الرسالة الجوابية |
وأجاب عبد العزيز الرفاعي رحمه الله على رسالة الشيخ عثمان الصالح بما يلي: |
أستاذنا الجليل الشيخ عثمان الصالح رعاه الله.
|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
وجدت رسالتكم التشجيعية بعد عودتي من الإجازة، فحمدت لكم تلطفكم واهتمامكم، كما شكرت لكم حفاوتكم بالأبيات التي نشرتها جريدة الندوة، والحقيقة أن أخي الشاعر الفقيه نشر قصيدته، فحاولت أن أنظم الرد فجاءت الأبيات التي رأيتم، وهي متكلفة، فما لا يجود به الطبع صعب، ولا يمكن أن أسلك في عداد الشعراء، أما الصديق الفقيه فهو شاعر، وأديب ناثر، وأنا لا أجاريه لا شعراً ولا نثراً، وأين الطبع من التطبع؟ كما يقولون. |
ولقد حاولت حقاً أن أعرب عما أكنه لمكة الحبيبة من حب وإكبار وشوق وحنين، ولم أصل إلى شيء! وصدق ابن الرومي بالنسبة لكم ولي حينما قال: |
وحبب أوطان الرجـال إليهـم |
معاهد قضاها الشبـاب هنالكـا |
|
أرجو لكم المتعة في الإجازة، والسلامة في الرحلة، والهناءة بالعودة وراحة البال في كل حال. |
|
|
ونلاحظ في رسالة عبد العزيز الرفاعي الجوابية منتهى التواضع لدرجة أنه أنكر شاعريته واعترف بتفوق الآخرين عليه، وهذا ما لم يحدث في ساحة الشعر عبر العصور أن يقر شاعر بفحولة شاعر آخر يبزه إلا إذا كان حكم بذلك لجنة تحكيم مختارة مهما قل أو كثر أفرادها ولو أن كل شاعر اعترف للآخرين بالتفوق عليه لخلت ساحات المنافسة من الشعراء المبدعين وخوت من القصائد التي تهز الوجدان وتحرك العواطف ولكنها الطبيعة البشرية التي لا تجد المتعة إلا في الحركة والتنافس للحصول على المراكز العليا والغنائم الفضلى باذلين في سبيل ذلك ما يملكون من قدرة وموهبة، ووسائل علمية فكرية أو عملية وفي كتب التاريخ والأدب قصص كثيرة تنبئ عن التنافس بين الشعراء، واعتزاز كل شاعر بنفسه وأنه الأفضل في الساحة ومن تلك القصص هذه القصة: |
ضم أحد المجالس الاميرية فرسان الشعر الثلاثة في العصر الأموي جرير والفرزدق والأخطل فقال لهم الأمير ليصف لي كل منكم نفسه فابتدر الأخطل قائلاً: |
أنا القطران والشعـراء جَرْبَـى |
وفي القطران للجربَى شفاء |
|
فأسرع الفرزدق بالرد عليه قائلاً: |
فإن تك زق زاملة فإني |
أنا الطاعون ليس له دواء |
|
وعندما سمع جرير تطلعات كل من الأخطل والفرزدق وجد الفرصة أمامه سانحة لأن يدمغهم بالبيت القاضي فقال: |
أنا المـوت الـذي آتي عليكـم |
فليس لهارِبٍ منه نجاء |
|
وهذا أبو النجم العجلي أحد الرجَّازين الكبار يقول في إحدى أراجيزه: |
إني وكـل شاعر مـن البشـر |
شيطانُـهُ أنثْـى وشيطاني ذكـر |
فما رآنـي شاعـر إلا استتـر |
فعـل نجـوم الليل عايَنَّ القمـر |
|
وسنعرج على هذه الموضوع عند الحديث عن شعر عبد العزيز الرفاعي في موضع آخر آتٍ من هذا الكتاب. |
كما يلاحظ في رسالته أيضاً إطراؤه وثناؤه على أصدقائه وأنداده في مرحلة الشباب مرحلة الغرس والعطاء معاً فنراه يثني على شعر السيد محمد عبد القادر فقيه وكأني به يؤيد ما ذهب إليه الشيخ عثمان الصالح في حكمه بجودة شعر الفقيه على شعره. وفي رأي أن هذا ليس بمستغرب من عبد العزيز الرفاعي نحو زملاء دربه في الكتابة والمسامرات الأدبية فقد قام بطبع بعض إنتاجاتهم الأدبية أو بالأصح مؤلفاتهم كما قام بالكتابة عنهم في الصحف والمجلات كلما سنحت له فرصة بذلك يبين محاسنهم ويذكر فضلهم ويشيد بأدبهم شعراً كان أو نثراً وبكريم أخلاقهم وبتآلفهم وائتلافهم ومما كتبه مقالٌ نشر بمجلة الفيصل العدد 187 بالصفحة 84 عنوانه "ذكريات مع الشاعر فقيه" أقتطف منه الفقرات التالية: |
"ليست هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها عن الصديق الشاعر محمد عبد القادر فقيه فقد كتبت عنه من قبل نتفا من الكلام لم أبلغ بها القصد. |
وفي تلك النتف أشرت إلى ذكرياتنا الأدبية المشتركة، منذ كان يضمنا دكّان السمن الذي حولناه إلى مركز أدبي يرتاده مجموعة من الأدباء الشداة كانت لهم مفاهيمهم الأدبية الخاصة. |
لن أحاول الآن أن استقصي أسماء جميع أولئك الأدباء الشباب خشية أن أسهو عن اسم من أسمائهم ولكن بحسبي أن أورد من هذه الأسماء ما تسعفني به الذاكرة فمنهم "عبد العزيز الربيع" و "أحمد محمد جمال" و "سراج خراز" و "محمد عبد القادر فقيه" كانوا يجتمعون في وسط حلل السمن ويكرعون الشاي ويتحاورون في الأدب والشعر والنقد ويعلقون على ما تنشره مجلة "الرسالة" التي كانت تعد مدرستهم الأولى. |
هناك عرفت الصديق محمد عبد القادر فقيه الذي انتقل بنا من مكان الرسم إلى حديقته الصغيرة الحافلة بأطايب الورود والرياحين فكانت لنا فيها عصارى جميلة – وكان لنا فيها شعر وأدب وحوار. |
والأستاذ الفقيه قارئ مطلع مستوعب تمتد اهتماماته الثقافية لأكثر من اتجاه. والأستاذ الفقيه الشاعر بحق فقد تعودنا أن يطلع كل منا الآخر على ما يجد من هواجسه ومن ذلك مشاريع قصائدنا ولكن لا ينبغي عن حقيقة لا يجوز إغفالها هي أن صديقي إنما هو شاعر بحق من أول يوم عرفته حتى كتابة هذه السطور، أما أنا فلا أولي الشعر اهتماماً فإن حاولته في ساعات فراغي فذلك لن يبعد عن محاولة حل الكلمات المتقاطعة، واعتدت أن أحتفظ بهذه التسليات النظمية لنفسي، ولا أطلع عليها إلا الخاصة من أصدقائي، بل خاصة الخاصة منهم ليشاركوني التسلية، وأخي محمد عبد القادر فقيه في مقدمة أولئك الخاصة، بل أحسبه قد اطلع على كثير من السخافات التي لم يطلع عليها سواه وهو عليها الأمين المؤتمن". |
والمقال طويل اشتمل عليه شيء من نثر "الفقيه" وشعره. والذي نلاحظه في هذه الرسالة هو أن عبد العزيز الرفاعي يعزف ألحان التواضع في أغلب المناسبات التي تحدث فيها أو كتب حتى غدت إحدى مميزات أسلوبه في كتاباته إذا تعرض فيها للحديث عن نفسه. |
|