إنني أغوص وأطفو... |
إنني أبحر في ركض من أحب.. |
يتقاذفني الموج. |
وأتورط في شجني حتى السؤال! |
ولا أريد أن أسأل.. |
كل ما أرغب.. هو أن أرى بوضوح! |
أحياناً.. لا أود أن أشير إلى الأشياء التي أمامي.. |
أن أتفرج فقط، |
فأنا أشاهد الناس يركضون: |
(وراء الأشياء. وراء العمر.. |
وراء المال، المجد، النسيان. |
وراء غيمة من دخان سجائرهم)!! |
لن أجاريهم ما استطعت، |
أعرف أنهم لن يبلغوا كل الهدف.. |
أنهم متعبون من الآن، |
أنهم يموتون برغائبهم، |
أو تقتلهم أشياؤهم الصغيرة! |
* * * |
أرغب أن أرى بوضوح، |
ولا بأس أن أبعثر سؤالاً واحداً.. |
واحداً فقط هو: |
ـ لماذا يتهافت الناس على قراءة أخبار العلم |
تلك التي تتحدث عن قرب توزيع ((إبر الذاكرة))؟! |
هل لأن الناس فقدوا ذاكرتهم، |
أم أنهم لا يرغبون في فقدها.. |
أم الصورة تختلف، |
إذ يريد الناس أن يستبدلوا ذاكرتهم القديمة بذاكرة جديدة؟! |
أما الذين فقدوا ذاكرتهم. |
فلماذا الحسرة. |
ما الذي كانت تحتويه ذاكرتهم؟! |
إن كل ما فيها هو الجري وراء الوراء دائماً! |
إن العلم سيثبت أن ذاكرة الإنسان لم تصبح خائنة له.. |
إلا لأنها مليئة بالعذاب الخفي.. ومليئة بالمتناقضات!! |
* * * |
إني أغوص وأطفو.. |
ـ ما زال النهار يولد على فروعك.. |
فانظر نحو قرص الشمس كيف يتساقط ضوؤه على فروعك |
متوهجاً أخاذاً! |
إنه العمر الحافل بكل النقائص.. |
فالفرح نقيض الفرح.. |
لم يعد الفرح نقيض الترح! |
وفي ذكرى الميلاد أبصر جيداً.. |
سنوات من العمر امتلأت بالضياء.. |
وتناثرت مع الأيام أوراقاً متساقطة بلا هوية.. |
وطنها الذكرى، |
ودروبها الحنين، |
ومستقرها صبابة من القناعة.. |
بجدوى العطاء الذي لا يسأل عن مكافأة! |
* * * |
إننا نطفئ شمعة أخرى كل عام، ونشيخ! |
إننا لا نحتفل وإنما نتصبر.. |
نطرد الشيخوخة القادمة.. |
نقيم مظاهرة دعائية للسخرية بالشباب.. |
ثم نتلفت مجدداً.. نفتش عن شبابنا الجديد.. |
قادماً مع تفتح عمر أولادنا.. |
زهورنا التي نلقيها في بيادر الحياة لتنتشي، وتعبق، وتصنع |
عمراً آخر! |
ها أنذا أحتضن زهرتي الأولى البكر، |
وقد تفتحت كالأمل، |
وعبقت كالشوق، |
وشمخت تنتشر في عمري كشعاع الفجر الجديد. |
ها أنذا أرفعها إلى الحياة، |
وأذوب كما لحظة العناق.. |
أمنحها فيئاً، وأستمد منها ذاكرة جديدة للعمر المتبقي! |
ها هي - إبنتي - عروساً، |
كأنها التفاؤل الأخضر في تأملي.. |
كأنها أكسير الفرح الذي يبدد من بين ضلوعي غربة |
العثور، |
ويروي جوانحي بالغد! |
* * * |
لقد بلغ عقلي سن الملل، |
ويطوي الملل في جنحه كل نهدة... |
استنهضت فكرتي ذات يوم! |
ويبقى البياض قرصاً يلمع في صحراء العمر كالآل.. |
كالنداء الذي يتواصل ولا يصل! |
* * * |
إنني أتعاطف، وانبجس، |
وأنسفح. وأتدفق. |
إلى ما لا نهاية.. |
أتذكر تلك اللحظة. |
في وقفة بطل قصة ((بعد الغروب)).. |
أحدق معه في الأشجار العتيقة وكيف تموت واقفة، |
وأتأمل معه قرص الشمس وهو يسقط قانياً مضرجاً خلف |
الأكمة، |
وأهمس بعبارته: |
ـ ستسقط الظلال بعد قليل، |
وتهرب الفراشات إلى ضوء الشموع، |
وتنق الضفادع فوق صفحة المجرى.. |
ستتحول الساعات هدوءاً بارداً، |
ويتوقف الإنسان هنا عند لحظة الغروب.. |
يعصر كلماته، فتتقطر طفولة، ودموعاً وصدقاً!! |
* * * |
فيا أيها العمر.. في ذكرى الميلاد.. |
تبعثر عشقي فوق نزق أيامك، |
وصمت بوحك |
واختزان أحزانك.. |
وتغربت الأيام في أمسيات الرجع، |
وتبقت زهرة تتفتح كالأمل، |
وتعبق كالشوق، |
وتشمخ وتنتشر في عمري كشعاع الفجر الجديد. |
ها أنذا أزفها إلى الحياة، |
وأذوب في لحظة العناق.. |
ويزفني عمري إلى سن الهدوء.. |
قلباً اختفت حفافيه مما فاض، ويزفني عمري إلى سن الملل. |
ـ عقلاً - يا ليته يرتاح!! |