول لكم من الآن العدد لتتحملوني إذا أطلت عليكم، وقبل أن أبدأ بالمنارات الإرشادية أقول كلمة لابد منها تصحح فهماً من المفاهيم السائدة أو التي بدأت تسود بين الكتاب في زماننا، كل منا يا أيها السادة له نسب من حيث الانتساب إلى أسرة إلى قبيلة، فلان بن فلان بن فلان وهكذا، كل واحد له نسب، وكذلك طالب العلم له نسب، وعمود نسبه العلمي هو شيوخه، وإذا لم يكن لطالب العلم شيوخ فهو دعي في هذا العلم، من لم يكن له شيوخ في العلم فهو دعي فيه، لا يقام له وزن، وقد أكرمني الله عز وجل بالمثول بين يدي كوكبة من علماء بلدي رحمهم الله تعالى وشرفني بالانتساب إليهم وبالاستفادة منهم، وهم كثر، أذكر منهم اثنين هما وليا نعمتي في هذا العلم ورحم الله الجميع ورضي الله عن الجميع، هما سيدي الشيخ عبد الله سراج الدين وسيدي الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمهما الله تعالى، وإنما خصصتهما بالذكر لأن لهما يداً سابغة علي في هذا العلم لا تقدر، ولا سيما في مجال تحقيق العلم وتحقيق تراث العلم، أما سيدي الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله تعالى، فصحبته في أول أيامي في طلب العلم وشرفني الله بذلك كثيراً كثيراً، ولكن أذكر كلمة واحدة منه كانت لي منهجاً وكلمة ذهبية ودرباً مضيئاً في العلم يا سادة، جئته يوماً في الدرس وكان يقرأ لنا الفقه الحنفي في السنة الخامسة من طلب العلم من كتاب الاختيار، جئت يوماً إلى الدرس وقد قرأت البارحة قصة حسبتها طريفة نادرة، خلاصتها أن الإمام البخاري الإمام العظيم نادرة الإسلام في خدمة السنّة وحفظها ونقدها وفقهها هذا الإمام العظيم تقول هذه القصة، إنه سئل عن صبي وابنة رضعا من حليب بقرة واحدة فهل تثبت بينهما الحرمة، يعني لو أرادا التزاوج فيما بعد هل يجوز لهما. تقول القصة إن الإمام البخاري وحاشاه ورضي الله عنه إنه قال نعم تثبت الحرمة بين هذين الطفلين اللذين رضعا من حليب بقرة واحدة، فأقام عليه علماء البلد النفير وأخرجوه من البلد لشدة جهله، قرأت هذه القصة وذهبت في اليوم الثاني إلى الدرس عند سيدي عبد الله سراج الدين وبدأته بذكرها، فقابلني الشيخ رحمه الله تعالى بكل أدب وحكمة قابلني ببرودة ما اكفهر وجهه ما قطب وجهه في، بل قابلني ببرودة، بل قال لي كلمة بالحرف الواحد أنقلها لكم تاريخ هذه الكلمة خمسين سنة، قال لي بالحرف الواحد لا تصدق كل ما تقرأ ، والله يا سادة لقد كانت لي درساً عظيماً ومنهجاً عظيماً وأمة في كلمة لا تصدق كلما تقرأ وأنا أحكيها لكم أيضاً لتستفاد، أما سيدي الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى فيده علي في مجال العلم وتحقيق التراث لا تقدر أيضاً، منذ عام 1382 للهجرة بدأ الشيخ رحمه الله تعالى بتحقيق التراث، وكنت أتشرف وأسعد بخدمته بين بيته وبين المطبعة وأقابل معه وأقرأ وأصحح وبين يديه وبإشرافه لا باستقلال مني ما عدا الله إلا أن قدر الله له الخروج من البلد إلى الرياض وكان فيها منار علمي وهدى وجزاه الله كل خير، وتابع مسيرته في التحقيق وكنت أواصل الاتصال به والتشرف والسعادة بالاستفادة منه والسؤال والتلمذة والمواصلة ما انقطعت عنه رحمه الله حتى في ساعاته الأخيرة، وأعود إلى ما قلت إن العمود الفقري لنسب طالب العلم شيوخه ولا ينبغي له أن ينقطع عنهم أبداً أنا صرت في سن كذا أخرجت من العلم كذا ربيت من الأجيال كذا صرت دكتوراً صرت أستاذاً.. صرت.. صرت.. لا.. شيخنا الشيخ عبد الفتاح رحمه الله حكيت في تاريخ الاثنينية الذي ذكرت قبل قليل في عام 1414هـ حكيت في تكريمه تلك الليلة أنه أراد أن يضبط اسم كتاب للإمام ابن القيم رحمه الله، إعلام الموقعين الكتاب المشهور، أراد الشيخ أن يضبط اسمه هل هو بكسر الهمزة إعلام الموقعين أو أعلام الموقعين مع أن الشيخ شفهياً لا كتابياً كان يؤكد لنا ونحن في حلب إعلام الموقعين، لكنه لما جاء إلى مرحلة تثبيت هذا الاسم والتنبيه إلى صوابه ما استصاغ لنفسه وهو قد بلغ القمة في التحقيق ما استصاغ لنفسه أن يبث الأمر وأن يجزم فيه بكلمة بل كتب من الرياض إلى شيخه العلامة وشيخ الشيوخ الأستاذ الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله كتب إليه رسالة وكان الشيخ الزرقا في عمان يسأله ما رأيكم في هذا، فكتب له الشيخ الزرقا أنه يرى صحة الوجهين، فكتب شيخنا خلاصة جواب شيخه الزرقا وقال لتكن هذه كلمة الفصل أنه يجوز الوجهان، فما كان الشيخ رحمه الله ما علمنا ما علمني بخاصة ولا علم أصحابه وكل معارفه أن يستقل بنفسه بل يرجع ويستفيد ويستنير من كل من يثق بعلمه بل كان شيخنا رحمه الله يستفيد من طلابه وطلاب طلابه، وهكذا شأن العالم المحقق حرصاً على العلم والفائدة ولغلاء الكلمة الحقة عنده، بعد هذا وكل هذه الكلمات تدخل تحت المنارات التي سأتحدث عنها بإيجاز إن شاء الله. |
المنارة الأولى: يا أيها السادة في حق طالب العلم أن يخلص لله عز وجل في الطلب، والحديث عن الإخلاص طويل لا ينتهي ولا بأمسيات ولكن أستطيع أن أقول إن الإكسير الذي خسره المسلمون في نجاح حياتهم هو الإخلاص، وأقول أيضاً كلمة يكرر الأئمة المحدثون ذكرها في كتبهم، ينقلون عن الإمام حماد بن سلمة رحمه الله تعالى قولاً مأثوراً له هاماً جداً قال : من طلب الحديث لغير الله مكر به، وما خص الإمام حماد بن سلمة علم الحديث بشكل خاص لا.. إنما ذكره وسماه لأنه هو العلم الشائع في تلك الأيام، وليس معنى ذلك أن من طلب علم التفسير لغير الله لا يمكر به، لا من طلب علم الفقه لغير الله لا يمكر به لا ، إنما الحديث الشريف هو العلم السائد المنتشر في تلك الأيام فلذلك خصه بالذكر من طلب الحديث لغير الله مكر به، هذه اللبنة الأولى أو المنارة الأولى في طلب العلم. |
المنارة الثانية: أن يدرك طالب العلم شرف مقامه، أن يعرف ماذا يطلب مكانة وشرفاً وعظماً عند الله عز وجل وهو لم يرث ومن يمثل، كلنا يعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم إن العلماء ورثة الأنبياء، فهذا الطالب للعلم إنما هو يورث في اليوم الآتي هو الآن طالب علم ولكنه عالم الغد ولكنه مفتي المستقبل، هذا الإنسان الآن طالب حديث السن ولكنه في المستقبل كبير، هذا الإنسان يرث في مستقبله حضرة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم والعلم الذي ورثه لهذه الأمة فعليه أن يدرك المقام وفي أي درجة هو يترقى ويصعد ويحترم هذا المقام ثم إن طالب العلم يشرف ويتشرف ويسعد بشرف آخر أعلى من هذا الشرف أعلى من شرف الوراثة المحمدية وقد يستغرب بعضكم مني هذه الكلمة، طالب العلم يا أيها السادة كما قلت هو مفتي المستقبل وتعرفون ما هي صفة المفتي، يا أيها السادة المفتي خليفة عن الله عز وجل المفتي الذي يقول هذا حلال وهذا حرام، اعتماداً على قول الله تعالى وقول رسوله فهو خليفة عن الله يستفتونك قل الله يفتيكم الله عز وجل هو المفتي الأول والعلماء المفتون خلفاء عن الله ربما بعض السادة الحاضرين لا يستسيغ شرعاً أن يقال عن العالم أنه خليفة عن الله، نعم هذه مسألة خلافية بعض العلماء لا يرضونها وبعض الأئمة السابقين يرضونها. وعبروا بها واستعملوها وعلى كل حال المفتي خليفة عن الله، الله عز وجل هو المفتي الأول يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ، فهذا المفتي بهذا المنصب العظيم الرفيع الذي لا يعدله أحد في الفضل، ينبغي عليه ويتوجب عليه أن يعرف شرف مقامه فلا يبتذل هذا المقام ولا يهين هذا العلم، فهذا شرف، فعليه أن يفخر به على الأمة كلها، على طالب العلم الذي منحه الله هذا الاختيار لطلب العلم من بين الملايين من الأمة المحمدية، على طلب العلم أن يتقي الله في هذا المقام وأن يفتخر أيضاً إذا كان محقاً في وراثته عليه أن يفتخر على الأمة كلها، أنا أقول بقول الله والله يقول بقولي، أنا أحلل ما يحلله الله وأحرم ما يحرمه الله، والمهم من هذا يا أيها السادة أن يعرف الطالب شرف ما يطلب، ولذلك من جملة المواقف المشرفة قصة الإمام أسد بن الفراد، أحد أئمة الإسلام العظام وإذا كان بعض السادة.. اسم هذا الإمام العلم فأنا أحيله إلى كتاب أستاذنا وأستاذ كل من كتب قلماً عربياً إسلامياً الأستاذ الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى، له مقال بديع رائع عن هذا العلم في كتابه رجال من التاريخ، بعنوان الفقيه الإميرالي، أحيل السادة إلى أن يقرؤوا مقال الشيخ في كتابي هذا عن هذا الرجل خلاصة موقفه في آخره أنه تولى قيادة جيش التحرير لفتح صقلية الجزيرة المعروفة عند إيطاليا، كان هذا الإمام هو قائد الجيش وقف يودع الناس والأمة وقال لهم هذه الوصية والله يا أيها الناس ما ولي لي أب ولا جد ولاية قط، ولا رأى أحد من أسلافي مثل ما أرى إنما بلغته بالعلم، فعليكم بالعلم أتعبوا فيه أذهانكم وقضوا به أجسادكم تبلغوا به خير الدنيا والآخرة ومضى رحمه الله وتبعه الجيش وتم له النصر وانتصر واستشهد بحسب ما قاله أستاذنا الطنطاوي عن هذا الإمام ببيتي أبي تمام: |
هوى طائر الأثواب لم تبق روضة |
غداة سوى إلا اشتهت أنها قبر |
عليكم سلام الله وقفا فإنني |
رأيت الكريم الحر ليس له قبر |
|
لأنه استشهد ولم يعرف له قبر فهذا الرجل أدرك شرف العلم وبلغ به خير الدنيا والآخرة فلذلك كانت كلمته الأخيرة الوصية للأمة من بعده فعليكم بالعلم ما نلت الذي نلته وما بلغته إلا بالعلم فعليكم بالعلم. |
المنارة الثالثة: أن يكد طالب العلم جهده وكل إمكانياته في تحصيل العلم، الوصية الثالثة التي أرجوها من إخواني طلاب العلم، أن يبذلوا قصار جهدهم في تحصيل هذا العلم، ومن نماذج علماء السادة المالكية ورضي الله عن علماء الإسلام بعامة. رجل يعرف في التاريخ الشريف التلمساني، شريف الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد من علماء تلمسان من علماء القرن الثامن الهجري ولد عام 710 وتوفي عام 771 يعني ما عمر 61 سنة كثيراً ولكنه بلغ مبلغاً في العلم يقرن بالأوائل وسبب ذلك تحركه في طلب العلم من بداية أيامه الأولى كان حضر درس شيخه أبي زيد بن الإمام وكان في بداية الطلب وكان موضوع الدرس التفسير وجاء ذكر الجنة ونعيمها فتحدث الشيخ عن نعيم الجنة فقام هذا الشاب الحدث اليافع باندفاع وتوجه إلى الشيخ وقال له يا سيدي: هل في الجنة علم؟ يا أيها السادة ما وقع هذا السؤال الآن، قال للشيخ هل في الجنة علم؟ فأجابه الشيخ جواباً عاماً، قال نعم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. إن كنت تريد العلم فهناك، فما كان من هذا الشاب أو الطفل في العلم إلا أن قال بكل صراحة للشيخ والله يا سيدي لو قلت لي لا علم فيها لقلت لك لا لذة فيها. وما مضت إلا سنوات قلائل إلا وتكرر موقف هذا التلميذ مع الشيخ. كان في حضرة الشيخ أبي زيد بن الإمام، وقرر الشيخ مسألة على خلاف ما هي عليه. فقام هذا التلميذ ونبه الشيخ إلى الصواب في المسألة فتنبه الشيخ ورجع بكل كرامة رجع إلى قول تلميذه ودعى له بخير وداعبه بالبيتين المشهورين. |
أعلمه الرماية كل يوم |
فلما اشتد ساعده رماني |
وكم علمته نظم القوافي |
فلما قال قافية هجاني |
|
من لم تكن له بداية محرقة، لم تكن له نهاية مشرقة، رضي الله عن صاحب الحكم، فبداية هذا التلميذ أوصلته إلى تلك النهاية وهذا نموذج وقدوة لنا نحن طلاب العلم فنكون في بداياتنا بعد هذه الشيبة حتى نصل إلى تلك النهاية. |
أما المنارة الرابعة: فأن يقرن طالب العلم بخاصة وكل مسلم بعامة أن يقرن علمه بالعمل به، يا أيها السادة وسامحوني إذا قلت بعض الكلمات، العلم ليس لحشو الدماغ وليس للترف ولا لملإ الوقت ولا للمباهاة ولا للترف ولا للشهادات ولا للمحاضرات والندوات ولا الاحتفاءات لا.. العلم للعمل يا أيها السادة وانظروا إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كيف يؤدبنا ويعلمنا كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة كل يوم بعد صلاة الفجر ويدعو بهذه الدعوات الثلاث وأكررها رجاءً يحفظها من لم يحفظها: اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعملاً متقبلاً، فنبهنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن نسأل الله عز وجل من صباحنا الباكر العلم النافع ليس العلم فقط لا.. النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بالله من علم لا ينفع أي ولا يضر، كما نبه الإمام النووي رحمه الله إلى هذا نبه إلى أن العلوم ثلاثة علم نافع وعلم ضار وعلم ليس بنافع ولا بضار، فيستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم من العلم الذي لا ينفع ولا يضر لأنه في الحقيقة ضار لأنك تنفق فيه المال والوقت والجهد والعمر والعافية وقض الذهن ولو أنك ملأته بكلمة خير لكان خيراً لك، أما أن تملأ وقتك بدراسات ومطولات ومؤلفات ومحاضرات وما شاكل ذلك ثم تأتي يوم القيامة لا شيء، ونبّه الصحابي بن الصحابي العظيم بن العظيم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، نبهنا إلى هذا الأمر الهام فمما رواه الإمام بن شيبة في مصنفه تحت عنوان أو باب الدعاء في سجود التلاوة، ذكر فيه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم سجد لتلاوته، ثم أعقبه بدعاء عبد الله بن عمر، وليس في الرواية عن ابن عمر أنه كان يدعو به في سجود التلاوة في السجود بعامة، لكن الإمام ابن أبي شيبة أدخله وأدرجه تحت باب الدعاء في سجود التلاوة، وعلى كل حال ندعو به نحن في كل حال في سجود التلاوة وغيرها، كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يدعو يقول: ((اللهم لك سجد سوادي وبك آمن فؤادي اللهم ارزقني علماً ينفعني وعملاً يرفعني)). إذاً يا أيها السادة العلم للعمل لا لغير ذلك أبداً وهذا أمر يستفيده كل مسلم وليس من خصائص طالب العلم، أنت مسلم وسمعت حكماً شرعياً من عالم تثق بعلمه ودينه أيضاً فتستفيد هذا منه لتعمل به لا أن تقول في المستقبل أنا سمعت فلاناً أو أن فلاناً قال كذا، أما أنك لا تعمل به فهذا خطأ كبير في حياة المسلمين أن لا يعملوا بعلمهم. |
ضمن المنارات أيضاً وهو أمر خاص بمن تدرج من إخواننا في طلب العلم ووصل إلى مرحلة أعلى من ذلك أن يتقي الله تعالى في ما يفتي به أو في ما يعمل به أو في ما يعلمه للناس، في ما يخرج منه أن يتقي الله عز وجل فيه، فلا ينبغي لطالب العلم أن يسلك بنيات الطريق لا.. إنما عليه أن يسلك جماهير علماء الإسلام في ما يقولون ويفتون ويعملون، هدي جماهير علماء الإسلام كيف؟ على ثلاثة أقوال لنفرض على أربعة أقوال، لنفرض أن كل إمام من الأئمة الأربعة المجتهدين المعروفين قال قولاً في هذه المسألة، وهناك قول آخر خالف هذه الأقوال خالف الجماهير، فبعض طلاب العلم يحلوا أن يرقعوا دنياهم أو دنيا غيرهم بدينهم فيخرجون إلى ذلك القول المخالف لخط جماهير علماء الإسلام هذا لا يجوز. وقد نبه أئمة الإسلام من الصدر الأول من طبقة الأئمة المجتهدين فمن قبلهم نبهوا إلى أنه لا يجوز الأخذ بنوادر العلماء، يعني بشذوذاتهم الخاصة التي انفردوا بها أو أن يترخصوا برخص بعضهم في أقوالهم، يقول الإمام الأوزاعي وهو أحد أئمة الاجتهاد كما هو معروف وإن كان مغموراً في مذهبه يقول الإمام الأوزاعي رضي الله عنه: ((من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام)) هذا عالم ولكنه زلت له زلة فلا يجوز لك أن تغتنمها لترقع دنياك أو دنيا غيرك بدينك، علمت هذه المسألة فهو من دينك الذي فرضه الله عليك أن تتركها وتسترها لا تبدلها لترقيع الدنيا، احفظ حق الله وشرع الله عليك فلا تنبش هذه الأمور التي غمرها علماء الإسلام وجماهير الأمة وما أشاعوها، وبالمقابل منارة أخرى هي تقابل هذه المنارة أنا الآن أحكي عن طالب علم أو عالم أو مفتي يترخص باتباع زلة عالم أو عالمين، الآن أحكي أمراً آخر أن يتخذ بعض طلاب العلم عالماً أو عالمين حكما على رقاب الأمة كلها، يقول بقول هذا الواحد أو الاثنين ويترك خط الجماهير لا في مسألة أو مسألتين لا، خطاً عاماً هذا لا يجوز من باب أولى، دائماً وأبداً الذي أوصي نفسي به وأوصي به أخواني طلاب العلم دائماً أن نكون على خط جماهير علماء الأمة، فإذا بدرت بادرة أو هفوة ولكل جواد كبوة من عالم من علماء الأمة في مسألة ما، لا ينبغي لنا أن نتلمسها ونترخص بها، فقد قال أحد أئمة السلف وهو قبل الإمام الأوزاعي سليمان ابن لو أنك أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله. هذا خلاصة المنارات التي أردتها وأسرد سرداً الوصايا التي أريدها الآن، أوصي نفسي وإخواني طلاب العلم. |
الوصية الأولى: الاعتناء والاهتمام البالغ بحفظ كتاب الله عز وجل فهو خير زاد لكل مسلم وخصوصاً لكل طالب علم |
الوصية الثانية: أوصي أخواني طلاب العلم بحفظ السنّة النبوية أوصي نفسي وإخواني طلاب العلم الحرص الشديد الشديد على حفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من الكتاب لا من الذاكرة لا من إلقاء الخطب لا من المحاضرات لا لا من الكتاب. والكتاب الذي أحرص على إيصاء إخواني طلاب العلم هو كتاب الإمام النووي رضي الله عنه رياض الصالحين هذا الكتاب هو كاسمه رياض الصالحين وعلماؤنا رضي الله عنهم ما كانوا يحرصون على أن يسموا كتبهم مسجوعة مبهرجة الإمام النووي لما سمى كتابه هذا رياض الصالحين يريد هذا المدلول يريد أن هذا الكتاب فعلاً كل باب من أبوابه روضة من رياض الصالحين، هذا الكتاب لإمام عظيم وكتاب كله أحاديث عملية في حياة المسلمين وأيضاً انتقاه مؤلفه وهو إمام في علم الحديث انتقاه أن تكون أحاديثه كلها صحيحه كما شرط على نفسه في مقدمة كتابه، فأوصي نفسي وإخواني طلاب العلم أن يكون مبتدأ حفظنا للسنَّة بهذا الكتاب المبارك ثم بعد ذلك تتوالى الكتب منها مثلاً تيسير الأصول وغيره ينبغي أن نحفظ السنَّة من الكتب لا من الكلام العام. |
الوصية الثالثة: أن يعتني طالب العلم جداً بحفظ متون العلم وإن كان الأساتذة التربويون الآن يحاربون الحفظ، لا، هذا أمر لابد منه لطالب العلم لابد من حفظ متون العلم، في كل علم متن أو متنان يحفظه الطالب، في الفقه يختار له أستاذه ومربيه في النحو هذا المتن في الأصول هذا المتن وهكذا في كل علم يحفظ متناً أو متنين. وهذا أمر لا يدركه إلا العالم ويسأل، على سبيل المثال أذكر مثلاً لو سئل أستاذ في اللغة العربية ودرس اللغة العربية سنين ما هو وما هي مواطن كسر همزة إن أو فتحها أو جواز الوجهين، فصعب عليه تعدادها أما إذا كان يحفظ ألفية ابن مالك لسردها سرداً هذا أمر مشهود أن الإنسان أيضاً في القراءات وكان مقرئاً وسئل عن الآية الفلانية كم وجهاً فيها إن كان يحفظ مثلاً الشاطبية لسهل عليه الجواب جداً أما إذا لم يكن يحفظ متناً فقد يصعب عليه جداً أن يستحضر الوجود وهكذا أيها السادة حفظ المتون ضروري جداً . |
الوصية الرابعة: فهي أن يكثر طالب العلم من التلقي عن الشيوخ، أن يتلقى العلم عن الشيوخ لا أن يأخذه من الكتب وقديماً نبه العلماء يقولون لا تحمل العلم لا عن صحفي ولا تأخذ القرآن عن مصحفي. إنسان حفظ القرآن من المصحف لا من الشيوخ وكذلك إنسان أخذ العلم من الصحف لا من الشيوخ فالعلماء يحذرون من هذا. |
الوصية الخامسة: هي فرع عن هذه الوصية حين تأخذ العلم بالتلقي عن الشيوخ عليك أن تختار الشيوخ كما قال الإمام الكبير التابعي ابن التابعي محمد بن سيرين رحمه الله تعالى قال إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإذا أردت التلقي إن كنت تتلقى في المدارس ودخل عليكم أستاذ لا ترضاه فأنت ليس لك فيه خيار فأنت مضطر أن تحضر للمحاضرة أو المادة، ولكن حين تقرأ لنفسك وخاصتك خارج الدراسة فعليك أن تختار الشيخ الذي ترتضيه لغيرك فإن هذا العلم دين والوصية الثالثة هي الوصية التي ذكرتها في أول كلامي وحكيت قصة شيخي الشيخ عبد الفتاح رحمه الله تعالى أنه كان يراجع شيخه الأستاذ الزرقا وغيره من الأساتذة يراجعه من أجل همزة مكسورة وراجع في موقف آخر عدداً من شيوخه من أجل نقطة من حرف من أجل الإحالة جاءت معه في الكتاب الذي يحققه الإحالة بالحاء مهملة فرجع الشيخ وبحث عنها كثيراً فلم يهتدِ إلى صوابها ولا إلى معناها وقال لي إنني سألت شيخي فلاناً وفلاناً فما وجدت عندهم الجواب، وبعد ثلاثة أشهر والشيخ يجوب ويبحث عنها وما استطاع، وإذ تبين له أنه الإخالة بالخاء المعجمة من أجل النقطة وهكذا يكون التدقيق وهكذا تكون الثمرات الصالحة، أما الوصية السابعة فأقولها وأنا والله خجل منكم جميعاً ولكن يجرئني على قولها حبي لنصح إخواني طلاب العلم، وكما يقال والنصح أغلى ما يباع ويوهب، هذه الوصية يا أيها السادة نتيجة لمفارقات أنا عشت الجو العلمي المشيخي المسجدي وعشت الجو العلمي الجامعي، وعرفت كثيراً من زملائي في هذه المرحلة وأيضاً في تلك المرحلة وكانت المفارقة كبيرة وكبيرة جداً يا أيها الناس، أقولها بكل خجل، إن طالب العلم إذا لم يكن له ارتباط علمي روحي وثيق جداً بعالم من علماء الأمة الذين تربوا على الحسير والبساط وعلى الأرض وتلقى العلم في المسجد عن شيوخ تلقوا العلم في المساجد أيضاً علماء عن علماء صالحين عن صالحين، لن تؤتي الثمرة عطاءها المرغوب المرتقب منها، أقول وبكل خجل إن الجامعة ما أنتجت طلاب علم إلا إذا كان لهذا الطالب صلة وثيقة بعالم مسجدي مشيخي آخر وأكرر قولي وأنا أحز من هذا الكلام وأنا بين يدي مدراء الجامعات وسادات العلم، لكن هذا الذي أدركته بالنسبة إلى العلم الشرعي إذا لم يكن لطالب العلم الشرعي صلة وثيقة بعالم وشيخ تربو على أشياخ وهم تربيا على أشياخ وهكذا اتصلت سلسلة سندهم برسول الله صلى الله عليه وسلم علماً وتلقياً فإن هذا الطالب لم يؤتِ الأمة ثماراً ناضجة تحمل أمانة هذا العلم وتؤديه إلى الأجيال التي بعدها فأنا أنصح إخواني طلاب العلم أن يكونوا على نباهة وانتباه واهتمام بهذا الأمر، اطلب العلم في كل المراحل حتى الجامعات حتى الدراسات العليا وهذا لا بد منه وفيه خير وفائدة إذا تلقحت مع التلقي عن المشايخ أما إذا انفردت فلا هذه تؤتي ثمارها الطيبة التامة ولا هذه تؤتي ثمارها الطيبة الكاملة، فالدراسة الأكاديمية كما يقولون تدور الطالب وتنور له الدرب والتحصيل وما إلى ذلك وأما إذا لم تتلقح بدراسة مشيخية روحية لن تؤتي الثمرة حقها من العطاء، وأسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الناصحين الصادقين في ما نقول ونفعل ونكتب ونؤدي وأكرر شكري لصاحب هذه الدار العامرة وأكرر شكري لهؤلاء السادة الأفاضل الذين طوقوا عنقي بثنائهم وبحضورهم وتشريفهم وبرعايتهم وبتحملهم لطول حديثي جزاكم الله كل خير ووفق الله العاملين لكل خير وسدد الله خطى الجميع وأسأل الله عز وجل يا أيها السادة أن يجعلنا ممن ينطبق عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال الله عز وجل يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته)) لا يزال الله لاحظوا معي يا أيها الإخوة لا يزال باستمرار دون انقطاع لا منك ولا مني أنا وأنت تتقطع بنا الحياة، لا إنما هذا الاستمرار من رب العالمين الحي القيوم، لا يزال الله عز وجل يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته، نسأل الله عز وجل أن يكرمنا بذلك وأن يشرفنا بذلك وأن يسعدنا في الدنيا والآخرة بشرف خدمة الإسلام وعلوم الإسلام وأمة الإسلام اللهم صل وسلم على سيدنا محمد. |
|