العودة للإنسان! |
في منتصف ليل نخره التعب.. أسحب خطواتي نحو حدود التخلي! |
رأسي يقرع.. كطبل إفريقي الصدى والإيقاع.. |
صدري.. واجهة اعتراضاتي، أما رأسي.. فهو اعتراض واجهاتي الإنسانية! |
مرة أخرى.. أتثاءب، وأدندن الحزن، كأنه ((النغم الضائع)) في الفرح الأبله.. في السعادة المعوقة! |
أردد الآن: (كلما أمطرت السماء.. ذابت ألوان لوحتي)! |
إن الإنسان يغرق في الليلة الأخيرة.. يسقط في الكلمة الأخيرة.. يموت في الأمل الأخير! |
إن الإنسان قد تحول في ركضه وطموحاته وقفزاته المجنونة، إلى صورة مضادة لحالة النفس الإنسانية! |
إنه القسر، والتناسي لهذا الضجيج الذي يغرق همس الروح في أمواج من صخب المعايشة اليومية.. |
فلا بد أن تهفو أرواحنا إلى نجوى الوجدان.. في تصلب العواطف من شراسة ما تتلقاه، وما يسقطها في الاحتداد والانفعال! |
فلا الوجدان أصبح في راحة التأمل التي تمنحه الصفاء، ونقاء الخفق، ونظافة الشعور وشجاعة الحق. |
ولا الفكر قادر على تجاوز الصدمات والسقطات.. ليرتفع إلى مستوى قضايا الإنسان المعاصرة التي تطحن طموحاته وتفاؤلاته بين رحاها! |
من الصعب أن يخرج الإنسان اليوم من زمانه.. تقدماً إلى زمن مؤمل، ومتوهج بالحلم! |
ومن الصعب أن يرتد إلى زمن قديم بسيط في تركيبه الاجتماعي، وفي احتياجاته المادية! |
ذلك.. لأن الإنسان مرجوم بهذه الانفلاشات النفسية، وبهذه الخلخلة المجلوبة بالتمدد المادي ليشمل هذا التمدد أكثر مواقف الإنسان! |
وذلك هو ما جعلني استطرد خلفه.. حتى سكنت عند بضع سطور من كتاب.. خلته وكأنه يقف حائلاً بيني وبين الانصراف عن أي شيء، وإلى أي شيء! |
لكن الانبهار.. يتحول أحياناً إلى سخرية مريرة! |
كان عنوان الكتاب، هو: ((مالاتستا)).. للكاتب المسرحي الفرنسي ((هنري دي مونترلان)).. ذلك الذي نشر عبارته الشهيرة فوق شفاه المتزاحمين على رؤية مسرحياته آنذاك، فقال: |
ـ ((إن عدم الاستقرار وعدم الثبات.. هما الحياة نفسها))! |
وأرسل من خلال هذه المسرحية دعوته المنادية إلى: ((العودة للإنسان))! |
وتأملت.. كيف يواصل الإنسان حياته الدرامية، ويوحد بين الحدث والرغبة.. وبين الشجب والاضطرار؟! |
إن ((مونترلان)) يقول: إنني أفزع من الناس الذين تتملكهم الثقة! |
بمعنى: أنه لا توجد نسبة كبيرة نعتز بثقتها.. والكثير من البشر يسحقون الثقة بالتوتر، أو بالتكلف، أو بالأكاذيب التي يعتبرونها براعة وذكاء! |
إننا - إذن - نعاني من ((مآزق)) الضعف - العاطفي.. لأننا تثقفنا بعطاء العصر المضطرب! |
* * * |
حزنك العميم - يا أيها الإنسان - زاخر ببواعث الهوى، والحنين إلى الأمل، ويفيض بالثقة التي نمارسها بالتقسيط! |
رأسك الكبير - يا أيها الإنسان - بكل الانتصابات التي فيه.. هو كفاءة حياة.. أنت من أجلها تبحث وتضنى.. تعشق وتتبدد! |
صدرك الذي يضيق باتساعه - يا أيها الإنسان - بكل الخفقات الصادرة عنه.. وثيقة إنسانية، لكنها ضائعة في الأحلام اللزجة! |
* * * |
إن ((مونترلان)) يصور المأساة الإنسانية، ويفضح الصراع مع عالم مضطرب: ((حينما تكون مأساة حب الإنسان للفكرة التي يكونها عن نفسه، وعن عصره.. رغبة في فرضها على الآخرين))! |
فكيف نفرض أفكارنا على الآخرين؟! |
نحتاج - إذن - إلى امتلاك الثقة.. ولكننا نبددها في أولى لحظات الانتصار، ونهينها في أولى لحظات الهزيمة! |
لذلك.. فقد توجب على الإنسان أن لا يستقر.. وإنما هو ينهي في كل ليلة استقراراً مؤقتاً.. وكل ليلة؛ هي الليلة الأخيرة؛ أو الكلمة الأخيرة؛ أو الأمل الأخير! |
* * * |
|