الرسالة الثالثة عشرة |
ـ ((الاستمتاع بالحب ليس لحظة، ولكن |
الإحساس باللحظة يعطي الشعور |
بالحب ومعناه))!! |
|
ـ سيدتي: |
عندما تنتكس بعض رغائب الإنسان وأمانيه.. لا يعني هذا فقدان الأمل كله. |
والذي يشعر بالفقد النهائي.. تعبره أيامه، متشحة بالرماد.. في أذنيه نواح، وفي عينيه فوهتان غائرتان بدون حركة، وبدون حياة.. ولا شيء في نفسه إلا ((الفقد))! |
عفواً - سيدتي - فما زلت متعباً.. أفتش عن صدرك لأريح رأسي عليه. |
إن ضياع ما نريده.. ليس - بالضرورة - أن يتحول إلى هزيمة قاصمة.. فالذين يحاربون، يخوضون معارك مستمرة.. يتألقون وينتصرون في بعضها، ويموت منهم من يموت: شجاعاً في بعضها الآخر! |
إنني أتحدث عن ((نفسية)) هذا العصر! |
ومن زمن طويل يتحدث الإنسان عن التفاؤل.. عندما يتكلم عن أشياء لا يعرفها! ويبقى - ما زال - في انتظار ((جودو))، لعلّه يأتي إلى العالم غداً.. وهذا غير مؤكد!! |
ومن زمن طويل أيضاً... يتحدث الناس عن الحب، ويمارسونه، ويتنكرون له بعد ذلك! |
ولعلّ أقسى ما يكون.. هو أن يفرض عليك بعض الناس - تحت شعار الحب - منطق الاستسلام لشيء، أو لشعور.. والتشبث بأكذب الابتسامات، وبأكبر الوهم! |
إننا لا ينبغي أن نسقط في ((عاطفة)) الكراهية أو الحقد على أحدٍ.. بل يكون الدواء الناجع هو: الاحتقار! |
إن الحنان الذي يولد في الخوف من الموت... حنان لا يعترف به الطموح! |
* * * |
وهناك - يا سيدتي - الذين يكافحون من أجل لقمة العيش، ونشدان حياة كريمة.. يتعرضون للمسغبة وللعطش وللقحط في حياتهم.. لكنهم يواصلون المسيرة حتى يستقرون داخل ما تطلّبوه وأرادوه! |
وهناك الذين يحبون.. يعشقون.. يتأوهون، ما زالت الحياة تنبض بهم. |
ليسوا كلهم يتوسدون قلوب من أحبوهم.. بل أكثرهم لاقى الحرمان، أو تعثر في النكران والجحود والنسيان! |
وليسوا كلهم يلاقون لوعة الصد، أو الفراق، أو الظروف. |
إن الذين توسدوا قلوب من أحبوهم: تزوجوهم!.. وتحوّل ((الحب)) بعد ذلك إلى ((معاملة)).. تخضع في البيت ((للصادر والوارد!)).. إلى ((روتين))، في داخله يقول الرجل للمرأة: |
ـ بدل أن أحبك اليوم.. أحببتك بالأمس! |
وفي داخلها.. تقول المرأة للرجل: |
ـ بعد أن أحببتني بالأمس.. وجدتك قد تبدلت.. بردت وغفت مشاعرك! |
ـ ويرد عليها: بل هو الزمن، والتعوّد والامتلاك، وتقدم السن!! |
* * * |
ولا بد أن الذين عاشوا معاناة الفراق، واللوعة، والصد.. سيبتسمون بعد زمن، فكل شيء يتغير، وكل شيء في الحياة لا يبقى على وجه واحد! |
أعرف ردك على هذه العبارة، ستقولين: |
ـ أنت مخطئ.. فالمرأة عندما تحب رجلاً لن تنساه، وهناك نساء يبلغ بهن الحب إلى درجة أن يغفرن للرجل خيانته بدافع الحبّ |
ولكن.. حتى ((الحب)) أصبح أساسه اليوم: الخوف! |
وحتى مقياس الحب.. أخضعه عالمنا المادي لاعتبارات عجيبة! |
وعلى سبيل المثال: قال العلماء.. إن المرأة في عام (2000) لن ترضي غرور الرجل!.. لماذا؟! |
لأنها ستكون أكثر طولاً.. نحيفة أو نحيلة، ومسطحة تماماً، لأن موضة ((البنطلون)) ستنتشر، وتجعلها تبحث عن وسائل التخسيس أكثر من الآن!! |
ضحكت.. فمن قال لأولئك ((العلماء!)) إن المرأة أرضت غرور الرجل في يوم ما بدون مزاجها.. ومن يصدق هذا ((التقييم السخيف))؟!! |
إن المرأة ذاتها.. هي غرور الرجل ذاته! |
إن الإنسان يطوّع حاضره بالصبر، وبالتبرير، وبالتوصل إلى عبارات ((يلضمها)) ثم يسميها: المنطق.. وبالنسيان، وبالصمت. ولا يهم هذا الإنسان أن ينال في بعض الأحيان ((قشة)) يتمسك بها ويعتبرها حلاً. |
وفي الحب... تألم الكثير، وتجمّد الكثير.. لكن هذا لا يعني أن أولئك الذين تألموا بالحب، وساروا في الحياة.. قد فقدوا مشاعرهم، وتخلّوا عن وجدانهم. |
إن الألم ذاك.. هو حطب المدفأة، والمدفأة هي حيوية الإنسان! |
لقد أحب ((آرثر ميللر)) زوجته الثانية، ثم تألم، وبكى عندما ضاع ذلك الحب. |
وتزوج ثالثاً، ورابعاً... لكن الزواج الثاني ظل يذكره، وبالذكرى يرطب إحساساته كلما شعر بالجفاف، وعرف أن حبه ضاع منه! |
لكنه لم يفقد ذلك الحب.. بقي مخلصاً لذكراه، ولأصدائه، لأنه كان ينبض به، ويعيش في وجدانه.. والقادرون هم الذين لا ينسون مطلقاً! |
والفارق كبير... بين أن يضيع منّا شيء، وبين أن نفقده! |
إن الذي يضيع منا قد نجده يوماً ما... أما الفقد، فهو نهاية، وذهول! |
وما أقسى أن ننسى!! |
* * * |
هكذا دخلت عليك ببوح حزني الشديد. |
أتخيلك الآن.. وقد استغرقت في كل الصور التي حاولت تجسيدها أمامك. |
أرجوك... لا تتهميني باليأس. |
حبك.. كان وما زال بوابة شموسي، وحدائق ليلي، وقمره. |
حبك.. وردة متفتحة بين ضلوعي، منحني بهاء الحياة، وعبق الروح. |
لكنني وأنت من هذا الجيل الذي يمشي على الماء ويصفق.. دون أن يعرف مدى قدرته على حفظ التوازن! |
إن بعض ملامح الطفولة تترسب في ذواتنا.. إلى درجة أننا لا نقدر على الخلاص من تضخمها أحياناً... أو إلى درجة أننا لا نطيق انبعاثها أحياناً أخرى! |
كذلك... إن نفوسنا لا تطلب منا الدفاع عنها أمام الحياة.. فما دامت دموعنا هي عطاؤنا الصادق والباقي بعد كل ما يذهب.. فلا شيء يفوق الدموع، لأنها مثلما تعبّر عن أحزاننا.. فلن نجد أعمق منها لإعلان أفراحنا! |
والناس هم عمار نفوسنا - يا حبيبتي - يمنحوننا الحب تارة، ويظلموننا تارة أخرى.. يصفقون للحب، ويطاردونه كأنه جريمة! |
وخطر لي أن أتساءل وأنت تحدقين في وجهي ذات مساء: |
ـ ترى.. من الذي يعلمنا الحب، ويدفعنا إلى التطهر بالألم؟! |
من يرفع خفقات قلوبنا إلى أعلى ((ترمومتر))، لتهتز أغصان الشجر المورقة؟ |
إنهم ((الناس)).. أولئك الذين يحبون شيئاً واحداً فيك، ويمسحون عنك تعبك، وضناك.. وربما أخطاءك أيضاً! |
أولئك الذين يضعون الألوان الجديدة دائماً على لوحة أيامك.. لتبدو اللوحة واضحة وزاهية باستمرار! |
وهم أيضاً الذين يروّجون الشائعات.. حتى يدفعونك إلى التطهر بالألم!! |
* * * |
ويبقى السؤال الحائر في عينيك وعيني دمعة حزن وشوق: |
ـ هل تحول لقاؤنا إلى ((أمنية)) تنسفح في دروب الحرمان الطويل؟! |
و.. يا أنت، أيتها الحبيبة الموغلة دوماً في شراييني: |
ـ هل ترينني متروكاً عند نهاية الزمان؟! |
أم تراك ترينني أنتظر كل الأشياء الباردة - المزيد منها - طالما أن تحديقي في الصمت قد طال أكثر، وإن تمددي في الفراغ قد اتسع؟! |
نحن معاً - أيتها الأغلى - نجد مشاعرنا قد تعودت على خط الاستواء.. والناس تسأل باستمرار عن: ((الفعل المضارع))!! |
فدعينا نواصل ((الصبر)) الجميل على احتمال الأشياء الباردة.. في داخل الأسئلة التي تبحث عن الفعل ((المضارع)) للحب!! |
|