شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور بكري شيخ أمين))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه الأكرم، أصحاب الفضيلة والسماحة العلماء والأدباء الكرام، حضرات السيدات والسادة، اسمحوا لي في مطلع كلمتي هذه أن أرفع آيات الشكر والاحترام إلى صاحب السعادة الشيخ عبد المقصود لإدراجي مع جمهرة العلماء والأدباء في قوائم تكريمه لهم والاحتفاء بهم في اثنينية زاهرة مقمرة، الرائع في هذا الرجل الكريم المفضال، أنه لم يقصر احتفالاته على فضلاء بلده في المملكة العربية السعودية وحدها ولا بكرام العلماء في الخليج العربي دون سواه وإنما انداح فضله وتكريمه لبعض أبناء البلاد العربية من المحيط إلى الخليج غير مفرق بين بلد وبلد ومذهب ومذهب وجنس وجنس ولون ولون لم يقصر احتفاءه على لفيف من الفضلاء في أمسيات ساطعات فحسب، وإنما كان يجمع التكريم في غالب الأحيان بطبع إنتاج بعض المحتفى بهم وجعله ميسراً لكل شداة الأدب الهادف والأسلوب الرائع والأفكار الراقية والسامية، يا أيها الرجل الكبير الرائد، إن هذا العمل الذي تنهض به لم أره في سواك في كل العالم العربي طوال حياتي وأعتقد أنا وغيري لن نرى سواك ينهض بهذا العلم الجديد في قرون وقرون ولأن وهبك الله سعة في الرزق والمال والجاه لقد وهبك معها قلباً كبيراً وإيماناً أكبر ووطنية عز نظيرها وإيثاراً عديم المثال فسخرت ما تملك للعلم والأدب والدين وخدمة كل وطني ومخلص وعالم ومؤمن وغيور في العالم الإسلامي الكبير فباسمي واسم العلماء والأدباء في الوطن العربي وفي العالم الإسلامي أرفع إلى مقامك الكبير آيات الشكر والعرفان الكبير، أسأل الله العلي القدير أن يرفع مقامك في جنات النعيم كما رفعه في الحياة الدنيا إنه سميع قريب مجيب.
أيها السادة والسيدات الأفاضل..
لأن درجت احتفالات الاثنينية على الطلب من المكرم فيها أن يستعرض بعض المعالم الكبرى المميزة في حياته في تلك الأمسية البهيجة فإن من الصعب جداً أن أتحدث عن نفسي في مثل هذا الموقف لخشيتي من استثمان ذي ورم وبساطة البضاعة التي أملكها ومع ذلك فالامثتال للأمر طاعة وواجب أدبي وأخلاقي وها أنا ذا أعرض بضاعتي.. وأركز على قضايا تتصل بالتربية والتوجيه والثقافة حتى نتبادل التجارب والآراء ويستفيد بعضنا من تجارب بعض بغية النهوض بالتعليم بوجه عام والجامعي بوجه خاص، إخوتي الكرام ألخص حديثي كله في ثلاث نقاط، النقطة الأولى في كلية الآداب في جامعة حلب، والنقطة الثانية في حديثي عن كتاب الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية، الحديث الثالث التأليف العلمي الأكاديمي، النقطة الأولى في كلية الآداب في جامعة حلب، أنشئت كلية الآداب في حلب في العقد الثالث من القرن الماضي باسم كلية اللغات وكانت مقتصرة على تعليم اللغة العربية والفرنسية والإنجليزية ومع الزمن.. تحول اسمها إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية، كنا أربعة أساتذة في قسم اللغة العربية لم يكن عندنا غير صف واحد، هو طلاب السنة الأولى، وفي نهاية العام الدراسي انتقل من نجح إلى صف أعلى فافتتحنا الصف الثاني وهكذا إلى أن تكاملت الصفوف وهنا أود أن أشير إلى أن هؤلاء الأساتذة الأربعة كانوا يتقاسمون الدروس جميعاً في فترة التأسيس وكثيراً ما يتحمل أحدهم ما يزيد على عشرين ساعة جامعية من التدريس في الأسبوع الواحد متنقلاً من مادة إلى مادة ومن مستوى إلى آخر لا يسأل عن مال ولا عن تعويض ولا عن تعب ولا عن إرهاق إنما غايته أن يرضي الله أولاً وحب الوطن ثانياً والمثل الأعلى الذي يحمله بين جنبه، لذلك مثلاً كانت المواد التي نهضت بها في فترة التأسيس الأدب الجاهلي، القرآن الكريم، الحديث النبوي الشريف، البلاغة العربية بفنونها الثلاثة، الحضارة، الأدب المملوكي العثماني، وفن الكتابة، وواجهت مشكلتين في كلية الآداب، المشكلة الأولى كنت أدرس الأدب الجاهلي في السنة الأولى، وجاءت السنة الثانية فرغبت في تدريس مادتي القرآن الكريم والحديث النبوي، فاعترض كثير من المسؤولين في إدارة الجامعة على هاتين المادتين بحجة أن مكانهما في كلية الشريعة لا في كلية الآداب، ووقفت في وجه المعترضين في الكلية وفي رئاسة الجامعة وفي الوزارة نفسها وذكرت أننا ندرس أدب من هب ودب في العصر الجاهلي، من شعر ونثر فنحن ندرس حكم ابن صيفي وندرس خطب قس بن ساعدة الأيادي وندرس شعر الصعاليك وغير الصعاليك ونعدها أدباً، ثم إننا ندرس الأدب في العصر الإسلامي، شعر حسان بن ثابت وخطب علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، والخوارج وشعر الغزليين وغير الغزليين من عذريين وغير عذريين، والنقائض وأصحابها ونبين تأثرها بالقرآن الكريم أو بالحديث النبوي أو بالروح الإسلامي وقربها أو بعدها منها، أمن المعقول أن ندرس كل هذا ونهمل تدريس القرآن الكريم وحديث النبي الكريم وهما منبع الأسلوب الرفيع والتصوير البديع والتعبير الفني والمثل المحبوب والاستعارات المدهشة والكنايات المعجزات والقصص الرائعة وهي كلها أعمدة الأدب وأصل التعبير الفني الجميل وغاية كليات الآداب في العالم كله، أما كلية الشريعة فتهتم ببحث الحلال والحرام والتشريع والتنظيم ودراسة أسانيد الحديث ومتونها والفقه وأصوله، والمذاهب وأدلتها. إن طريق كلية الآداب يختلف عن طريق كلية الشريعة، وقد شاء الله أن يقتنع المعارضون ويرضخوا لتدريس هاتين المادتين في كلية الآداب فكلفت بهما وألفت كتابين لتحقيق ما قلت، وأسميتهما التعبير الفني في القرآن الكريم، وأدب الحديث النبوي، وطُبع الكتابان وقبل العلماء هذا الاتجاه وبارك الله فيهما فانتشر الكتابان في معظم الأقطار العربية حتى إن المملكة العربية السعودية أخذتهما ووزعتهما على سائر مدارس المملكة من ابتدائية وثانوية، ولا تزال مادة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف تأخذ حظها وجمالها في كلية الآداب إلى هذه الساعة، المشكلة الثانية كان من المقرر أن أدرس أدب الانحطاط في السنة الرابعة وخشيت أن يصدق علي ما يروج بعض الناس من أن من يدرس الفرنسية يتطبع بطبع الفرنسيين من رقة وأناقة، ومن يدرس الأدب الألماني