شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ محمد رضي الشماسي))
العوامي في عيون دارسيه:
الوثاق الذي يربطني بالشاعر السيد عدنان السيد محمد العوامي وثاق الكلمة أولاً، وثاق الرابطة القلمية. وهذا أدَّى ـ بدوره ـ إلى وثاق الصداقة الحميمة التي امتد بها الزمن، حتى الآن، نحواً من ربع قرن. وحديثي عن عدنان الشاعر غير حديثي عن عدنان الصديق. فعدنان الشاعر في ميزان النقد الأدبي له وعليه، بينما عدنان الصديق في ميزان الصداقة له وليس عليه، تعالى الله عن العيوب.
ومع هذا الملحظ الأخير، كنت أجد في نفسي شيئاً من الحرج حين الكتابة عن هذا الصديق، خشية أن أرمي بعبارات الزلفى، أو أتهم بشيء من محاباة القربى، لكنَّ اتّكِائي على الملحظ الأول (عدنان الشاعر) جعلني أدخل فيما دخل فيه الكُتَّاب الذين درسوا هذا الشاعر، وأشادوا به.
ولست هنا دارساً شعر الأستاذ عدنان العوامي، ولا باحثاً في مطويات معانيه، وإنما قصدت الالتفات نحو ما كُتِب عن هذا الشاعر وشعرِه، لأرى شاعرنا العوامي في عيون دارسيه، ولأعرف حجمه في ميزان ناقديه.
خصوصاً أن جماعة (أمسيات بديع الزمان الأدبية) في سيهات، وهي طليعة الشباب الأدبي، تقدم الأستاذ العوامي أمام الجمهور المحتفي به لتكريمه شاعراً مبدعاً؛ اتخذ الشعر هواية فأبدع فيه أيَّما إبداع، ولو اتخذه حرفة، وضرب في آفاقه، ورمى بطرفه في أبعاده لَبَذَّ ـ بدون غُلُوٍّ مني ـ جيله من الشعراء العرب، ولتقدم على المتقدمين، ولو عاش على غير أرضه محوطاً بأجواء مفعمة بالعطاء الأدبي، والنتاج الفكري على اختلاف مناهله وألوانه؛ لأتى بالمعْجِبِ من الشعر.
لا أريد أن أستبق الأحداث ـ كما يقولون ـ فعند قراءتك لآراء مقرظيه من الأدباء والشعراء؛ ستعلم صدق ما أدعيه، وما رأيي أمام الأساتذة المقرظين إلا نفل في القول، أو فتات على موائدهم الأدبية.
أعود فأقول لجماعة (أمسيات بديع الزمان الأدبية) إنها قد أبدعت في اختيارها هذا الشاعر المبدع راجياً لها التوفيق المستمر، ومتمنياً عليها أن تروح بتكريم شاعر وتغدو بتكريم أديب، مساهمة منها في تنشيط الحركة الأدبية في منطقة القطيف، وإبراز المواهب الشابة، والقدرات الفنية في الشعر المؤصل، والأدب الملتزم، أسأل الله لها ـ وهي تحمل اسم بديع الزمان ـ أن تبدع دائماً، وأن يسير الزمان باتجاه أنسامها الندِيَّة التي حملت وستبقى حاملة ـ إن شاء الله ـ أشذاء الأدب اليقظ، وأصداء الكلم المنغم.
في مطلع الستينات بدأ يظهر عدنان شاعراً أمام منابر المناسبات المحلية، وفي بعض الجرائد المحلية، والمجلات العربية دون أن تلتفت إليه الأنظار، لأنه كان تقليدياً؛ أفقه لم يخرج عن حدود النمطية المألوفة. ولم تمتد به هذه الفترة كثيراً، فقد أخذ في الثمانينات يلفت الأنظار إليه، ويستقطب الجمهور المحتفي بالمناسبات، وفي عام 1408 للهجرة اشترك في مهرجان الشعر لدول مجلس التعاون في الخليج العربي الذي عُقِدَ في الرياض، فلفت إليه أنظار الشعراء والأدباء والنقّاد في أمسيات المهرجان، وعندها أخذت تكتب عنه الصحف المحلية.
