((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك، سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. |
الأستاذات الفضليات، الأساتذة الأكارم، |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
يسعدني أن يتجدد اللقاء عبر بوابة الأدب التي نسعى من خلالها لنتفيأ رحاب الكلمة وسط هجير الحياة وما تبثه من سموم وهموم.. يحمل غيمة الأدب هذا المساء أديبنا الكبير الأستاذ الدكتور بكري شيخ أمين، قادماً من حلب ((الشهباء)) خصيصاً لنحتفي به تكريماً وتقديراً لمشواره الطويل في خدمة الثقافة والفكر والأدب، وإسهامه المشكور في إثراء المكتبة العربية بعدد لا يستهان به من كتب أصبحت مصادر لا غنى عنها لكل دارس وباحث في هذا الباب. |
وقبل أن أدخل عالم أستاذنا الكبير، كدرني ما علمت بوفاة الأخ الأستاذ أحمد محمد طاشكندي، الكاتب الاقتصادي المعروف، الذي كان حفياً بالاثنينية، متابعاً فعالياتها رغم بعد الشقة، وكثيراً ما تجشم عناء السفر من الرياض ليسعدنا بحضوره.. نسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته، ويلهم آله وذويه الصبر وحسن العزاء.. إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ (البقرة: 156). |
من سنان الحزن التي تركب كل قناة في هذا الزمن الطباشيري، نعود إلى شرفات الأدب لنستنشق شيئاً من العبير، ونلتمس بعض قطرات الندى لعلها تبل الصدى، فضيفنا الكبير ركض في أكثر من ميدان ونهل من ينابيع المعرفة المتعددة، فكان خير زاده من ثمار العلوم الشرعية، أينعت وطاب قطافها في حدائق ذات بهجة، صاغ من خلالها أمتع مؤلفاته التي أرغدت الوجدان وغذت العقول وشكلت قاعدة متينة لكثير من الباحثين والدارسين. |
ولم يكتف ضيفنا الكبير بهذا الجانب، بل تبعه حثيثاً بدراسات مفعمة بالعطاء في مجال الأدب، جديرة بالاقتناء والقراءة، فكان كتابه الأثير لدى معظم أبناء هذا الكيان الحبيب الموسوم ((الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية)) الذي نشر عام 1972م وأعيدت طباعته أربع عشرة مرة حتى الآن.. وبالتأكيد لم يأت ذلك من فراغ، فالكتاب أنموذج للبحث الجاد الذي تغلب مؤلفه على كثير من العقبات والصعاب التي اعتورت مسيرته، في زمن لم يكن الحصول على مرجع أو مادة وثائقية بالأمر الهين.. فتكبد مشكوراً مأجوراً مشاق الترحال عبر مختلف البيئات في ربوع المملكة، مدققاً ومنقباً في مظان المعلومة الصحيحة، حتى أمكنه وضع عمل أصبح معلماً ورقماً يصعب تجاوزه في تاريخنا الأدبي المعاصر.. فإذا كان كتابا ((أدب الحجاز)) لمعالي الشيخ محمد سرور الصبان، ثم ((وحي الصحراء)) لسيدي الوالد ومعالي الشيخ عبد الله بلخير ((رحمهم الله)) يمثلان المتكأ الذي يعتمد عليه كثير من الباحثين في بدايات النهضة الأدبية بالمملكة، فإن كتاب ضيفنا الكريم الذي أشرت إليه آنفاً يمثل الزاوية الثالثة في مثلث المعرفة مع هذين الكتابين.. ولا أقول ذلك مجاملة ولكن من واقع الحال، والرصد لا يغيب عن كل متابع للشأن الثقافي والأدبي في المملكة. |
وبطبيعة الحال ليس من أهداف هذه الكلمة الترحيبية استعراض جميع ما قدمه المحتفى به، أو تقصي كل أوجه نشاطاته العلمية والعملية.. لكنها لمسة وفاء وإضاءة حول كريم فضله وجميل عطائه.. ويجدر بي في هذا السياق أن أشير إلى تجربته الثرة في التعليم الجامعي.. فتنقُّل فارس أمسيتنا بين مختلف البيئات الجامعية أتاح له فرصة الاحتكاك عن قرب مع مختلف الثقافات في الوطن العربي من الماء إلى الماء.. وبالتالي تكوّنت لديه ثروة معرفية لا تقدر بثمن، فنتاج هذه السنوات الطوال من التفاعل المعرفي قد أدت دون شك إلى سبره غور هذه الثقافات المتعددة، وفتحت أمامه المزيد من النوافذ لاستقراء الواقع الأدبي، وصولاً إلى معالجات قد تؤدي بإذن الله إلى نماذج مشتركة لإبداعات عربية، بغض النظر عن المكونات الجغرافية، وهذه قفزة نوعية نأمل أن تكسر حاجز العزلة التي يعيشها المثقف المحصور في حواجز المحلية، والتي تحول غالباً دون التواصل المنشود على مستوى الوطن العربي.. ولعلّه الأمر الذي يفسر لنا خروج أحد المبدعين إلى الساحة الأوروبية عن طريق الترجمة، قبل أن ترد إلينا بضاعتنا، فنصاب بالدهشة لكوننا لم نرتَدْ هذه الآفاق الجميلة والمشرقة قبل أن يكتشفها الغرب، وبلغاته البعيدة كلياً عن مكامن الإبداع الأصلي.. وما روايات الأديبين الكبيرين نجيب محفوظ ((رحمه الله)) والطيب صالح، وغيرهما ببعيدة عن هذا الواقع. |
ولعل هذا يقودني إلى ضرورة تفعيل الترجمة الأدبية في هذا الوقت بالذات، رغم ما أفرزته أحداث 11 سبتمبر من سلبيات لا تسر أحداً.. ولكن يبقى الأمل قائماً في دحض كثير من الافتراءات، وسحب البساط من تحت أقدام المتنمرين والمتربصين بأي بادرة تقارب عربي أو إسلامي مع المجتمع الدولي في جميع الميادين: اقتصادياً، وثقافياً، وفكرياً، واجتماعياً.. وأرجو أن يأتي السبق من بوابة الأدب ليبني جسوراً من التواصل والمحبة والتسامح بين شعوب العالم وهذه الأمة التي فقدت الكثير من مقومات التنافس في حلبة العطاء الإنساني رغم رصيدها الحضاري الكبير. |
إن ضيفنا الكبير يمثل وجهاً أدبياً مشرقاً، ودعوني أتفاءل في زمن استوحش فيه التفاؤل، فلعل حب الأدب، وعشق الحرف، يجمعنا على ما أخفقت في رتقه بعض الممارسات التي شوهت واقعنا، وكرست الفرقة والشتات قاعدة بدل أن تكون نشازاً. |
إننا إذ نحيي ضيفنا الكريم هذه الأمسية، فإننا نتمنى أن نرى له المزيد من الإصدارات القيمة، والطرح المميز، فالساحة الثقافية رغم ما تكتنزه من كتب ومجلات وصحف، فإنها تظل في حاجة إلى مزيد من مشاعل النور التي تهدي شداة الحرف ومحبي الكلمة نحو مرافئ الخير والمحبة والجمال. |
أتمنى لكم أمسية طيبة في معية ضيفنا الكريم، وعلى أمل أن نلتقي الأسبوع القادم لنسعد بتكريم سعادة الأستاذ الشاعر الكبير السيد عدنان محمد العوامي، مدير تحرير مجلة ((الواحة)) الفصلية التي تعنى بشؤون التراث والثقافة والأدب في الخليج العربي، وصاحب العمل الثبت ((ديوان أبو البحر الخطي))، دراسة وتحقيقاً، والذي يعتبر من أهم المراجع المتخصصة في شعر ((أبو البحر الخطي))، وأحسبه من الأعمال القليلة التي اشتملت هوامشها على معلومات تشكل في حد ذاتها عملاً أدبياً وإبداعياً لا يقل قيمة وأهمية عن المتن.. فإلى لقاء يتجدد وأنتم على خير ما أحب لكم، لننعم بصحبته والاستفادة من علمه وفضله. |
والسلام عليكم ورحمة الله.. |
عريف الحفل: والكلمة الآن لسعادة راعي الاثنينية سعادة الأستاذ الدكتور جميل مغربي: |
|