تكون له خشونة الألمان وقوَّتهم، ومن يدرس الأدب العبري، يتطبع بطبع اليهود وخستهم ونذالتهم ويكون له سمتهم وخبثهم، ومن يدرس أدب الانحطاط يتأثر بانحطاطهم وتفاهتهم، ثم إن وصفنا الأدب بالانحطاط، في العصور المتأخرة حكم، وهذا الحكم يحتاج إلى دليل وبرهان قاطع، أما أن نحكم على أي أدب قبل أن ندرسه دراسة علمية رصينة فأمر غير مقبول، فتشت عن أصل هذه التسمية، فلم أجد أحداً من أسلافنا القدماء قال بها، وإنما ابتدعها مستشرق ألماني حافظ، كان يحقد على الإسلام والعرب وتلقف التسمية جورجي زيدان الذي حور كثيراً من حواديث التاريخ العربي والإسلامي إلى روايات ماجنة وسلب أجمل ما يفتخر به المسلمون وهو الفتوى والجهاد في سبيل الله من ذلك مثلاً جعل فتح الأندلس على يد عبد الرحمن الغافقي أن كان سببه لحاق هذا المجاهد العظيم لنصرانية شقراء من بلد إلى بلد، حتى وصلت إلى بواتيه إلى فرنسا وفيها تم قتله على حد تعبيره، كما جعل العباسة أخت هارون الرشيد تفعل مع محبها البرمكي مثلما تفعله بنات الهوى وهكذا، وعصر الانحطاط يبدأ من نهاية العصر الأيوبي وينتهي بمطالع عصر النهضة في العصر الحديث، أو بزمن دخول نابوليون بونابرت أرض مصر، وبعبارة أخرى هو عصر يمتد حوالى سبعة قرون على وجه التقريب. إن عصراً قاوم جحافل الغرب من الفرنجة الصليبيين الذين تحكموا حيناً من الدهر في هذا الشرق العربي وردَّ الوثنية التي جاءت على سيوف التتار والمغول وأعاد بناء المكتبة العربية والإسلامية التي احترقت بمصيبتي الصليبيين وحريق الكتب في بغداد وعوضها بمجلدات وكتب عربية وإسلامية مشرقة أعادت إلى النفس العربية الإسلامية عزتها وثقتها لا يمكن أن يكون عصر انحطاط، أنا لا أريد أن أقول إن هذا العصر يشبه في عظمته العصر العباسي ولا العصر الأموي ولا أريد أن أصفه بعصر الإبداع والاختراع، وإنما أعترف أن فيه أدباً مفعماً بالمحسنات البديعية وأن ما فيه من فكر ومعان وأساليب مشرقة كان شحيحاً وقليلاً ولئن صح ما وصف به كثير من أدب هذا العصر من ضعف إنه لا يصح في نتاج العصر كله فقد كان من رجاله ابن تيمية وابن الجوزي وابن القيم وابن خلدون والسيوطي وابن الفارض وابن عربي والقلقشندي والنويري والعمري والسرخسي وابن منظور وآلاف غيرهم، إن عصراً فيه بعض من هؤلاء حرام أن يكون عصر انحطاط وإنه لأولى بنا أن نسميه كما سمينا سواه من العصور السابقة، فننسبه إلى الأسرة الحاكمة أو ننسبه إلى المنطقة الجغرافية، قلنا عصراً أموياً فنسبناه إلى الأسرة، العصر العباسي العصر الأيوبي ونسبنا إلى الأندلس العصر الأندلسي، فلماذا لا ننسب أدب هذا العصر إلى الحكام الذين سادوا فحكموا فنقول أدب مملوكي وأدب عثماني فنتخلص من كلمة انحطاط، وقبلت الكلية هذا الاقتراح وسمينا أدبه بالأدب المملوكي والعثماني وشاء الله أن تقبل هذه التسمية في جميع أرجاء العالم العربي وغابت كلمة الانحطاط إلى الأبد، وكلمة العصور أي الدول المتتابعة، تلك هي كلمة موجزة عن كلية الآداب.
نأتي إلى كتاب الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية، انتسبت إلى جامعة ليون في فرنسا فحولتني إلى فرعها في جامعة بيروت المسمى معهد الآداب الشرقية فاقترح مديرها الفرنسي الأب آلار وأساتذتها علي فقال: إذا كنت مصراً على الدراسة باللغة العربية، أن تأخذ موضوع الأدب السعودي قائلين، إن أدب مصر والسودان وسوريا ولبنان والعراق واليمن مدروسة كلها أكاديمياً أما الأرض التي نشأت فيها اللغة العربية وازدهرت وفاضت على الدنيا شعراً ونثراً فلسنا نعرف عنها بعد الحكم الجاهلي إلا أخباراً قليلة متفرقة وتكاد تكون الجزيرة العربية مجهولة الأدب لدى العرب جميعاً، كما قالوا إن عدداً من الطلاب سجل هذا الموضوع حيناً من الزمن ثم انسحبوا وقبلت الموضوع، وسجلته رسمياً عام 1965م، عين لي المعهد الدكتور جبور عبد النور مشرفاً على عملي، وسمح لي أن أسافر وأعمل في المملكة العربية السعودية وأجمع مفردات موضوعي وأراجع أستاذي أيام العطل وفي أشهر الصيف وأكتب إليه عن كل ما يعترضني، وفعلاً جئت إلى المملكة العربية السعودية وعملت أستاذاً في كليتي اللغة العربية والشريعة بالرياض، وكانت مفاجأتي كبيرة عندما عرفت أن ليس من مصادر لموضوعي سوى كتب قليلة كان على رأسها كتاب للأستاذ عبد الله عبد الجبار وهو كتاب ممتاز ومحاضرة جد قصيرة للدكتور طه حسين ألقاها عام 1930م وكتاب صغير عن الأدب الحجازي وبعض المجموعات الشعرية لشعراء معاصرين وموسوعتان مختصرتان كل الاختصار عن بعض الأدباء النجديين والحجازيين وفيهما غير قليل من المجاملات، وعدد ممتاز من مجلة المنهل الأدبية بمناسبة مرور ربع قرن على صدورها، بدأت أعمل وأجمع لكني في هذا المساء، إن نسيت شيئاً فلن أنسى مساعدة رئيس رعاية الشباب يومذاك سمو الأمير خالد الفيصل فلقد قدمني إلى كثير من الأدباء والعلماء الذين كانوا يؤمون دارته في أمسية كل أربعاء لحضور ندوته الأدبية ودعاهم إلى مساعدتي في ما أسعى إليه، زرت عدداً من الكتاب والشعراء في بيوتهم أو في مكاتبهم وأذكر منهم الشيوخ والأساتذة محمد سرور الصبان وعبد الله بن خميس ومحمد سعيد العمودي وحسن عبد الله القرشي وعبد القدوس الأنصاري ومحمد حسن فقي وفؤاد شاكر وأحمد عبد الغفور العطار وأحمد قنديل وطاهر زمخشري وحمد الجاسر وحسين سرحان ومحمد حامد الرميح وعبد الكريم الجهيمان وسعد البواردي ومحمد حسين زيدان وغالب حمزة أبو الفرج وكثيرين آخرين.. كذلك زرت مفتي المملكة العربية السعودية المرحوم الشيخ محمد بن إبراهيم في منزله بالرياض وعرضت عليه ما كتبت عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب المسماة بالدعوة السلفية لأن أدباء المملكة متأثرون بهذه الدعوة وكثيراً ما يصدرون عنها ولا بد من بيانها لقارئ هذه الرسالة ومعرفة ما لها وما عليها ورجوته أن يبين لي خطئي أو صوابي ولا سيما أني قلت له سيدي إني أدرس في جامعة غير عربية وغير إسلامية وأخشى أن أسيء إلى الدعوة من حيث لا أدري، طلب مني أن أترك أوراقي أسبوعاً فأعود إليه وعدت إليه في الأسبوع الثاني فشكرني كل الشكر وقال لي صحيح ما ذهبت إليه وأنا أوافق كل الموافقة ودعا الله لي الدعاء الكثير، وفي بيروت طلبت الجامعة اليسوعية من الجامعة الأمريكية أن تساعدني في عطلة الصيف، فأعانتني الجامعة الأمريكية إذ وضعت أمامي جميع أعداد جريدة القبلة التي كان يصدرها الشريف حسين وفيها الشيء الكثير من الشعر والمقالات والتحليلات وصورت لي ما صدر من أعداد مجلة المنهل.
وفي مطلع العقد السابع من القرن الماضي وبعد أن بلغ عدد البطاقات التي سجلتها للموضوع أربعة وعشرين ألف بطاقة أذن لي أستاذي المشرف في معهد الآداب الشرقية بالمناقشة، تألفت اللجنة من أساتذة فرنسيين وعرب وانتهت المناقشة بعد ست ساعات وقررت منحي الرسالة درجة دكتوراه الدولة مع مرتبة الشرف الأولى وأوصت بطبعها ومبادلاتها مع الجامعات العالمية. المفاجأة الكبرى أيها السادة أن الكتاب منع دخوله إلى المملكة العربية السعودية، حاولت أن أعرف سبب المنع واتصلت بمختلف الجهات الرسمية اتصلت بوزارة الإعلام فلم يرد علي أحد، اتصلت بوزارة الداخلية لم يرد علي أحد، حرت في أمري يئست لجأت إلى أمر آخر، جمعت خمس نسخ وأرسلتها في الحقيبة الدبلوماسية من بيروت إلى جلالة الملك فيصل وشكوت إليه منع الكتاب وطلبت من جلالته أن أعرف المكان الذي أخطأت فيه وأعرف السبب وأعرف أين أسأت، علماً أني لم أمدح أحداً ولم أهجُ أحداً، وكنت محايداً كما قلت له في كل صغيرة وكبيرة واجتهدت يا سيدي ما وسعني الاجتهاد وأرفقت به الشكوى وذهبت إليه ووصلت تسلم جلالته النسخ وألقى بين يديه واحدة، وشكل لجنة لقراءة الكتاب وتقديم تقرير عنه، بعد فترة عيَّنها، كانت اللجنة مؤلفة من أصحاب المعالي الشيخ حسن عبد الله آل الشيخ والدكتور معروف الدواليبي والدكتور رشاد فرعون رحمهم الله جميعاً، وأخبرني فؤاد شاكر رحمة الله عليه أنه دخل على جلالته فرأى كتاب الحركة الأدبية ورأى ورقة في منتصفه كأنها إشارة إلى المكان الذي وصل إليه، جاء التقرير بعد حين من الزمن في مصلحة الكتاب ووصفه بأنه كتاب علمي وموضوعي يقول الحق من وجهة نظر صاحبه، وليس لهم علاقة، سألهم جلالة الملك أسئلة معينة، هل هذا يبشر بشيء خارجي على خلاف سياسة المملكة فقيل ليس له علاقة بنظام الحكم ولا يبشر أو ينفر من جماعة، أو حزب أو فكرة أو مبدأ، وربما كان من أسباب منعه صراحة مؤلفه الكبيرة ونقده لبعض المؤسسات والكتَّاب والشعراء والصحفيين، فأمر جلالته بأن يسمح بدخول الكتاب وأن يرد عليه من كان ذا حق وقال نحن شعب نصيب ونخطئ لنا حسناتنا ولنا سيئاتنا ودخل الكتاب من الباب العريض وبدأت الصحافة والإذاعة تنشر مقالات ضد الكتاب وصاحبه حتى إنها لتبيح بعض المقالات الناقدة سلخ جلده عن عظمه وبألفاظ لا يرضاها النقد الموضوعي وتنشر في اليوم التالي مقالات مضادة وتضع على رأسه الأكاليل والزهور وظلت هذه المناقشات زمناً طويلاً ودخل الكتاب إلى كل بيت وأخذه كل مهتم بالأدب السعودي كما أخذت وزارة المعارف أكثر من خمسة آلاف نسخة وزعتها على جميع مكتبات المملكة، وجاء جلالة الفيصل إلى بيروت وكنت في استقباله قال لي بالحرف الواحد، يا بكري أهديت المملكة تاريخها الأدبي، وكانت هذه العبارة وساماً على صدري لا أزال أفخر بها وأدين، والحمد لله أرفع شكري أن كثيراً من أساتذة الدراسات العليا في الجامعات في هذه الأرض الطيبة تفضلوا فجعلوا بعض موضوعات الكتاب عنواناً لرسائل طلابهم في الماجستير والدكتوراه يوسعون المجمل ويصححون ما شذ عن الصواب، ويعدلون ما يستحق التعديل. النقطة الثالثة التأليف العلمي الأكاديمي أيها السادة الكرام أيتها السيدات الكريمات قرأت في كتاب صفوة الصفوة لابن الجوزي كلمة يقول فيها إني رأيت أن من الرأي القويم أن نفع التصانيف ويقصد تأليف الكتب أكثر من نفع التعليم والمشافهة لأني والقول لابن الجوزي أشافه في عمري عدداً من المتعلمين وأشافه بتصنيفي خلقاً لا يحصون وما خلقوا بعد ودليل هذا أن انتفاع الناس بتصانيف المتقدمين أكثر من انتفاعهم بمشايخهم أعجبني هذا القول إلى حد بعيد، إن القرآن الكريم سجل أول مرة على العسب واللخاف والرقاع والكرانيب والأقتام والقطع الأبيب وعظام الأكتاف كي لا يضيع، ثم جمع في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في مصحف واحد، وحين تولى سيدنا عثمان رضي الله عنه، نسخ من مصحف أبي بكر عدة نسخ ووزعها في الآفاق ولولا هذا التسجيل لضاع القرآن الكريم مع حفظته بموتهم أو باستشهادهم في المعارك والفتوحات وصحيح لولا رواة الحديث وجمعهم كلام الرسول الكريم ولولا رواة الجيل الشعري والإسلام واللغة وكلام العرب وتسجيلهم ما جمعوه، في كتب ومصنفات لضاع التراث بل ضاعت معالم الحضارة العربية من أولها إلى آخرها، وتدخل المكتبة العربية اليوم فترى آلافاً مؤلفة من المصنفات الرائعة في مختلف العلوم والفنون تركها لنا آباؤنا وأجدادنا ومازلنا نقرؤها ونستفيد منها وننتفع منها كما انتفع القدماء وستبقى كتباً مفيدة ونافعة من بعدنا إلى أن تقوم الساعة، إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث وعدد منها العمل الذي ينتفع به، ونعتقد أن مصنفي تلك المؤلفات تزيد حسناتهم وتتراكم أعمالهم الصالحة والمقبولة عند الله وتسجل في صفحاتهم على الدوام، إلى يوم القيامة، طالما فتح قارئ كتبهم وأفاد من علومهم، لقد حفزني وشجعني ابن الجوزي على أن أسلك نفسي مع المصنفين وأنضم إلى قائمة الذين كتبوا ما يستفاد منه، فأكتب ما يفيد طلابي وطالباتي في العلوم التي أتقنها وأقدر على شرحها وتبسيطها وإيصالها إلى أفهامهم وعقولهم وأيسرها للنشر والذيوع حتى تقرأها الأجيال من بعدي، ليستمر عملي يزيد ويتراكم، لطالما قرأها قارئ وأفاد منها باحث وبهذا أكون قد أصبت عصفورين بحجر واحد، في الحالة الأولى درست طلابي وأفدتهم وأمتعتهم وقمت بواجبي تجاههم إبان حياتي، وفي الحالة الثانية سجلت دروسي وعلومي في كتاب وعملت في كتب وعملت على طبعها ونشرها لتكون أثراً مفيداً لغير الذين يحضرون دروسي ولتكون أثراً مقروءاً بعد رحيلي، قلت في نفسي حباني الله ما حباني بفضله وكرمه فيسَّر لي إتقان بعض العلوم والفنون ومكنني من أن أدرسها دروساً علمية حبيبة مقبولة محبوبة عند الطلاب، ثم لماذا لا أكتبها بعد أن تدرس وبعد أن أعرف ما فيها من.. ومما يحبون ومما يبقى في أذهانهم ومما لا يبقى فأسجلها وتكون أثراً من بعدي، حاولت هذا في مادة البلاغة التي تخصصت فيها وكتبتها في سلسلة البلاغة العربية في ثوبها الحديث، حاولت أن أجعل فيها كل ما يسر، كل ما يبهج، كل ما يفرح الشباب الطلاب الدارسين، واتخذت الأمثلة مما يعيش فيه الطلاب وفيه الشباب وفيه الناس ومن الأسئلة الحية الرائعة المقبولة، طبعت تلك السلسلة ونشرتها وإذا هي تنتشر وتذهب يميناً ويساراً، قلت في نفسي أنت صادق يا بن الجوزي، إني رأيت أن من الرأي القويم أن نفع التصانيف أكثر من نفع المشافهة والتعليم، لأني أشافه عدداً من الطلاب أقرر عليهم الدرس، فإذا ما انتهى الدرس ذهب الطلاب ونسي الدرس وجاء طلاب آخرون، وما أنا أدرسهم ولا غيري يدرسهم فماذا أفعل؟ إني إن سجلت هذا في كتاب فسيقرؤه الطلاب والناس في هذه الأيام وبعدي وفي هذا البلد وفي غيره، حدثت معي حادثة تحقيق ما قال ابن الجوزي، دعيت مرة إلى الجنادرية في التسعينات وفي يوم من الأيام قرع جرس هاتفي في الفندق وإذا بصوت نسائي يسألني: قالت أنت فلان قلت نعم، قالت هل يمكن أن أراك في صالة الفندق قلت نعم، بعد دقيقة قالت انتبه إن لون حجابي كذا، نزلت ورأيتها جلست فقالت لي: أنا الدكتورة فلانة أنا أستاذة في جامعة شنقيط في موريتانيا أنا أدرس كتبك البلاغية منذ ثلاث سنوات رأيت اسمك في قائمة المدعويين فأحببت أن أتعرف إليك وأقدم لك شكري واحترام طلابي واحترامنا جميعاً، شكرت الله على هذا وترحمت على ابن الجوزي الذي علمنا هذا الطريق، أيها السيدات والسادة الكرام إن فرحي بفتح خط في النقد الإسلامي لا يقل في كتاب قراءات نقدية في كتب سعودية، لا يقل عن فرحي بسلسلة البلاغة ولا بالكتاب الذي حللت فيه أسلوب ذلك الرجل الذي تحدث عنه أخونا الدكتور جميل مغربي، الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، ولا بالتحقيق الذي صار يدرس في كثير من مدارسنا باسم بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وعليها، أسأل الله أن يقبل هذه الأعمال المتواضعة وذلك التعليم المخلص الذي أخلصت فيه مدى حياتي كلها وفي البلاد التي عملت في ظلالها وأكلت من خيراتها إنه خير مسؤول وأكرم من استجاب ولبى.
وأنت يا سيدي يا أيها الرجل المفضال يا عبد المقصود أسأل الله أن يزيدك فضلاً وكرماً ونوراً ويعلي قدرك في الآخرة كما أعلاه ورفعه في الحياة الدنيا، ويمدك بآلاف الصحة والعافية ويطيل عمرك في الصالحات أبداً على الدوام، ويحفظ المملكة العربية السعودية التي ولدت فيها وكنت بعض صورتها ومجدها وسموها، إنه سميع قريب مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: سنفتح باب الحوار إن شاء الله مع سعادة الضيف، لم يتبقّ لدينا من الوقت الكثير، والأسئلة كثيرة، والأخت الكاتبة ذكرى حاج حسين تقول إن لديها كليمة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :683  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 133 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج