((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي))
|
الشيخ محمد عوامة |
منهج سوي.. ومنهل روي! |
ـ أ ـ |
أنصت إلى الشيخ محمد عوامة، أول مرة، وهو يتدفق، كأنما يغرف من بحر، في حديث ماتع عن (أدب الاختلاف في مسائل العلم والدين).. |
امتلأت جوانحي إعجاباً بما سمعت أذني ووعي الفؤاد من كلام أتقن الشيخ لحمته وسداه! |
يومئذٍ تمنيت أن لو جاد الزمان بحديث مثله ثراء مخبر وبهاء مظهر! |
لم تبطئ عليّ أمنيتي.. |
ما هي إلاّ أيام معدودات حتى أهلت تفيض أعطافها بالإشراق والبشر.. |
وكان أن وجدتني، مرة ثانية، أنصت إلى الشيخ وهو يتدفق، كما لو كان يغرف من بحر، في حديث ماتع يستقصي فيه (أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء). |
امتلأت جوانحي إعجاباً بما سمعت أذني ووعى الفؤاد من كلام أتقن الشيخ لحمته وسداه! |
يومئذٍ تمنيت ـ ومثلي منهم لا يشبع ـ أن لو جاد الزمان بحديث من الشيخ ثالث ورابع وخامس يكون كالأول والثاني ثراء مخبر وبهاء مظهر.. |
وكان لي ما أردت.. |
أنصت إلى الشيخ يقدم نصوصاً، فيقوم منآدها ويجلي لآلئها حين اصطحبته في مواكب سنية بهية، أترسم وإياه آثار نخبة فضلاء كرام السجايا وجلّة نبلاء عظام المزايا يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم: ابن أبي شيبة، وأبو داود، والترمذي والباجوري، وابن ناصر الدين الدمشقي، والسخاوي.. |
ما أحلاها جولات في رفقة طابت بأريج ندها أرجاء.. |
ما أحلاها رشحات في صحبة فاحت بشيم مسكها أفياء.. |
ـ ب ـ |
لم أكن رأيت محدثي رأي العين.. |
لكني لم أكن لأتوانى ـ وأنا أسترجع ما رأيت للشيخ من رسوخ علم وشفوف نظم ووفور عزم ـ في نسج ملامح له يتناغم فيها زيه وطيه! |
ثم ساءلت نفسي: هل يا ترى تصدقني فراستي؟ |
يومئذٍ تمنيت أن لو يجود الزمان ـ لتيقن من صدق فراستي ـ بلقيا الشيخ مثلما جاد من قبل بحديثه المستجاد ومثلما أفاد برفقته مع أعلام نبلاء بهم زهى العلم وساد! |
وكان لي ما أردت.. |
لم تبطئ علي أمنيتي.. |
ما هي إلاّ أيام معدودات حتى أهلّت تفيض أعطافها ـ كما حالها أول مرة ـ بالإشراق والبشر.. |
كان ذلك في رحاب مهاجره طيبة الطيبة.. |
هنالك.. |
دعاني بزاهر من القول مضمخ بعطر الدماثة الحلبية أخي الحبيب المحدث الواعية الدكتور سائد بكداش إلى مجل يضوع بهاء في منزل يفوح رواء! |
هنالك كانت اللقيا.. |
قلبت بصري، فما وقعت به إلاّ على رجال غر الوجوه كالشموس، لكن ملامح وجه استوقفتني بوضاءتها كأن لي بها سابق و وسالف عهد! |
أيقنت أنها ملامح الشيخ التي تصورت! |
كبرت في سريرتي وأنا أسترجع ما نسجه حدسي للشيخ من ملامح، في زيه وطيه: |
انظر يا حسن تر: |
لباس تقوى.. |
فيوضات من بياض من فوقه بياض.. كزهرات الكمائم، |
إلى هدي وسمت، |
ونظائر تجمل ينبئن عن بهاء زي! |
وأنصت يا حسن تع: |
غزارة علم.. |
في عرض بديع، |
وصوغ رفيع، |
ونظائر عارضة ينبئن عن غناء طي! |
لم يعرني استغراب مما رأيت على الشيخ من هالة حسن به زيه وطيه! |
كيف يكون لي أن أستغرب مما رأيت وقد رأيت من قبل أعلامه في أطواء أقواله؟ |
أو يستغرب من ذلك من رأى الشيخ يغرف علمه غضاً طرياً من عيون فوارة مثلها كمثل نهر عذب غمر لا ينضب قعره ولا يجف عطره! |
قلت في نفسي: |
طوبى لمن جعل (علم الحديث أجل سؤله والوطر). |
لحظتها انهمرت على ذاكرتي، كماء مبارك، أبيات كانت تستحثني ـ فيما مضى من العمر وانقضى ـ على اللحاق بالركب المنور الذي يزهى يومه بالشيخ عوامة كما زهى أمسه بأعلام نبلاء لا يحصون عداً، كانوا بهجة المحدثين وزينة المسندين: |
فالحق بقوم إذا لاحت وجوههم |
رأيتها من سنا التوفيق كالقمر |
قوم قلوبهم بالعلم مشرقة |
صدقاً وأوجههم وضاحة الغرر |
أضحوا من السنة العليا على سنن |
سهل وقاموا بحفظ الدين والأثر |
أجل شيء لديهم (قال: أخبرنا) |
عن الرسول بما صحّ من خبر |
هذي المكارم لا قعبان من لبن |
ولا التمتع باللذات والأثر |
لا شيء أحسن من (قال الرسول) ولا |
أجل من سند عن كل مشتهر |
|
ـ ج ـ |
استرجعت ـ وأنا أصغي إلى الشيخ في حديثه الماتع بذلك المجلس السني ، سيراً من سلفه الكرام البررة، أهل الحديث الذين قبس الشيخ من قناديلهم في منبته حلب الشهباء، وعب من حياضهم في مهاجره طيبة البيضاء.. |
طويت العصور.. |
طويت الربوع.. |
ثم رأيتني، وشك اللمح بالبصر، أحلّ بشهباء الفضل والنبل ألقى بلقيا ابنها البار من أهلها خلقاً لا يحصون، ومن نزلائها خلقاً لا يحصون كذلك، كان فيمن تعرفت عليه من هؤلاء وأولئك الحافظ المسند أبو محمد الحسن الهمداني السبيعي، والمحدث الرحلة شمس الدين يوسف بن خليل، وفخر الحفاظ أبو بكر محمد بن علي بن ياسر الأنصاري الجياني، مقدمهم وإمامهم في عصرنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.. وغيرهم كثير! |
ثم رأيتني، وشك اللمح بالبصر، أحلّ بطيبة الطيبة ألقى بلقيا نزيلها المبجل من أهلها خلقاً لا يحصون، ومن المجاورين بها خلقاً لا يحصون كذلك، فيخرجون يضربون أكباد الإبل آمين مسجدها في طلب علمها عند كوكبها الوقاد إمام دار الهجرة مالك بن أنس وعند من تلاه وحلق للتحديث من الرواة والدراة من بعده على تراخي الأزمان. |
ـ د ـ |
أولئك آباء الشيخ من حملة العلم الشريف: |
كلهم سابق بالخيرات في حضرهم وفي سفرهم. |
أينما حلوا بذروا حبقاً وزنبقاً! |
يا حسن ما بذروا! |
أدوا أمانات الحديث مصونة |
كما لمزن تحمل أعذب الأمواه |
|
أولئك آباء الشيخ من حملة العلم الشريف إسناده، ومتنه، وطرقه، وعلله، وعاليه ونازله، ورجاله ونقلته، المعدلين منهم والمجرحين. |
أولئك آباء الشيخ من حملة العلم الشريف.. |
ورثوه علو رواية وكمال دراية، |
فكان ما علمتم له من عطاء غير مجذوذ كعطاء مهاجرة طيبة الطيبة فسح له بين الباحثين مكاناً في الصدارة سنياً! |
أولئك آباء الشيخ من حملة العلم الشريف.. |
أنهلوه علم النبوة وعلوه، |
فكان ما علمتم له من عطاء غير مقطوع كعطاء منبته حلب الشهباء بوأه بين علماء النص والتحقيق مكاناً في الصدارة عليا! |
وإنه لقمن بما رقيه من مكان مشهود بما أعطى وأقنى من ذخيرة في مجالي الدرس والتحقيق. |
وانظروا مثلما نظرت تروا مثلما رأيت: |
ما من عطاء له في مجال الدرس إلاّ وجاء كمثل فيء العنبر إذا تضوع! |
ومن من عطاء له في مجال التحقيق إلاّ وجاء كمثل الصبح إذا تنفس! |
ـ هـ ـ |
قال بلدي الشيخ عوامة ابن أسامة الحلبي في عصره عن الشيخ الحافظ الحسن السبيعي الحلبي: (لو لم يكن للحلبيين من الفضيلة إلاّ الحسن السبيعي لكفاهم). |
وأنا أقول في عصري عن الشيخ عوامة مثل ما قال (لو لم يكن للحلبيين من الفضيلة إلاّ محمد عوامة لكفاهم) وأضيف عطفاً على الحلبيين (والمدنيين). |
ومعتمدي في ذلك ميزتان متلازمتان كأن بينهما لحمة نسب سطعت بهما أعمال الشيخ في دراساته وتحقيقاته، أودعتهما قولي التالي: |
يا حسن ما درى الشيخ بمنهج سوي! |
يا حسن ما سقى الشيخ من منهل روي! |
|