وفي عام 1412هـ ظهر ديوانه (شاطئ اليباب) فتناوله الدارسون والكتّاب، معجبين به أيَّما إعجاب، وأشادوا به أيَّما إشادة. كتب عنه عدد من الكتّاب السعوديين في الصحف والمجلات المحلية ومنها صحيفة (الرياض) و (الجزيرة) و (اليوم)، ومجلة (الشرق) و (المجلة العربية). وهذا بحسب تتبعي.
في عام 1416هـ شارك شاعرنا في أمسية شعرية أقامها النادي الأدبي في المنطقة الشرقية. وفي عام 1416هـ أجرى معه التلفزيون السعودي مقابلة كما قرأ من خلال إذاعة الرياض قصائد من شعره في برنامج (أوراق شاعر)، وقرأت له إذاعة أبو ظبي مختارات من قصائده، وترجم له في كتب الأدب كل من فضيلة الشيخ علي المرهون في كتابه (شعراء القطيف)، والأستاذ المرحوم محمد سعيد المسلم في كتابه (واحة على ضفاف الخليج ـ القطيف)، والأستاذ عبد العلي آل سيف في كتابه (القطيف وأضواء على شعرها المعاصر)، والأستاذ عبد الكريم الحقيل في كتابه (شعراء العصر الحديث في الجزيرة العربية)، والأستاذ عبد الله آل عبد المحسن في كتابه (شعراء القطيف المعاصرون)، والأستاذ سعود الفرج في كتابه (شعراء مبدعون من الجزيرة والخليج). كما دخل اسم شاعرنا مادة معجمية في (معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين).
وقد أجمع الكتّاب الذين كتبوا عن شاعرنا على إبداعية الشاعر عدنان العوامي، في دقة معانيه، ورقة صُورِه، وعمق تناوله. وقليلون هم أولئك الشعراء الذين تُجمع عليهم آراء النقاد والكتّاب، خصوصاً إذا كان أولئك النقاد والكتّاب ذوي موارد متنوعة، وينتمون إلى مدارس متباينة.
بين يديَّ كلُّ ما كُتِبَ، أو جلُّه، عن هذا الشاعر المبدع؛ فالدكتور غازي القصيبي يعبر عنه بأنه (غريب في زمن غريب) (1) ويصنفه في مَعيَّة سعيد عقل، ونزار قباني، وأمين نخلة، وعمر أبو ريشة، وعبد الله البرَدُّوني، وبدوي الجبل. ومن هو في معية هذه الطبقة من الشعراء فهو في رأي الدكتور القصيبي (غريب في زمن غريب).
وعطفاً على ما يُلَمِّح إليه الدكتور القصيبي يرى الأستاذ رشدان العتيق أن العوامي (يشعل الدلالات الشعرية تحت مناطيد عدد من الشعراء العرب أمثال حمزة شحاتة، وعمر أبو ريشة وإيليا أبو ماضي) (2) .
والأستاذ السيد حسن العوامي يرى فيه (الأديب اللامع). ومن وجهة نظره: (أن شاعرنا بلغ القمة الشعرية ـ إن كان للشعر قمة محدودة ـ في الأبواب التي طرقها) (3) .
وكما يصنف الدكتور القصيبي السيد عدنان في معية نزار وأمثاله؛ نرى الأستاذ السيد حسن يذهب إلى ما ذهب إليه الدكتور القصيبي في أن (شاعرنا يريد أن يقدم البرهان على أنه ليس نزار وحده هو شاعر المرأة الذي استطاع أن يصوغ عواطفها) (4) ، وقد أورد الأستاذ السيد حسن العوامي في عرض مقالته البيت المشهور:
وكم في الخدر أبهى من عروسٍ
ولكنْ ساعد الزمن العروس
وأظن الأستاذ السيد حسن يريد ـ بهذا الشاهد ـ أن يقول: إن شاعرنا العوامي لا يقل شأواً عن الشاعر الشهير نزار على الرغم من الشهرة الواسعة التي يتمتع بها المرحوم القباني، وعلى مستوى الأدب في القطيف، أكاد أعتقد بأنه لا ينازعني أحد في أن أضع السيد عدنان العوامي في مَعِيَّة الطبقة الأولى من شعرائنا؛ مثل العلامة الشيخ عبد الحميد الخطي (5) ، والأستاذ عبد الله الشيخ علي الجشي، والأستاذ محمد سعيد الخنيزي، والأستاذ المرحوم عبد الواحد الخنيزي الذي تكررت كلمة منه قائلاً بتواضع محض بين بعض خلطائه بأن: (عدنان أشعر مني) (6) .
وأما الكاتب الأديب الأستاذ عبد الله الشباط فإنه يكفي أن تقرأ عنوان مقالته التي نشرها قبل ظهور الديوان في صحيفة الرياض: (عدنان العوامي شاعر كبير بلا ديوان) (7) ، ويؤكد الأستاذ الشباط على العنوان فيقول: (لديه من المقدرة الشعرية ما يجعله في مصاف كبار الشعراء).
ويعبر عنه الأستاذ محمد سعيد المسلم في كتابه (واحة على ضفاف الخليج ـ القطيف) بأنه (شاعر موهوب، يتحدر من سلالة علمية.. ولا يستبعد أن تكون موهبة الشعر جاءته عن طريق الوراثة) (8) .
ويرى الكاتب الصحفي الأستاذ أحمد الشمر أن (الشاعر العوامي من الشعراء القلائل الذين يتميز نتاجهم الشعري بالتفرد النادر، والمقدرة الفائقة على خلق ومزج الألوان الطبيعية في نسيج التركيبة الشعرية) (9) ، ويرجع الشمر المقدرة الفائقة لدى العوامي إلى (ثراء وعمق وغزارة فكره).
وهذا الكاتب الصحفي الأستاذ حبيب محمود يرى أن لدى الشاعر العوامي (رصيداً جماليًّا كبيراً، وثقافة متنوعة، وتقنية فنية رائعة الأداء دون أن يخرج شاعرها عن تفاعيل العروض) (10) .
وأما مذهبه الأدبي فهو (رومانسيّ أصيل) كما يراه الدكتور القصيبي، وهذا المذهب واضح في ديوانه كل الوضوح على الرغم من (عدم اعترافه بالمذاهب الشعرية) (11) .
ومن يقف على (شاطئ اليباب) لا يشك في انتماء شاعرنا إلى المدرسة الرومانسية، حيث تداعب عينيه رمال ذلك الشاطئ وكثبانه ومروجه وأنداءه ونخله وصَباه وشذاه، وزهره وزنابقه وعناقيده وما في سنخ هذه الألفاظ التي تكوِّن عادة مواد البناء الشعرية لدى شعراء الرومانسية، ويكفي في رومانسية شاعرنا عدنان تصنيفه في معية أبو ريشة ونزار وبدوي الجبل وحمزة شحاته وأبو ماضي وأمثالهم، كما يضعه الدكتور غازي القصيبي، والأستاذ نايف رشدان العتيق.
هذا الشعر الجميل الذي يسيل من فم قارئه ماءً عذباً، وينسكب في أذن سامِعِهِ نغماً رقيقاً، لم يخرج عن النمط التقليدي في الشعر العربي. التزم بالوزن والقافية، فلم يرهقه الوزن، ولم تثقل عليه القافية. فهو عند (الالتزام) بالوزن والقافية ـ بحسب رأي الأستاذ الشباط ـ جديد في الروح (جديد في اختيار الكلمات) (12) ، وهو ـ بحسب الأستاذ حبيب محمود ـ (يجمع بين عمودية القصيدة، واللغة الحديثة)، وفي (فنيةٍ رائعة الأداء دون أن يخرج شاعرنا من تفاعيل العروض)، ولم يستطع ـ بحسب الأستاذ نايف العتيق ـ (أن ينعتق من النمطية التقليدية في شعر شعراء العربية الأوائل).
أما موقفه هو من شعره فلا يطابق رأي هؤلاء فحسب، وإنما يقترفه بإصرار وتعمد، ويعترف به صراحة:
عذري إليك بأني لم أزل حدثاً
غرًّا على الشعر تقليداً وتجديدا
مصفَّداً في موازيني وقافيتي
لاهُمَّ زدني بهذا القيد تصفيدا
وإذا نحن وافقناه في البيت الثاني في التزامه بقيود الوزن وأصفاد القافية فمن حقنا أن نرفض ادعاءه اليفاعة والغرارة في البيت الأول، إذ لا يسعنا أن نحمله إلاّ على سجية التواضع في أحسن الأحوال، وإلاّ فإن روح الإبداع ترف على قلم شاعرنا الفخم، ولا تنفك عنده حتى في شعر المناسبات، إذ يلقي على جمهوره وهو واقف أمام منبر المناسبة لوحة شعرية جميلة، تسيل رقة وعذوبة حتى مع مساقط الدموع وآهات الأسى.
وعلى رأي الأستاذ العتيق فإنه (خلق لشعر المناسبات خاصيَّة فنيَّة تتشكَّل بتلقائية واعية)، ولا يكتفي الأستاذ العتيق بهذا التقريظ؛ بل يردف دفاعاً عن الشاعر في المناسبات فيقول: (غير أننا أغفلنا عوامل الدفع الشعوري التي تتغلغل إلى ذات الشاعر فتحرك سكونه، وتخلق له جوًّا يحتاج إليه منذ زمن ليقول شيئاً كان قد أبقاه لم يتح له قوله إلا عندما واتته فرصة لمناسبة أو حدث نسج خيوطه في مخيلته، ومجالي روحه الشاعرة المتوثبة) (13) .
والغريب أن الأستاذ العتيق يرى شاعرنا أنه (لم يستطع أن ينعتق من النمطية التقليدية في شعر شعراء العربية الأوائل وبالخصوص حين يستهل مطالعه بذكر الطلول، ونثر النسيب، والتوجد، والبكائيات، والشكوى من الهجر) (14) . إنني أتحاشى الرد على هذا القول، بل أراه ادعاءً يدفعه كل من يقرأ الديوان.
وإذا كان شعر المناسبات (من الومضات الاجتماعية) (15) ، كما يراه الدكتور محمد بن سعد بن حسين، فهي ومضات فعلاً في (شاطئ اليباب)، أي إنها خفيفة العدد جدًّا، لا تتجاوز ست قصائد بين مجموع قصائد الديوان التي تبلغ إحدى وأربعين قصيدة، والقصائد الست هي: (البكاء بلا دموع، كلمات من دفتر الحزن، لأجل عينيك أغني، حروف مروعة، لمن العيد، وداعاً يا ليل الغربة)، ولذلك فقد جنى اليوم الثقافي لصحيفة اليوم على شاعرنا في (المرثيات التي حفل بها الديوان) (16) بحسب تعبيره، وإن كان يرى في ذلك جنبة إيجابية، إذ (إنها تكتسب بعداً إنسانياً شفَّافاً) بحسب تعبيره أيضاً.
ولماذا ينكر على الشاعر، أي شاعر، الاحتفاء بالمناسبة؟ وكأنهم يطلبون منه الإنسلاخ عن مجتمعه في أفراحه وأتراحه؛ والشاعر، في حقيقته، لا ينفك عن مجتمعه؛ يتفاعل مع أحداثه ومناسباته، معبراً عن فرحه في أنغامه، وعن ترحه في بكائياته، فهو، كما يشير الأستاذ حبيب محمود، (محكوم بمنطق الجزء والكل. يتفاعل لينضمّ إلى كلية المحيط، ويؤثر فيه تراسل المتباينات الاجتماعية)، وهل يعاب على شاعرنا مرثيته في المرحوم الشاعر عبد الواحد الخنيزي؟ وهي في اعتقادي درة الغواص أو قل: هي تبر اليباب. والشعر ـ كما يقول نزار ـ (رقص بالكلمات)، أفلا تطرب وأنت في مجلس العزاء حين تسمع:
كذبٌ ذلك النعيُّ وزور
هل يموت السنا ويذوي العبير؟
أتجفُّ الورود في موسم العط
ر وتغتال في صباها الزهور؟
أصحيح تقصَّف الغصن رطباً
وندى الصبح فوقه منشور؟
قد عرَفناك والرياح رخاء
ومطاف السفين سمحٌ يسير
ومرفُّ الشراع رحبٌ رخيٌّ
ومدفُّ الجناح طيبٌ ونور (17)
ومما تكاد تتضافر عليه عيون الدارسين لشاعرنا المجيد، موضوع الوطن؛ الأرض التي التصق بها الشاعر وامتزج بحناياه تاريخها وتراثها، تليدها وطريفها.
لاحظ الدارسون اهتمام الشاعر بوطنه اهتماماً كبيراً، وهذا ما جعل الأستاذ الشباط يرى أن الغزل لدى السيد عدنان ليس مقتصراً على الغيد الحسان، بل هو امتزاج بين الجسد والأرض، إن له عشقاً من نوع آخر، إنه يتغزل في الوطن أكثر مما يتغزل في المحبوب، ويسوق على ذلك العشق الوطني قصيدة (العودة):
تاروت! جئتك مكدودَ الخطى تعباً
أجرُّ خلفيَ تاريخاً وظلَّ صِبا
وأمتطي سهر العشاق راحلة
إلى شواطيك أطوي الحَزن والسُّهُبا
هربت منك إلى بيداء غربتها
علّي أمدُّ على رمضائها طُنُبا
يممتها وتسوَّلتُ اللهيب سناً
والفحمَ أحسِبه الفيروز واليَشَبا
وكذلك قصيدته (صفوى):
أيا ألَقا ينهل فوق ربى صفوى
إذا ارتبت في أمري فعفو الهوى عفوا
أجيئك مشحوناً بنبض مشاعري
ودفءِ صباباتي وتحسبها دعوى
والأستاذ أحمد الشمر يرى أن الشاعر ملتصق بالبيئة، وهذا الالتصاق يتكرر (18) في عدة محاور في الديوان، ويدلل على ذلك بقصيدة (حبيبتي والأرض) ـ القصيدة الأثيرة إلى نفس قائلها:
حبيبتي، يا هوىً ما زال في كبدي
هوى العناقيد، شوق الصحو في بلدي
عِشقَ الصواري، هُيامَ الموج، صبوتَه
تلهُّفَ الرمل للأنداء، للبرد
أنا هنا، رهن أحزاني تعانقني
رؤى الطفوف، هُتافُ الجدول الغَرِدِ (19)
وفي هذا السياق يقول عبد العزيز بن ثقفان عن غزل الشاعر (يجعل من هذا المكان أو ذاك شخصاً يتغزل به، فيصفه أو يصوره كحبيبة له، والأرض عند الشاعر قد استخدمت كرمز للحبيبة) (20) .
وفي السياق ذاته يرى الدكتور محمد بن سعد بن حسين: (إن الشاعر في قصائده يعيش حبين، حب صاحبته وحب بلاده) (21) .
وكذلك يدلل الأستاذ حبيب محمود على أثر البيئة في ديوان (شاطئ اليباب) استعمال الشاعر مفردات من وحي البيئة مثل (عناقيد، صواري، مرج، رمل، أنداء، ينابيع، سوسن، دالية، سواقي..)، ويؤكد على ذلك حبيب محمود بأن (حوَّاء قد امتزجت بالوطن ـ في نفس الشاعر ـ عاطفة، وإحساساً، وعشقاً) (22) ، ولا أدل على وطنية شاعرنا من قصيدته (أغنية في عرس الدم) التي حيَّا فيها روح التضحية والفداء لدى الفتاة اللبنانية (سناء محيدلي) التي فجَّرت نفسها في عملية فدائية ضد الاحتلال الصهيوني للبنان، يقول فيها:
نثرت شعرك شلالاً من الغضب
زلازلاً تتحدى نخوة العرب
هذي ضفائرك الشقراء تفضحنا
تزيح عنا قناع الزيف والكذب
هل تسمحين إذا جئنا نطرزها
غاراً يكلل هام الأرز باليلب؟
إلى أن يقول:
صبية من صبايا الأرز ما ركبت
متن الخلود على جاه ولا نسب
هبت وطيف رسول اللَّه في هدب
وطيف آل رسول اللَّه في هدب
تلقى الغزاة بقرآن ومسبحة
ومارج من صباها المترف الرطب
وكذلك تتجلى وطنيته في قصيدة (من أرض لبنان) الزاخرة بحبه للوطن العربي الكبير، ثم ماذا عن العنوان (شاطئ اليباب)؟
يعبر عنه حبيب محمود بأنه (عنوان قاتم يجر إلى مخيلة القارئ صوراً متراكمة من الوجد واليأس والأنين) (23) ، وهو لدى الدكتور غازي القصيبي (اسم منكر) ولقد تمنى الدكتور غازي على الشاعر (أن لو استشاره صاحب الديوان في تسمية ديوانه، لكان قد اقترح عليه أن يسميه (خلخال من الرمل)، أو (قصب على نفنوف الحبيبة) أخذاً من قول الشاعر نفسه:
وأجدل الرمل خلخالاً لصاحبتي
أضمُّه ذهباً أصطاده حببا
ألفُّ منه سواراً حول معصمها
أرشُّ منه على نفنوفها قصبا (24)
أما أنا لو سألني الأستاذ الشاعر عنواناً لديوانه لأضفت كلمة واحدة تكون كمثل طغراء فوق العنوان، فيكون العنوان عندئذٍ (تبر على شاطئ اليباب)، معتقداً أن الديوان خليق بهذه الإضافة (تبر) فإن الديوان بحلاوة موسيقاه، وطلاوة معانيه وصوره هو تبر في ميدانه، ثم إن اليباب إذا نخل يظهر تبره من ترابه، وينفصل نفيسه عن خسيسه.
ولديَّ ظن قوي بأن الشاعر قد تأثر كثيراً بعنوان قصيدة للشاعر الإنجليزي توماس إليوت (The Wate Land) التي يترجمها بعضهم بـ (أرض اليباب)، وقيل (أرض الخراب) وقيل (أرض البوار)، هذا مع وجود التباين بين الشاعر في المدرسة والنمط البنائي للقصيدة، فشاعرنا العربي السيد عدنان غير شاعرهم الإنجليزي (مستر) إليوت.
شاطئ اليباب عنوان لا يدل على مضمونه، فبقدر ما هو قاتم أو منكر، يوحي بما يوحي به من تصورات خسيسة؛ فإن المضمون ـ وأنت في غمرته ـ ينقلك إلى الصور النفيسة، والمعاني الدقيقة، والألفاظ الرقيقة. العنوان لا يدل على شاعر مبدع، والمضمون هو دليلك إلى الشاعرية الفذّة المحلقة في آفاق عبقريتها، فالشاعر يكون كمن بنى قصراً جميلاً، واتخذ له سوراً وباباً من سعف النخل، أو سقاطات الأخشاب، وإذا أردت الاعتذار عن شاعرنا المبدع، فإن أسوار الحدائق الغنّاء لا تعبر عادة عما في داخلها من مناظر خلابة.
الأستاذ عدنان العوامي خُلِق شاعراً، فشعره دليل عليه وعلى ما أزعم. فقد بدأ حياته الأدبية ناثراً في كتابة المقالة والقصة المسرحية، ثم تحوَّل عنهما إلى الشعر حتى أصدر ديوان (شاطئ اليباب)، وله شعر آخر قد لا يقل عن حجم هذا الديوان، نأمل أن لا يبقى مطويًّا طويلاً من الزمن.
له جهود ملحوظة في كتابات تاريخية، نشر بعضها في مجلة (الواحة) التي تصدر في لبنان، وله اهتمام بالبحث يتجلى هذا الاهتمام بتحقيق ديوان أبي البحر الشيخ جعفر الخطي، وهو الآن معد إعداداً نهائيًّا للإصدار. نأمل أن لا يظل مطويًّا أيضاً بعد أن بذل فيه مؤلفه جهوداً مضنية.
ومن الجهود المضنية لشاعرنا الكبير جمع ونشر ديوان (بقايا الرماد) للشاعر المرحوم عبد الوهاب حسن المهدي، فبعد الحريق الرهيب الذي التهم بيت الشاعر المرحوم عبد الوهاب؛ واستشهد فيه الشاعر وكل أفراد أسرته؛ قام صديقه شاعرنا السيد عدنان بلملمة الأوراق والجذاذات التي استنقذها من ألسنة اللهب وسخام الدخان، وشواظ الجمر؛ لملم كل ما استطاع إليه وصولاً، وعانى في ذلك ما عانى، حتى أصدره في هذا الديوان المذكور، وهو عنوان يبدو أنه استوحاه من الحادث، وهو شبيه بـ (أربعاء الرماد Ash Wednesday) لتوماس إليوت أيضاً.
لديه كذلك مجموعة أخرى من شعر المرحوم توافرت لديه من قبل أصدقاء الفقيد ومعارفه، نرجو أن يوفق لإصدارها في ديوان آخر. وما يضاف إلى نشاطه الأدبي مشاركته في الإشراف على بعض أبواب مجلة الواحة السالفة الذكر.
ومما يمكن أن يعد عملاً أدبياً نشاطه في كتاب (ذكرى الأستاذ المرحوم محمد سعيد المسلم)؛ فلقد تحمل العبء الكبير في إعداد الكتاب الذي أسندت مهمته إلى لجنة أدبية، شاعرنا أحد أعضائها.
الأستاذ العوامي من مواليد 1357هـ استقبلت ميلاده قرية التوبي الصغيرة، التي استقبلت قبله ميلاد شاعر فذ، هو أبو البحر الخطي، الذي ظهر فيها شاعراً فخماً في الربع الأخير من القرن العاشر الهجري، وكأنَّ هذه القرية الصغيرة تفرز كبار الشعراء، إنها تربة خصبة أنبتت الكلم النابض، واللفظ المشع، والمعاني الأبكار، أنبتت الشعر كما أنبتت الأزهار والياسمين، وكما تنبت الصحراء أشجار الخزامى والعرار.
عاش شاعرنا في قريته فترة صباه، أفاد فيها من دراسته في الكُتَّاب حيث تعلم فيه القرآن الكريم، ومبادئ القراءة والكتابة، وشيئاً من علم الحساب. في سن شبابه تركت العائلة قريتها وبصحبتها فتاها الشاب الذي كان يحمل بين جنبيه طموحاً كبيراً، وفكراً حصيفاً، ولعلّه لا يدري وهو في ميعة الصبا ولدونة الشباب أن في شخصه شاعراً فذًّا ينتظر الزمان الذي يبرز فيه، والمكان الذي يقف عليه. والإنسان ابن بيئته ونتاج مجتمعه، يتأثر منه، ويؤثر فيه، إيجاباً أو سلباً، صعوداً أو هبوطاً. وشاعرنا المبدع السيد عدنان بن السيد محمد ابن السيد محفوظ العوامي، هجر هدوء القرية لينغمر في صخب المدينة. ذلك الصخب النسبي، هو الذي فلق النفس الشاعرة، وبذر فيها حبات الموهبة النادرة؛ إذ تهيَّأت له التربة الخصبة، والمناخ المناسب. فمن خلطاء وأصحاب فلاحين وأميين ودَّعهم في قريته الصغيرة، إلى خلطاء وأصحاب يصدرون عن ثقافات متنوعة، فأفاد منهم، ومن مجالسهم التي كانت ـ في حقيقتها ـ منتديات أدبية.
أخص منها البيت الذي انتهى بالمأساة الأليمة: بيت صديقنا المرحوم عبد الوهاب حسن المهدي. كان ذلك البيت، بتواضعه الجمّ، مثابةً لأصدقاء الشاعر المرحوم وجلُّهم إما شاعر وإما كاتب وإما قارئ وإما محاول في شحذ موهبة لديه. كان ذلك البيت صالوناً أدبيًّا بمريديه ومكتبته الصغيرة، كان شاعرنا العوامي أحد المريدين لذلك البيت الأدبي. استفاد منه كثيراً حيث بدأت موهبته صغيرة تحبو في فناء ذلك البيت، على قدم من النثر أوَّلاً، ثم اجتازها إلى ساق من الشعر ميزت شخصيته الأدبية حتى تشكلت هذه الشخصية في قالبها الشعري الذي ميزه شاعراً متفرداً بين غيره من الشعراء. يشير شاعرنا إلى هذا المعنى في مرثيته لصاحب المنزل (كلمات من دفتر الحزن):
فمن بعد عينيك يا شاعري
يهذّب شعري ويصلح نثري؟
وبيتك في زهوة العنفوان
حديقة وردي، ومشتل زهري
فعكف صاحبها على رعايتها زرعاً وسقياً: زرعاً بالدرس، وإن كان هذا لم يتجاوز المرحلة الابتدائية، وسقياً بالثقافة الذاتية، وهذه ذات مدى طويل، استطاع شاعرنا في ثناياه أن يستوعب ما قرأ من شعر ونثر، ومن مذاهب أدبية، وأساليب متنوعة، وفي عصور مختلفة، وإن كان جل عنايته بأدب العصر الحديث. فعشق فيه المدرسة الرومانسية وإن كان الشاعر لا يعترف ـ بحسب زعمه ـ بالمدارس الأدبية، وإن كان الأمر كما يزعم فقد دخل المدرسة الرومانسية من إحدى نوافذها، أو من خلال كوة في بنائها الخلاب، وإلاّ ما سر اقترابه من ديباجة سعيد عقل ونزار قباني وأمين نخلة وعمر أبو ريشة وعبد الله البردوني وبدوي الجبل وحمزة شحاته وإيليا أبو ماضي؛ كما يراه الدكتور غازي القصيبي والأستاذ رشدان العتيق؟! فشاعرنا في ـ رأي دارسيه ـ رومانسي أصيل، وإن كان لا يعترف ـ كما تقدم ـ بالمدارس الأدبية.
الأستاذ عدنان (شاعر وفنان) (25) كما يراه الأستاذ سعود الفرج، فهو يرسم بالكلمات لوحات أنيقة، بديعة. فكل قصيدة هي لوحة جميلة متناسقة الألوان والظلال. من يقرأ شعره لا يتصوَّر أنه ابن قرية كانت تستطعم الزهيد من العيش وتستسقي مياه العيون الجوفية، وتفترش الكفاف من البسط والأثاث؛ بل يتصور أنَّه ابن مدينة كبيرة مترفة ينفتح فيها على الثقافات الحرة، والتيارات الأدبية الزاخرة. يتصور أنه يعيش في شوارع باريس، ويتنفس هواء حدائق (الأليزيه) كما قرظه بهذا ـ في بعض مجالسه الأدبية ـ سماحة العلامة الشيخ عبد الحميد الخطي (حفظه الله)، ويتصور أنه خريج معهد السوربون، أو مدرسة في أكسفورد، أو جامعة في عروس أمريكا (كاليفورنيا). هذا الشعر الأنيق هو شعر من لم يتصل بالآداب الغربية اتصالاً لغوياً مباشراً، فهو لا يقرأ في اللغات الأوروبية. إنه ملم باللغة الإنجليزية، ولا أدري إذا كانت لغته هذه ترتفع به إلى مستوى النصوص الأدبية أم لا ترتفع؟ ونحن نعرف سيرة حياة اللامعين من شعرائنا وأدبائنا، كجماعة الديوان: (عباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني، وعبد الرحمن شكري)، وجماعة أبوللو: (أحمد زكي أبو شادي، وخليل مطران، وإبراهيم ناجي، وعلي محمود طه)، وشعراء المهجر، وهم كثر، وسواهم. كل هؤلاء إنما أبدعوا في الديباجة الشعرية وجددوا في بنات أفكارهم بسبب ما كانوا يتمتعون به من انفتاح فكري، وما يحيطون به من لغات أجنبية قد تتعدد عند بعضهم إلى غير لغة واحدة، فلو عاش شاعرنا فيما عاش فيه هؤلاء من أجواء لغوية، وآفاق أدبية لبذَّ كثيراً منهم.
بقي أن أقول: إنني أحمد الله لهذا الشاعر المبدع أنه لم ينح نحو شعرائنا الحداثيين، ولو نحا نحوهم، أو هام في أوديتهم لفقدناه شاعراً قديراً، وخسرنا فيه طاقته الإبداعية التي يفتقدها الكثيرون من الحداثيين.
أتمنَّى لشاعرنا طول المسيرة الشعرية التي أخشى أن تتأثر بجهوده الأخيرة في المقالة والبحث. فالشاعر أديب، والباحث عالم، وعدنان خلق شاعراً، وأرجو أن يبقى كذلك.
عريف الحفل: شكراً للأستاذ محمد رضي الشماسي ونرجو أن نذكر أيضاً بضرورة التقليل بالحديث في حدود خمس دقائق حتى نتيح الفرصة لبقية المتحدثين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2655  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 141 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج