((كلمة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه يلقيها نيابة عنه معالي الأستاذ الدكتور رضا عبيد))
|
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد، وعلى آل بيته الكرام الطاهرين. |
الأستاذات الفضليات |
الأساتذة الأكارم |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
يصمت الكون ويصيخ السمع طرباً بحب المصطفى صلى الله عليه وسلم فما أسعدنا ونحن نقتنص سويعات الحبور في ذكرى ميلاده العطرة أن نلتقي واحداً من سكان مدينته المنورة، عالماً جليلاً حمل أمانة الكلمة وأدى رسالة العلم كخير ما يؤديها الرجال، نحتفي الليلة بالشيخ محمد محمد عوامة، مؤسس مركز البحث العلمي ((مركز خدمة السنّة والسيرة النبوية)) في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ومؤسس مكتب تحقيق التراث الإسلامي.. وصاحب الإصدارات العديدة التي من أشهرها مصنف ابن أبي الشيبة في ستة وعشرين مجلداً، وسنن أبي داوود في ستة مجلدات.. لقد ضحى مشكوراً بثمين وقته، وتكبد مشاق السفر من المدينة المنورة ليمتعنا بلقائه.. حل سهلاً، وأقام أهلاً، بين محبيه ومقدري علمه وفضله وأدبه وكريم عطائه. |
قليلاً ما يهنأ الفرح وفوقه سياط الأسى، فقد أدمانا الحزن لفقد الشيخ الجليل العم عبد الله محمد كامل ـ تغمده الله بواسع رحماته ـ فقد كان من الرجال القلائل الذين وهبوا أنفسهم لخدمة الدولة عند بواكير نهضتها، ثم تفرغ لخدمة مجتمعه ومواطنيه من خلال الأعمال الكبيرة التي وظف لها مواهبه المتعددة، وعلاقاته الواسعة، فجاءت بحمد الله برداً وسلاماً على الوطن والمواطنين، رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه فسيح جنانه مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.. وألهم آله وذويه الصبر وحسن العزاء. |
في رحاب العلم نلتقي الليلة لنحتفي ونكرم علماً فذاً آثر الصمت وتجويد الأداء بعيداً عن دوائر الضوء وضجيج الإعلام، إذ لو كان في الإسلام ((رهبانية)) لحسبته راهباً متبتلاً في حضرة الكتب، ومجالس النور، ومؤسسات البحث العلمي.. نهض بكثير من الأعمال التي سدت ثغرات كبيرة في المكتبة العربية، وقدم لنا على صحائف الذهب والفضة أعظم المصنفات التي أفنى أصحابها ـ رحمهم الله ـ سنوات عمرهم لكي تصلنا عبر دهاليز التاريخ، فمنها ما اجتاز محن الدهر، ومنها ما اختفى مع الأيام والليالي.. ضيفنا الكريم صاحب علم غزير، وصبر على اللأواء، ودوام صمت مع أحباره وأوراقه، واستغراق فكره بجلائل الأمور وعظيم المهمات. |
إذا ذكر ضيفنا الكريم اقترن اسمه بالتحقيق والتأليف، ولا شك في أن معاناة التحقيق تفوق أحياناً عناء التأليف والتصنيف.. فالأمانة مزدوجة، والمسؤولية جسيمة، وجسور الإبداع محدودة بما ذهب إليه مصنفو الأصول.. إلا أن أستاذنا الجليل يمتاز بنظر ثاقب وخبرة مديدة في مجال عطائه الثر، فتجده يجول ويصول من خلال مقدمات الكتب التي يشرف بتحقيقها، ولعل من أعظم المقدمات التي وقفت عليها مقدمته التي بلغت مائة وست وعشرين صفحة لمصنف ابن أبي الشيبة الشهير، للعلامة الإمام أبي بكر عبد الله بن القاضي محمد ابن القاضي أبي شيبة، المتوفى سنة 235هـ. |
إن تليد العطاء والإبداع في عالم ضيفنا الكريم، لم يستحوذ على طريف توجهه للأخذ بيد الناشئة لتطوير مداركهم والمضي بهم ومعهم في لجج الحياة.. وكم هو جميل أن نرى شيخنا المفضال يهتم ببراعم الجيل الجديد، أو من انقطعت بهم سبل التعليم لأي سبب كان، وضاقت مساحة تعاملهم مع الكتاب، فتحرك ضيفنا الكريم من باب الإشفاق على هذه الشريحة المهمة، وأتحفهم بكتاب مجلد لطيف بعنوان (المختار من فرائد النقول والأخبار) مشجعاً بذلك كل من له رغبة في العودة إلى حظيرة الكتاب ليجد المادة التي تناسبه وتقدم له المعلومة المفيدة، والطرفة الذكية، وبعض النوادر في ثوب قشيب من اللغة البسيطة والحبكة المدروسة. |
وبالرغم من انقطاع ضيفنا الكريم عن كثير من وشائج العلاقات التي تجمع الناس على مختلف الصعد، فإنه لم ينقطع قط عن مجالسة أصحاب العلم والفضل والأدب، لازمهم وهو في مستهل حياته كطالب علم، وأخلص لهم وهو قمة من قمم التحقيق في العالم الإسلامي، وأرخى لهم جناح المحبة والمودة في الوقت الذي نراه نجماً في مجال تخصصه.. تلك من شيم العلماء الذين يأتي تواضع الكبار في محيط حياتهم كناتج طبيعي لتربيتهم وتخلقهم بأخلاق السلف الصالح، مقتدين بخير الأنام الذي وصفه رب العزة والجلال بقوله وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 4)، فلا تجد فيه غلظة أو تجانفاً عن الحق، وما ذكر ضيفنا الكريم في محفل إلا أثنى عليه كل من عرفه خير الثناء، وكما قيل: ألسنة الخلق أقلام الحق.. فنسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بعلمه وفضله، وأن يهيئ له سبل الوصول إلى أعمق أعماق التصانيف النافعة، والعلوم الباهرة، وأن يقدم لنا من معينه الزاخر كل ما يسهم في رقي ونهضة هذه الأمة التي يتأكد لنا يوماً بعد يوم أنها في أمس الحاجة إلى الارتباط بالكتاب، ثم الكتاب، ثم الكتاب، فمهما تنوعت أساليب المعرفة، وتعددت وسائطها، يظل الكتاب الموئل الأول والأكثر ثباتاً للوصول إلى المعرفة، وهي الطريق الأوحد لوصول الأمم المتنافسة إلى الحياة الحرة الكريمة الأبية تحت الشمس، في عالم تتخطفه مختلف التيارات التي لا تعترف في النهاية بغير القوة، رغم تلطيفها تلك الحقيقة، وتغليفها بكثير من الدبلوماسية والتمويه.. ولن تأتي القوة بغير الكتاب، رمز العلم والمعرفة، وهي المحصلة التي أمرنا الحق سبحانه وتعالى أن نسعى إليها في محكم قوله وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ (الأنفال: 60).. فهل نحن فاعلون؟ |
إن تحرر العالم الإسلامي من هواجس الخوف والفقر والجوع والمرض والتخلف والعزلة الدولية وغيرها من علامات البؤس التي تحيط بنا لا بد من أن تمر عبر جسر الكتاب، والعودة إلى الجذور التي قامت عليها هذه الأمة، ليصلح آخرها بما صلح به أولها.. وسوف تظل الحاجة ماثلة للعلماء بكل تخصصاتهم، والإلحاح باق لحمل المجتمعات العربية والإسلامية للتمسك بمنهج العلم والكتاب، وصرف الناشئة عن سفاسف الأمور، والتمسك بما لدينا من ثوابت حتى نستطيع تفادي المحن التي تحيط بنا من كل جانب، ونحاول على الأقل وقف عجلة الانهيار السريع نحو سفح الهرم الأممي.. ولنا أمل عظيم في الله ثم علماء الأمة الصابرين المحتسبين المسخرين أوقاتهم وجهودهم لمناهضة تنين الشر الذي ينفث ناره ودخانه في عصب هذه الأمة ممثلاً في أطفالها وشبابها، فلم يوفروهم من سن الثالثة وربما قبل ذلك، مستغلين أساليب وفنون أفلام الرسوم المتحركة، ثم قنوات الشباب الراقصة الضاحكة الماجنة، وصولاً إلى الغث من رسائل الإعلام التي تهدر الوقت في ما لا طائل من ورائه ولا تؤدي إلا لمزيد من الانحدار تجاه هاوية التبعية وفقدان الهوية. |
نقدر لضيفنا الكريم وقفاته ومواقفه الراسخة، سائلين المولى عز وجل أن يعينه ويوفقه ويسدد على طريق الخير خطاه، متمنياً لكم أمسية ترشفون فيها غمامات الفرائد المجنحة، أو تغرفون من بحر العلم وكنوز العطاء.. على أمل أن نلتقي الأسبوع القادم بمشيئة الله بالسيدة الفاضلة الأستاذة الدكتورة سميرة إسلام.. أستاذة علم الأدوية في جامعة الملك عبد العزيز، والحائزة على جائزة اليونسكو في مجال البحث العلمي على مستوى القارات عام 2000م وهي المرأة المسلمة والعربية الوحيدة التي شرفت بهذا التقدير الدولي ضمن اثنتين وثلاثين عالمة في العالم.. وقد أكملت أبحاثها المعروفة في مجال تخصصها النادر بجامعة سانت ماري في لندن.. فإلى لقاء يتجدد وأنتم ومن تحبون على خير ما أحب لكم. |
هناك أبيات شائعة تفقد أحياناً معناها من كثرة التكرار، بيد أنه لا بد من استعارتها للتعبير عن موقف معين فأقول: |
ما كل ما يتمنى المرء يدركه |
تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن |
|
فكم كنت أتمنى أن أكون جاثياً على الركب أمام محدثنا وعالمنا الجليل إلا أن ظروفي العلاجية حالت دون تشرفي بهذا اللقاء، متطلعاً إلى سانحة أخرى وجميعكم بخير. |
ويطيب لي أن أترك الميكرفون إلى معالي الأخ الأستاذ الدكتور رضا بن محمد سعيد عبيد، مدير جامعة الملك عبد العزيز السابق، وعضو مجلس الشورى السابق، ليتفضل مشكوراً برعاية هذه الأمسية. |
والسلام عليكم ورحمة الله.. |
عريف الحفل: نتمنى له الشفاء والصحة الدائمة إن شاء الله، وشكراً لمعالي الدكتور رضا عبيد مدير جامعة الملك عبد العزيز سابقاً والذي تفضل مشكوراً بإلقاء كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه نتمنى له صحة وعافية وعوداً حميداً إن شاء الله. |
أيها الأخوة والأخوات، أيها الإخوة الكرام، محبو فضيلة الشيخ محمد محمد عوامة، كثيرون سيتحدثون عن مناقبه وعن صفاته وعن خصاله الطيبة، نبدأ بمجموعة المتحدثين بمعالي الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام السابق والمفكر الإسلامي المعروف. |
|