شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أنا أحيا.. بك!
حط رأس ((إلهام)) على كتف زوجها.. مثل عصفور جميل يبحث عن الأمان.
أغمضت عينيها حين هدأ رأسها الصغير فوق هذا العش.. فكأنها تريد أن تنام بعد لهاث طويل ومضن، وكأنها تريد أن تغني بهمس.
طوَّقت خصرها يد زوجها.. تود لو تبقى هذه اليد تشدها للأبد إلى هذا الحضن الذي انعكس عليه ظلها، ولاذت إليه قامتها، واحتوى عمرها.
ـ وسألها زوجها خالد: سعيدة لأنك حصلت اليوم على شهادة في اللغة الفرنسية؟!
ـ أجابته: السعادة ثمرة عمل مفيد بلا شك.. لكني أكثر سعادة لأنك بقربي.. لأنك حصني العتيد.
ـ قال ضاحكاً: يا دلع.. يا ((بكَشْ))!
ـ قالت: المرأة تحب أن يدلَّعها الرجل الذى تحب، لكني صادقة.. وفي نفس الوقت سعيدة لأني حققت شيئاً حرصت أن أنفذه وأنجح فيه.
ـ قال: كسبت لغة أخرى.. يمكنك أن تقرئي بها الآن، ولا تنسي أن الأدب الفرنسي يعتبر من أرقى الآداب الحديثة.
ـ قالت: على مهلك.. الخطوة الأولى إنني استطعت قراءة الصحف.
ـ قال: البداية قاعدة.. المهم أن لا تتوقفي أو تهملي. الحمد لله.. يعني ارتحنا من الإصرار على الديكور، وفتح المحل.
ـ قالت: تقصد إنك انتصرت يعني؟!
ـ قال: ها.. انتبهي، نحن سعداء ومبسوطين، لا تقلبيها خصام!
ـ قالت: بالعكس يا ((خالد)).. فكرتي كانت لا تقوم على (العناد لمجرد العناد)، أبداً.. كنت أصر على العمل من أجل العمل.. لم أتشبث بالديكور لذاته، بل بالفكرة.
ـ سألها: وما هي أبعاد وأهداف الفكرة يا سيدتي؟!
ـ أجابت: أهدافها يا سيدي الساخر إشغال المرأة في مجتمعنا بشيء مفيد لها.. لماذا؟ لأن المرأة تعاني من الفراغ، والفراغ يولّد الملل من البيت والزوج والأطفال ويؤثّر في نفسية المرأة التي تستمر حياتها بين أربعة جدران.. كما أن الفراغ يسبب ((تخريج)) نساء ثرثارات، ينحصر اهتمامهن في الرغي، و((الحش)) والكلام في الناس، أو يوجه ذلك الاهتمام إلى الانشغال بأمور تافهة. وأنت تعرف أن الانشغال بالفراغ وحده يعكس نتائج وخيمة، أو سلبية على الأقل!
ـ قال: أنا لا أختلف معك في كل ذلك.. لكن الأهم هو: كيف تعمل المرأة، وماذا تعمل؟ بما يعني التحرك في حدود قاعدة المجتمع، وإمكاناته، وقدرات المرأة أيضاً.. لذلك، لم أعترض من البداية على ((فكرة)) العمل، بل كان كل اعتراضي ينصب على الممارسة ذاتها.. على نوع العمل الذي ينبغي أن يكون منسجماً مع قاعدة المجتمع، وعاداته، وإمكاناته، ومع قدرتك كزوجة مسؤولة عن بيت، وزوج وأطفال!
ـ قالت: أعرف أننا لم نختلف على المبدأ وإنما على التفاصيل.. لكن كان عليك أن تقدر كيف كنت أعاني من الفراغ وأنا سيدة متعلمة، وجامعية، وقدراتي لا تحد.. ومن المفروض أن تكون هناك منافذ للمشاركة باعتبار أن المجتمع وحدة متعاونة متكاملة.
ـ قال: صحيح.. ولكن، في إمكانك أن تعتبري مسؤولية البيت ومن فيه مشاركة في هذه الوحدة، أو التعاونية.. لأن الرجل لا يقدر أن يتولى مسؤولية تربية الأسرة الصغيرة وإدارة البيت من الداخل، ولا أدري.. لماذا تعتقد المرأة أن هذه المسؤولية ثانوية، ولا أعرف لماذا تنظر المرأة إلى هذا العمل باستخفاف.. بينما هو في أبعاده يشكّل أهمية تكبر أحياناً إلى درجة الخطورة!
ـ قالت: اشرح لي ذلك مفصلاً!
ـ قال: أرجو في البداية أن لا تحكمي علي بأني رجل متخلف أو رجعي.. حتى أتكلم بحرية!
ـ قالت مبتسمة: انت حبيبي.. سواء كنت رجعياً، أو تقدمياً، أو طباشيرياً!
ـ قال: حسناً.. فهل تعرفين يا سيدتي أن أطفالنا باتوا يعانون اليوم من غياب الحنان، وباتوا يفتقدون الرعاية والعناية والاهتمام؟.. فكأن الأسرة الواحدة تحت سقف البيت الواحد تعيش مرحلة الانفصام!
ـ قالت: على مهلك يا عمنا.. ليس إلى هذه الدرجة، فمازلنا بخير والحمد لله.
ـ قال: صحيح.. ولكنها المؤشرات التي تدفعنا إلى الانتباه وإلى المبادرة.. فهناك الأب الذي قد لا يرى أبناءه لعدة أيام، وفي النتيجة الأحسن.. فلعله يراهم مرة واحدة في اليوم على مائدة الغداء، وهناك الأم التي انشغلت-كما قلت أنت- بالتوافه.. إلا ذلك العدد القليل من اللواتي ملأن الوقت بالعمل وبالإنتاج وبمناقشة مشكلات الأسرة، وهذا العمل منهن أيضاً أنساهن أولادهن، أو العناية بهم.
ـ قالت: ول. ول.. إنت حامي وساخن جداً.
ـ قال: أنا منظم.. أبحث عن تنظيم الحياة. لك حقوق.. لا بأس، ولكن كيف تستفيدين منها،. وفي مقابلها عليك واجبات.. فكيف تفيدين بها؟ هذه هي القضية!
ـ قالت: هذا موضوع له عدة جوانب، والجدال فيه لا يجعل أحد طرفي النقاش منتصراً!
ـ قال: لا نبحث هنا عن انتصار فريق على آخر.. بل الأهم هو انتصار قضية المسؤولية، والاقتناع بدور عظيم وضخم يخص تربية نشء، وتوجيههم، والاستفادة منهم حينما يكبرون!
ـ قالت: حلو.. جميل جداً!
ـ قال: عدنا للسخرية عندما رأيت أن الموضوع بالغ الحساسية ومليء بالمنطق!
ـ قالت: لست أسخر، ولكنك انفعلت كأنك تحارب.. وأنا مالي.. قالوا لك إني وزيرة الشؤون الاجتماعية، والا مسؤولة عن شؤون الأسرة؟!
ـ قال: لم أنفعل.. ولكني أتكلم بجدية، والموضوع ليس مناظرة بين رجل وامرأة، ولكنه تخطيط لحياة.. الرجل والمرأة مسؤولان عنها في الدرجة الأولى.. أجل نحن علّمناكم علشان تناكفوننا وبس؟!
ـ قالت: نعم نعم يا سي خالد.. إيه علمناكم دي؟ التعليم للرجل وللمرأة، وبعدين المرأة مسكينة.. عمر الرجل ما نصفها. لما كانت أمية وجاهلة.. قلتم: الرجل المتعلم لا بد أن يقترن بامرأة متعلمة. ولما اتعلمنا وأخدنا شهادات.. قلتم: المرأة المتعلمة لما تاخد شهادة كبيرة تتعالى على الرجل ويصيبها الغرور، وبدأ الرجل الجامعي يبحث عن زوجة نص تعليم! وبعدين؟.. احترنا معاكم.
ـ قال: ولكن هذه نماذج محدودة، ويمكن شاذة، ولا تحكمي على الرجال من حكاية أو حكايتين، بدليل إني أنا أتزوجت واحدة جامعية مجنونة بالديكور!
ـ قالت: رجعنا لمعجون التمري؟
ـ قال: وبعدين.. رغم أنك جامعية ومثقَّفة.. ألاحظ في بعض تعبيراتك نفس المعاني التي ترددها أمي وجدتك!
ـ قالت: لا.. أنت زودتها، بلاش استفزاز أحسن لك يا خالد!
ـ قال: ولا استفزاز ولا بطيخ.
ـ قالت محتدة: أنا بطيخ؟!
ـ قال: بطيخة حمراء.. خلاص، انبسطي.
انهالت ((إلهام)) بقبضتها الرقيقة على كتف ((خالد)) تضربه، وتطوِّح بساعديها أمام وجهه، وهو يضحك قائلاً:
ـ قبل شوية.. كان رأسك فوق كتفي. الآن قبضتك!
ـ أعمل لك إيه.. إنت تنرفز الضب!
ـ أنت غزال جميل ولست ضباً.. الأولاد فين؟
ـ وإنت فاكر الأولاد؟ يا دوبك في الاستفزاز ومناوأة المرأة يا عدو الجنس اللطيف!
ـ أنا عدو الجنس اللطيف.. وقبل شوية........
ـ خالد.. كفاية تدور الأسطوانة إياها!
ـ حاضر يا عيوني.. قومي شوفي الأولاد فين، وخلينا نملأ المعدة.
ـ طبعاً.. بعد ما ملأت رأسي بضجيجك!
ـ اللي بتسميه ضجيج.. يسموه الناس الواعيين: حوار، نقاش!
ـ خلاص.. ضع يا سيدي أي تعريف. المهم إني باعبر عن رأيي.
وخلاصة رأيك؟!
ـ خلاصة رأيي: أن الرجل أناني مع المرأة.. هدفه إنها تخدمه، وتحبه، وترضي غروره.
ـ لكن هذا إجحاف وتحبني على الرجل لسبب بسيط جداً.
ـ وما هو يا سيدي؟!
ـ لأن الرجل بيتعب، وبيشقى، وبيكافح من أجل المرأة.. يختار النساء كلهن في امرأة واحدة يعطيها حياته وعمره، وفلوسه، وشبابه.
ـ وبعدين يندم؟
ـ لأ.. الندم لا وجود له.. طالما أنه يعطي بحب.
ـ يعني ما يعطي إلا للمرأة التي أحبها.. وهذه أنانية أيضاً!
ـ يا إلهام.. يا حبيبتي. الحب هو نظام الحياة وقانونها.. بدون الحب نصبح في غابة، لأ.. حتى الغابة فيها حب، حتى المرأة!!
ـ قاطعته: قول.. المرأة غابة أيضاً!
ـ قال: ما أقصد.. لكن حتى المرأة لا تعطي إلا حينما تحب، والمرأة في هذه النقطة بالذات أكثر أنانية من الرجل، لو اعتبرت الحب أنانية، مع أن الحب في رأيي عطاء، وإثرة على النفس وتضحية أحياناً.
ـ وإنت ضحّيت بإيه؟!
ـ ضحيت بشبابي!
ـ وبتقول حب؟!
ـ نعم.. لأني ضحيت راضياً.. ضحيت بقناعة. والتضحية هنا لها مذاق آخر ومحبب.
ـ بترشيني يا خالد؟!
ـ باعقلك!
ـ مجنونة يعني؟!
ـ أحب جنونك، وأحب وعيك في نفس الوقت.
ـ لكن الحب في الزواج ليس فيه الجنون!
ـ واللي بتعمليه اسمه إيه؟!
ـ اسمه حب فقط.. اسمه إصرار على الاحتفاظ بك.
ـ خلاص.. وأنا راضي، لكنها أنانية!
ـ فلتكن.. المهم إننا في الأنانية دي بنفهم بعض، وبنحب بعض، ونتمسك ببعض.. ما يكفي كل ده؟!
ـ أرجوك.. كفاية جداً، بعدين نموت في بعض!
ـ أموت فيك!
ـ وأنا أحيا بك!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1117  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 98 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج