شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حوار حضاري مع "صديقي الحصيف"!!
• للشاعر البحريني "علي الشرقاوي"
ـ ما الَّذي اُخبر ابني.. عندما يسألني:
كيف يغزو عربي - يا أبي - أرض العرب؟!
ما الذي أخبره...
غير أن أبكي.. كما تبكي العصافير...
إذا الكون اضطرب؟!!
• ...... وتطول الرؤية، وتتمدد الرؤى.
ويشمل الصوت - بعض الوقت - وجه الشعور بقيمة الحياة ذات الثمن.
وفي هذا الاحتواء للرؤية والرؤى، للثواني والصمت: تواتينا شجاعة التفكير في الحياة وشؤونها ومشكلاتها، فينتشي سؤال حميمي:
ـ هل أنت سعيد حقاً.. أم تراها انتعاشة الحزن؟!
يقول "شاعر" في حواره عن الإنسان والحياة.. هذه العبارة:
ـ "لا أعرف ماذا يمكن أن أتمنى... أكثر من هذا الحضور المستمر للنفس مع النفس؟!
كل ما أريده الآن: ليست السعادة... بل: الإدراك"
• فكيف يستطيع الإنسان - إذن - أن يقود نتائجه أو محصِّلته... إلى الإدراك؟!
• وكيف يُحقِّق "الإدراك"... وهو مغمور في صخب الحيرة وإلحاح المطالب المادية؟!
إن "السعادة": ليست مطلباً حقيقياً، ولا "شيئاً" مباشراً مرئياً... وإنما "الإدراك" هو المطلب الذي يحقق السعادة: أن ندرك ماذا نفعل.. وأن ندرك قدرنا بقدرتنا على إلصاق طرفي السالب والموجب ليصنعا الحيوية و الاستطاعة، وليحققا التميز والاختيار!
ومن الصمت والتأمل... يولد نطق الإدراك لما نريده بالتحديد، حتى لا تتراكم أخطاء الاجتهاد في لحظة البحث عن الحياة الأحسن.
وينتعش فينا: إدراك ما يريده الآخرون منا... فننجو من تراكم الأحقاد، أو تصدع الروابط الإنسانية ووشائج القربى والدم التي فلسفها الإسلام لنا في عبارة واحدة فقط، هي: (أخي)!!
لذلك... علينا أن نجرب التعامل مع أبعاد هذه الكلمة، لندرك: كيف تعطي وهي تخرج من القلب.
• • •
• بعد هذا المدخل الذي تبلورت بوابته من تشكيل: الإدراك لدى الإنسان ليلج إلى مبتغاه عن السعادة، والاستقرار النفسي:
نحتاج إلى وقفات... نحاول أن نشرح فيها بعض "التعاملات"، وبعض المواقف من الناس، وبعض السلوكيات (الحديثة) التي تكاد تؤثر على عطاء المجتمع وربما سمعته لو استفحلت أو تفرعت!
وهذه "الوقفات" كانت محور حديث شيق وإن اصطبغ بالحزن بيني وبين (صديقي الحصيف): الرجل الذي أعتز كثيراً برؤيته، وبفكرته، وبصراحته التي يسددها كمشرط في عمق الجرح.
و"صديقي الحصيف": لا يسمح بتفكيره أن يتدافع، ولا برأيه أن ينفعل... فهو يُحكِّم الحوار، والحوار يرتكز دائماً على: التأمل، والإصغاء، والتفكير، والتفنيد القائم على المنطق.
و"صديقي الحصيف": شخصية هامة في الجذور، وفي الموقع، وفي المسؤولية، وفي القدرة الرائعة على استقطاب محبة الناس... كان يحدثني في فاتحة حوارنا عن "الأمة" - كل أمة - تطمح إلى مواكبة العصر والتطور، فيقول:
• "لابد لكل أمة ترسم خطوط مستقبل نهضتها وحضارتها: أن تعمل جاهدة على الإخلاص للعملية التعليمية وتطويرها باستمرار، حتى يتحقق لها الارتقاء والوقوف/ نداً في صف الأمم المتقدمة والمتطورة"!
ـ قلت لصديقي الحصيف/ الحكيم: أحسب أننا وصلنا إلى عصر الزحام المكثَّف!!
إن هذا الجيل: لم يفعل شيئاً يغاير طبيعة الجيل الذي سبقه - على الأقل - ولا الطبيعة الإنسانية عموماً.. ولكنه استطاع أن يكثّف إحساسه، وأن ينقل الضجيج من الأرصفة والمنتديات والشوارع المكتظة إلى داخل صدره ورأسه... وأن تتحول أفكار البعض منه إلى: أرصفة ومقاهٍ، ومنتديات خطابة، واضطرابات سياسية، وانحرافات في المعتقدات... وحديثي يشمل جيل العالم كله، وبالأخص: الجيل العربي من المحيط إلى الخليج الذي استهواه التقليد لمن نُسمِّيهم: الحضاريين في الغرب!
وهذا الجيل أيضاً: تحولت (عواطفه) إلى ماديات تخضع لمتعة الدقائق، وإلى حيرة في كيفية الاقتراب من طفل جميل يتقافز فوق عتبة داره، وفي يده ورقة، ومن أمامه: تمرق سيارات وعربات قطار سريع... وهذه صورة (تفصيلية) للزحام، استطاع أن ينجح في تجسيدها أو تصويرها: كُتَّاب القصة في عالمنا العربي ممن استلخصوا (إيقاعاً) درامياً بين مشاهد قصص أصدرها كُتَّاب لهذا العصر في أمريكا وأوروبا... ابتداء من: "جون كرواك" الذي سموه: كاتب الغضب، وانتهاء بـ "جبراييل ماركيز"!
إن مشكلة هذا الجيل - يا صديقي - تتمثل في هذه الحقيقة:
• أنه ولد مع انتشار هذه الأصوات: صوت طلقات المدافع، وانهزام العاطفة وثلوجة الحنان، وفَقْد الكثير من الذكريات والغوالي و.... القيم والمبادئ، ثم: غياب "الهدوء" الذي يمنحه التفكير والتأمل قبل اندلاع أصوات الرصاص في العالم، أو أصوات الزحمة من حوله!
وهذا التمزق الفاجع: موجود أيضاً في نفسية الإنسان الجديد المتحرك بشبابه، وباكتشافات عصره، وبعلومه، وبفنونه وآدابه، وبرفضه لكل القطارات التي مرّت وحملت معها: الدمار والدماء، وحملت معها: الطيبة والهدوء و..... الحزن الصامت!
إنه إنسان يفتش عن عاطفته بين كل هذه المتغيرات والانفجارات التي حدثت في عصره ضد الإنسان!
• • •
أخلد "صديقي الحصيف" إلى الصمت المتأمل... كأنه يحرِّضني على تفجير ينابيع فكره، فبادرت إلى هذا التفكير، قائلاً له:
ـ هل قرأت ما نشرته بعض صحفنا المحلية بطريقة المثل الشعبي: (خطْف الكباية من فم القِدِر) وقد لفت انتباهي تعليق - من إياه! - يعترض على القرار الشامل لكل أنحاء المملكة على تقفيل المطاعم وأماكن الترفيه بعد منتصف الليل، وعند الساعة (الثانية) في الصيف ومواسم الإجازات... لنكتشف بهذا الأسلوب: أن هناك من يفتش عن (أي شيء) ليكتب تعليقه عنه، فيقال: أنه كتب ووضعت صورته؟!!
• قال صديقي بنبرة حزينة: لا نريد أن نتجنى على أحد، بل نحن نبحث عن النضوج والوعي في الطرح الذي يقوم على الحقائق والمنطق... فالقرار الذي أشارإليه البعض ليهاجم في تعليقه "الجهة المسؤولة": لم يكن يقتصر على مطاعم ومنتزهات الكورنيش فقط، ولم يكن خاصاً بإمارة مكة المكرمة... بل هو قرار من "أولي الأمر" شامل يُطبَّق في كل أنحاء المملكة، وللذين اعترضوا وطالبوا ببقاء هذه الأماكن مفتوحة إلى الصباح... نقول:
ـ الكثير منا: طاف الدنيا وزار الدول الكبرى والمتطورة في العالم / أمريكا وأوروبا، وبالذات: بريطانيا وفرنسا... هل نجد مطاعم تسهر للفجر لديهم، إلا إذا استثنينا أماكن اللهو والغناء!
ونحسب أن البعض منا يمارس مثل هذا (الاختلاق) العجيب بفهمه المحدود، أو ربما بفهمه المغرض(!!) ولكنَّ الكلمة التي يطلقها صاحبها: لا بد أن تعطيه القيمة التي أعطاها هو لكلمته، إن كانت كلمة حسنة هادفة لمصلحة المجموع، وإن كانت كلمة مغرضة.
• قلت لصديقي الحصيف: إنه جيل لم يعد يعرف ما الذي يرفضه، وما الذي يقبله... إنه مرغم أن يتقبَّل أشياء يخترقها، وأشياء تخترقه، ويمارسها ثم..... يبصق عليها!
ـ إن مَنْ يعترض... يركز اعتراضه - أولاً وآخراً - على مصلحته الشخصية، وعائداته المالية... وفي الطريق إلى ذلك كله: لا مانع لديه أن يدوس على أزهار وأعشاب ومسامير وروث الحيوانات ليصل إلى غرضه.
ـ قال صديقي الحصيف: ذلك مثال طرحناه من أشياء أكبر وأخطر وأهم، ولكن....
لابد أن يكون اعتبارنا لهذه المرحلة، يعني ويركِّز على: سرعة الانتقال من جيل إلى آخر... من الزحام والتدافع إلى التجمع، والتنظيم، والتنافس الشريف بالعلم وبالعمل.
ويعني ذلك: الخروج من أزمات تلاحقت إلى البحث عن مفاهيم نتجاوز بها الأزمات.
• قلت إن الإنسان يهرب من الصخب والهدوء، فيمل الهدوء وينطلق إلى الزحام مجدداً... وحجته في ذلك: إنه يريد التعبير عن معنى جديد، ويريد أن يتحرك ويتبدل باستمرار، ليحقق التجديد!
• • •
• واستطرد "صديقي الحصيف" في حواره... ينسج هذه الرؤية الجديرة بالإصغاء، فقال:
ـ إنك من الممكن أن تُعلِّق همومك على (الأمل) وتسعى إلى تحقيقه، ولكن... من الصعب أن تُعلن هذه الهموم وحلولها على أحد... فلا بد لك أن تواجه الحقيقة نفسها!
ربما هذه "رؤية"... استقرت في ذهني من قراءاتي.
ومثل هذه الرؤية تتعرض أيضاً لسؤال قد يطرحه بعض الجدليين إلى درجة التطويح، متسائلين عن: ماهية (التغيير) المطلوب حدوثه في المجتمع: اقتصادياً، ونفسياً، وتنموياً، واجتماعياً؟!!
كل المجتمعات تتعرض لإصابات بأشياء من المتغيرات... والمجتمع الناضج هو الذي يحسن التعامل مع هذه المتغيرات بغير أن تُفسد جذوره وقيمه ومبادئه وتقاليده الأصلية!
• ولعل (صديقي الحصيف) الذي اعتز كثيراً بالقرب منه والتحاور معه، والإصغاء إلى رؤيته.. قد أوقفني أمام تشبيه لم يرد أن يُحمِّله الصيغة الكوميدية الضاحكة بقدر ما قصد (التقريب) لدى اهتمامات المجتمع.. وذلك حين قال لي:
ـ تعرف؟!... إن التغيير الذي يتحدث عنه الكثير اليوم، والذي يصيب العالم الآن... يماثل تماماً: التغيير الذي يصيب المرأة عندما تنقطع عنها العادة الشهرية!!
• قلت لصديقي الحصيف الذي أحبه كثيراً، وأثق في تحليله:
ـ البعض يشكو لك.. فيقول: لقد انتابني "شيء نفسي" ربما لا يعرف كيف يحدد مصدره، ولكنَّ ذلك الشيء لابد أن يكون نابعاً من الهموم والمشكلات التي تلاحق الإنسان، ومنها: ارتفاع الأسعار وتكلفة الخدمات والمواد الضرورية، وانخفاض الدخل (ونحن نتحدث عن القاعدة العريضة من متوسطي الدخل).
ثم ... هناك: ذلك "الشيء النفسي" الذي ينتاب بعض الناس.. نجد فيه الكثير جداً من أسباب ضيق ذات اليد أو ذات الجيب، ومن العجز عن قدرة التطور وتجديد التفكير والإنتاج.
مرهقون هؤلاء الناس... حتى النخاع!
وتساءلت في "سمع صديقي الحصيف" المُصغي إلى مداخلتي، قائلاً:
ـ هل تعتقد يا سيدي.. أننا نعاني من "فيروس" أخذ يداهم جوانب من مجتمعنا؟!
• أجاب صديقي الحصيف: تجد شرائح من الناس، قد تحولوا إلى ما يشبه (صيادي مشاكل)...
وهؤلاء يشكلون الفيروس في المجتمع.. وهؤلاء أيضاً: هم الذين ينشرون أسلوب مناقشة أمورنا بالحدة والمبالغة.. بتفكير ضحل من جانب، وفي الجانب الآخر: يفقدون الجدية!
• • •
قلت لصديقي الحصيف: وما رأيك في (النقاش) حول المرأة... واقعها، ومستقبلها، والفرص المطلوبة لها؟!
ـ أجابني قائلاً: نحن بالإسلام وتعاليمه وتشريعه.. نحترم حقوق المرأة كما أوصانا ديننا، ويجب أن نحترم هذه الحقوق فلا ننظر إليها على أنها: مجرد جنس فقط... لقد تعاملنا معها على هذا الأساس، والمرأة في واقعنا: عضو اجتماعي وإنساني عامل، ومنتج، ومفكر.
ولعلك تذكر أننا قبل أكثر من عشرين سنة... كانت البلد المحجَّبة الوحيدة تقريبا هي: المملكة... الآن أنظر حولك: الفتيات في الدول من حولنا، بل وفي العالم.. يهرولن نحو الحجاب!
ولا ينبغي أن نأخذ الحجاب على أنه: تقهقر بالحضارة، وبالتقدم، وبالعلم، وبالنضج... بالعكس، إنه (تقدم) بالنضوج، وبالإيمان الذي يكسي صدور المؤمنات.
وإذا حاول البعض أن يستغل هذا (الإيمان) أو التصحيح ليُدخل المرأة بين جدران أربعة ويقفل عليها، ويأمرها فتطيع مهما كان أمره لها... فهذا (سلوك) لا نقول: إنه غير حضاري فقط، بل قبل ذلك هو: سلوك غير إسلامي ولا أخلاقي!
• فلماذا نُعلِّم المرأة ونوعيّها؟!
ـ لتمتلك قرارها، وتفجر طاقتها بوازع الأخلاق والالتزام.. أو لابد أن تشرع المرأة نفسها في وطننا بمثل هذا المشروع والاستنهاض بالعلم، وبالتخصصات العلمية، وبالقدرة الفكرية والإنتاجية!
• • •
وبعد...
• فقد استروحت في بوح هذا الحوار الذي خصًّني به (صديقي الحصيف) وهو يقول لي ضاحكاً:
ـ ليس كل ما نتحاور فيه (تتلاقف) وتنشره... فنحن معاً - أنا وأنت - نفكر بصوت عالٍ بوازع من عشقنا لهذا الوطن المعطاء أبداً، ولهذا الشعب الذي يزيدنا محبة لأنه: أهلنا!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :892  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 479 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.