شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به ))
ثم أعطيت الكلمة للدكتور زاهد محمد زهدي، فقال:
- السلام عليكم.. يسرني بشكل خاص أن أنوه بحضور الأخوة الكويتيين.. الوفد الإعلامي الكويتي هنا، وقد كتبت أبياتاً من الشعر، وأنا بينكم الآن، أود أن أقرأها.. تحية لشعب الكويت وللمستقبل الَّذي أراه بعيني:
شعب الكويت لقد صمدت لها وأُبرئت الجراح
وانشق فجرك من كهوف الليل وانبلج الصباح
أما أنا شعب العراق أنا القتيل المستباح
سأشق أكفاني غداً وظلال صدام تُزاح
وأصيح من أعماق روحي: عانقيني يا رياح
أنا ذا نهضت ورفَّ لي في الأفق خفاقاً جناح
أنا ذا وثبت على الطغاة فما عليَّ من جُناح
فلتعطني كفيك إن المجرمين بهم يُطاح
 
- قبل أن أقرأ لكم نماذج من الشعر، أقرأ هذه الكلمة.. التي كانت رداً مباشراً على هذه الدعوة الكريمة:
- أيها الأخ الأكرم الشيخ عبد المقصود، أيها الحاضرون جميعاً.. السلام عليكم وبعد..
- فإنه شرف عظيم أعتز به - دعوتكم الكريمة - لتكريم شخصي المتواضع.. في محفلكم الأدبي الرفيع، الَّذي صار - بفضل من الله - محجة رجال الفكر والأدب، سواء في هذه البلاد الطيبة.. أو لدى الكثير من الأدباء والمفكرين في عالمنا العربي، وباعتباري - أولاً - مواطناً عراقياً، يعيش بكل إحساسه هول المأساة التي تعرض لها شعبه تحت وطأة النظام الاستبدادي الغاشم، ولأني واحد من مئات وألوف الأدباء.. والمثقفين.. والشعراء.. ورجال الفكر، المشردين عن وطنهم، والَّذين يوجد منهم الكثير ممن هو أولى مني بالحفاوة والتكريم، اسمحوا لي إذن أن أعتبر هذه الدعوة الكريمة.. تكريماً لهؤلاء الرجال، الَّذين تربطني بالكثير منهم صلة المحبة والصداقة والفكر.
- إني لأدعو الله مخلصاً أن يجمع شملهم على أرض الوطن، وقد أزيح عن كاهله كابوس الظلم والاضطهاد؛ وأن يُتاح لنا ردُّ هذا الجميل الَّذي يصنعه فينا أخونا الشيخ عبد المقصود، فنستقبل أشقاءنا رجال الفكر والثقافة والأدب السعودي في العراق، إن لم يكن في رحاب قصور واسعة الفناء.. كقصر أخينا الشيخ عبد المقصود - جعله الله عامراً -، فعلى أرضنا الخضراء.. تحت أفياء نخيل البصرة، وعند أطلال دار الإمارة في الكوفة، حيث نشأت مدرسة النحو العربي؛ ولنتجول وإياكم في أزقة البصرة القديمة، حيث عاش وأبدع: "الجاحظ" العظيم؛ ثم نقف وإياكم.. حيث تمثال الشاعر الراحل: "بدر شاكر السياب" وهو يُطل على شط العرب، حيث تحملنا الذكرى بعيداً. ونحن نتابع أشرعة السفن التي تمخر فيه، والتي قضى على واحد من صواريها: "بشار بن برد" الشاعر الَّذي اجتاز محنته في نظره، فرأى الكواكب بحس الشاعر الفنان، عندما قال:
كأنَّ مُثار النقع فوق رؤوسنا
وأسيافنا ليلٌ تَهاوَى كواكبه
 
- ولنزور وإياكم "مدينة بابل" ذات الجنائن المعلقة، حيث قدم العراقيون القدامى أول قانون مكتوب للبشرية، في بلد يعيش الآن بلا قانون، وتحكمه شريعة الغاب، ثم نرحل وإياكم إلى بغداد العروبة.. نشم عبق التاريخ على بوابة مدرستها المستنصرية.. أول جامعة في عالمنا العربي، وهي تتربع على الضفة اليسرى لدجلة الخالدة.. قريباً من الجسر الَّذي كانت تختال على جانبه أسراب المها، مستثيرة روح الفنان لدى البدوي.. الَّذي بهرته الحضارة، فراح يُردد مبهوتاً:
"عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى مـن حـيث أدري ولا أدري"
 
- ذلك المطلع الجميل الخالد.. الَّذي استلهمته في إحدى قصائدي، وأنا أخاطب بغداد:
سلامٌ على دار السلام وأهلها
سلامٌ على بغداد أم الحواضر
على الجسر ما انفكت علـى كـل جانب
عيون المها تختال بين المعابر
جلبن الهوى مـن حيـث يـدري قتيلـه
ومن حيث لا يدري بحد الفواتر
 
- وأخيراً، فلست أنسى إثارة فضولكم المشروع لزيارة تلك الوديان.. الجميلة الغناء، والسهول الرحبة الخضراء، والجبال الشامخة، وعيون الماء المتدفقة من صخورها.. في بلاد كردستان العراق، لتستمعوا لأغاني شعبها المكافح الشجـاع.. تصدح على أنغـام الناي الكـردي بألحان: "اللاووك" و: "حيران" شجية حزينة كحياة الأكراد متطلعة إلى المستقبل الَّذي ترسخه أحلامهم.. التي خلَّدها شعراؤهم الكبار: "بيكس" و "قوران".
- وختاماً لا أملك ما أعبر به - تجاه هذا الفضل الغامر الَّذي يحيطنا به أخونا الشيخ عبد المقصود والحاضرون - إلاَّ تأكيد شعور المحبة.. والشكر.. وعرفان الجميل؛ والسلام عليكم..
- من الشعر، اخترت لكم قصيدتين باللغة العربية الفصحى، وقصيدة واحدة باللغة الشعبية العراقية.. أظنكم ستعرفونها جيداً. القصيدة الأولى كتبتها بعنوان: "يا كعبة الله" وقد كتبتها أول ما جئت المملكة معتمراً، وقد نشرت في جريدة: "البلاد" مهداة إلى سمو الأمير نايف بن عبد العزيز، الَّذي أدين له بفضل كبير.. حيث رعى ولدي خلال فترة العلاج، ورعى عائلتي.. جزاه الله خير الجزاء.
أتيتُ حوضَكِ ظمآناً لتسقيني
يا كعبةَ الله يا مسرى الملايينِ
يـا مهبطَ الوحـي فـي أرض يضـوعُ بها
ذكرُ العقيدةِ يزكو كالرياحين
أعلا بها (المصطفى) ذكراً لخالقهِ
على مخاليقَ من تمرٍ ومن طين
أهوى على صرحها يجتثُّ باطلَه
بالحق يعصِفُه عصفَ البراكين
فانجابَ فجرٌ بهيُّ النور مخترقاً
ليلَ الجهالة في الدنيا وفي الدين
جلّى به الحقُّ قرآناً ومعجزةً
على (أمين) لحمل الوحي مأمون
(جبريلُ) يرفدُهُ إلهامُ بارِئه
وحياً جليلَ المعاني والمضامين
يُزجي إلـى الخلقِ مـا أوتيـه مـن حِكَمٍ
في منزلِ الوحي وضّاحَ البراهين
وشارعٍ سُنَّةً في الكون ما برحت
أسمى وأعدلَ من كل القوانين
الناسُ فيها على تقوىً سواسيةٌ
تجني ثوابَ تقاها غيرَ ممنون
أرسى بهـا العدلَ بيـن النـاس منتصفـاً
للبائسين اليتامى والمساكين
فصار أكرَم من في الناس منزلةً
أتقاهُمُ، لا كَنوزاً مالَ (قارون)
هـذا هـو العدلُ لا مـا شرَّعَــتْ سُنَنٌ
الزُغبُ فيها طعامٌ للشواهين
هذا الَّذي رفع الراياتِ خافقةً
حتى أطلّتْ على (بوّابة الصين)
تالله ما أن أضعنا العدلَ شرعهُ
ربُّ البريّةِ معدولَ الموازين
حتى غدونا إلى الأطلال نندِبُها
في أرضِ (أندَلسٍ) أو في (فلسطين)
* * *
ياكعبةَ الله بي شوقٌ لها عرِمٌ
عن كل أرضٍ سواها باتَ يُثنيني
قد جئتُ أسبقُ أحلامي لرؤيتها
وكنتُ عنها بعيداً شبهَ مغبون
بين الضلوع أُورارُ الشوقِ يدفعني
وفي العيون بريقُ الوجدِ يهديني
وفي المسامعِ يدوي من مآذنها
صـوتٌ جليلُ الصدى لـ "البيت" يدعوني
ظمآنَ جئتُ أنادي ملءَ حنجرتي
يا "ماءَ زمزمَ" هل إلاّك يرويني؟
* * *
يا (كعبة الله) طافَ الموسرونَ بها
والمعدَمونَ سواءٌ في القرابين
من كُلِّ فجٍّ عميقٍ جاء يقصُدها
قومٌ بشتّى اللّغى شتّى التلاوين
حلّوا ضيوفاً على "بيت" مطاعِمُه
تَقري اليتامى وأبناءَ السلاطين
* * *
يا (كعبة الله) حصناً أستجيرُ به
مما أعاني وممّا باتَ يُضنيني
إني طريدُ الأسى قد نابَني قدَرٌ
ألقى على سِحنتي سَيْماءَ محزون
فصِرتُ والهمُّ صنوي لا يفارقني
كأنه توأمي من يومِ تكويني
* * *
يا (كعبة الله) صوتٌ جئتُ أرفعُه
من (فِلذةٍ) بأَسارِ الداءِ مرهون
يرنو بعينيه لا يقوى مخاطبةً
ولا حراكاً وعيناهُ تناجيني
أكادُ أسمعُه يدعو بأعينه
يا ربُّ مـن لـي سـوى الرحمن يشفيني؟
يـا ربُّ واحفظْ أميراً لـم تزلْ يـدُه الـ
سمحاءُ من رِبقة الأقدار تُنجيني
(أبا سعودٍ) رعاكَ اللهُ وانتبذَتْ
عنكَ المكارهُ يا سِبطَ الميامين
يا ابـنَ (المليكِ) الَّذي بَـزَّت مروءتُـه
كلَّ المروءاتِ في شتّئ الميادين
ساسَ الرعيّةَ يجتَثُّ الخبيثَ بها
حزماً ويرعى سواد الناس باللين
* * *
 
- أكتفي بهذا القدر من هذه القصيدة، وأنتقل معكم إلى قصيدة عن أزمة الخليج، عنوانها "أي أزمةٍ تأزمي".
أي أزما تأزمي
هذا أوان الأزم
الناس في بحبوحة
من الهنا والنعم
قد أبطرتهم نعمة
من الإله الأكرم
فاستكثروها وعدوا
فكوفئوا بالنقم
* * *
أيْ أزمة تأزَّمي
واتسعي واستعظمي
تكوري وانتفخي
مثل خبيث الورم
تعيا به جراحة
والطب عنه قد عمي
وليس إلاَّ يد عزرا
ئيل خير مرهم
تخرس في أفواههم
ألسنة لم تُلجم
تحيلهم إلى هباء
ضائع في العدم
تجعل منهم عبرة
لناطق وأعجمي
تجتثهم من حُلمٍ
وكان بئس الحلم
أفرغهم كابوسه
من رأسهم للقدم
وانساب في أعماقهم
حتى نخاع الأعظم
وما أفاق حالم
من الضحايا النُوَّم
حتى أحاط بالحمى
طوفان سيل العرم
* * *
أي أزمة تأزَّمي
قدِمتِ خير مقدم
نزلت أهلاً بالعراق
فارزمي ودمدمي
وزلزلي الأرض بنا
وطهريها بالدم
حذار تُبقي نطفة
من صلبنا فتندمي
فنحن شر ما استوى
على الثرى من آدم
نأمر بالمنكر ما
كان طريق مغنم
ننهى عن المعروف أن
يشد أزر مسلم
وإننا نأكل من
لحومنا والأدم
وإن عرتنا غُصة
طارئة من نهم
نهرع للشراب من
دم الأخ المحرَّم
وإن تفاخرنا فقد
جزنا مدار الأنجم
آباؤنا.. أجدادنا
خير الورى في القدم
وقد علت راياتهم
فوق رؤوس الأمم
قد كان فيهم حاكم
ناراً برأس العلم
إن صهلت خيولهم
شوقاً إلى مقتحم
يزدحم الخلق على
أبوابهم وترتمي
أي أَزْمَا تأزمي
جئت إلينا فاحكمي
على ابن عم جائر
سار بليل مُعتم
يغزو ديار أهله
بمنطق التحكم
فهل تُلام إذ ترى
بالأجنبي تحتمي؟
أو أن تُصافي كافراً
لردِّ كيد مُسلمِ؟
* * *
أيْ أزما تأزَّمي
وبالورى تحكمي
وأبطلي خرافة العهد وحفظ الذِّمم
وزوِّري ما شئت
في التاريخ قولي واجزمي
واتهمي الذئب بأكل
يوسف وأقسمي
وجدك الأول في
تكريت باني الهرم
وأن مومياءه
أسرت بليل مظلم
واستوطنت أرض
الكويت في الزمان الأقدم
فاجتاحها حفيده
بجيشه العرمرم
لينشر الخير بها
فتزدهي بالنعم
وجنة موعودة
ذات عماد أرم
ويهزم الليل بما
يشعله من ضَرَم
ليستنير أهلها
بداجيات الظلم
قولي فما جوابنا
غير بلى أو نعم
من يا ترى يقول لا
وأنت أم الحكم
صبيِّ على طعامنا الطاعون ثم أطعمي
وكدِّري شرابنا
بالسم أو بالعلقم
سوف ترين أننا
نجتره في نهم
وأننا صرنا مع
الأزمة شق توأم
أما الملايين التي
تعيش مثل الغنم
تجتر ما يُعطى لها
وبالذئاب تحتمي
فإنها منساقة
طوعاً إلى جهنم
يمضي بها رعاتها
إلى طريق مُبهم
وهي تغني طرباً
خلف زعيم مُلهم
سارحة في عالم
اللاوعي والتوهم
لو سلخت جلودها
ما شعرت بالألم
* * *
أيْ أزما تأزَّمي
إلى الورا تقدمي
أنت المهيب قد
رقيت المجد دون سلم
فحاربي من قوة
الملجأ ثم انهزمي
وفاخري العالم
بانسحابك المنظم
ووقعي على الشروط
مُرّة كالعلقم
بل ادعي وكابري
أنك لم تستسلمي
بل اعزفي أنشودة
النصر وبالغيب ارجمي
لن نرفض المذياع
بث الكلم المرجَّم
ولن يرى الناس حطام
قصرك المهدَّم
فأنت أم النصر
أبرمت السلام فاسلمي
لا تأبهي للناس أن
تقول ما لم تفهمِ
فإنهم ليسوا سوى
دريئة للمغرم
وإنهم بعض قرابينك إن تقدمي
لمذبح السلطان في
معبده المحطم
تنالهم مرحمة
من سادن أو صنم
* * *
أي أزما تأزمي
لا تشفعي أو ترحمي
لك العراق كله
أسورة في معصم
أبناؤه رق أبيك
حازهم في الموسم
فهم عبيد وإماء
لك مُنذ القدم
فما تشائي فاسلخي
جلودهم كالغنم
وخيِّمي على العراق
كالقضاء المُبرم
إذا اشتكى جنوبه
وثار فرط الألم
فأخرسي الشكاة في
أفواهه بالحمم
وإن شكا الأكراد
في الجبال فوق القمم
فأحرقي سكانه
بخردل أو دمدم
ما دمت في بغداد
فالموقف جِدُّ محكم
فإن زهت بنفسها
بغداد أم الشيم
وانتفضت جسورةً
لصرخة المعظم
واصطبغ الجسر
وشارع الرشيد بالدم
والتحمت رصافة
بالكرخ أم الهمم
وزلزلت بك الثرى
ولات حين مندم
فهدميها واهرعي
لملجأ واعتصمي
لكنني أقولها
صارخة ملء فمي
هيهات منجى لك من
مصيرك المحتم
ولا مفر فاعلمي
سوى إلى جهنم
تَصْلَيْنَها مدحورة
جزاء ذاك المأثم
* * *
أي أزما تأزَّمي
هذا أوان الأزم
 
- وهذه قصيدة كتبتها في خلال اشتداد الحصار على العراق، والعالم كله يتوسل للطاغية..
(( أغثنا أيها الرجل ))
أغثنا أيها الرجلُ
فقد ضاقتْ بنا السبُلُ
وطافَ بأرضنا سيلٌ
عصوفٌ ليسَ يُحتَملُ
سيعصفُ بالضفاف الخضر
لا رجوى ولا أمل
أمهزلةٌ هو التاريخ؟
بين يديكَ يبُتَذَلُ
أشعبٌ آمنٌ غافٍ
بجُنحِ الليلُ يُختَزل؟
فلا بيتٌ ولا وطنٌ
عدوتَ لأمكَ الهَبَلُ
أهذا ما أتت نصاً
به الأديانُ والرُسُلُ
أم الدينُ لديكَ الهزءُ
بالأديانِ والدَجَل
أمعبودٌ بأرض اللهِ
هلاّ نابَك الوجَل
وماذا بعدَ أن تفنى
وبينَ يديهِ تمتثل
فلا حصن سوى بيضِ
الصحائفِ زانَها العَمل
ولا حكم سوى لله
فيهِ العَدْلُ يَكتَمِل
وتُنشر عندهُ الصفحاتُ
حيثُ الكلُّ يبتَهلُ
ليرجو الصفحَ والغفران
إلا "القائدُ البطل"
نأى عن ربّه ومضى
يَحُفُّ طريقَه الزَللُ
فحلّت نِقمةُ اللهِ
عليهِ وانقضى الأجَل
* * *
 
- الصديق الشاعر عبد الغني قستي، طلبته بالهاتف فلم أسمع من يجيب على ندائي الهاتفي؛ وبعد أن قمت بهذه العملية مرات عديدة دون فائدة.. كتبت له هذه القصيدة:
يا سيدي "عبد الغني"
هاتفكُم أتعبني
أطلبُكُم.. لينبري
رنينُهُ في أذني
يضرب في طبلتها
من غير أن يُسْعفني
ويستمرّ.. صامتاً
رغم مرور الزمَنِ
وهو على رنينه
مواظبٌ لا ينثني
* * *
كلمتُهُ بكل ما
أعرفه من ألسُنِ
حدوتُ غنيت كما الـ
ـبدو وأهل المدن
أسْمعْتُهُ لحنَ "النهاوند"
بصوتٍ حسن
عزفتُ بالناي له
والعود ثم الأرغن
وقلتُ لو أسمعتُهُ
شعراً عسى يسْمعُني
أنشدتُهُ الطريفَ من
شعرِ "ابن هاني الحسن"
فلم يزل في صمته
ملتزماً كالوثنِ
فقلت يا لهاتف
بصمته مُقْترِنِ
لا أحدٌ يرفعه
أو سامعٌ يسألُنِي
عن بُغيتي عن طلَبي
جنسيتي أو وطني
"السنترال" عندكم
يا صاحبي ذو شجن
"لا نفع منه يُرْتجى"
كميَتٍ في كفن
أرقامُه أدرتُها
عشراً فما أجابني
وقلت يا ربُ عسى
المرة من يسمعني
لا بأس لو أراد أن
ينهر أو يشتمني
لعله بشخصكم
خلالها يوصلني
فلم أنل شيئاً سوى
رنينه في أذني
 
- ورد الأستاذ عبد الغني قستي على الرسالة الشعرية بقصيدة معارضة لها عنوانها "لبيك":
لبيك.. مَنْ ناديتني
بالروح روح السوسن
لبيك قلباً عاشقاً
بالعين بعد الأذن
لبيك يا أحلى نداء
ء مسّ سمع الزمن
لا أرتضي سواه مهْـ
ـما كان غالي الثمن
لكنّني - وا أسفي -
أقول ما لم يرضني
أخطأك التوفيق في
توقيتك المتلفن
هاتفتني مكرّراً
ألو.. ألو "عبد الغني"
فلم يجبك أحدٌ
رغم الصدى "المدندن"
إذ لم أكن آنئذ
جاوزتُ بابَ مسكني
ومكتبي مازال مقـ
ـفولاً فهل تعذرني؟
وهاتفي مُشْتَرك
ولم يَعُدْ يخُصّني
كأنه الهلوك في
دنيا المزاد العلني
ففيم أشكو ثمَّ من
يا هل ترى ينصفني؟
رحماك يا ربي فقد
ظلمت نفسي نجِّني
أفنيتُ عمري في ضلا
لات الهوى لا أنثني
مندفعاً كثورة الـ
ـطوفان أو كالأرعن
وأنت يا دكتورنا الـ
ـمفضال هل تنجدني؟
وهل هناك من دوا
ء نافع ينقذني؟
فالشعر قد يمسي علا
جاً شافياً للمدمن
 
- فرد الدكتور زهدي قائلا:
سألتني عن الدواء
- نافعاً - "عبد الغني"
تالله قد سألت ذا
تجربة.. بالمحن
لاحتْ له كؤوسُها
مُتْرَعة بالشجن
فصبّها لم يُثْنِهِ
ما خلفتْ من حزن
وظل يجري باحثاً
عنها صنيعَ مدْمِن
يدفع من طموحه
الجريح أغلى ثمنِ
يعرض للطعن من
الأحلام ما لم يُطعن
حتى ارتمى "ثمالة"
في كأس هذا الزمن
* * *
تسألني "عبد الغني"
تالله لو سبرتني
وجدتَ جُرْحاً في الحشا
ناءَ بداءٍ مزْمِنِ
* * *
أنبيكَ أني لست من
أهل النهى والفِطَن
أجهل ما "يتقنه"
"الدهاة" أهلُ المهن
أيةَ أنى إذ أرى
الناس بوجه حسن
أحسب أن القلب مجبو
ل بذات المعدن
وأن ما تضمره النفو
س زاد الألسن
حتى إذا ما صرّح الزبدة
خضُّ اللبن
صُعِقت مما لاح لي
من الشجا والضغن
وجدت ما تضمره
النفوس غير المُعْلَن
وغيض عطرٌ زائف
تحت مهيج النتن
والقول ذاك لم يكن
إلاَّ غطاء العفن
* * *
ورحت مخذول الرؤى
مردداً ما فاتني
تحذر أن تلدغ من
جحرين أيدي المؤمن
لكنني لُدغت من
ألف ولما أنثني
* * *
أبعد هذا يا أخا الـ
شعر به تسألني
ونحن سيان بما
نلقى بأيدي الزمن
وأنه يزيدنا حيفاً
إذا لم نذعن
فانزل على أحكامه
كالبلبل المرتهن
مغرداً في قفص
عن شدوه لم يهن
 
- وهذه مطارحة شعرية، جلسنا الشيخ أبو تراب والأخ عبد الغني قستي، ومحدثكم - جلسنا في مجلس الشيخ أبي تراب، وقال لنا بيتاً من الشعر، وطلب منا أن نكمل.
فقال:
لله مَجلسُ أنسٍ ضمّنَا شَملاً
عُراهُ موثوقةُ الآداب إذْ كَمُلا
 
قال الدكتور زُهدي:
كنا الثلاثةُ فيه واحداً فغدا
للحبّ مجلسنا في أنْسِه مَثَلا
الشعر يرفده من كل قافية
تجلـو مـن الهمّ فـوق القلب مـا ثقـلا
نُطارحُ الشعر ألواناً وأمزجةً
شتى ونقحم في أرجائه السُّبلا
 
فقال الأستاذ القستي:
والليل يدلف نحو الفجر مبتسماً
كأنه من سُلاف الشعر قد ثمِلا
وودّع الصحّب لا يُخفي مَسرّتَه
لمجلس الظاهريِّ السَّمْحِ حَيهلا
 
فقال أبو تراب:
يا صاح إني لوصل الخِلّ مُنْجذبٌ
وهَلْ رأيت شَجيَّاً عنه مُنْشَغلا
تعلَّتي ذكرياتٌ دُثرتْ فغَدَتْ
كالوَشْم طابعُها يَسْتوفر الوجَلا
وكم سُقينا بهذا الحبّ من علل
على الحياضِ فما أبْنا بها نَهَلا
 
وقال الدكتور زهدي:
نحن الثَّلاثة منا اثنان أفسدهم
شيخ يجنُّ بما يأتي به العُقلا
السحْرُ ينْفثهُ من حلو منطقة
حتى كأن به الحلْوى أو العسلا
 
قال الأستاذ القستي:
فسامحوني إذا ودعت مجلسكم
فإنه لن يُملَّ الدهر مُقْتبلا
فموعدي الصبح والأولاد كلُّهمُ
سيرْقبون مجيئي مُسْرعاً عجلا
 
قال الدكتور زهدي:
أمَّا أنا فلوحْدي لا أنيس سوى
الشاي العراقي و "الوابور" مُشْتعلا
والليل أسهرهُ والشعرُ يحملني
طوراً وأحمله نَظْماً ومرتجلا
 
قال أبو تراب:
وكيف يُترك شيخ لا حراك به
من غير أن يستعيض الليلة البدلا؟
فليلتي ليلة جاد الزَّمان بها
يُروّع القلبَ من في حلها ارتحلا
 
- كتب لي مرة أحد الأصدقاء العراقيين الشعراء رسالة، يسألني فيها عن أخبار العراق نظراً لأني أعيش في المملكة قريباً من العراق، فكتبت له قصيدة، قلت له فيها:
أما العراقُ فدعْكَ عن أخباره
رجعَ الزمانُ به على أدباره
وأتى بـ (هولاكو) ليُكمِلَ زحفَه
ويقيمَ مأتِمَ أهله بدياره
كُمّت به الأفواهُ حتى لم يَعدْ
ليلٌ يتوقُ لملتقى سمّاره
وتبدّل الزمنُ الرتيبُ فيومُه
عامٌ، وعدةُ ليله كنهاره
والناسُ فيه يرقصونَ لموتهم
يمشي الخرابُ وهم على آثاره
بلدٌ تملكه الضلالُ ولم يعدْ
للعقل سلطانٌ على أفكاره
ونأى الرضا عن بُرجه حتى لقد
غَضِبتْ شواطِئُه على أنهاره
* * *
ماذا تؤمّلُ أن يفيدَكَ شاعرٌ
عَصفَ البلاءُ بأهله وبداره
وأقامَ بين ضلوعه لحنُ الأسى
ليصبَّ كأسَ الحزن في أوتاره
وتملّك الهمُّ المقيمُ فؤادَه
فهمومُه تنسابُ في أشعاره
واغتالَ طاغيةُ العراق طموحَه
فغدا يئنُّ على صدى قيثاره
* * *
دَعْ عنْكَ أخبار العراق وأهلِه
ودعِ الأسى متلفِّعاً بدِثاره
تحتَ الرمادِ مجامرٌ لو مسّها
عصفُ الرياح لآذنتْ بدماره
لا يخدَعْنك (العازفونَ) فإنهم
باعوا الضميرَ بثوبه وإزاره
أو (جوقةُ المتشاعرين) يقودُهم
(ثورُ الصحافةِ) معجباً بخُواره
يتهافتون أذلّةً في بابه
وعيونُهم لهفى إلى ديناره
في حين يفترشُ الثرى (صنّاجةٌ)
للشعر أكرمُهم مثارُ غباره
سبعونَ عاماً توّجت أشعارُه
هامَ العراق وكّللته بغاره
واليومَ لا بيتٌ يلوذ بسقفه
أو سائلٌ عنه وعن أخباره
بئسَ الَّذي يؤوي الغُرابَ وتتقي
أُذناهُ عندَ الفجرِ صدحَ هَزاره
* * *
يا صاحبي إن العراقَ وأهلَه
أسرى وفي يدهم فُكاكُ أساره
إني لأعلمُ أنّ يوماً قادماً
سيشبُّ أرضَ الرافدين بناره
ويهدُّ (بيتَ البغي) حتى لا تُرى
شُرُفَاتُه من سقفِه وجداره
ويهزّ سمعَ الحاكمين بامرهم
قصفُ الرعود على ذُرى أسواره
 
- نحن الآن في هذا المكان الجميل.. في قطعة من جدة، ومدينة جدة أحبها كثيراً.. وكتبت فيها كثيراً من الشعر، فلا أقل أن أقول أبياتاً عن مدينة جدة:
وافى ربيعُك بالبشيرِ
فتنّسمِي عَبَقَ العبيرِ
وافاكِ يحلُمُ باللقاءِ
ويستحثُ خُطا المسير
فاستقبلي ركبَ الربيعِ
بمهرجان للزهور
وتقدمي في حُلَّةِ الأ
عراسِ فاتنةَ الحضور
يا جدةَ الخضراءَ يا
ألقَ الصباحِ على الثُغور
يا دُرَّةَ البحرِ الحفيَّ
بها يتيهُ على البحور
عَشِقَ الضفافَ يبثُها الـ
نجوى على مرِّ العصور
ويُطارحُ الرملَ الهوى
ويميلُ شوقاً للصخور
ما أن تتتيه إزاءَه
زهواً كربّاتِ الخُدور
وتميلَ عن آهاتِه الـ
حرّى بإيقاعٍ مثير
إلا وأمهرَ حسنَها
ما شاءَ من غالي المهُور
* * *
يا "جدةً" أسرى الجما
لُ لها بأعطافِ البُدور
يعتامُ أجملَ ما تجودُ
به الليالي في الشهور
ألقَ السَنا الفضيَّ
من بدرٍ أطلَّ من السُتور
والليلُ يستبقُ الصباحَ
كأنَّه شلاّلُ نورِ
متدفقاً صُعُداً على
"نافورةِ" الضوءِ البهير
* * *
لِلّهِ حسنُكِ "جدةٌ"
والبدرُ يسفرُ للظهور
خَضِلٌ كأيام الصبا
في العمرِ منقطعُ النظير
* * *
إني أسيرُكِ "جدةٌ"
غلبَ الجَمالُ على شعوري
وأهاجَ حسنك خاطري
فتعهَّدي حالَ الأسير
ألقى إليك بروحهِ
وأتاكِ مجهولَ المصير
هيهاتَ عنكِ إلى سواكِ
وليس غيرك من سمير
إلاَّ بـ "بغدادٍ" ولستُ
إزاءَها بالمستَخيرِ
 
- في الختام، لقد أطلت عليكم كثيراً، لكن سأقرأ لكم قصيدة شعبية باللغة الشعبية.. كنهاية، وهذه القصيدة ألقيت في الكثير من العواصم والبلدان الأجنبية.. في تجمعات العراقيين، وقد قيلت خلال غربتي الأولى، ألقيت في لندن، وفي بوسطن - بالولايات المتحدة - وفي فرنسا، في ألمانيا، في براغ، في موسكو، في باكو؛ عنوانها اسمه: هدهد يا نسيم.
هِدْ يا نسيم من الضفاف الخضر هد من بعيد بعيد
داوي قلوب معذبة من الهجر من بعد الأوطان كل ساعة ضناها يزيد بالألم أيام
وليالي تمر غامت شموس الفرح وانكدرت يا حيف
أعراس حلوة بمهرجان النصر..
لولا أمنك شعب ما خيب الآمال لولا الأمل شاج لك ما عاد
يسوى العمر
هب يا نسيم من الضفاف الخضر..
هب يا نسيم الصاف دجلة وفرات هل بك يجف الدمع (هل بك بمعنى لعل)
هاذي قلوب من الهوى معذبات
والنار مزروعة تحت كل ضلع
يا موطني لو يظل عند العمر فاد يوم ولحظتك نعود
وبدار الصبا نجتمع ونطرز القاع شوبية وصلاة الفرح
وقدور بادينا صواني الشمع ونطش النذور
ونزف للنصر أعراس ونكلل قبور الضحايا بورد ونعناع وقرنفل وجوري وياس
ليوم واحد يظل من العمر لا باس
بس كون أشوف المجد يزهى في صدر بغداد
ومن تحت صوت الحقد ترفع جبين وراس
بس كون أشوف العزم راعي على الترباس
وتعود بغداد الأبية نجم ساطع بعيون الناس
لو يوم واحد يظل من العمر.. لا باس
خلي تغمض العين والروح العزيزة تروح
ما يوم شفت الردى لجل الوطن ينهاب
الجسم تحت الثرى خليه يصير تراب
من بُعد الأوطان لو عاشت بذل وزجر
مضى الحيا الورى وهيهات يحلى العمر
هب يا نسيم من الضفاف الخضر..
 
- والسلام عليكم
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1001  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 24 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.