شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة فضيلة الشيخ الدكتور عائض بن عبد الله القرني))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي . وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي . وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي . يَفْقَهُوا قَوْلِي (طه: 25 ـ 28)، أحييكم بتحية الإسلام تحية أهل الجنة، تحيتهم يوم يلقونه بسلام، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، أشكر الله الذي جمعني بكم ثم أشكر العلم الرمز الكريم الجواد الأستاذ عبد المقصود خوجه الذي شرفني بهذا المجلس شرف الله مجلسه في عليين، وأشكر من حضر من العلماء والوزراء والسفراء والوجهاء وسامحوني وأنا أقول الشعر عندي مقطوعة أقدمها إهداءً للأستاذ الجليل عبد المقصود خوجه وإن لم يسعفني الشعر هذه الليلة فمتى إذاً..
قد أحسن المجد إذ سماك مقصودا
جمعت في كفك الإيمان والجودا
سارت بسيرتك الركبان وابتهجت
بك المعالي وعشت الدهر محسودا
فمثلكم يا كريم الذات مقعده
على النجوم فدم كالغيث محمودا
في كل اثنين يلقاك الطموح على
مشارف العز وقتاً كان معهودا
أنسيتنا حاتم الطائي وسيرته
وابن العميد بكم ما كان مفقودا
على ذكر ابن العميد أنا تذكرت المتنبي وابن العميد لما رأيت الأستاذ عبد المقصود وضيوفه، لما وصل المتنبي إلى ابن العميد يقول:
من مخبر الأعراب أني بعدهم
جالست جالينوس والإسكندرا
ودرست بطليموس دارس كتبه
متعلماً متبدياً متحضرا
قطف الرجال القول قبل نباته
وقطفت أنت القول لما نورّا
نحن الليلة في صنع الكلمة ونحن الليلة مع البيان ونحن الليلة مع التاريخ المجيد لرجل عاشت اثنينيته في ضمائرنا وسارت بها الركبان وعرفها أطفالنا وكبارنا ومن حقنا لرموز بلدنا ووطننا أن نقول لهم شكراً جزيلاً على هذا العطاء المثمر الذي سيكون في سجل وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (الشعراء: 84) واستعظم الأخبار قبل وصول قائدي فما التقينا صغر الخبر الخبر، وما زلت هذه الليلة لأطفح في المجاملة لكن أقول كلمة حق، لما التقينا في مكة في الحوار الوطني كان معنا أكثر من سبعين من أعلام البلاد، وقد قلت لأخي وصاحبي الدكتور سلمان العودة الذي أسرني بحق هو عبد المقصود خوجه، صبرنا معه والشيخ سلمان ثلاث ساعات ودخلنا في تفاصيل حياته لكنه أسرنا بأخلاقه بتواضعه بدماثته ولذلك عندما جاءتنا دعوته كنت شاكراً ومتشرفاً بالحضور، هذه الليلة نقف مع سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، مع أبي الدعاة مع أبي المصلحين:
المصلحون أصابع جمعت يداً
هي أنت بل أنت، اليد البيضاء
مع الذي علمنا مع الذي وحدنا بالحب هنا مع الذي جمعنا بسيرته صلى الله عليه وسلم،
أحبك لا تفسير عندي لصبوتي
أفسّر ماذا والهوى لا يفسّر
أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا
وأنت المهدي وأنت المحرر
أتينا هذه الليلة نصنع من دعوته صلى الله عليه وسلم رسالة وكلمة لأننا اجتمعنا جميعاً من كل أقطار العالم الإسلامي هنا تحت مظلة رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، يقول البردوني ويشكر محمد صلى الله عليه وسلم على الشوط ويشكره على السيرة يقول: ((مذ بدأنا الشوط جوهرنا الحصا بالدم الغالي وفردسنا الرمال)) مع محمد صلى الله عليه وسلم يحلو الحديث ولأنكم ذكرتم الدعوة في تقديم معالي الدكتور محمود ـ في تقديم معاني الدعوة ذكرني الطعن ـ وكنت ناسياً وكنت أردت أن تكون الجلسة أدبية في عهد محمد صلى الله عليه وسلم ولكن قبل ذلك نقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي علمنا اللقاء هذا واجتمعنا في حبه صلى الله عليه وسلم وعلى سيرته وعلى سنَّته فهو الذي أزال الفوارق بيننا صلى الله عليه وسلم، الطبقية وفوارق البلدان وفوارق الأعراف والأعراق والدماء واللغات، جعلنا نحن جميعاً نتبارى في أينا يقدم صدره يوم أعلنت الرسوم المسيئة ضده صلى الله عليه وسلم ، ووالله لقد ذهبت إلى جاكرتا مع كثير من الدعاة وإذا الحرس والبوليس في شوارع جاكرتا، قلت لماذا؟ قال يتحينون وثوب شباب أندونيسيا على السفارات الغربية لأنه تعرض جنابه صلى الله عليه وسلم وإذا العرب يباريهم الأكراد والأفارقة والتركمان والهنود كلهم يقولون إلا أنت يا محمد يا رسول الله، كيف نبدأ الحديث معه صلى الله عليه وسلم ما أستطيع أن أعبر عن شعوري إلا بكلمة لأبي نواس يقول عنها السقاف في كتاب العود الهندي وحينها ضاع القلم يكسر القلم بعد هذا المقطوعة وأنا أقول على الشعراء بعد هذه المقطوعة أن يكسروا القلم في مثل مدحه صلى الله عليه وسلم علي بن موسى الرضى وليد عهد المأمون مدحه الناس، لكن أبا نواس نسي أن يمدحه وهو جده محمد صلى الله عليه وسلم لأمه فمدح الوزراء والعلماء ونسي، قال العلماء ما تستحي أن تترك علي بن موسى الرضى الذي جده محمد صلى الله عليه وسلم وتمدح أعيان الدولة، فذهب معتذراً إلى علي وقال:
قيل لي أنت واحد الناس
في كل معنى من الكلام بديهي
لك في جوهر الكلام بديع
ينثر الدر في يدي مجتنيه
فعلام تركت مدح ابن موسى
بالخصال التي تجمعت فيه
قلت كيف لا أهتدي لمدح إمام
كان جبريل خادماً لأبيه
تنتهي هنا العظمة هنا ولذلك يقول الصولي: أشرف بيت يوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد نحن أكرم الناس سيرة، نحن أرفعهم مسيرة، سندنا يتصل بمحمد صلى الله عليه وسلم بجبريل رب العالمين سند كأن عليهم من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عموداً، من يستطيع أن يسامينا في منهجنا إسلامنا نقول لغيرنا إن آفاق إسلامنا أوسع من أوطانكم وإن عمر إسلامنا أطول من أعماركم، يقول جوستاف لوبان المؤرخ الفرنسي ما عرف العالم فاتحاً أعدل ولا أرحم من محمد عليه الصلاة والسلام، يقول أحد الغربيين إن الجامعات تخرج العباقرة والمصلحين والمخترعين لكن محمد صلى الله عليه وسلم الله وحده الذي أخرجه، فبأبي هو وأمي نصنع من رسالته كلمة نجتمع في مثل هذه الاثنينية، لأنها صنعت في بلادنا كلمة وسارت مسيرة، وإذا أطلقت الاثنينية انطلقت إلى اثنينية عبد المقصود لأنه كرم، أكرمه الله، العلماء والوجهاء والوزراء والكتبة والمخترعين والمهندسين فنقول له جزاك الله خيراً وأسأل الله أن يكرمك عنده في عليين فالكرامة هناك لأن من يحسن نقول له أحسنت.
إذا وصلنا إلى هذا المكان فإني أطالب أخوتي من العلماء والأدباء والمثقفين أن يعتنوا بصنع الكلمة المؤثرة كما تفضل الدكتور الوزير في كلام الدكتور محمود ويصنعوا الكلمة ويوصلوها إلى قلوب الناس ولكن بالسحر الحلال. يقول عليه الصلاة والسلام : إن من اللسان الحكمة وإن من البيان لسحراً الزبيري شاعر اليمن يمدح محمد صلى الله عليه وسلم، أنت أحييت بالكلمة الشعوب يقول ما بنى جملة من اللفظ فقط يلقي محمد صلى الله عليه وسلم خطبة فيتحول اللقاء كله إلى أبطال وإلى شهداء وإلى علماء، يقول:
ما بنى جملة من اللفظ إلا
وابتنى اللفظ أمة من عفاء
إذاً يا إخوتي يا مفكرون يا صحفيون يا دعاة التمسوا سحر البيان في الكلمة المكتوبة أو المرئية أو المسموعة حتى نصل إلى قلوب الناس، إن الرسول صلى الله عليه وسلم أصلح الأمة ووجَّه الأجيال وهدى العقول وغسل الضمائر بالبيان الشافي الكافي الذي صنعه عليه الصلاة والسلام، والله منحه هذا البيان القرآن، حتى يقول الجن إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (الجن: 1)، عجيب حتى الجن عجبوا من القرآن، حتى الجن ذاقوا حلاوة القرآن، حتى الجن ذهلوا من القرآن، ومن الذي لا ينذهل من هذا الكتاب الخالد الذي أتى به محمد عليه الصلاة السلام، إن الرسول صلى الله عليه وسلم أحيى بالكلمة الصادقة النابعة من القلب الأجيال حتى يقول شوقي أمير الشعراء:
أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له
وأنت أحييت أجيالاً من الرمم
إن كان عيسى عليه السلام يأتي إلى الميت فيحييه بإذن الله فمحمد صلى الله عليه وسلم أتى إلى الشعوب فأحياها بإذن الله، حتى يقول خالد محمد خالد معلقاً على الكاتب غفر الله له، يقول إنه أتى أعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذ ينتفض أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنك إذا شاهدت الرسول صلى الله عليه وسلم تنبهر تندهش حتى يقول البصيري كأنه فرد في جلالته في عسكر حين تلقاه وفي عجم فأخذ يرتعد أمام هيبة الرسول صلى الله عليه وسلم وعظمته صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم هوِّن عليك فإني ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة، يقول محمد صلى الله عليه وسلم، قال الكاتب نعم ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة، لكن دينك دخل القارات الست لكنك غيرت مسار التاريخ، لكنك أوقفت الزمان، لكنك أقمت محكمة العدل الإلهية في الأرض، فصلى الله عليه وسلم، وما دجى ليل وما أصبح صباح وما سار نسيم، من هنا أتينا إلى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في البيان نقول كما يقول منصور الثعالبي من أحب الله أحب كتابه ومن أحب كتابه أحب رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أحب رسوله صلى الله عليه وسلم أحب لغته اللغة العربية، إذاً فحب العربية في دمائنا فنحن عرب نتكلم العربية، ونفهم الناس بالعربية.
الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحب الكلمة ويأنس إلى البيان ويحب صلى الله عليه وسلم أن يستمع إلى الشعر، عند مسلم في الصحيح، ركب مع الرسول صلى الله عليه وسلم على البغلة عمرو بن الشريد الثقفي لأن عمرو بن الشريد سلمي وثقفي في الطائف، يقول عمرو في صحيح مسلم: وأنا رديفه، الله أكبر، رديف محمد صلى الله عليه وسلم، الملوك يقفون أمامه صلى الله عليه وسلم يرتعدون ويأتي رجل يكرمه الرسول صلى الله عليه وسلم ليردفه على الدابة معه، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحفظ للكُميت ابن أبي الصلت شعراً، وأقول وأمشي معه في سكك الطائف بعدما بدأت الفتوحات حتى تنتهي إلى نهر سيحون وجيحون ثم كما يقول علي الطنطاوي ثم قسمنا فرقتين عند الصفا، كتيبتين، أما الواحدة فشرقت حتى وصلت إلى سور الصين العظيم وأما الثانية فذهبت مغربة إلى نهر الراين، فالرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف قال لعمر بن الشريد قال أتحفظ لأمية قال: فأنشدني قال: فأنشدته بيتاً قال: هِيهْ فزدته بيتاً قال: هِيهْ، قال فزدته ثالثا ً قال فما زال يقول هِيهْ حتى أنشدته مائة بيت. قال آمن شعره وكفر قلبه. يقول صلى الله عليه وسلم لأن أمية طبعاً انحرف عن لا إله إلا الله. المقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش الكلمة ويريد من أصحابه صلى الله عليه وسلم أن يؤثر في الناس، والله قال له في محكم التنزيل: وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (النساء: 63) نحن ضد الهشاشة الخطابية أو الركاكة الكتابية أو تقديم الإسلام في موقع هزيل سواء في المعنى أو في المضمون، من مثل هذه الاثنينية يصنع الخطباء والأدباء والشعراء والدعاة لننطلق أقوياء لأن الإسلام دين قوة في الكلمة والمعنى في القالب في المضمون في اللفظ في القافية في الكتابة، لأننا أمة ينبغي أن نكون أقوياء كما أرادنا سبحانه وتعالى، هنا يستذكر عليه الصلاة والسلام ويدخل فتحة الأدب ويقول يلتفت إلى أبي بكر ذكرها.. يوم فتح مكة خفض رأسه صلى الله عليه وسلم حتى وصلت لحيته الشريفة إلى قرموص ناقته متواضعاً لله، في هذا الطريق قبل عشر سنوات كان يذهب بلا حرس ولا موكب ولا زوجة ولا أهل ثم يعود بعشرة آلاف وينشئ دولة في المدينة ويسقط دولة الكفر والطاغوت والاستبداد، وينزل عليه من السماء إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً . لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً (الفتح: 1 ـ 2). فإذا الأعلام وإذا البنود وإذا الكتائب ويخفض صلى الله عليه وسلم رأسه وتدمع عيناه تواضعاً لله سبحانه وتعالى ويلتفت وإذا بخيول خالد إذ أقبلت لأن خالد منع الناس من الاقتتال لكن خالد تعرض له عكرمة بن أبي جهل ليصده فافترسه خالد بن الوليد وأتت خيول خالد تدخل السكك وإذا بالنساء في مكة، خلاص هرب الرجال، يقول المتنبي:
فمن في كفه منهم قناة
كمن في كفه منهم خضاب
هرب المقاتلون وبقيت النساء فقط تدافع الخيول، تأخذ المرأة المشركة سابقاً، فتأخذ خمارها وتضرب وجه الفرس فتبسم صلى الله عليه وسلم والتفت إلى أبي بكر الراوي الذي يحفظ الشعر والأدب قال كيف يقول حسان؟ لأن حسان قال الأبيات قبل سنة قبل أن تقع الواقعة، يقول :
عدمنا خيلنا إن لم تروها
تثير النقع موعدها كداء
تظل جيادنا متمطرات
تلطمهن بالخمر النساء
فإما تعرضوا عنا اعتمرنا
وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لجلاد يوم
يعز الله فيه من يشاء
فالرسول صلى الله عليه وسلم، يدري أن حسان قال شعراً لكنه لا يحفظ الأبيات ويدري أنه قال كلاماً هنا فتبسم صلى الله عليه وسلم بموافقة كلام حسان، وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ (يس: 69)، قال كيف يقول حسان يا أبا بكر، قال يقول:
عدمنا خيلنا إن لم تروها
تثير النقع موعدها كداء
تظل جيادنا متمطرات
تلطمهن بالخمر النساء
فاستأنس عليه الصلاة والسلام، ذهب خلفاؤه ووجهاء الأمة وأعيان الأمة، على احترام الكلمة نثراً وشعراً وعلى توظيفها الوجهة الصحيحة، وهنا أنادي على أنني أقل ممن سبقني من هؤلاء المثقفين والوزراء..
وصلنا حفظكم الله إلى أنه ينبغي لنا أن نجدد مدرسة البيان والأدب، وأن نعتني بجيل كما كان من قبل في الجيل السابق، وكان في الحجاز رواده مثل مدرسة حمزة شحاته ومحمد حسن فقي والعمودي، وهذه الكوكبة تجدد إن شاء الله في مثل هذه الاثنينية ليخرج منها الدعاة والأدباء ومتكلمون إن شاء الله لكنهم بلغاء، وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (النساء: 63)، سامحوني لن أطيل عليكم لكن أقف موقفاً فيه حيرة واندهاش، خليفة ينصب ويبايع، السيوف تصلت، خوف الشقاق في الأمة، الرسول صلى الله عليه وسلم يدفن الليلة، ومع ذلك يستحضر أبو بكر بذاكرته وبأدبه وبعزيمته، يدفن الرسول صلى الله عليه وسلم، بأبي وأمي، ثم يقال بأن الأنصار اجتمعوا في بني ساعدة ونخشى أن تكون هناك فرقة وشقاق لأنهم أرادوا أن ينصبوا خليفة آخر، قال أبو بكر لعمر وأبي عبيدة هيا بنا لسقيفة بني ساعدة، فدخلوا، قال عمر في الطريق وهذا في رواية البخاري فزورت كلاماً في صدري حتى أقول في المشهد أنه بين أبي بكر والأنصار والمهاجرين وأهل بدر وأهل أحد وأهل العقبة سوف يتكلم أمام أعيان الدولة قال فزورت كلاماً في صدري فلما جلسنا أردت أن أتكلم فسكتني أبو بكر وكنت أراعي حدة فيه، أي كان حاداً وسريع الغضب فأنا أراعيه لأنه أكبر وأجلّ، قال فأردت أن أتكلم قال اسكت، فتكلم أبو بكر على البديهة يقول عمر، والله ما ترك كلمة فزورتها في صدري وهيأت إلا أتى بأحسن منها، قال أيها المهاجرون أيها الأنصار نحن الشعار وأنتم النثَّار نحن الأمراء وأنتم الوزراء، جزاكم الله عنا معشر الأنصار خير الجزاء آسيتم وكافيتم وآويتم، والله يا معشر الأنصار ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال طفيل الغنوي لما نزل في بني جعفر:
جزى اللَّه عنّا جعفراً حيث أشرفتْ
بنا رَحْلنا في الواطئين فزلّتِ
هم خلّطونا بالنفوس وألجوا
إلى غرفاتٍ أدفأت وأظلّتِ
أبوا أن يملّونا ولو أنَّ أمنا
نلاقي الذي يلقون منّا لملّتِ
حينما سمع الأنصار هذا السحر الحلال الذي يوقف الدماء في العروق قاموا بايعوا أبا بكر الصديق خليفة، بهذه الكلمة يصنع الجيل وتصحح المفاهيم أمام هجمة شرسة صهيونية ضد الإسلام والمبادئ الحقة والقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم ومن حضر فيهم الكفاية والرعاية سواء من العلماء أو الكتَّاب المشاهير أو الوجهاء أن نتعاون جميعاً في تقديم رسالتنا في ثوب رشيق.
قالوا وممن كان يجيد أيضاً عمر رضي الله عنه فإنه كان يحاسب أمراء ووزراء على الكلمة التي قد تفسر تفسيراً خاطئاً، سامحوني فإن عمر ولى النعمان بن نظلة على ميسان، تشوق لزوجته وهي في المدينة، تركها بعيدة عنه، وتعرفون أن الإنسان يشتاق لامرأته، لكنه يبوح أحياناً بكلام أو بغزل مباح ولكن لا يفهم خطأ في حكومة عمر بن الخطاب حتى يقول حافظ إبراهيم:
قل للملوك تنحوا عن مناصبكم
فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها
فلما جلس النعمان بن نظلة كان عندهم زملاء يسمرون، أمير انتهى من أعباء الوظيفة وفي الليل يسمرون، وهو شاعر، قال:
فمن مبلغ الحسناء أن حليلها
بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني
ولا تسقني بالأصغر المتثلم
يقول أرجوك إذا كنت تناديني تسمر معي الليل، دور واحد إناء كبير من هذه الخضخاضة التي تأخذ ثلاثة كيلو ما تجيني بكأس واحد..
إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني
ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه
تنادمنا في الجوسق المتهدم
لأن عنده بيت، شوية خيمة قديمة، وقال خلاص سمرة، وغنوا بها وأنشدوها ورددوها.. ترى هذا الشعر من أجمل ما قيل حتى قال ابن قتيبة وغيره، يقول:
فمن مبلغ الحسناء أن حليلها
بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني
ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه
تنادمنا في الجوسق المتهدم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية
ورقاصة تحدو على كل منسم
وذهبت الأبيات إلى عمر، واستدعى النعمان قال له: والله لقد ساءني ما فعلت، قال: يا أمير المؤمنين والله ما شربت الخمر في الجاهلية والإسلام، قال: فما هو الأصغر المتثلم، قال قلته شعراً، قال صدقت أنك ما شربت في الجاهلية ولا في الإسلام، ولكن والله لا تليني ولاية بعدها، هذه المنهجية في حكومة عمر رضي الله عنه لأن لا تأتي الريب لأنه لو سمح له لقال بعض الناس أجل يجوز يمكن أن يجوز للمسافر أو الأمير أن يأخذ اثنين أو ثلاثة هذا هو قصد الشاهد الأدب الذي فهمه عمر رضي الله عنه وأرضاه. إخوتي في الله أحيي بالكلمة الطيبة الراشدة ولكن لا للإلحادية في اللفظ شعراً ونثراً وقد شكر الله الخلفاء العدول والعلماء أنهم حاسبوا الملحد الذي تعرض للرسالة ولمحمد صلى الله عليه وسلم مثل عكوك، على أني أحيي تلك الشاعرية القوية فيه، حتى يقول الذهبي كل شعره نخب وهو اسمه علي بن جبر عكوك وليته ترك على هذا الجمال والإبداع لكنه حاس مسألة المعتقد فحاسه المأمون بالسيف وقسم رأسه بالسيف. لكن المقصود قصيدته اللامعة يقول فيها أبو دلف سبعين بيتاً، فلما انتهى أبو دلف أتته حمتها ملاميح خلاص انتهى الموضوع، قال اختر في ثلاث إما على كل بيت مائة ألف درهم وإلا احتكم أنت في إمارتي، وإلا قاسمتك ما عندي من مال قال أعطني على كل بيت مائة ألف درهم، سبعين بيتاً، حتى يقول بعدها:
دع جدا قحطان ومضر في يمانيه وفي مضر
وامتدح من وائل الرجل الحجر
المنايا في شبا يده والعطايا في شبا ظفر
إنما الدنيا أبو دلف بين بادية ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف ولت الدنيا على أثره
كل من في الأرض من عرب بين بادية إلى حضر
مستعيراً منك مكرمة يكتسبها يوم مفتخر
وغضب المأمون من هذه القصيدة طبعاً لأنه هو يراجع المأمون ودعاه المأمون، وطبعاً للرأي العام أن لا يقتل بهذه الأبيات، قال التمسوا لي أبياتاً مؤذية حتى يكون لنا طريق في قتله، فالتمسوا فوجدوا له أبياتاً يقول:
أنت الذي تنزل الأيام منزلة
وتنقل الدهر من حال إلى حال
وما مددت بأقلام لها شبهة
إلا قضيت بأرزاق وآجال
وهي كلمة مؤسفة ولو استثابه كان أحسن، على كل حال نحن مع الأدب المؤمن الراشد أدب الفضيلة أدب الالتزام بالحق لمنهج محمد عليه الصلاة والسلام وجئنا في مجلس الحق لنقول الحق الذي يرضي الحق ليجمعنا في دار الحق سبحانه وتعالى. وكان العلماء يحبون الشعر خلافاً لمن قال من بعض علمائنا لا تكثروا من الاستشهاد ولا تكثروا من القصائد ولا تكثروا من الأراجيز، نقول أثقل منكم الشافعي الذي أوتي أكياس الذهب عند باب هارون الرشيد فوزعها على الفقراء وعلى المارة حتى المارة يرمي عليهم الكيس هكذا الشافعي الكبير هذا الإمام المعتبر وبعدها يقول:
أمطري لؤلؤاً سماء سرنديب
وفيضي آبار تكرور تبراً
أنا إن عشت لست أعدم خبزاً
وإذا متُّ لست أعدم قبراً
همتي همة الملوك
ونفسي نفس حر ترى المذلة كفراً
إلى هنا أقول أيها الإخوة أنا أعرف أن هذا المجلس ينتظر أناساً من الأعيان من المفكرين والعلماء ممن يتحدثون وأنا لا أريد أن أستأثر بالوقت، أنا أتيت أشكر من أكرمني أكرمه الله ومن أتى الحضور لمزيته ولحبهم فيه جزاهم الله خيراً، أسأل الله أن يمتعه في ذريته وفي ما بقي من عمره وأن ينفع في أجله وأثره وأن يرفع درجته في عليين وأسأل الله أن يجمعنا بكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
ولما نزلنا منزلاً ظلله الندى
أنيقاً وبستاناً من النور حاليا
أجد لنا طيب المكان وحسنه
منىً فتمنينا فكنت الأمانيا
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وشكر الله لكم.
عريف الحفل: شكراً للأخ الفاضل الكريم الشيخ الداعية المصلح فقد أطربنا بما سمعنا وأشجانا بما قال نسأل الله أن يثيبه وأن يبذل له ويجزل له العطاء. الآن حان موعد الحوار مع فضيلة الشيخ الدكتور ولدينا كم لا بأس به من الأسئلة ومن التعليقات نحرص على أن نلقيها جميعها ونطلب من فضيلته أن يتفضل بالإجابة عنها ونعتذر للآخرين الذين لم يسعف الوقت بأن نلقي حواراتهم وكما ذكر من قبل سترسل هذه الأسئلة لفضيلة الشيخ ليجيب عنها كتابة ثم توثق في كتاب الاثنينية كما جرت العادة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2454  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج