ـ سيناريو.. الانفصام العربي |
ـ إذا كان فيكم بلد واحد، لم تغمره عطايا ومعونات السعودية، والكويت، والخليج.. فليرفع زعيم هذا البلد رأسه، وليرنا وجهه.. فإنَّا نحب أن نرى كيف يكون الجحود، ونكران الجميل، عندما يتجسدان في صورة آدميين!!
|
|
ـ صار ((العرب)) يعشقون ((الأمنيات)) كما حبيبٍ رحل، وقرر أن لا يعود!! |
ونبدو - نحن العرب - في واقع: شعب فَقَد خلفياته، وجفّت فيه منابع التفاؤل بالغد الذي حشدنا في الانتظار له: أنضر الأمنيات! |
أصبح هذا الشعب العربي، يعيش الحياة: محكوماً بمفاجآت خلافات الزعامات، وتناقضات شعاراتها.. ويعيش الحياة: مجلوداً بسرية ((الانفصام)) من داخل النفس، ومهدداً بأطماع عديدة، ومتلاحقة.. ضد الأمان، والاستقرار، والتنمية، والرخاء! |
إن الواقع الذي يعيشه الإنسان العربي..يتناقض مع أي ((حلم)) يتفاءل بانتصار عربي.. ويستغرق في أفعال الخلافات، وفي ألوان من انفلاشات المذاهب، والنظم السياسية، والشعارات، و((الأحلام الشخصية))! |
فهو - إذن - واقع يتّخذ حصيلة التجذّر، في الشواهد، والدلالات على فشل العرب في أن يحققوا تضامناً، أو يرسّخوا وحدة في الأرض، أو في الصف، أو في الكلمة! |
وما زال ((الحلم)) هو الأجمل.. برغم محاولات الغدر التي تفسد هذا الحلم في كل مرة! |
وما زلت - كعربي - أشعر بوقوفي المتلفِّت وسط الدروب العربية الشائكة، والتي تكثَّف فيها: التوجّس، والخوف من الشقيق قبل الغريب، وحراسة الكرامة! |
إنه تلفّت هذا ((الطفل)) / الشعب العربي: الحائر، الذي يعاني من الفزع، وقد تشابكت أمامه وحوله الطرقات المتفرعة.. وهو يبحث عن أهله، وأسرته! |
ويخيَّل إلينا.. أن كل مواطن عربي، في لحظة من لحظات التأمل لواقع العالم العربي، أو الحال العربي.. يفعل هذا التلفّت بقلق على مصير ثوابت أساسية، تتشكل من: العقيدة، والوشائج، والأرومة، والدم، والحلم العربي بهاجس ((التضامن)) الذي استهلكنا عشرات السنين، ونحن ندعو إليه، ونشدّد عليه، ونتمناه! |
وقد اختلَفَتْ المسميات، وأساليب الطرح الفكري العربي! |
وانبعثت شعارات عديدة.. بعضها جاء متلاحماً مع فكرة ((التضامن)).. كأمل، يلمّ شتات هذه الأمة التي مزّقتها عوامل، وأسباب عديدة.. يأتي في مقدمتها: |
ـ الحقب الاستعمارية: |
وقد تعاقبت على العالم العربي.. وكان هدف المستعمر الأساسي، هو تفتيت هذه الكتلة العربية الواحدة، ليسهل ابتلاعها، وتذويبها: دينياً، وقومياً، ولغة، وتراثاً، وتاريخاً! |
وكان هدف المستعمر أيضاً: استغلال ثروات هذه الأرض، وبناء حضارة المستعمر، والسيطرة على مواقعها الاستراتيجية، وأهميتها! |
ولم يكن الاستعمار قادراً على تحقيق أطماعه تلك.. إلاّ تحت شعاره: (فرّق.. تَسُد)، وبحدوث ذلك ((الانفصام)) في بعض الزعامات العربية.. التي أوجدت للمستعمر فرص الانقضاض على العرب، وأفسحت المجال بالخلافات، والغدر، لتنفيذ مخططات الاستيلاء، والاحتلال! |
ـ الموجات الانقلابية: |
وقد عصفت باستقرار الكثير من الأقطار العربية.. وتردّت بالاقتصاد الوطني، وبمستوى معيشة الفرد في تلك الأقطار، حتى تحوّلت من أقطار ((مُنْعمة)) ولا نقول غنية، إلى أقطار يعاني مواطنوها من شظف العيش! |
وكان يُظّن أن تلك ((
الانقلابات
)) التي اتخذت لنفسها مسمّى: (الثورات).. يمكن أن تكون هي الخلاص من سيطرة الاستعمار الأجنبي!! |
واتضح - بعد التجارب المريرة -: أن ما حدث على مدى ثلاثين عاماً.. لم يكن أكثر من سيطرة جديدة ((لفئة)) من الداخل.. مارست عبر مؤسسات عسكرية: كل وسائل الاستحواذ على الحكم، وتعاملت مع مواطنيها بأسلوب القمع، والتخويف، ودفعت أقطارها إلى هذا التردِّي الملحوظ: اقتصادياً، وتنموياً، وسياسياً، وحتى ثقافياً!! |
وفي أثناء تلك التجارب المريرة:
|
ـ إتسعت دائرة الخلافات العربية من الداخل!! |
ـ حدثت الشروخ في بنية التضامن العربي، أو حلم ((الوحدة العربية))!! |
ـ فقدت الأمة العربية المزيد من الأراضي التي احتلتها إسرائيل.. مثلما فقدت - أيضاً - المزيد من سيطرتها، وهيمنتها على مقدراتها، وقرارها العربي الموحّد! |
ـ عَبثَ البعض من أنظمة الحكم العربية بمصداقيته مع شعبه.. في إدعائه التوجّه نحو: الوحدة، والتضامن، والبناء التنموي والاقتصادي! |
ـ غرس هذا البعض من أنظمة الحكم، الذي ادّعى (التقدمية) ومحاربة (الإمبريالية) : مجموعة من نبات الحنظل، والأحقاد، في صدور الشعب العربي ضد بعضهم البعض.. وذلك بتقسيم ((
أهلهم!
)) العرب إلى: غني، وفقير.. ومنعم، ومحروم.. ووطني، وخائن!! |
وبذلك منحوا المستعمر، والطامع، أكبر فرصة ليتفرج على كل هذه (الخيبات) العربية، ويرسم خرائط أطماعه بارتياح شديد، ويستحوذ على المقدسات، وعلى الأرض، وعلى المياه، وعلى الكرامة العربية.. في الوقت الذي نشعر فيه أن بعض العرب صار يمارس (الاغتصاب) مع الحلم العربي، ومع الوحدة العربية!! |
وكانت محصّلة تلك التجارب المريرة: خسائر في الأرض، وخسائر في القرار العربي الموحَّد! |
وأفظع من ذلك كله: أن المواطن العربي.. صار يُعاني من شعور كظيم بخسائر أكثر فداحة.. في أحلامه نحو الغد!! |
* * * |
ـ وفي قتامة الرؤية العربية اليوم.. تذكَّرت حواراً قديماً مكتوباً، نشر قبل سنوات بيني، وبين أخي، وزميلي، وصديقي الكاتب العربي الكبير الأستاذ ((عرفان نظام الدين)) بعد أن كتب - يومها - عن ((الانتصار العربي)) الذي أكّد على أنه: ممكن في الواقع!! |
وحسبتُ - حينذاك - أن الكاتب الصديق، أراد أن يستفزني بتلك العبارة.. غير أنه أردف يفصّل رأيه، فقال: |
ـ (لكننا غرقنا في دوامة.. لا الواقع فيها مُتَاح، ولا الحلم مسموح به)!! |
ولم أسترخ بعد العبارة.. فكأنه: لكزني بها، وآلم غربتي العربية، وشرود فكري.. وجعلني أصارع قوة الدفع في الدوامة التي غرق العرب فيها!! |
ولا أدري.. ما الذي يمكن أن تقوله ((الكلمة العربية)) اليوم، بعد إقدام رئيس قُطْر عربي على دفع جيوشه لاقتحام قُطْر عربي آخر مجاور له.. ليعيث العسكر فساداً، وسوءَ خُلُق، وعسفاً، وغدراً.. حتى يصل سمَّه إلى ((أعراض)) العربيّات؟!! |
لم نعد - كعرب - نعاني من مجرد (دوامة) تُفرِّقنا.. بل إن ((فعلة)) صدام، قد أحالت هذا الواقع إلى مستنقع ضحل، ومتعفّن.. ينفث روائح الغدر، وسوء المنقلب!! |
ويتحدث ((غدَّار)) العرب عن: التدخل الأجنبي في مشكلات عربية! |
فمن المتسبِّبْ في خيانة (التضامن) العربي، ونسفه؟!! |
إن الكارثة الحقة: أن ((غدار)) العرب، هو الذي أخضع المستقبل العربي، والمصالح العربية في الحاضر والآتي، للصراعات بين القوى العظمى، وأوجد أسباب تدخُّل هذه القوى! |
إن ((غدار)) العرب.. هو الذي أدار آلة الحرب، ودفع العرب ليكونوا تروساً في عجلة هذه الصراعات والتدخلات! |
ولم يكتف ((الغدَّار)) بذلك.. بل إنه جعل العجلة تأخذ البعض إلى قسمين متواجهين، متنافرين: رجعي، وتقدمي.. قومي، وخائن.. غني، ومعدم لا بد له أن ينهب حقوق الغني! |
وهكذا.. تتضح جوانب من الكارثة: التي أفشت المحن على شكل حروب أهلية، واجتياح، وخلافات داخل التجمع الوطني العربي الكبير، وتحالفات مشبوهة، تدّعي موازنة العلاقات الدولية، ومذابح، وإسقاط تام لقضية العرب الأساسية (فلسطين)، وإشغال العرب، والمجتمع الدولي عن مناصرة المناضلين الحقيقيين داخل الأرض الفلسطينية المحتلة بحجارتهم، وبمقاومتهم للمحتل: وإضاعة فرص السلام، وتدعيم الكفاح!! |
وتتضح جوانب أخرى من الكارثة: أن فريقاً (عربياً!) ينحاز إلى دعاوى الديمقراطية، ومَقولة العالم الحر.. ضد فريق (عربي) آخر، كل ذنبه، وجريرته أنه رفض الغدر، واجتياح بلد عربي، لبلد عربي جار له، ضمّه إلى (أملاكه) بالقوة، وسرق، ونهب ثرواته، وشرد أهله، واغتصب نساءه!! |
إن هذا الفريق المعتدي، أو المنحاز إلى المعتدي.. يرتكب ترويج الكثير من أكاذيب الشعارات، والأيديولوجيات، ومَقُولة سيادة (البروليتاريا).. بينما ينحسر الستار عن خطط (تصفوية!) ودموية، وعن خذلان وقح للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وترويج ظاهرة الانشقاق، أو التمرد الثوري.. ليبقى العالم العربي يدور كثور، أغمضت عيناه!! |
* * * |
ـ من أقوال العرب الحكيمة، وذات الدلالات العميقة: |
ـ ((بسبب مسمار.. نضيّع النضوة! |
وبسبب النضوة.. نضيّع الحصان! |
وبسبب الحصان.. نضيِّع الفارس))!! |
وفي كل الأحوال.. أصبحنا لا نقدر على كتابة تاريخ بلدنا العربي الواحد، والممتد من النيل إلى الفرات! |
إننا نقف في أجواء الحروب الأهلية، وحروب الاجتياح، وحروب الزعامة الطامعة، وحروب غدر الأخ والجار.. كأنَّ العرب قد تحولوا اليوم إلى ((صم، بكم)).. يعانون من الحسرة، والتغرير، والخوف، والغدر! |
بينما يتولى كتابة تاريخ أرضنا العربية.. هؤلاء (الدِّيَكة) التي تتصارع فوق الأرض العربية، بكل اللكمات، والكدمات، والجروح التي تصيب جسم الأمة العربية! |
إن العرب اليوم: يطوِّحون بأذرعتهم، وأقدامهم.. فيكتشفون بعد كل جولة: أن بعضهم يضرب البعض الآخر.. وأن جروحهم من الداخل تفوق بكثير جروحهم من الخارج! |
هكذا.. صار ((العرب)) يتامى على مائدة العالم كله!! |
|