شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
موقف الأديب من التراث
ـ في عام 1392هـ/1972م: أجرى (ملحق البلاد) برئاسة الصحافي الأديب الراحل الأستاذ ((عبد المجيد شبكشي))، هذا الحوار بعنوان: (رحلة في أفكار هذا الرجل).
وقد حفلت تلك الأفكار التي طرحها أستاذنا ((الزيدان)) بإضاءات فكرية، وإضافات في تفتيش التاريخ، والعناية بالتراث.
* * *
ـ ما هو موقف الأديب المعاصر من التراث.. أيتجاوزه ويتخطاه، أم يستلهمه ويضيف إليه؟
ـ هناك مثل بدوي يقول: من ليس له عرق ينبت.. لا يثمر!
فالتراث في أي شعب: من الأسطورة، والحكاية، والحقيقة، والفن.. هي كلها عِرْق هذا الإنسان - أي عراقته، والأديب بهذا العرق - أي بالتراث.. دقَّ إحساساً!
العِرْق... أي بالتراث:
غير أنه بهذه الفوقية التي هي ميزة تشقى.. لأنه يترك ذاته ويشعر بمن حوله.. بما حوله. فماساته ينساها في بهجة الفرحة لأفراح الآخرين، وأفراحه يحتويها بكية الترحة من أتراح الآخرين. الاخرون هم الناس.. هم التراث.. هم كل غالٍ أحس به، وكل رخيص شعر به، فالأديب لا يسترخص شيئاً من ترابه، حتى التفاهات والنفايات يعرضها مزخرفة من جمال مصدرها في نفسه، ليصدرها جميلة للذين لا يحسون إحساسه، فلا غنى لأديب.. شاعر، ناثر عن ترابه، بتراثه كان ويكون!
إن الذين يلبسون العارية، مثلهم كمثل البدوي يقول: العارية ما تغطي عورة!
ـ رأيه في أدباء المملكة:
ـ ما رأيكم في مستويات، وإنتاج أدباء المملكة؟
ـ قلت من قديم: نبغ افراد فينا لهم فضل النشر، فعلمونا أن نرى الكلمة، في طليعة هؤلاء: ((محمد سرور الصبان)) يرحمه الله.. قلت فيه: لم يصنع الأدب وإنما نشره، وبهذا كان خيراً من صانعيه!
ـ وجاء ((عمر عرب)) يرحمه الله: فعلم جيلاً قبلنا: كيف يتذوّق الشعر.. كيف يقول الشعر، فعُمر عرب رائد متواضع، وما أكثر الذين قتلهم تواضعهم!.. لكنه في حياة الكلمة اليوم يرتجف من ذكره بعض الذين جحدوا فضله.
ـ وجاء ((محمد حسن عواد)): فصنع الكلمة شعراً بديعاً.. توقف إنتاجه على أن يبدع كما كان لظروف ليست من صنعه.. قست عليه الأيام بها، فكان رديفاً لعُمر عرب على صورة ((مودرنية))!
إن محمد حسن عواد أراد أن يكون (مودرناً)، فابت الأيام عليه إلا أن يكون غير ذلك!
ـ وجاء ((حمزة شحاته)): فكان كوصف المنفلوطي لشكيب أرسلان: لو لم يكن شاعراً مجيداً لكان كاتباً مجيداً.. إلا أنهما كفَّتا ميزان.. إذا مالت أحداهما رجحت الأخرى، ولو شئتُ أن أفخر بشاعر ابن هذا التراب لفضَّلته في شعره، وفي رصانة نثره على شكيب أرسلان.. لكن الحصر، وفقدن الحظوة جعلت من حمزة شحاته غير ما يستحق!
ـ وجاء ((السرحان)): بدوي في ثوب حضري.. حضري تهتز أردان البداوة فيه. أخلط شعره مع شعر الكبار من المحدثين في العصر العباسي، كالشريف الرضي، ومهيار، وأبي نواس، فلا تجده إلا واحداً منهم.. لكن الانتشار في العالم العربي أعجزه الانحصار!
العالم العربي كل قطر فيه أناني بالنسبة للكلمة.. لا يقرأ عربي في قطر كلمة لعربي آخر، ولولا ثبات ((الرحبانية)) لما كان لهم هذا الشأن، ولولا ميل السياسة لأن تجاملهم لما كان لهم هذا الشأن.
واليوم يتسابقان كفرسَيْ رهان الأستاذان: الفقي، وقنديل.. هما قيمة، لعلّهما ذخر يضاف إلى ما سبق!!
غير أن ((القنديل)) يأتي بالمُطْرِب إذا كَرِب.. كأنَّ الابتسامة تبدو بارقة في مشاعره من خلال القتام المحيط به، أما ((الفقي)).. فيأتي بالمُكْرب من حِكمة ابن الفارض، ومن إليه، إذا لذَّ له الطرب!
كأن الحياة تبدو عابسة من خلال الأضواء التي تصفق لديه وترقص حواليه!!
ولماذا أنس هذا الطراز الفريد من الباحثين لدينا، مما يحق لي أن أفاخر بهم، وهم الأساتذة: حمد الجاسر، أحمد عبد الغفور عطار، عبد القدوس الأنصاري، أبو محمد علي أبو تراب.. هؤلاء أتقنوا صناعة التأليف، وإذا تعقبوا أحداً جاءوا بالمعجب، أعرف الكثير عنهم جميعاً، ولكن معرفتي بأبي تراب أكثر!
هؤلاء علمونا: كيف نكتب، فتعلمنا أن نكتب.
ينقصنا الآن من يعلمنا: لماذا نكتب!!
والناثرون ما أكثرهم.. لكن في الطليعة منهم مع هؤلاء: محمد عمر توفيق، وضياء الدين رجب، وعزيز ضياء، والأشبال الذين يمسكون بالصولجان الآن في صحفنا اليومية.. لا أريد أن أُخْجل تواضعهم كما يقول سعد زغلول، أو أن أطغي غطرستهم كما يهمسون، فلا أسمي واحداً منهم، عيب أن أجحف بهم.. في مقدمتهم: عبد الله الماجد، عبد الله الجفري، هاشم عبده هاشم، علي مدهش، مشعل السديري، أياد مدني.
إن عندنا أدب، عندنا شعر. عندنا إحساس مرهف. عندنا إنسان وارث للمهارة.
إن الأدب فينا يطبعنا بمهارة آلاف السنين في البادية والحاضرة، يكفي أن أدبنا هو ديوان العرب. أنْجَد أوَّلاً، وتحجَّزَ ثانياً، واستَعْرق، وتشاءم، وتغرَّب أندلسياً مغربياً، ثم تمصَّر واستعرق، ولعلّه يعود في دورة نجدياً وحجازياً كما كان.
ـ نقاط الضعف:
ـ ما هي نقاط الضعف في الأدب السعودي من وجهة نظركم؟
ـ الكسل والخوف!
يعني: أننا نملك القوة، والكفاءة، والقدرة.. ولكن تنقصنا الإرادة!
نقص الإرادة بعوامل شتى.. لعلّ انفتاحنا الوم على العالم يشجع الكسالى وينشطهم.
ـ واقع الفكر العربي:
ـ هل لكم أن تحدثونا عن واقع الفكر العربي، وهل ترون أن الأدب العربي أسهم إيجابياً في النهضة العربية بوجه عام؟
ـ كل مفكر يعيش عصره.. تؤثر فيه ثقافات رديفة، والآراء المرسلة.. كما تؤثر فيه عقائده، ومبادئه، ووحي تراثه.. فالفكر العربي يعيش في مرحلة العراك.. سواء خارج حدودنا أو داخل حدودنا.. عراك بين ما يمسك به، يثبته على أرضه من التقاليد والعقيدة، والتراث.. وبين ما هو مرسل إليه مما حوله.
هذه المعركة لا أتشاءم منها، فالإنسان العربي يمر اليوم بمنطقة الصهر. قد نخسر أفراداً.. قد تدمي بيننا معارك.. قد تنجم مشاكل، لكن الأمر هو على رأي البدوي: لن يبقى في البئر إلا حصاها!
الخوف من هذه الظاهرة: هو أن لا تكون معركة.. فلو كان الأمر سلباً ضد خوض المعركة لكان الجمود، ولو كان استجابة لكان الضياع... لكن خوض المعركة يقتل الجمود، ويضيِّع الضياع!
ـ أزمة فكرية في العالم الإسلامي:
ـ هناك من يقول: إن العالم الإسلامي يمر هذه الأيام بأزمة فكرية مستعصية.. ما رأيكم في ذلك؟؟
ـ لا أحسب أن جواباً عن هذا السؤال.. إلا وهو الجواب عن سابقه.. فكل الناس في هذه الدنيا يعيشون المعركة.. بين ما يُثَبِّت أقدامهم، وبين ما يبعثر أفكارهم.. فخير ما في العالم الإسلامي أنه يخوض معركة الثبات!
ـ الصحافة.. ودورها:
ـ هل ترون أن الصحافة في بلادنا قامت بدورها كما يجب تجاه المجتمع؟
ـ في كثير من الأمور: نعم.. وفي خدمة الأدب: لا!
لكن التطور في قابل من الأيام.. سيعطينا صحافة تفعل، أو تكمل ما نقص من صحافة اليوم.
فنحن أمة.. دولة.. بلد.. بدأنا في مسيرة تتفتَّح.. تستوعب كل خير.
ـ أدب الشباب واللامنتمي:
ـ ما رأيكم فيما يسمى بأدب الشباب، وأدب اللامنتمي؟!
ـ من زمن مضى كتبت عن ذلك.. أفسر فيه كلاماً للناقد الأستاذ (عبد القادر القط).. أريد أن أعود إليه على صورة أخرى: ليس هناك أدب قطر، ولا أدب جيل، ولا أدباً نسائياً، ولا أدب شباب. هو أدب لا أكثر ولا أقل، فالشعر الجاهلي: شعر الأمة العربية كلها، والكلمة المشرقة في بيان من آتاه الله سحر البيان، وفي بيان الكبر من أمتنا، وفي نهج البلاغة، وفي بيان ابن المقفع والجاحظ.. كله عربي للأمة العربية، كلها.
كان ابن المقفع شاباً تحت يدي عبد الحميد، وكان غيره كذلك، وكان مهيار تلميذاً عند الشريف الرضى.
وكنت أنا وغيري من هؤلاء الذين تعدُّونهم: قدامى، صغاراً، أمام حسن عواد، وعمر عرب.. وأصبحنا الآن وقد تلاحقنا.. كلنا قدامى!
والشباب اليوم تلبسونهم هذا المقاس، وقد بدأوا اليوم يتناحرون مثلنا، وبعد غد يصبحون قدامى.
إن صغر السن لا يعطي وضعاً جديداً يجعل من الأديب أديباً غير الآخرين. هذه حكاية فرَّ منها بعض العاميين الذين كانوا يتظرفون بلفظة ((شبيبة)).. كانت عقليتهم، فعزَّ عليهم أن يسد الفراغ. احتكارية المقام، والعمل غيرهم.
لنترك كلمة شباب وشيوخ.. إنها عامل فصام في الأسرة الواحدة.. فمن نعم الله علينا أننا شعب نشعر بالأسرية، كأننا كلنا أسرة واحدة.
العيب على الكبار منا: أن لا يفرحوا بجيل بعدهم.
والعيب على جيل بعدنا: أن ينكر علينا أنَّا جيل التجربة.. الذين تعلمت فينا الحياة كما يقول المثل.. تعلمت الحلاقة في رؤوس اليتامى!
لم نكن يتامى، ولكن كنا غلاباً!
ـ التجديد في الشعر:
ـ ما رأيكم في الشعراء المحدثين، وهل تؤيدون فكرة التجديد في الشعر؟!
ـ رأيي هو: عمل المتنبي، وابن الرومي، ومن إليهما.. سمُّوهموا المحدثين كترتيب تاريخي، زمني.. الجاهليُّون، المخضرمون، المُحْدثون.. فلقد أجاب هؤلاء بأنهم أبدعوا كما أبدع الأولون (وزادوها حبتين)!
رأيي هو رأي الشوقي.. جاء مُحْدثاً بترتيب الزمن، وعريقاً في أداء العمل.. نضعه في صف المتنبي ومن إليه. بعض المحدثين أجاد بما لم يجد القدامى.
زارني (شنقيطي) من علماء شنقيط (موريتانيا) وبعد حديث وحوار قلت له:
ـ لقد أغرقتم أنتم أهل شنقيط أنفسكم في حفظ شعر القدامى؟!
ـ فقال: ومَنْ كالقدامى... إذا قال المُحدثون هذا البيت حفظنا لهم، وأنشد بيتاً:
لكنْ أخو خَيْلٍ حَمَى صهواتها
وأدار مِنْ أعرافها الهَيْجَاء!
- وضحكت، وأردت أن أستدرجه، فقلت: أهو لعنترة.. لزيد الخيل؟! إنه شوقي وهو من المحدثين.
ـ قال: إذا قال المحدثون هكذا، حفظنا لهم.. نحن نحفظ شوقي.
هذا رأيي في المحدثين. أما إن أردت الشعر الحديث، فما كان عن شعور في قوالب شعرية، فيسعنا وأنت ما وسعنا من قول موشحات الأندلس، والشعر النبطي، والزجل وما إليها.. فالشعر كلمة قلب، ما أحسنها أن تكون في قالب!
ـ الأثر في الحياة:
ـ ما هي أبرز الأمور التي كان لها كبير الأثر في حياتكم العامة؟
ـ أبرزها: الصَّولْة على الفشل، والتطاول على الوظيفة، والخضوع للمعرفة!
ـ الموقف المبكي والمضحك:
ـ ما هو الموقف الذي ضحكت فيه، والموقف الذي بكيت له؟!
ـ ضحكت عندما سمعت أن التي قالوا احْتَرقت قد نجت، كما لم أضحك.. لأنها ضحكة الحب الفاشل!
وبكيت عندما تأكدت أنها ماتت، كمَا لم أَبْكِ.. لأنها صنع الحب الصادق!
ـ سعيد بالنَّاس.. للنَّاس:
ـ هل أنت سعيد؟!
ـ نعم.. سعيد بالناس، سعيد للناس.
كل ما يشقي من ملابسات أطرده بالتفاؤل، وأقتله بالضحك، وأقصيه بالعمل.. السعادة أن أراها على غيري، والشقاء أن أفْتَضِح في عواطفي!
ـ أحب الألوان:
ـ أي الألوان تفضل؟!
ـ في غرفة النوم: السماوي. وحين النوم السواد!
وفي الأنثى: الأصفر على أبيض.. لون الياسمين.
أفزع من الوردي، ولا أكره السمار.. إن أرضي سمراء، وأنا أعشق هذ السَّمَار، لغتي عَشِقَتْه قبلي. لا تسميه السواد، وإنما تسميه السَّمار!
ـ هل تفضل النور أم الظلام؟!
ـ كلاهما فاضل عندي.. هذا في وقته، وذاك في وقته.. ولكني أحب الليل.. الليل ضمير يستيقظ، وعشق يبوح، النهار عمل وفضيحة!
ـ لو أردنا منك أن تُعرِّف محمد حسين زيدان.. فماذا تقول؟!
ـ طالب معرفة يحب كل الناس، ولا يكره أحداً.. وما نام ليلة وهو حاقد على أحد!!
ـ شعاري: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً (النساء:9) صدق الله العظيم.
ـ كم عمرك الزمني، وعمرك في ميدان البحث والتأليف؟
ـ عمري الزمني بصدق: في نهاية السابعة والستين، والإقبال على الثامنة والستين.. أدخلها في شهر رجب.
أما عمري في ميدان البحث والتأليف.. لا بحث ولا تأليف، وإنما عمري من أول يوم نمت فيه سنوات في مكتبة عامرة بالكتب.. قرأت أكثرها وأنا لم أبلغ الثامنة عشر من عمري!
أي أن عمري في القراءة خمسون عاماً!
وعمري في الكتابة أربعون عاماً!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :858  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 420 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الغربال، قراءة في حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[قراءة في حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه: 1999]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج