(( حوار الحضور مع رئيس مجمع الفقه الإِسلامي ))
|
قام بإدارة الحوار الدكتور عبد الله منّاع حيث قال في مستهل حديثه ما يلي: |
- بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. |
- في البدء أشكو إليكم حرجي فقد تداولنا حول جلستنا لهذه الليلة كثيراً وطويلاً في محاولة للتوفيق بين ضيق أوقات السادة أعضاء وفود المجمع الفقهي وبين رغبة الحاضرين في الحوار والاستماع إلى آرائهم والمشاركة في هذه الليلة الكريمة. |
- وشكواي إنما تأتي من أن فضيلة الشيخ الحبيب بلخوجة همس إلينا بأنه إضافة إلى ضيق وقت أعضاء الوفود فإن أمامهم مسؤوليات هذه الليلة لإعداد مقررات الجلسة الختامية التي ستعقد غداً، ومعنى ذلك أن الوقت القصير أصبح أقصر، وهذه مشكلة، يضاف إلى هذا أن للدكتور عمر الأميري اقتراحاً جميلاً ورائعاً وقد كتبه بأسلوبه الشيق وبعبارات جميلة خفيفة وكان يصح أن يلقيه الدكتور عمر الأميري لكن ضيق الوقت يدعوني للتدخل اختصاراً للوقت وحفاظاً عليه، لكني سأتولى تلخيص هذا الاقتراح الجميل بقدر ما أستطيع، أو إن أذنتم لي أن أتعجل في قراءته: |
- يقول الدكتور الأميري: في المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإِسلامي، الذي دعت إلى عقده في مكة المكرمة منظمة المؤتمر الإِسلامي وقد أكرمني الله بعضويته والذي يعقد هذه الأيام دورته الثالثة، ويقيم سعادة الأخ الأريحي المفضال الشيخ عبد المقصود خوجه هذا الحفل البهي لتكريم أعضائه، دار إذ ذاك حوار جاد حول جدوى تعدد المجامع مع تشابك ساحاتها وتداخل اختصاصاتها وكان الرأي الفصل أنها جميعاً تنطلق من إرادة خيِّرة واحدة وتهدف لتحقيق غرض كبير واحد هو خدمة الفقه الإِسلامي ووضعه في مقام التكييف الارتقائي الفعّال المنبثق من الشريعة الإِسلامية الغرّاء ليستمر مواكباً حياة أمتنا المتصاعدة مع الزمن بتلبية هادية هادفة سوية تُلائم كل عصر ومصر، وتكون المجامع المتعددة في ذلك متضامنة متعاونة، وإذا كانت المسيرة الحضارية لأمتنا الإِسلامية قد مرت بأطوار وأدوار من الازدهار، والانحسار بين تصارع الجدّ وتراخي المدّ، فإن مما لا شك فيه أن الفقه الإِسلامي بشتى مذاهبه وعديد مدارسه كان وما زال هو المؤسسة الحضارية الوحيدة التي لم تتوقف عن العطاء والمضاء رغم كل ما أصاب أمتنا من ظروف وصروف، وإن الأنظار لا تنفك تتجه إليه، والآمال تُعقد دائماً عليه في إمداد الأمة الإِسلامية بأحكام الشريعة الرشيدة للمستجدات اللاحقة بشكل يواكب طبيعة العصر لا سيما في معترك تصارع الاعتناقيات ومواجهة التحديات التي تحف الصحوة العتيدة لأمتنا المجيدة، وقد كان للمجامع الفقهية كلها دورها الإيجابي القوي في ذلك وستبقى للأجيال مصدر تبصر وتنوير بعون الله. |
- لكن الواقع الذي لا مجال للجدل فيه أن عدداً من كبار علمائنا الأعلام تنتظم جُلَّ المجامع في عضويتها وأن التبعات الجسام التي يحملها هؤلاء الأجلاّء لا تسمح لهم بممارسة عضويتهم الكاملة والمشاركة في مؤتمرات المجامع كلها كما أن المواضيع التي تطرح في مجمعٍ ما قد تطرح في مجمع آخر، وأن الفائدة المتوخاة من الإحاطة بكلياتها وجزئياتها تزداد بإسهام أكبر عدد من العلماء الأكفاء في تمحيصها للظفر بالرأي الأمثل فيها، ولما كانت منظمة المؤتمر الإِسلامي التي ينبثق منها هذا المجمع هي المنظمة الأم التي قد تكون مخولة ومرجحة في إقامة مجمع أعلى يضم كل المجامع ويوحد جهودها ويُنظم اجتماعاتها ويستقطب الجمع الأعلى من الجَدارات العلمية والاختصاصات المُعَمَّقة التي يحتاجها ويكون لتوصياته وآرائه المزيد من الشمول والقوة فإني أرجو المبادرة إلى دراسة هذا الاقتراح بجدية وموضوعية مؤملاً أن تتبناه منظمة المؤتمر الإِسلامي وتوافق عليه المجامع الأخرى، هذا هو اقتراح الدكتور الأميري.. وتترك الإجابة.. لسماحة الشيخ محمد الحبيب بلخوجة. |
|
ويجيب فضيلة الشيخ الحبيب بلخوجة على اقتراح سعادة الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري قائلاً: |
- كم هي جميلة وجليلة هذه الكلمات التي كنت أستمع إليها والتي أعجب أن تصدر عن شاعرنا وأديبنا وأخينا العزيز الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري ولا تكون قد صيغت كعادتها شعراً، فإني كنت أتطلع عندما قيل إن هذا الاقتراح من السيد عمر بهاء الدين الأميري قلت الحمد لله سنستمع إلى أدب جمّ وإلى لغة راقية وإلى معان جليلة رفيعة، لكنه وإن حرمنا هذا بعدم إعرابه عن أغراضه الكريمة بالشعر الرائع الذي عوَّدنا به فقد أثار قضية ذات أهمية، هذه القضية نعيشها منذ تكوين مجمع الفقه الإِسلامي، ذلك أن مجمع الفقه الإِسلامي عندما تكوّن كانت هناك مجامع أخرى سابقة، هذه المجامع السابقة أستطيع أن أبدأ فأقول هنا في مكة المكرمة يوجد مجمع الفقه الإِسلامي برابطة العالم الإِسلامي، ويوجد مجمع البحوث الإِسلامية بالأزهر الشريف، وتوجد الموسوعة الفقهية بالكويت، وتوجد مراكز أخرى للفقه الإِسلامي في أكثر الجامعات، لأن الجامعات الإِسلامية وما كان على شكلها فيها مراكز للبحوث الإِسلامية وللشريعة الإِسلامية، فيكون من الضروري أن يتحقق التنسيق بينها. |
- ولو أن أخانا الأستاذ عمر بهاء الأميري عاد إلى نظام المجمع وإلى اللائحة التنفيذية له، وهي منشورة وزعناها في عدد من المناسبات لوجد أن هذه المؤسسات جميعها موجودة في مجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي لأننا إلى جانب الأعضاء الذين يمثلون الدول لنا أعضاء يمثلون المؤسسات العلمية الشرعية الفقهية، وبذلك نستطيع أن نتجنب الازدواجية، ونستطيع أن ننسّق بين أعمالنا تنسيقاً علمياً، أما نفي الازدواجية فذلك بعدم تناول القضايا التي وقع تناولها في مكان آخر وفرغت المجامع من بحثها إلا أن تكون هناك جوانب جديدة لتلك الموضوعات لم تُبحث فنقوم بعرضها ودرسها مُعتمدين قبل كل شيء على الوثائق التي وصلتنا عن تلك المجامع في نفس الموضوع لتصور الإضافات التي ينبغي أن تكون وتحقيق التكامل بين ما سبق وما لحق من الدراسات والبحوث. |
- ثم كما تعلمون المجمع يكون محلياً ويكون مقراً جامعياً، ولكنه يكون أوسع من ذلك عندما يكون دولياً ومجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي يُعتبر مجمعاً دولياً، وفيه ممثلة جميع المذاهب، المذاهب الأربعة المعتمدة عند أهل السُّنة وهناك المذهب الجعفري ويمثله نائب إيران، والفقه الزيدي ويمثله نائب اليمن، وهناك الفقه الأباضي ويمثله نائب مسقط، وهكذا تكون المذاهب أكثرها موجودة، ونحن لا غنى لنا عن أي رأي من آراء أئمتنا القُدامى رحمهم الله الذين بذلوا جهداً كبيراً فنأخذ من هذا ومن ذلك ونجمع الأفكار ونقارن بينها ونُرجِّح ما يقتضي الترجيح تقديراً للنفع العام من جهة وطلباً للأوفق بأحوال المسلمين وبمصالحهم واعتماداً على الأقوى حجة ودليلاً. |
- وأطمئن أخانا الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري على أن هذا العمل سائر في طريقه وقد أشرت إليه في كلمة الافتتاح عندما ذكرت بأن معالي الأستاذ محمد بن جبير وزير العدل في المملكة العربية السعودية كان من شهرين فقط قد أصدر توصية تقضي بوجوب التنسيق بين المجامع كلها وعدم حصول الازدواجية فيها، ورحَّب إخواننا في مجمع الفقه بمكة المكرمة كما رحَّب مجمعنا بهذه الفكرة التي اعتمدها من اليوم الأول، وهكذا وجدنا أن مجمع الفقه بمكة المكرمة قد أراد أن يتعرض لبعض القضايا في دورته الأخيرة، لكن اطمئناناً منه إلى أن الموضوع قد بُحث عدة مرات وأن القرارات تمت وصدرت عن مجمع الفقه هنا في جدة قال: لا نريد أن نعود إلى بحث هذا الموضوع وقد أخذ حظّه، فهذا لون من ألوان التنسيق، وربما يكون من ألوان التنسيق أيضاً أن تتبادل المراكز العلمية والمجامع المنشورات والسجلات والبحوث والوثائق المتعلقة بالأعمال العلمية المجمعية حتى يكون كل الناس على بيّنة مما يجري هنا وهناك، وربما نكون أو نبلغ في آخر الأمر إلى إصدار نشرة علمية تشارك فيها هذه المجامع والمراكز كلها لتكون لسان حال المجتمع العلمي الإِسلامي والمجتمع الفقهي الشرعي في بلاد الله الواسعة، يستطيع أن يطمئن إليه جميع المسلمين، لا فرق بين جماعة وجماعة، ودولة ودولة، ومذهب وآخر. وشكراً. |
|
ثم يوجه أحد الحاضرين لم يذكر اسمه سؤالاً يقول فيه: |
- لماذا لا يتم نشر مداولات ومحاورات أعضاء المجمع أثناء اجتماعاتهم، وإذا كانت تُنشر فأين نجدها؟ |
|
فأجاب الشيخ محمد الحبيب بلخوجة على هذا السؤال بقوله: |
- الإجابة عن هذا السؤال الحمد لله لا تحتاج إلى إجهاد، لأنها كما قال علماء البلاغة لا يؤكد الخطاب إذا كان المخاطب واعياً وإذا كان الدليل قائماً، ولا أقول شيئاً آخر، فلا يحتاج إلى التأكيد لأنه يحتاج فقط إلى أن يلتفت إلى ما حوله من الأدلة، فمجمع الفقه الإِسلامي الوحيد الذي ينشر البحوث وإلى جانبها المناقشات والمداولات مهما كان أمرها، قوية وضعيفة، هامشية وجوهرية، لكنه لأمانته يتولى نشر المناقشات والمداولات في كل موضوع بعد عرض الموضوع وبعد دراسته من جميع الجوانب والانتهاء فيه إلى قرار أو توصية. |
- ولكن رُبما يكون لأخينا العزيز العذر في كونه قد طلب هذا من بعض دور النشر أو المكتبات فلم يظفر بذلك، وهذا فيه الحجة الكبرى له علينا، لماذا؟ لأننا من يوم بدأنا بطبع المجلة، يعني من السنة الأولى التي عقدنا فيها المؤتمر الأول لم نبع كتاباً أو عدداً من المجلة، كلها تُعطى منحاً وهدايا للمؤسسات وللمراكز العلمية وللعلماء ولطالبيها، لم يأتنا طلب بشيء من ذلك إلا استجبنا له على قدر الطاقة، الآن العدد الأول والثاني لم تبقَ منهما نسخة، العددان الثالث والرابع في طريق النفاد والعدد الخامس إن شاء الله سيكون بين أيدينا قريباً، وأود أن يتكرم السائل عليَّ فيعطينا اسمه ولا يحرمنا التعرف إليه لنتمكن من إبلاغ النسخ إليه، وشكراً. |
|
ويعلق الدكتور عبد الله مّناع على إجابة فضيلة الشيخ الحبيب بلخوجة بقوله: |
- يبدو أن هذا السؤال يثير قضية العلاقات العامة إذا كان هناك ثمة علاقات عامة في المجمع لم تلعب الدور المطلوب في وضع هذه المداولات وهذه المحاورات وهذه المناقشات التي تدور في المجمع الفقهي بين أيدي الناس لأن سعي الناس إليها عند طلبها فيه شيء من المشقة وخير من ذلك أن تكون مُيسرة. |
|
يرد الشيخ محمد الحبيب بلخوجة قائلاً: |
- يا سيدي العلاقات العامة عندنا لا تلعب، هي جادة، وبناءاً على ذلك لو طُلب منا أي شيء من هذه المنشورات لأخرجناها لطالبيها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الصحافة في المملكة العربية السعودية بالمناسبة وبغير مناسبة تأتي مشكورة وأعترف لها بالفضل، ورجال الإعلام السعوديين - جزاهم الله خيراً - يتصلون بنا دائماً، وفي كل مرة أذكر أن ما نشر وما هو بصدد النشر وما حُقق وما ينتظر التحقيق، كل ذلك عرفنا به عن طريق الصحافة وعن طريق الإذاعة والتلفزة أيضاً. |
|
ثم يتقدم السيد سليمان بن حميد الطالب بقسم القضاء بجامعة أم القرى بمكة المكرمة بالسؤال التالي: |
- أشار الأستاذ الشيخ أحمد جمال إلى صنفين من العلماء صنف متشدد وصنف متساهل أو مُتحلل، وكلاهما لا يُجدي في عرض الشريعة لكي تُطبق، فما هو الضابط الذي ينبغي أن يُنتهج في العرض لكي يتقبله الناس؟ لأن في الشريعة أحكاماً لا علاقة لها بالتشدد أو التحذلل. بل لا بد من أن تطبق لأن النص الوارد فيها قطعي الدلالة كالحكم بتحريم الربا، فما رأي سماحة الشيخ؟ |
|
يرد الشيخ محمد الحبيب بلخوجة على ذلك بقوله: |
- أظن أن الشيخ أحمد جمال قد تصدى لهذا، فإذا أراد أن أنوب عنه فلا مانع. |
ويتدخل الدكتور عبد الله منّاع عندئذ بقوله: |
- سننتقل إلى سؤال آخر ثم نعود إلى هذا السؤال مرة أخرى. |
لكن الشيخ محمد الحبيب بلخوجة يرد قائلاً: |
- لا، أنا سأجيب عن هذا السؤال. أخونا الطالب الذكي الكريم حين عرض لهذا الأمر خلط بين أمرين، بين قضية الأحكام القطعية وظن أن الشريعة كلها أحكام قطعية، أو أن الفقه والأحكام الصادرة في الفقه كلها تستندُ إلى دليل قطعي، هذا لم يقل به أحد، هناك أدلة قطعية إما من حيث المورد أو من حيث الدلالة، إذا كان الخبر متواتراً أو كان قرآناً فهذا لا شك في صحته، وما يُستفاد منه يكون قطعياً، وإذا كان النص ظاهراً أو نصاً ولم يكن مُجملاً ولم يكن مُحتاجاً إلى بيان فإن الحكم الذي يصدر اعتماداً على ذلك النص يكون قطعياً أيضاً، أما إذا كان ظني الدلالة وكان طريق المعرفة بالنص فيه ظناً، وليس ثابتاً قطعياً فإن الأحكام تكون ظنية والذي يُختلف فيه هو الجوانب الظنية التي كانت مجال اجتهاد الفقهاء ثم إن الذي يُقال عنه إنه مُتشدد هو ليس متشدداً في الدين، ربما يكون آخذاً بالأحوط والذي لا يأخذ بالأحوط ويتبع الاستحسان أو المصلحة المرسلة فإنه قد يكون أكثر ليناً ويسراً، على أن الشريعة الإِسلامية تعتمد اليُسر ولا تعتمد العسر، وأن نبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتيسير لا بالتشديد، وإذا وجدنا شيئاً من الدين يحقق المصلحة ويوفق بين المصلحة العامة ومصلحة الشخص، أو الفرد أو الجماعة فإن الشريعة أو الحكم الشرعي لا يكون مناطه إلا المصلحة، وقد صرح بذلك كثير من الفقهاء ومنهم الإمام الشاطبي حيث يقول: "حيثما وُجدت المصلحة فثَمَّ شرع الله". |
- وعندئذ فنحن عندما نقول اختلف الأئمة أو هناك في العلماء من يتشدد ومن هو أكثر ليناً يختلف الأمر باختلاف تصور القضايا المعروضة وباختلاف الأدلة والأحكام التي يقف عليها الدارسون في كتب الفقه وفي أصول الشريعة، فإذا كان هناك ما يدفع إلى الاحتياط احتاطوا والاحتياط واجب في الدين، وإذا كان الأمر لا يحتاج إلى الاحتياط ويحقق المصلحة ولا يكون تحقيق المصلحة إلا بالتيسير على الناس فإن الأخذ بالتيسير أولى. |
|
غير أن الشيخ أحمد محمد جمال يضيف إلى ذلك ما يلي: |
- أنا قصدت عندما قلت هناك فريق من العلماء متشددون وفريق آخر متساهلون، هذه الإشارة الموجزة العابرة، أثارها أو أثار ظاهرة من ظواهرها سماحة الشيخ الحبيب في تعقيبه علي عندما قال: إنّه يعجب كيف أن هناك بعض الناس - والواقع كان ينبغي أن يقول بعض العلماء - يمنعون إصدار مجلات فقهية إسلامية، هذه العبارة التي أطلقها سماحة الشيخ الحبيب كنت أعني أمثالها من الظواهر، فلدينا في مجتمعاتنا الإِسلامية أو عالمنا الإِسلامي من يمنع تقنين الشريعة، من يقول إنه بدعة، إن الرسول لم يُقننها، إن الصحابة لم يقننوها، إن التابعين لم يقننوا الشريعة، وكنت أجادل بعض هؤلاء العلماء قبل نحو عشر أو عشرين سنة في صحفنا المحلية وكنت أقول إن تقنين الشريعة لا يعني تغيير الشريعة، إنما يعني تنظيمها وترتيبها في مدار تسهل مراجعتها للمحامين والقضاة وأصحاب القضايا والدعاوي، يعرفُوا أحكام الشريعة الإِسلامية مقننة مُلخصة في مواد في سطور مُرقَّمة كما ترى ذلك في القوانين العصرية الحديثة، ووضعُنا أو تقنينُنا لأحكام الفقه الإِسلامي بهذا الأسلوب لا يعني أننا غيّرنا الشريعة الإِسلامية أو غيّرنا معانيها أو مقاصدها أو أحكامها، فهذا نوع من التشدد لأن مولانا فضيلة الشيخ الحبيب كان يدعو إلى التيسير وأن وضع هذه المجلات يُساعد المسلمين على معرفة دينهم. أمَّا فريق المُيسِّرين أو المُسهِّلين أو المتحللين، فأعني بهم أولئك الذين يُسمَّون مع الأسف المفكرين الإِسلاميين الآن، في بعض صحفنا يُطلقون عليهم المفكرين الإِسلاميين يطالبون بفقه جديد، أي أن ننظر إلى كل القضايا بأسلوب جديد وأدلة جديدة ونعتبر الفقه الإِسلامي كله لا حُجة فيه، نترك استنباطات العلماء واستدلالاتهم القديمة كلها ونأتي بفقه جديد.. من هنا جاءت الحيرة كما أسلفت في كلمتي، حيرة المسلمين بخاصة شبابهم بين هذا الفريق وهذا الفريق والأمثلة كثيرة عندي ولكن المجال لا يتسع لسرد أمثلة على هذين الفريقين ومعذرة. |
|
ويعلق الشيخ محمد الحبيب بلخوجة على كلمة الأستاذ أحمد محمد جمال بقوله: |
- أشكر أخي الأستاذ أحمد جمال مرة ثانية ونحن نلتقي دائماً على الخير إن شاء الله. إن الذين يتجنون على الفقه الإِسلامي ويقولون نريد فقهاً جديداً، ويتركون المصادر الإِلهية للفقه الإِسلامي، ويريدون أن يبتدعوا وأن يضعوا تشريعات يسمونها إسلامية بحكم ما يتراءى لهم من معنى الإِسلام، وليست هي من منابع الشريعة الإِسلامية ولا من أصولها. ليسوا بعلماء، ولا ألتفت إليهم ومجال الحديث عنهم يطول، لو قضينا أياماً في دراسة هذا المشكل لما انتهينا منه، ولقد كتبت رسائل كثيرة حول هذا الموضوع، وأما الفريق الأول الذي أشرتم إليه فإنه فريق نكبره ونعظمه، وهو صاحب الفضل علينا وقد عشنا معه وأخذنا عنه، وشيوخنا السابقون الذين تخرجنا نحن عنهم كانوا يؤمنون بهذا وما زالت ثلة باقية من الناس تؤمن بهذا، لكن ليس معنى هذا أن جمهور الفقهاء ما زالوا متمسكين بهذا التشدد، هم يعرفون أن الدنيا تطورت ويعرفون أن أحوال العالم تغيرت، ويعرفون أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي والفكري والسياسي في العالم قد اختلف في هذا العصر عن الذي قبله وأن الشريعة جاءت لتواكب أحوال الناس وتوجههم في كل مكان وفي كل زمان، ولذلك فإنهم حين يُفيقون إن شاء الله سيأخذون العمل بأيمانهم ويقودون المسيرة. |
|
ويوجه المهندس هاني زهران سؤالاً حول ما قام به المجمع وما صدر عنه من فتاوى تعالج بعض قضايانا الاجتماعية والاقتصادية، فأجاب فضيلة الشيخ بلخوجة على ذلك بقوله: |
- إن عمر المجمع صغير لم يتجاوز خمس سنوات فقط، وعالج قضايا كثيرة، أكثر من أربعين قضية وصدرت فيها فتاوي، ومن يرجع إلى الموضوعات المقترحة في شعبة التخطيط للمجمع يجدها مثبتة لكن المجمع لن يتولى هذا الأمر بالدرس في اليوم الأول. ربما يكون موضوع درسه في العام القادم، والذي أخَّرنا عن بحث هذا الموضوع، وأقولها صراحة، لأنا كنا نتحدث عن التنسيق بين المؤسسات، بوصفي عضواً في مجمع الحضارة الإِسلامية بالأردن، مجمع الحضارة الإِسلامية بحث هذه القضايا وكوَّن لجاناً وهيئات تدارست هذه الموضوعات وأصدرت فيها كتاباً فلم نُرد نحن في مجمع الفقه الإِسلامي أن نُعنى بهذه القضايا التي صدرت فيها أشياء منذ ما يقرب سنتين فقط، وأردنا أن نشتغل بما لم يقع بحثه وسوف نعود بإذن الله إلى بحث هذه القضايا على الأساس الذي نريده في مجمع الفقه الإِسلامي. |
- هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الأمر قد تحرك في هذه السنة بالخصوص وأنتم تعلمون أن السنوات العشر من سنة ألف وتسعمائة وتسعين إلى سنة ألفين سيكون هذا العقد من السنين حافلاً بدراسات حول الحقوق الدولية، وستُعقد لهذا لجان في منظمة الأمم المتحدة، وسيقع بحث هذه القضايا بوضع دراسات وتكوين ندوات للكشف عن الحقوق الدولية وعن النظام الدولي وعن حقوق المجتمعات الدولية، وهذا ما يحملنا نحن ابتداء من السنة القادمة بإذن الله على بحث شيء من هذه الموضوعات باعتبار أن للإسلام وجهة نظر تختلف عن وجهات النظر الأخرى، فلعلنا نستطيع أن نكشف عن حقيقة الإسلام وعن حقيقة القانون الدولي وعن حقيقة النظم الدستورية في الإسلام حتى يستطيع المجتمع الإنساني ككل أن يفيد من هذه الأشياء وأن يجد رغبته وتربته فيما أذن به الله وشرعه للناس بدل هذه الأشياء التي وضعها البشر وقد تبين قصورها وضعفها عن تلبية الرغبات جميعها. |
|
ثم يوجه الدكتور عبد الله منّاع سؤالاً إلى فضيلة الشيخ الحبيب بلخوجة قائلاً في مقدمته: |
- هذا سؤال مباشر وموجّه لفضيلة الحبيب بلخوجة شخصياً، وأظنه يا فضيلة الشيخ سؤالاً سهلاً. |
|
فيرد الشيخ الحبيب بلخوجة بقوله: |
- أريده صعباً لأني أخاف السهل. |
|
ويوالي الدكتور عبد الله منّاع طرح السؤال بقوله: |
- هل تعرّض مجمعكم لبيان الحكم الفقهي في مسألة الشقاق والخلاف غير المنضبط إلى حد التنابز بالألقاب أحياناً بين بعض علماء الأمة. |
يجيب الشيخ الحبيب بلخوجة على هذا السؤال بقوله: |
- والله هذه قضية سلوكية وأخلاقية نتحدث فيها في المجمع كل يوم ولكن لم تصدر فيها قرارات لأنها ليست معقدة لهذه الدرجة حتى تحتاج إلى قرار، لأن المؤمنين بكتاب ربهم وبسنة نبيهم يجدون النصوص الكثيرة التي تُعينهم على سلوك المنهج الرشيد في هذا المجال، فلا نحتاج إلى قرار ولا إلى توصية، نعم قد يكون من الذهول ومن الغفلة أن ننسى أننا في الدورة الرابعة قد بحثنا شيئاً من الأخلاقيات والمناهج التي ينبغي للمسلمين أن يتحلَّوا بها وقد تعرضنا لذلك وصدرت عن المجمع توصيات بهذا الشأن وهي موجودة بنشرة القرارات والتوصيات. |
|
ويعقب الأستاذ علي محمد الرابغي على موضوع نشر المداولات والمحاورات قائلاً: |
- لماذا لا تُباع المقررات ويستفيد المجمع من طبعها طباعة تليق بالمحتوى وتفيد المكتبة الفقهية؟ |
|
ويجيب الشيخ محمد الحبيب بلخوجة قائلاً: |
- أنا شاكر لهذا الاقتراح وأقدره حق قدره وبالأمس في اجتماع مكتب المجمع تداولنا الرأي بهذه القضية وقررنا أن نبدأ ببيع منشورات المجمع فليطمئن إلى هذا وأن الكتب بإذن الله أو المجلات ستكون في متناول كل الناس. |
|
ويوجه الدكتور عبد الله منّاع نيابة عن أحد الحاضرين السؤال الأخير في الأمسية قائلاً: |
- الوقت يحاصرنا، وهذا هو آخر سؤال في هذه الحوارات بين الحضور وبين السادة الأفاضل أعضاء المجمع، يقول السؤال: حبذا لو تفضلتم بإعلان أسماء هؤلاء العلماء الأفاضل أعضاء المجمع الفقهي مع ذكر بلدانهم وهذه فرصة طيبة للتعارف مع هذه الكوكبة المنتخبة، وفي نفس الوقت تقديراً لهم أيضاً وهذه الغاية الكريمة النبيلة من دعوتهم واجتماعهم في هذه الأمسية، وشكراً. |
|
يرد الشيخ محمد الحبيب بلخوجة بقوله: |
- يا سيدي هذا يشرفنا ويسعدنا، أما أن أقوم أنا بالتعريف بإخواني فهذا ما لا يليق لأنهم هم الذين يعرفون بي ولست أنا الذي أعرف بهم، هذا أولاً. ثانياً: لا نستطيع أن ننقل اللاقط من واحد إلى آخر إلى آخر الساحة التي نجتمع في رحابها، ولكن أستطيع أن أقدم لكم قائمة بأسمائهم مع ذكر البلد الذي يمثلونَه ولا أكتفي بالأعضاء الممثلين للدول بل أعطيكم قائمة بالأعضاء الممثلين للدول والأعضاء الممثلين للهيئات والأعضاء العاملين الذين يبذلون جهداً كبيراً وهم هذه الصفوة الكريمة من الخبراء ومن العلماء ومن الأطباء ومن الاقتصاديين الذين يتعاونون معنا تعاوناً كبيراً، وبفضلهم استطعنا أن نُحقق ما حققنا من نتاج كريم في مجال الفقه الإِسلامي، وشكراً. |
ويعقب الدكتور عبد الله منّاع على ذلك بقوله: |
- يحق لنا أن نرجو من سكرتارية الأستاذ الشيخ عبد المقصود خوجه أن تأخذ هذه القوائم وأن تقوم بطباعتها وتصويرها وتوزيعها على السادة الحضور بهذه "الاثنينية". |
|
ويغتنم الشيخ الحبيب بلخوجة الفرصة فيقول: |
- أنا على كل حال ما دمتم قد فتحتم باب الطبع والتيسير فسأعطيكم القوائم تطبعونها وأعطيكم العدد الجديد للدورة السادسة بكل ما فيه تطبعونه. |
|
|