(( كلمة الأستاذ عزيز ضياء ))
|
ثم أعطيت الكلمة للأستاذ عزيز ضياء فقال: |
- بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، أيها السادة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. |
- من عجائب ما يسمى توارد الخواطر - وأسميه أنا تلاقي الخطوط الفكرية - أن الأستاذ عبد المقصود اتصل بي، وأخبرني أنه سيقيم حفلاً تكريمياً للأستاذ عبد الله بن عبد العزيز بن إدريس، وكان هذا في نفس اللحظات التي كنت أجمع فيها المقالات التي كتبتها، ودار فيها حوار بيني وبين الأستاذ عبد الله حول ديوانه: "في زورقي" والَّذي كنت قد كتبت عنه كثيراً، فعجبت كيف يتفق أن أبحث عن هذه المقالات وأن أعيد قراءتها، وأن يكون الأستاذ مدعواً لتكريمه عند الأستاذ عبد المقصود. |
- ولا غرابة فعبد المقصود - ولا أريد أن أسبق اسمه بالأستاذ أو الشيخ، وما إليه.. لأنه في مقام ابني تقريباً في السن! ولا غرابة في أن يحتفي بالأستاذ عبد الله بن إدريس، وهو الرجل الَّذي سمعنا من الأستاذ حسين نجار كل ما أفاض به عن مكانته الأدبية وريادته، وأنا أعرف له هذه الريادة من كتابه "شعراء نجد المعاصرون" ولا أخفي أني لم أقرأ له بعد ذلك إلاَّ ما ينشر في الصحف أحياناً، ثم هذا الديوان الَّذي له قصة.. ينبغي أن أذكرها إذا سمح. |
- القصة تتلخص في أني كنت في الطائرة من المدينة إلى جدة، والخطوط السعودية اعتادت أن تضع في جيب الطائرة أو جيب المقعد مجلات، لم أكن أعنى بقراءتها أو الاطلاع عليها؛ ولكن حدث في ذلك اليوم أني لم أكن أرتفق مجلة - أو كتاباً خاصاً - فانتزعت المجلة وأخذت أقرؤها، وهي بعنوان دائم: "أهلاً وسهلاً" فكأنها مجلة ترحب بها الخطوط بضيوفها.. أو بركابها، وأخذت أقلب صفحاتها، فإذا بي أجد بين هذه الصفحات لوحة جميلة، ثم قصيدة للأستاذ الشاعر عبد الله بن عبد العزيز بن إدريس بعنوان: "في زورقي". |
- ولا أخفي أني أخذت أطالع القصيدة هذه، وتناولت القلم - بعد ذلك في البيت - وأخذت أضع ملاحظات على كل بيت أو كل كلمة تستحق الملاحظة أو تستحق النقد، أو التنويه. |
- وحدث أن كتبت مقالاً عن القصيدة قلت فيه شيئاً كثيراً، من ذلك: يبدأ الأستاذ ابن إدريس قصيدته بمطلع يتجه فيه إلى الله (سبحانه وتعالى) متوسلاً أن يُبلِّغ بالسلامة زورق الحلم الجميل فيقول: |
رباهُ بلِّغ بالسلامة زورق الحُلم الجميل |
|
|
وكأنه يفسر باعث هذا الدعاء في البيت التالي إذ يقول: |
"فهنا أعاصير الشقاء تفِحُّ من خلف الأصيل" |
|
|
- وأنا أقول: ولكن لا بد أن يسمح لنا الشاعر أن نتساءل: كيف حدث أن كمنت أعاصير الشقاء، وأخذت تفحُّ من خلف الأصيل؟ وإذا كان الأستاذ يريد بهذا التعبير الأمس الذاهب، بدلالة أن قلبه الشجيَّ قد هاله الأمس الثقيل عندما لامس شراعه الموجَ المجنَّح، فقد حمَّل الصورة الجمالية للأصيل - بكل ما تتركه في النفس المحِسَّة من مشاعر الانطلاق، في آفاق البهجة والدعة والارتياح - ما يتنافر مع هذا الجمال، ويدمس الإحساس به، وهو أعاصير الشقاء التي لم يتركها الأستاذ على حالها المعروف، من جمال القوة والعنف والصخب في طبيعتها، وإنما استل منها كل عناصر الجمال هذه عندما شبهها بأفعى لها هذا الفحيح الكريه؛ وليس لأحد أن يُناقش مشاعر الأستاذ نحو هذا الأصيل، الَّذي جعل منه ممكناً لعناصر بالغة البشاعة والقبح هي أعاصير الشقاء، وقد ألبسها ثوب الأفعى بفحيحها الكريه البغيض. |
- إن تلك مسألة رؤيا وإحساس وتصور خيال، لا سبيل للحجر عليه، ولكن حين نتركه ينطلق بزورقه.. إذ يجرفه إلى الأمام لشاطىء يتنسم الريح العليل، وبهذا الاتجاه نحو شاطىء حدَّد الغرض من الوصول إليه، وهو تنسُّم الريح العليل، وضعنا الأستاذ أمام مسيرة تخالف طبيعة الأشياء، إذ يتعذر أن نتصور زورقاً طافياً في عرض البحر أو النهر.. ثم لا يتوفر له ريح؛ أي ريح عليل أو غير عليل إلاَّ أن تكون المنطقة التي يعبرها من هذا البحر أو النهر، من المناطق ذات الطبيعة الخاصة، التي تتوقف فيها حركة الرياح تماماً، بحيث تنكتم الأنفاس وترتبك الحواس، ويختل المنطق ويصبح المطلب الأهم هو النجاة من هذا الاختناق، باللجوء إلى أي شاطىء نتوهم أن نجد فيه النسيم العليل؟ |
- والمقال طويل، ولكن الَّذي حدث أن الأستاذ - جزاه الله خيراً - أعجبته هذه الكلمات - أو أعجبه هذا النقد - فتكرم عندما طبع ديوانه هذا، فذكر الأسباب التي جعلته يُسمي هذا الديوان أو يطبعه وينشره؛ يقول في السبب الثالث: إن هذه القصيدة قد حظيت من أديبنا: "فلان" بدراسة قل أن حظي بها ديوان شعر كامل، فضلاً عن أن تحظى بها قصيدة واحدة لشاعر سعودي - حسب علمي - وذلك حينما وجدها الأستاذ منشورة كقصيدة مختارة في مجلة الخطوط العربية السعودية: "أهلاً وسهلاً" عام 1401هـ فراقته القصيدة، وأُعجب بها، واعتقد أنها تنشر لأول مرة، فكانت منه تلك الدراسة الخصبة والعرض والتحليل، الَّذي نشر في مجلة: "اليمامة" العدد 648 الصادر يوم 20/6/1401هـ، وقد عقبت على تلك الدراسة - هذا ما يقوله الأستاذ - وصححت بعض المفاهيم التي جاءت في دراسة عزيز ضياء، ونشر تعقيبي عليه في مجلة اليمامة - أيضاً - العدد (كذا) فكان ما دار من نقاش حول هذه القصيدة سبباً عاضداً لاختيارها اسماً للديوان، هو اختار الاسم في زورقي، أظن زورق الحلم الجميل لاسم الديوان. |
- وبعد ذلك اشتبكت مع الأستاذ عبد الله بن إدريس في سلسلة من المقالات، طالت.. وطال الأخذ والرد بيني وبينه، أنا أسميه حواراً وهو يسميه حواراً، ولكن الكثيرين يعتبرون مثل هذا الحوار خصومة ولدداً، وربما يذهبون إلى أن الرغبة في الحوار مجرد استعراض للعضلات، أو مجرد إظهار لقدرة الناقد ولقدرة الشاعر؛ وليس هذا هو الواقع، وأنا سعيد الليلة لأن أُتيح لي أن أقرأ ما كتبت مرةً أخرى، وعندي مجموعة هذه المقالات كلها، ويطول المقام لو أردت أن أستعرض ما قلت، ولقد قلت الكثير، الَّذي ربما لم يُعجب الأستاذ عبد الله أو ربما أعجبه، ولكن ظل الأهم، هو أننا بقينا أصدقاء وبقي الحوار بيننا حوار أصدقاء؛ لم أسمع منه كلمة واحدة تُسيء إليَّ ولم أقرأ له كلمة واحدة تُسيء إليَّ أو إلى غيري. |
- الرجل معروف بدماثة خلقه وإنسانيته، وحبه الصادق لكل ما يتعلق بالأدب والشعر والأدباء والشعراء؛ وفي مجموعة المقالات هذه نُبذ.. أو مقالات كتبت في الخصومة التي نشأت بينه وبين أنصار الشعر الجديد، وتدخلت أنا، ولكن كانت لي مُداخلة ليست انتصاراً للشعر الحديث، وليست انتصاراً للشعر العمودي، ولكنها محاولة للتوفيق ومحاولة لتقرير الحقيقة التي أؤمن بها، وهي أننا لا نستطيع - ولا ينبغي لنا - أن نرفض حركة الشعر الحديث - أو غيره من حركات الفكر - لأننا نعيش حياة اليوم وحياة المستقبل، ونتطلع إلى أن نكون مع المستقبل كما كنا مع الماضي؛ لا نُنكر أبداً أن الماضي قد حفل بعطاء شعراء خلال ألف وأربعمائة سنة، وقد صحح لي الأستاذ عبد الله عندما قلت كلاماً كهذا: إن الشعر العربي، وقد بدأ قبل هذا قبل ألف وأربعمائة سنة، وقصد الشعر الجاهلي، وقلت له نعم: إني أعرف أن الشعر الجاهلي قد بدأ قبل هذا التاريخ، بدليل أن القرآن الكريم فيه كلمات كثيرة فسَّرها المفسرون، مستعينين بكلمات من الشعر الجاهلي. |
- المهم في الموضوع الآن: أني اختزنت.. أو جئت بصور هذه المقالات، وأعطيتها للأستاذ عبد المقصود، ولكل من أراد أن يطلع عليها.. يستطيع أن يأخذ نسخة؛ وأرجو - مرة أخرى - أن أكون قد أوفيت الأستاذ حقه من المشاركة في التكريم؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|
|