شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور حسان بن يحيى رفّه))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين الذي علم الإنسان ما لم يعلم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين والذي أمر الله ملائكته بشق صدره وغسل قلبه بماء زمزم حتى يكون قلبه مليئاً بالصفاء والطمأنينة ورحمة للناس.
في البداية أتقدم بخالص شكري وتقديري لسعادة الشيخ عبد المقصود خوجه مؤسس الاثنينية على دعوتي لإلقاء الضوء على رحلتي مع القلوب على مدى ربع قرن في أربع قارات من الكرة الأرضية كما أشكر معالي الأخ الأستاذ الدكتور محمد عبده يماني رئيس جمعية أصدقاء القلب الخيرية على رعايته للحفل كما يسعدني أن أشكر الإخوة الزملاء والسادة الحضور على مشاركتنا هذا الحفل.
القلب في القرآن:
لقد كرّم الله سبحانه وتعالى ذلك العضو الحيوي فذكره في كتابه الكريم كقلب مائة واثنتين وثلاثين مرة وذلك ليس بصفته كمضخة وإنما كموضع للاطمئنان في قوله تعالى في سورة الرعد أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد: 28). كموضع للسكينة في قوله تعالى في سورة الفتح هُوَ اْلَّذِي أَنزَلَ اْلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُواْ إِيـمَاناً مَّعَ إِيـمَانِهِمْ (الفتح: 4).
كموضع للبصيرة لقوله سبحانه وتعالى في سورة الحج: فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ (الحج: 46).
كموضع للتقوى لقوله تعالى في سورة الحج: ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ. (الحج: 32).
كموضع لمخافة الله في سورة الأنفال: إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (الأنفال: 2).
كموضع للهداية والضلال لقوله تعالى في سورة آل عمران: رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا (آل عمران: 8).
كموضع لليقين لقوله تعالى في سورة النجم: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (النجم: 11).
كموضع للين والغلظة لقوله تعالى في سورة آل عمران: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران: 159).
كموضع لتراكم الذنوب لقوله تعالى في سورة المطففين: كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (المطففين: 14).
فأصبح بذلك القلب مرتبطاً بالإيمان والعقيدة والرحمة والرأفة واللين، كما سمي القلب قلباً لتقلبه حيث إن القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء.
القلب في الأحاديث الشريفة:
صدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كما قال في الحديث الصحيح ـ ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب.
وقد أثبت علم وظائف الأعضاء أهمية القلب لحياة الإنسان وتربعه على عرش الأعضاء جميعها حيث إن القلب يظل يضخ وينبض حتى في حالة حدوث وفاة دماغية ناتجة من تهتك جزع الدماغ ولا يموت المريض إلا بعد توقف القلب.
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إن لله آنية من أهل الأرض وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين وأحبها إليه ألينها وأرقها.
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح نعم القوم الأزد طيبة أفواههم برة أيمانهم نقية قلوبهم.
القلب في الشعر:
يتأرجح إيقاع القلب ونبضه في تسرع وخفقان وبطء ونقصان مع مشاعر الإنسان مثل الحب والعواطف والخوف والفزع وكان القلب منذ بدء البشرية شعاراً ومرآة للحب والعواطف إذ أحس الأحباء بخفقان القلب مع مشاعر الحب وألهم ذلك الأدباء والشعراء فعبروا عن مشاعرهم وذلك منذ الجاهلية وفي صدر الإسلام وفي شعر المهجر وفي الشعر الحديث في جل ما كتبوا عن القلب.
في عصر الجاهلية قال زهير بن أبي سلمى:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم إثرها لم يفد مكبول
وفي صدر الإسلام قال البحتري:
ولست أعجب من عصيان قلبك لي
حقاً إذا كان قلبي فيك يعصيني
وفي العصر الحديث قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثوانٍ
وقيل في كتاب سيرة المصطفى للألباني:
عصرت القلب في حب
الحبيب المصطفى عصرا
فلا واللَّه لا أنسى
وقوفي عنده فجرا
وقلبي خافق بالحب
دمعاتي له تترا
ولم يعف المطربون القلب أيضاً من ذكره في أغانيهم مثل:
أم كلثوم: القلب يعشق كل جميل.
وفائزة أحمد: أنا قلبي إليك ميال.
وتغنى أيضاً أحد المطربين اليمنيين في أغنية غريبة الكلمات والمعنى.
فيوز القلب محروقة
في جسمي ضربني ماس
حتى الأكل ما أذوقه
مفعول الهوى يا ناس
وكأن مؤلف الأغنية يعلم أن بالفعل توجد أعصاب وألياف في القلب تنقل شحنات كهربائية من عقدة عصبية وعضلة إلى أخرى بفرق جهد كهربائي يصل إلى ناقص ثلاثين ميلي فولت وأنه بالفعل قد يصاب المريض بمرض تختل فيه وظيفة تلك الأعصاب ويحصل ما يشابه الماس الكهربائي، ما يضر بإيقاع القلب الذي خلقه الله سبحانه وتعالى منتظماً وأن المريض قد يشعر بالفعل بالفتور والخوف وانقطاع شهية الطعام.
الدراسة الأولية:
لقد كانت دراستي الإعدادية والثانوية في القاهرة ولم ينصب اهتمامي على ميول الشباب المعتادة وإنما بالإضافة إلى دراستي آنذاك انصب على أخبار العلماء والإنجازات الطبية والعلمية وعلم الفلك، وكنت أشتري من مصروفي الخاص بعض الكتب من سوق الأوزبكية ومكاتب أخرى واشتركت في المكتبة الأمريكية أقرأ أكبر عدد من الكتب العلمية المبسطة وكنت أراقب في الصحف زيارات بعض أساتذة الطب لجامعة القاهرة وعين شمس مثل البروفسور أوليفر كرونا من معهد كارو لنيسكا في استكهولم في السويد لإجراء جراحات المخ في مستشفى القصر العيني بالقاهرة وغيرها من الأخبار العلمية التي استحوذت على جل اهتمامي ومنها إجراء أول زراعة صمام معدني في العالم عام 1961م بجامعة بورتلاند في ولاية أوريجون بالولايات المتحدة الأمريكية على يد جراح القلب ألبرت ستار وما قرأته آنذاك من أنه قد توفي مئات مرضى صمامات القلب بسبب عدم وجود صمام صناعي لاستبدال التالف به وكيف أن ذلك الجراح في إحدى نزهاته في عطلة نهاية الأسبوع خارج مدينة بورتلاند وفي إحدى محطات البنزين وأثناء تعبئة سيارته بالوقود لاحظ وجود كرة تدور ويمر حولها الوقود في أنبوب المضخة فسأل العامل عن ذلك فأخبره بأنها كرة تعمل كصمام لإجبار الوقود على المرور في اتجاه واحد إلى خزان السيارة فما كان منه إلاّ أن اتصل بالمهندس الطبي في الجامعة واسمه إدوارد وأخذه إلى تلك المحطة ليريه الصمام وطلب منه أن يصنع صماماً معدنياً على أساس ذلك المبدأ لاستبدال صمام المريض التالف به ونجحت الجراحة وسمي ذلك الصمام المعدني الأول في العالم باسم ستار إدوارد ونشر ذلك الخبر آنذاك في إحدى الصحف المصرية.
إثر قراءتي لذلك الخبر تعلق قلبي مبدئياً كطالب بطموح الإنسان العلمي وقدرته على الإبداع والابتكار.
دراسة الطب:
ابتعثت في عام 1962م إلى سويسرا لدراسة الطب بعد أن حصل لي أخي الكبير السيد محسن الباروم الملحق الثقافي آنذاك بسويسرا ـ جزاه الله تعالى خيراً ـ على قبول للدراسة في جامعة بازل كأول سعودي يدرس الطب في سويسرا.
كان من حظي الدراسة في سويسرا ذلك البلد الحضاري بجامعاته العريقة التي يفوق عمرها الستمائة عام وسويسرا هي البلد الجميل ذو الطبيعة الخلابة والبحيرات وشعب يتحلى بدماثة الخلق وحسن التعامل آنذاك مع الأجانب وإجادتهم لثلاث لغات هي الألمانية في القطاع الألماني ذي المدن الثلاث وهي بيرن العاصمة وزيوريخ وبازل والفرنسية في القطاع الفرنسي ذي المدن جنيف ولوزان ومونتريه، والإيطالية في القطاع الإيطالي ذي المدن لوجانو ولوكارنو وأسكونا.
وكان من ميزة الدراسة أنه في الجامعة نفسها في بازل يوجد الكثير من المحاضرات باللغة الفرنسية بالإضافة إلى اللغة الألمانية الرئيسية، وهو أعطاني الفرصة لدراسة وإجادة اللغات الثلاث.
وفي العام السادس من الدراسة وأثناء التدريب بقسم الأطفال في المستشفى الجامعي كان لدينا في القسم طفل رضيع يعاني انعكاساً في الشرايين الكبرى وازرقاقاً شديداً في الجسم فكان لي الشرف، كطالب، في دخول غرفة العمليات لمراقبة أستاذي إريك جريدل وهو يجري جراحة لذلك الرضيع زال بعدها الازرقاق وتحسنت حالته ورسم لي يومئذٍ ذلك الأستاذ خطوات الجراحة على قصاصة صغيرة ما زلت أحتفظ بها كذكرى لخطوات تلك الجراحة وولد يومئذٍ حبي لدراسة علم القلوب.
ثم سنحت لي الفرصة للتدريب كطالب في العام الأخير في أحد مستشفيات جامعة نيويورك في مجال الجراحة والاشتراك في بعض الجراحات القلبية.
الفرصة كانت رائعة لكنها لم تكن سهلة وقد كان لزاماً علي، كطالب، توفير قيمة تذكرة الطائرة للسفر من سويسرا إلى نيويورك رغم أن المستشفى كان قد تكفل بمصاريف الإعاشة والإقامة، لذلك اضطررت للعمل كممرض لرعاية المرضى في العناية المركّزة بالمستشفى الجامعي في بازل لمدة اثنتي عشرة ساعة متواصلة ليلياً خلال أسبوع حتى استطعت توفير مبلغ ثلاثمائة فرنك سويسري وللطيران مع الخطوط الإيسلندية وهي أرخص ما توافر آنذاك للطلبة ولكن شرط الطيران من زيوريخ إلى ريكافيك عاصمة إيسلاندا بالقرب من القطب الشمالي وسط الثلوج في الشتاء القارس والمبيت ليلة هناك ثم الرجوع من نيويورك إلى زيوريخ بالطريقة نفسها، وكانت تلك هي أول رحلة علمية لي خارج أوروبا وأثناء دراستي في سويسرا، وكنت أعتز وأفخر بذلك في محادثاتي مع زملائي الطلبة السويسريين.
بدء العمل كطبيب:
بعد التخرج في كلية الطب من جامعة بازل التحقت بدورة في الجراحة في المستشفيات التابعة لجامعة برن وعرض علي آنذاك الحصول أيضاً على بكالوريوس الطب الفدرالي السويسري شرط النجاح في شهادة الثانوية العامة السويسرية، وقمت بالإعداد لذلك ونجحت في ذلك الامتحان ثم نجحت في ستة عشر اختباراً للباكالوريوس الفدرالي السويسري وحصلت عليه، وهو ما مكنني من الحصول على قبول للتدريب في الجراحة العامة وجراحة القلب في المستشفى الجامعي الرئيسي ببيرن لمدة أربع سنوات والذي يصعب حتى على الأطباء السويسريين الحصول على قبول للتدريب فيه.
لوزان والملك فيصل رحمه الله:
ثم تقدمت للعمل في قسم الباطنة والقلب بجامعة لوزان ولم أتوقع قبولي كطبيب أجنبي رغم معدلاتي العالية في درجة البكالوريوس التي حصلت عليها من كل من جامعة بازل وبيرن، إلاّ أنني فوجئت بدعوتي لحضور مقابلة في الجامعة لدى البروفسور (فانوتي) رئيس القسم الذي استقبلني بكل ترحاب وقال لي إنني سعيد أنك أول سعودي يعمل معي في المستشفى الجامعي بلوزان والذي عولج فيه الملك فيصل رحمه الله على يديه وقال لي إنني فخور بعلاجي للملك فيصل وتدريبي لأحد أبناء مملكة ذلك الملك العظيم في تواضعه وكان يصطحبني دائماً معه في عيادته ويعلمني من خبراته ويتعامل معي كزميل وكابن من واقع حبه للملك فيصل رحمه الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :948  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 14 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.