شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أصوات.. وأصداء
• ما هي الحدود التي كانت تُشكِّل متطلبات الحياة اليومية لجيلنا الذي ولج الآن إلى الخمسينات؟!
إن العودة إلى ما نحاول الهروب منه - كجيل صار يفيض بالتجربة - تبدو عودة أصعب من الهروب ذاته... ذلك لأننا: لا نقرر ركضنا بعيداً عن أحزاننا، لكننا ننسكب في الحزن، ونشرب على دروب التألم خطواتنا... فيزداد الظمأ فينا!
إن جيلنا الخمسيني: كان يفجر دموعه حباً، وصدره آهة.. ويفجر العقول بالأسئلة التي لا تنتهي، ولا نحسبها ستنتهي كما تراكمت الآلام... لأن هناك - باستمرار - طريقاً مجهولاً، اسمه: البحث عن حياة الحلم!
حتى كلماتنا: قد تهوى بأصحابها إلى وهدة التعاسة... وذلك يحدث: (عندما ترفعني إلى قمة السعادة، وأنت لا تفكر في لحظة قسوة السقوط)!
إنها مشاعرنا.. حينما صارت القسوة تمزقها بالانفصام... وهي أيضاً مشاعرنا: حينما يأتلف بها الصفاء والمحبة لكل الناس!
إن الأصوات - في هذا الجيل الخمسيني - قد اختلطت بأصدائها، وبأبعادها، وبإحباطها في غياب أصدائها، أو ردود الفعل.. حتى اختلطت مع التوجيه ذاته!!
صار المفكر، والأديب، والمصلح، والفنان: يكتب، ويُعبِّر، ويتحدث عن: فقر المجتمع العربي اليوم إلى السلوك المميز إلى درجة فقدان الضمير(!!) وتكدست الجدران الوهمية التي ارتفعت لتفصل بين الأب وابنه.. بين طالب العلم ومعلمه.. بين الحضارة ومحاولات تسخيرها للانحطاط بالوعي والإدراك!
والعالم يواصل إجراء تجاربه واكتشافاته.. وهو يعلن في كل يوم عن: أداة حضارية جديدة توفر له الوقت لاستغلاله في الضد.. أي في التسليح، ومخططات العدوان على الشعوب المستضعفة، والعجز أمام تفشي الأمراض المستعصية، وظهور أمراض جديدة غريبة ومدمّرة.
ويضع - هذا العالم المتحضِّر - بجانب اكتشافاته العلمية: أطماعه الحاقدة، وإشاعة الحروب الأهلية الصغيرة التي تفتح سوقاً لسلاحه.. حتى أنه صار يتلذذ بالقتل، وبتفشي الجوع، والفقر، والتشرد، والغربة!
• • •
ومع ظهور جيل أكثر قفزاً وتمرداً: جيل الستلايت، وتفجير المعلومات، وانتشار المخدرات، والعصابات، والإرهاب... نحتاج - في هذا الواقع - إلى: وقفة من أجل الغد.
نحن أمام هذا الجزع في النفس والروح، وفي البناء الاجتماعي.. نحتاج إلى (واقعية) في دور المنابر داخل المجتمع العربي الكبير من أقصاه إلى أقصاه.. بدءًا من منابر المساجد، ومروراً بمنابر التعليم - مدارس، ومعاهد، وجامعات - حتى المنابر الإعلامية: مقروءة، ومسموعة، ومرئية.. والمرئية هي: الأخطر اليوم، وهي الأسرع في التأثير على المتلقي من مرحلة الطفولة حتى القدرة على الفعل!!
بمعنى: أن تكون واقعية هذه المنابر مواكبة لكل ما جدَّ في العالم، ولكل ما اقتحم حياتنا، ولكل ما امتلك مغريات الجذب إلى درجة الدعوة للانحراف.. فلا يتوقف دور هذه المنابر على الرفض لكل ما في العالم أو حظْره أو منعه، ولا ينحصر دورها في رثاء العصور الغابرة الأجمل، والأحسن خلقاً واستقامة... فنحن أمام أمواج وأعاصير وزوابع من التغيير، لابد أن نواجهها (بواقعية)، وليس بالرفض السلبي الذي لا يملك: البديل، ولا الحلول... ونحن أمام (التطرف) الذي يتخذ "الدِّين" ساتراً له، ليضرب الحياة كلها من وراء هذا الساتر.. والدين براء من العنف، ومن إهدار دماء الأبرياء، ومن تحطيم اقتصاد الأوطان، ومن تعتيم الحياة بكل شيء محظور، وممنوع، وحرام!
ومن أجل هذا الجيل الصاعد.. الذي يستقبل دخول القرن الواحد والعشرين، بكل مفاجآته، وغرائبه، وتطوره العلمي، واختلال السلوكيات في الجانب المقابل... فنحن نحتاج إلى: وقفة صدق نتذكر فيها بحساب دقيق: ماذا خسرنا، وماذا كسبنا.. إن كانت في جعبتنا مكاسب؟!
وما هي نسبة البناء، ونسبة الدمار؟!
وما هي نسبة الشبع، ونسبة الجوع؟!
وما هي نسبة الحرية، ونسبة الظلم؟!
• • •
• نماذج.. من شبابهم:
وينبغي علينا الاعتراف بأننا: جزء من هذا العالم.. وأن هذا العالم أصبح قرية صغيرة، كل شيء فيه يتصل بالآخر، والجماد في البدء هو الذي صار اليوم يأخذ بيد الإنسان.
وفي هذا العالم أجيال عبرت.. عانت من حربين عالميتين مدمرتين.. وعانت شعوب أخرى في تلك الأجيال من الذين اكتووا بنار الحربين، فالتفتوا إلى الشعوب الصغيرة واستعمروها، وصبغوا حقولها بالدماء، ونهبوا خيراتها، وأخّروا تطورها.
ورغم ذلك التاريخ الذي نحسبه يتواصل ضدنا بأساليب أخرى... فنحن نتلفت إليهم، ونقرأ لهم وعنهم، ونشاهدهم، ونمتزج بهم، ثم.... نقلدهم!!
ولعلني أتذكر هنا - بالمناسبة - عبارة قيلت في أحد الأفلام الفرنسية على لسان فتاة شابة:
ـ "يبهرني الهروب في الأحلام والجنون"!
ونجد - الآن - في المجتمع العربي من يردد هذه العبارة: فتاة أو فتى.. فهذا الانبهار: جاء نتيجة المضض الذي يعاني منه شباب اليوم، وللانبهار أيضاً نتيجة أخرى هي: الجنون... والجنون يتمثل في هذه الشواهد التي تطحن الإنسان وتجذبه: جنس قذر، وقتل متوحش، ومخدرات تفتك بالطلائع، وانحلال وتسيب!
وحتى نكون أكثر واقعية وصدقاً في معالجة أدوائنا... فإننا نقول: إن هذه الشواهد في الغرب قد تسللت إلى مجتمعنا العربي والإسلامي بتدفق مخيف.. وإذا كنا لا نعترف بتفشيها، فإنها تنطلق من تحتنا - كالماء - حتى تُغرقنا لو لم نعترف بها ونعالجها!
• وفي بريطانيا.. سئلت فتاة إنجليزية في الثامنة عشرة من عمرها:
• ماذا تتوقعين غداً؟
ـ فأجابت: لا داعي لذلك الغد... يهمني أن أجمع الأمس واليوم والغد في اللحظة التي أمتلك فيها ما أريد، وبعد ذلك لا بأس أن يقتلني مجنون أو يائس!!
• قيل لها: وما الذي أقنعك بذلك؟!
ـ قالت: أيضاً ليس شرطاً أن أكون مقتنعة... إننا نفقد حقائقنا دائما، فلماذا نتعب من أجلها (؟!) إنني لا أريد أن أتعب ما دام التعب قد سقطت معانيه وقيمه.. أريد فقط أن لا أبكي. وأن لا أكون وحيدة!
• ثم أضافت تلك الفتاة قائلة: في مرات كثيرة فكرت في راحتي وأنا أبحث عن دموعي، وتساءلت: هل في استطاعة أحد أن يجيبني: لماذا يبكي، أو كيف يبكي إذا أراد؟!
ـ وأتسلل من بين سطور هذا الحوار.. لأرجع إلى حوار من المحتمل أن يتردد اليوم بين اثنين، ليمتزج بما قرأته على لسان تلك الفتاة البريطانية:
• قالت زوجة الرجل العجوز: قم من كرسيك الهزاز فقد حطمته جلستك المستمرة، واخرج إلى الشارع فربما قال لك أحد المارين: أنت قذر!
ـ قال الرجل: ولماذا أخرج إلى الناس حتى يشتموني؟!
• قالت: لكي تشعر أنك تحيا عصرك، وأنك لم تمت بعد.. فتستطيع أن تفكر في عمل تشغل به وقت فراغك، وتريحني من وجهك قليلاً!
قال الرجل: ها أنت ذي تشتمينني، ولكن.. هل بلغ السأم عندك مني إلى هذا الحد؟!
• قالت: بل بلغ الانتباه عندي إلى درجة السأم منك!
ـ قال لها: عليك اللعنة.. كان ينبغي أن أستخرج طفلاً منك ليخرسك، ويحطم سخريتك... ألا تشعرين بالشيخوخة مثلي؟!
• قالت: لقد عاشرتني أكثر من ثلاثين عاماً.. هذا يكفي لأن تكون شجاعاً في حياتك، لكن الشيخوخة فيك زرعت بداخلك الخوف من الموت ومن الأحياء.. لقد طاردت شبابي برغائبك، فانظر ما الذي يفعله شباب اليوم.. ليتني لم أولد بعد!
ـ قال الرجل بهدوء: الوفاء ليس كافياً(!!) سأخرج الآن فربما شاهدت فتاة في العشرين تنطبق ملامحها على ملامحك!
• قالت ساخرة: لا تشعرني بالحب "المعلَّب!"
قال الرجل: الزواج هو حب "معلب"... أحياناً يفسد ما في داخل العلبة لقِدمها، وأحياناً لهروب الهواء منها، وأحياناً قليلة لا يفسد... لأن ما في داخلها قادر على أن يتجدد دائماً!
• قالت: والآن؟!
ـ قال: سأخرج.. وأفتح هذه العلبة!
• قالت وهي تصرخ: اللعنة عليك مجددة... عد إلى كرسيك الهزاز. لقد تعودت على صوت حركته في الغرفة!
• • •
• ولم يكن هذا الحوار بين "شائخين" منفصلاً عن إعطاء هوية لإنسان هذا العصر، أو للعصر الذي شاخ، ولكنه غرس في عواطفنا أشياء كثيرة من الأحلام الباردة، أو من الترقب القائل: ما يأتي تماماً مثل الذي لا يأتي!
إن هذا الحوار بين "شائخين" هو انعكاس يحدد هوية هذه النفسيات، وليست الملامح أو الأسماء أو الأعمال.. فإذا كان عملك جيداً، فهذا يعني: أن نفسيتك هي ضميرك وهي صفاء مشاعرك، ولكنك تصدم بنماذج تعيش بيننا.. من الذين يبددون أحلامهم في فضاء سقف الغرفة، أو يبعثرون غضبهم بأتفه الانفعالات، والغضب: عميق، ومعرفة، وقضية!!
وإذا تلفتنا قليلاً نحو الشباب المثقف.. لوجدنا أن نسبة كبيرة منه تعود بعد تحصيل أعوام طويلة من العلم والمعرفة بحثاً عن مستقر راكد.. في مركز، أو وظيفة مريحة!
إننا نتوق إلى الخروج من زحام الصراعات المادية.. بعيداً عن التوتر النفسي الذي يُضخِّم حجم التعالي في تصرفاتنا، وحجم الرغائب في تطلعاتنا!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1195  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 471 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج