((كلمة سعادة الأستاذ محمد باقر النمر))
|
أبو البحر والعوامي وأنا:
|
بسم الله الرحمن الرحيم، لكل أمة من الأمم، وعلى مر تاريخ البشرية عظماء ومبدعون على مختلف الصعد الإنسانية. ومن شأن أولئك العظماء شحذ الهمم، وبعث الروح والأمل، ورفع سقف الطموح والتطلع لدى أممهم. |
وإذا كان بعض من أولئك يُكتشفون في حياتهم، السياسيين منهم خصوصاً، فإن هناك فئة لا تكتشف إلا بعد حين من السنوات أو العقود أو القرون، وهنا تزداد الصعوبة في تقديم ذلك الاكتشاف، فيكون الفن والإبداع مطلباً للنجاح، والوصول إلى المنشود. |
نعم، كان الفن بكل تجلياته ومعانيه في اكتشاف الصديق الأستاذ السيد عدنان العوامي للشاعر الشيخ جعفر القطيفي المعروف بأبي البحر الخطي، ذلك الشاعر المجهول في قومه يوم كان بين أيديهم، وبخس حتى هاجر ومات. إلى أن قُدِّر لهذا العظيم أن تنبري له الأقلام، وتشمر السواعد، فكانت المبادرة الأولى للسيد علي الهاشمي الذي جمع وطبع الديوان قبل أكثر من نصف قرن، تلا ذلك مبادرات محدودة ومشكورة هنا وهناك في قصاصات الصحف وزوايا المنتديات. |
ولكن يمكن اعتبار تحقيق ديوان أبي البحر الخطي الذي صدر عن دار الانتشار العربي في بيروت العام الماضي تتويجاً للشاعر الخطي من قبل الأديب السيد العوامي الذي احتفى به أهله ومريدوه، وثلة من مثقفي الوطن والخليج في مثل هذه الأيام قبل أقلَّ من سنة من الآن في حفل رائع وجميل، وذلك بمناسبة صدور التحقيق المذكور مشاركينه والأهالي فرحة الإصدار. |
وأجزم بالقول أن عمل السيد العوامي الذي درس الخطي تجاوز المألوف في التحقيق، فذهب إلى ما هو أبعد من التحقيق التقليدي، فبعد أن تناول حياته وشعره وبيئته ومحيطه، انتقل بمعرفيته وتحليله وتحقيقه إلى كل البيئات التي هرب وهاجر إليها الخطي. |
فمن القطيف حيث مسقط رأسه إلى البحرين التي ما زالت تعتبره منها ولها إلى شيراز حيث توفي سنة 1028هـ. |
كل تلك المحطات قرأها وقدمها المحقق العوامي لقرائه بكل سلاسة وموضوعية دون تكلّف أو تصنع، ودون كلل أو ملل. |
فقد ذهب الأستاذ العوامي للتنقيب عن حقبة تاريخية هامة يكتنفها كثير من الغموض، وشحة في المصادر والمعلومات التاريخية لكن الاحتراف والخيال المحلق فتح له أبواب حقائق وثقها بأدلة وبراهين. |
صحيح أنه قد أسهب كثيراً حتى ظنّ أنه أطنب في ما تناوله، لكن السلاسة تدعو القارئ إلى التأمل، والتأني، وسرعان ما يستدرجك المحقق إلى مبتغاه دون أي كلفة أو عنوة. |
يبدأ الحديث عن عصر الشاعر بنقل المعلومات من مصادرها، ثم ناقداً ومحللاً، فيعرج إلى الغزو البرتغالي للخليج، مسهباً في الحديث عنه، ثم الفترة العثمانية، ثم يقدم بطاقة أبي البحر الخطي بدءاً من نسبه حتى وفاته. وقرأ العوامي شعر الخطي قراءة متأنية في رحلة دامت أكثر من خمس سنوات استخرج كنوزاً لمعارف، ووقائع كثيرة وهنا يتجلى الفن والإبداع. |
وخلافاً للمألوف قلَّما ينتقد المولعون والمعجبون والمريدون رموزهم ضمن حالة العصبة والانتماء. لكن العوامي المعجب لم يمنعه إعجابه من توجيه الانتقاد، وأيما انتقاد. فرفض غلوه في غير موضع من شعره، وشططه غير المستساغ حتى قال: ما كان ينبغي لشاعر مثل أبي البحر أن يسف إليه بأية ذريعة. (الجزء الأول من الديوان ص: 31). |
وأتعجب أكثر حين أقرأ فصلاً أو بعضاً من فصل في الديوان بعنوان محاكمة لشعر أبي البحر وآخر عن عيوب شعره الخ.. |
أشير إلى هذا لأبين كيف أن المحقق العوامي مبتعد كل البعد عن العبث والإسفاف، فالنقد والانتقاد لا ينفي الحب والإعجاب بل إن الحب والإعجاب مدعاة للنقد والمكاشفة في هذا الموضع وغيره. |
اعتبرت نفسي موفقاً عندما تم اختياري أو إقحامي لنفسي (لا أدري أيًّا منهما أدعي) لأكون عوناً وسنداً للأستاذ العوامي في مراجعة النصوص، والأخطاء الطباعية التي أتحمل جزءاً منها إن لاحظها أي من القرّاء الكرام. |
أقولها وأنا فخور لأن ذلك الجهد دخل تاريخ الإنجازات، ويعتبر نقطة تحوُّل هامة ليس في كتابة تاريخ حقبة من الساحل الشرقي لبلادنا بل في شخصية السيد عدنان العوامي المعروف إلى وقت مضى شاعراً وأديباً حتى أطل بهذا التحقيق محققاً في التاريخ لم يسبقه بحسب ظني في منطقتنا إلا المرحوم الأستاذ محمد سعيد المسلم صاحب كتاب ساحل الذهب الأسود. الذي غطى حقباً هامة لها وعليها حتى جاء العوامي ليسد فراغات وجنبات وحلقات مفقودة فقدم هذا التحقيق هدية ثمينة لمجتمعه ووطنه يعلم قيمتها المتتبعون للثقافة والأدب. |
ولا بد من الإشارة هنا إلى الجهد الذي تبذله مجلة الواحة متمثلة في هيئة التحرير وهي في عامها الثالث عشر وعددها الخامس والأربعين بالأخذ بمبادرة حفظ التراث التاريخي منه والثقافي وكذا الأدبي. وغير خاف أن للسيد العوامي اليد الطولى في الإعداد والتحرير. |
تلك شذرات بسيطة وشهادة مجروحة مني في حق الأستاذ العوامي الذي يكن له أبناء قومه ومثقفو هذا الوطن كل الحب والاحترام فألف شكر وألف تحية لكم أبناء وأهالي جدة وحجاز المملكة على هذا التكريم المعهود عنكم دائماً وأنتم تتماهون ويتماهى معكم ذلك الشرق السعودي، حتى قال شاعرنا المحتفى به: |
ما بين جدة والقطيف مدى |
أم لا فأين الهدب والهدب |
كلتاهما جفنان بينهما |
عين وقلب ضمه خلب |
|
ولك ـ يا معالي الشيخ عبد المقصود خوجه ـ كل الشكر من أهل القطيف الذين ما زالوا ينظرون إليك رجلاً تنويريًّا في الفكر والثقافة بعد أن أنرت شوارعها قبل أكثر من أربعة عقود، وها أنت اليوم رجلٌ تنويري لكل الوطن الغالي. رعاك الله وأدام عليك العز وأسبغ النعم. |
الشيخ عبد المقصود خوجه: أود أن أشير إلى ما تناوله الأستاذ محمد باقر النمر بأنني كنت عام 1385هـ قد أضأت شوارع القطيف ضمن مناقصة رست علي في ذلك الوقت، الهفوف والمبرز والقطيف، وكانت أول مرة في إنارة تلك المدن، وهو عمل ربحي لا علاقة له بالكلمة ولا بالأدب وشكراً لكم. |
عريف الحفل: الكلمة الأخيرة لسعادة الأستاذ عبد الله فيصل آل ربح. |
|